الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثانى: التعريف بالسنة فى مصطلح علمائها
…
وتحته ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف "بالسنة" و"الحديث" فى اللغة
.
المطلب الثانى: التعريف "بالسنة" و"الحديث" فى الاصطلاح.
المطلب الثالث: شبهة حول التسمية والرد عليها.
المطلب الأول: التعريف "بالسنة" و "الحديث" فى اللغة
تطلق السنة فى اللغة على عدة معان منها:
1-
ما يدل على الصقالة والملامسة، ومن ذلك إطلاقها على الوجه أو دائرته، أو صورته، وبهذا المعنى وردت فى أشعار العرب قال الأعشى (1) :
كريماً شمائله من بنى *** معاوية الأكرمين السنن
حيث أراد بقوله "الأكرمين السنن" الأكرمين الوجوه.
وقال ذو الرمة (2) :
تريك سنة وجه غير مقرفة *** ملساء ليس لها خال ولا ندب
حيث أراد بقوله "تريك سنة وجه" تريك دائرة وجهها.
وقال ثعلب (3) :
بيضاء فى المرآة سنتها *** فى البيت تحت مواضع اللمس
حيث أراد بقوله: "فى المرآة سنتها" فى المرآة صورتها (4) .
2-
كذلك ترد السنة بمعنى: السيرة المستمرة، والطريقة المستقيمة، سواء حسنة كانت أم سيئة (5)، وأصلها اللغوى مأخوذ من قولك: سننت الماء إذا واليت صبه، وفى لسان العرب: سن عليه الماء: صبه، وقيل: أرسله إرسالاً ليناً
…
وسن الماء على وجهه، أى: صبه عليه صباً سهلاً.
(1) الأعشى: هو ميمون بن قيس بن جندل، ينتهى نسبه إلى بكر بن وائل من ربيعة، لقب بالأعشى لسوء بصره، وكنى يأبى البصير تفاؤلاً بالشفاء، أو لنفاذ بصره، وسمى "صناجة العرب" لأنه كان يتغنى بشعره، وتوفى سنة 7هـ له ترجمة فى: الشعر والشعراء لابن قتيبة 1 /257 رقم21، والعقد الفريد لابن عبد ربه 3 /356، وأدباء العرب لبطرس البستانى 1 /212.
(2)
ذو الرمة: ذو الرُّمَة أو الرَّمَة، أبو الحارث غيلان بن بهيس بن مسعود بن عدى، له ديوان شعر مطبوع فى مجلد ضخم، وتوفى سنة 117هـ له ترجمة فى: الأعلام للزركلى 5 /319، وفيات الأعيان لابن خلكان 4 /11 - 17 رقم 523، والشعر والشعراء لابن قتيبة 1 /524 رقم 94
(3)
ثعلب: هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن سيار الشيبانى بالولاء، إمام الكوفة فى النحو واللغة، من كتبه "الفصيح" له ترجمة فى الأعلام للزركلى 1 /252، وبغية الوعاة للسيوطى 1 /396 - 398 رقم 787.
(4)
لسان العرب لابن منظور 13 /224، والقاموس المحيط للفيروزآبادى 4 /233، والمعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرون 1 /445 - 446.
(5)
مختار الصحاح للرازى ص 317، ولسان العرب 13 /225، والقاموس المحيط 4 /239، والمعجم الوسيط 1 /456.
قال الجَوْهَرىُّ (1) : سننت الماء على وجهى: أى أرسلته إرسالاً من غير تفريق
…
والسنن: الصب فى سهولة
…
وفى حديث عمرو بن العاص (2) رضي الله عنه عند موته: "فسنوا على التراب سناً"(3) أى ضعوه وضعاً سهلاً (4) فشبهت العرب الطريقة المتبعة، والسيرة المستمرة بالشئ المصبوب، لتوالى أجزائه على نهج واحد، ومن هذا المعنى قول خالد بن عتبة الهذلى:
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها *** فأول راضٍ سنة من يسيرها (5)
وبهذا الإطلاق اللغوى جاءت كلمة السنة فى القرآن الكريم، قال تعالى:{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} (6) وقال تعالى {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَاّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ
…
الآية} (7) .
كما جاءت أيضاً فى السنة النبوية بهذا المعنى، قال صلى الله عليه وسلم. "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"(8)
(1) الجَوْهَرىُّ: هو إسماعيل بن حماد التركى الجوهرى، يكنى: أبا نصر الفرابى، كان إماماً فى اللغة والأدب، وهو صاحب الصحاح فى اللغة، توفى سنة 393هـ له ترجمة فى: مرآة الجنان: 2 /446، ولسان الميزان لابن حجر 1 /614 رقم 1273، وشذرات الذهب لابن العماد 3 /141، والوافى بالوفيات9 /111 رقم 4028، وإنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطى 1 /194.
(2)
عمرو بن العاص: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 3 /2 رقم 5897، والاستيعاب 3 /1184 رقم 1931، واسد الغابة 4 /232 - 235 رقم 3971، وتاريخ الصحابة ص173 رقم 884، ومشاهير علماء الأمصار ص 71 رقم 376
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج 1 /414 رقم 121، وأحمد فى مسند 4 /199.
(4)
لسان العرب 13 /227، والقاموس المحيط 4 /239، والمعجم الوسيط 1 /455، 456.
(5)
لسان العرب لابن منظور 13 /225.
(6)
الآية 77 من سورة الإسراء.
(7)
الآية 55 من سورة الكهف.
(8)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة 4 /110، 111 رقم 1017، وأخرجه فى كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة 8 /479 رقم1017 من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم. "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع"(1) .
وهكذا فإن العرب تطلق على كل من ابتدأ أمراً عمل به قوم من بعده، بأنه هو الذى سنه، ومن هذا المعنى قول نصيب:
كأننى سننت الحب أول عاشق *** من الناس إذا أحببت من بينهم وحدى
وخصها بعض أهل اللغة بالطريقة المستقيمة الحسنة دون غيرها، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة (2) .
والحق هو ما عليه جمهور أهل اللغة ويؤيدهم فى الإطلاق الآيات والأحاديث السابق ذكرها وقول خالد الهذلى المتقدم (3) .
والعلاقة بين المعنيين (اللغوى والاصطلاحى) ظاهرة؛ لأن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. من قول، أو فعل، أو تقرير أو
…
إلخ. طريقة متبعة عند المؤمنين ليس لهم خيرة فى أمره صلى الله عليه وسلم. كما قال رب العزة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا} (4) .
قال الدكتور همام عبد الرحيم سعيد: "وسنة النبى صلى الله عليه وسلم. تحمل هذه المعانى اللغوية، لما فيها من جريان الأحكام واطرادها، وصقل الحياة الإنسانية بها، فيكون وجه المجتمع السائر على هديها ناضراً بخيرها وبركتها، ويستفاد من المعانى اللغوية أن السنة فيها معنى التكرار والاعتياد، وفيها معنى التقويم، وإمرار الشئ على الشئ من أجل إحداده وصقله (5) .
3-
كما ترد "السنة" بمعنى العناية بالشئ ورعايته، يقال: سن الإبل إذا أحسن رعايتها، والعناية بها (6) .
(1) متفق عليه من حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه: البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم، لتتبعن سنن من كان قبلكم 13 /312 رقم 7320، ومسلم (بشرح النووى) كتاب العلم، باب إتباع سنن اليهود والنصارى 8 /472 رقم 2669
(2)
إرشاد الفحول للشوكانى 1 /155، ولسان العرب لابن منظور 13 /225، والمعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرون 1 /455
(3)
حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص 46
(4)
الآية 36 من سورة الأحزاب، وانظر: الحديث النبوى للدكتور محمد الصباغ ص 139
(5)
الفكر المنهجى عند المحدثين ص 27
(6)
لسان العرب 13 /225، والقاموس المحيط 4 /233
والفعل الذى داوم عليه النبى صلى الله عليه وسلم. سمى سنة بمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم. أحسن رعايته وإدامته (1) .
4-
كما ترد "السنة" بمعنى البيان، يقال: سن الأمر، أى بينه، وفى الحديث "إنى لأنسى أو أنسى لأسن"(2) أى إنما أدفع إلى النسيان لأسوق الناس بالهداية إلى طريق مستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان (3) .
5-
وتستعمل "السنة" أيضاً بمعنى دين الله تعالى الذى هو أمره ونهيه وسائر أحكامه (4) .
6-
وقال الطبرى (5) :"السنة" هى المثال المتبع، والأمام المؤتم به، ومنه قول لبيد بن ربيعة (6) :
من معشر سنت لهم آباؤهم *** ولكل قوم سنة وإمامها (7)
7-
ونقل القرطبى (8) ، عن المفضل (9) أن "السنة" الأمة، وأنشد:
(1) مفاتيح الغيب للفخر الرازى 3 /54
(2)
أخرجه مالك فى الموطأ كتاب السهو، باب العمل فى السهو1 /100رقم 2، قال ابن عبد البر لا أعلم هذا الحديث روى عن النبى صلى الله عليه وسلم مسنداً ولا مقطوعاً، من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى فى الموطأ، التى لا توجد فى غيره مسنده ولا مرسله0 ومعناه صحيح فى الأصول
(3)
لسان العرب 13 /225، والقاموس المحيط 4 /233، والمعجم الوسيط 1 /455
(4)
القاموس المحيط 4 /239، والمعجم الوسيط 1 /456
(5)
الطبرى: هو محمد بن جرير بن زيد، الطبرى، أبو محمد، صاحب التفسير الكبير، والتاريخ الشهير، كان من الأئمة المجتهدين، ولم يقلد أحداً، وكان إماماً فى فنون كثيرة منها: التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ وغير ذلك، توفى سنة 310هـ. له ترجمة فى: تاريخ بغداد للخطيب البغدادى 2 /162 رقم 589، ووفيات الأعيان 4 /191، 192 رقم 570،وطبقات المفسرين للداودى 2 /110-118 رقم 468،وطبقات المفسرين للسيوطى، ص 82 رقم 93، وشذرات الذهب لابن العماد2 /260، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير1 /222رقم 23
(6)
لبيد: هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامرى، كان أبوه يعرف بربيعة المقترين لجوده وسخائه، فنشأ لبيد كريماً مثله، توفى سنة 41هـ. له ترجمة فى: الأعلام للزركلى 6 /104، والشعر والشعراء لابن قتيبة 1 /274 - 285 رقم 25، ومرآة الجنان لليافعى 1 /119، وأدباء العرب لبطرس البستانى 1 /144 - 151
(7)
جامع البيان فى تأويل آى القرآن 4 /100
(8)
القرطبى: هو محمد بن أحمد بن أبى بكر بن فرح الأنصارى الخزرجى المالكى أبو عبد الله القرطبى، كان مفسراً، ورعاً، زاهداً، متقناً متبحراً، من مصنفاته "الجامع لأحكام القرآن" و"شرح الأسماء الحسنى"توفى سنة671هـ. له ترجمة فى: طبقات المفسرين للداودى 2 /69-70 رقم 434،وطبقات المفسرين للسيوطى ص79 رقم 88، وشذرات الذهب 5 /235، والديباج المذهب لابن فرحون 406رقم 549، وشجرة النور الزكية محمد مخلوف ص197 رقم 666
(9)
المفضل: هو المفضل بن سلمة بن عاصم، أبو طالب، لغوى، عالم بالأدب، من مؤلفاته الفاخر فيما تلحن به العامة و"جماهير القبائل" توفى سنة 290 0 له ترجمة فى: تاريخ بغداد للخطيب البغدادى 13 /124 رقم 7109، ووفيات الأعيان لابن خلكان 4 /205، 206 رقم 579 فى ترجمة ابنه محمد بن الفضل، وبغية الوعاة للسيوطى 2 /296 رقم 2013