الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الدَّعْوَى وَالبَيِّنَاتِ
1407 -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالِهَمْ وَلَكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: البينة على المدَّعِي، واليمين على من أنكر
.
• قال ابن رجب رحمه الله في «جامع العلوم والحكم» (ص 230 - ): قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن البينة على المدعي واليمين على المدَّعى عليه. قال: ومعنى قوله: «البينة على المدعي» يعني أنه يستحق بها ما ادَّعى؛ لأنها واجبة يؤخذ بها، ومعنى قوله:«اليمين على المدَّعى عليه» ، أي: يبرأ بها؛ لأنها واجبة عليه يؤخذ بها على كل حال. انتهى، وقد اختلف الفقهاء من أصحابنا والشافعية في تفسير المدعي والمدعى عليه، فمنهم من قال: المدعي هو الذي
(1)
أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711).
(2)
أخرجه البيهقي (10/ 252)، وفي إسناده الحسن بن سهل، وهو الخياط، كما في مشايخ جعفر بن محمد الفريابي من «السير» ، وله ترجمة في «الثقات» روى عنه مطين الحضرمي، فهو مجهول الحال.
ولكن للحديث طريق أخرى بمعناها عند البيهقي أيضًا (10/ 252)، وإسنادها صحيح، ولفظه:«لكن البينة على الطالب، واليمين على المطلوب» فالحديث صحيح.
يخلى، وسكوته من الخصمين، والمدعى عليه من لا يخلَّى وسكوته منهما. ومنهم من قال: المدعي من يطلب أمرًا خفيًّا على خلاف الأصل والظاهر، والمدعى عليه بخلافه.
قلتُ: التفسير الأول قال فيه ابن حجر رحمه الله في «الفتح» : هذا أسلم، والثاني أشهر. اهـ
والقول الثاني عزاه الشوكاني للأكثر في «السيل الجرار» (746).
ثم قال ابن رجب رحمه الله: وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب على قولين: أحدهما: أن البينة على المدعي أبدًا، واليمين على المدعَى عليه أبدًا، وهو قول أبي حنيفة، ووافقه طائفة من الفقهاء والمحدثين، كالبخارى، وطردوا ذلك في كل دعوى حتى في القسامة، وقالوا: لا يحلف إلا المدَّعَى عليه. ورأوا أن لا يُقْضَى بشاهد ولا يمين؛ لأن اليمين لا تكون إلا على المدَّعى عليه.
قال: واستدلوا في مسألة القسامة بما روى سعيد بن عبيد حدثنا بشير بن يسار الأنصاري عن سهل بن أبي حثمة، وفيه:«تأتوني بالبينة على من قتله» قالوا: ما لنا من بينة. قال: «فيحلفون» قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. أخرجاه في «الصحيحين» .
قال: وقد ذكر الأئمة الحفاظ أن رواية يحيى بن سعيد أصح من رواية سعيد ابن عبيد الطائي؛ فإنه أجل وأحفظ وأعلم، وهو من أهل المدينة، وهو أعلم
بحديثهم من الكوفيين، وقد ذكر الإمام أحمد مخالفة سعيد بن عبيد ليحيي بن سعيد في هذا الحديث، فنفض يده، وقال: ذاك ليس بشيء، رواه على ما يقول الكوفيون. وقال: أذهب إلى حديث المديني يحيى بن سعيد. وقال النسائي: لا نعلم أحدًا تابع سعيدَ بن عبيد على روايته عن بشير بن يسار. وقال مسلم في كتاب «التمييز» : لم يحفظه سعيد بن عبيد على وجهه؛ لأن جميع الأخبار فيها سؤال النبي صلى الله عليه وسلم إياهم قسامة خمسين يمينًا، وليس في شيء من أخبارهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم البينة، وترك سعيد القسامة، وتواطؤُ الأخبار بخلافه يقضي عليه بالغلط، وقد خالفه يحيى بن سعيد.
قال: وأما مسألة الشاهد مع اليمين، فاستدل من أنكر الحكم بالشاهد واليمين بحديث:«شاهداك أو يمينه» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«ليس لك إلا ذلك» ، وقد تكلم القاضي إسماعيل المالكي في هذه اللفظة، وقال: تفرد بها منصور عن أبي وائل، وخالفه سائر الرواة. وقالوا: إنه سأله «ألك بينة أولا؟» والبينة لا تقف على الشاهدين فقط، بل تعم سائر ما يبين الحق. وقال غيره: يحتمل أن يريد بشهادته كل نوعين يشهدان للمدعي بصحة دعواه يتبين بهما الحق، فيدخل ذلك بشهادة الرجلين، وشهادة الرجل مع المرأتين، وشهادة الواحد مع اليمين، وقد أقام الله سبحانه أيمان المدعي مقام الشهود في اللعان.
قال: وقوله في تمام الحديث: «ليس لك إلا ذلك» لم يرد به النفي العام، بل النفي الخاص، وهو الذي أراده المدعي، وهو أن يكون القول قوله بغير بينة،
فمنعه من ذلك، وأبى ذلك عليه، وكذلك قوله في الحديث الآخر:«ولكن اليمين على المدعى عليه» إنما أريد بها اليمين المجردة عن الشهادة، وأول الحديث يدل على ذلك، و هو قوله:«لو يُعطي الناس بدعواهم؛ لادَّعى رجالٌ دماء رجال وأموالهم» ، فدل على أن قوله:«اليمين على المدعى عليه» إنما هي اليمين القاطعة للمنازعة مع عدم البينة، وأما اليمين المثبتة للحق مع وجود الشهادة، فهذا نوع آخر، وقد ثبت بسنة أخرى.
• والقول الثاني في المسألة أنه يرجح جانب أقوى المتداعيين، وتجعل اليمين في جانبه، هذا مذهب مالك، وكذا ذكره القاضي أبو يعلى في خلافه أنه مذهب أحمد، وعلى هذا تتوجه المسائل التي تقدم ذكرها من الحكم بالقسامة، والشاهد، واليمين؛ فإنَّ جانب المدعي في القسامة لما قوي باللوث؛ جعلت اليمين في جانبه، وحكم له بها، وكذلك المدعي إذا أقام شاهدًا؛ فإنه قوي جانبه، فيحلف معه، ويقضى له.
وهؤلاء لهم في الجواب عن قوله: «البينة على المدعي
…
» الحديث، طريقان:
الأول: أنَّ هذا خُصَّ من العموم بدليل.
والثاني: أنَّ قوله: «البينة على المدعي
…
» الحديث، ليس بعام؛ لأنَّ المراد: على المدعي المعهود. وهو من لا حجة له سوى الدعوى كما في قوله: «لو يُعطى الناس بدعواهم
…
»، فأما المدعي الذي معه حجة تُقَوِّي دعواه؛ فليس داخلًا في