الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهادة الرسول والصحابة ومن بعدهم من أهل العلم بقوة حفظه
وإتقانه وكثرة سماعه وحرصه على الحديث
1-
روى عنه رضي الله عنه أنه قال ذات يوم: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألنى عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه (1) .
2-
وعن ابن عمر-رضى الله عنهما- أنه مر بأبى هريرة رضي الله عنه، وهو يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم: من تبع جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان أعظم من أحد. فقال ابن عمر: يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق إلى عائشة -رضى الله عنها- فقال لها: يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، وإن شهد دفنها فله قيراطان؟ فقالت: اللهم نعم، فقال أبو هريرة: إنه لم يكن يشغلنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس ولا صفق بالأسواق، إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها.
…
فقال ابن عمر: يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه (2) .
وكان ابن عمر يترحم عليه فى جنازته ويقول: "كان يحفظ على المسلمين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) .
…
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب الحرص على الحديث1/233 رقم 99.
(2)
أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/584 رقم 6167 وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.
(3)
طبقات ابن سعد 4/340، وسير أعلام النبلاء 2/604، والبداية والنهاية 8/111، وفتح البارى 1/258 رقم 118.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رجل لابن عمر: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر: أعيذك بالله أن تكون فى شك مما يجئ به، ولكنه اجترأ وجبنا" (1) ومعنى "اجترأ" هنا أى على سؤال النبى صلى الله عليه وسلم والتعلم منه، فى حين كانوا يهابون سؤال النبى صلى الله عليه وسلم.
يدل على ذلك ما رواه الحاكم عن أبى بن كعب رضي الله عنه قال: كان أبو هريرة جريئاً على النبى صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياء لا نسأله عنها (2) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل. فيسأله ونحن نسمع
…
الحديث" (3) .
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة الدوسى رضي الله عنه 3/83 رقم 6165، وسكت عنه الحاكم والذهبى.
(2)
أخرجه الحاكم فى الأماكن السابقة 3/584 رقم 6166، وسكت عنه الحاكم، والذهبى.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام 1/201 رقم 12
3-
وعن مالك بن أبى عامر قال: كنت عند طلحة بن عبيد الله فدخل عليه رجل فقال: يا أبا محمد والله ما ندرى هذا اليمانى أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم أم أنتم، تقول على رسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - يعنى أبا هريرة - فقال طلحة: والله ما يشك أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قوماً أغنياء لنا بيوت وأهلون كنا نأتى نبى الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهارى ثم نرجع، وكان أبو هريرة رضي الله عنه مسكيناً لا مال له، ولا أهل ولا ولد وإنما كانت يده مع يد النبى صلى الله عليه وسلم وكان يدور معه حيثما دار، ولا نشك أنه قد علم ما لم نعلم، وسمع ما لم نسمع، ولم يتهمه أحد منا، أنه تقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل" (1) .
وهذا الخبر ذكره ابن حجر فى الإصابة وزاد فى قوله طلحة: "قد سمعنا كما سمع، ولكنه حفظ ونسينا"(2) .
4-
وقال ابن خزيمة: وقد روى عن أبى هريرة أبو أيوب الأنصارى مع جلالة قدره، ونزول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ولما يقبل له: تحدث عن أبى هريرة وأنت صاحب منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع، وإنى إن أحدث عنه أحب إلىَّ من أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى ما لم أسمعه منه (3) .
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/585 رقم 6172، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبى على شرط مسلم.
(2)
الإصابة 4/209.
(3)
انظر: المستدرك للحاكم كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/586 رقم 6175، وانظر: البداية والنهاية 8/109.
5-
وعن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى (1) أنه قعد فى مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبى صلى الله عليه وسلم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه. حتى فعل ذلك مراراً. قال: فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .
6-
ولم يكن أبو هريرة رضي الله عنه من أهل الحفظ فقط وإنما كان من أهل الفقه وشهد له بذلك الصحابى الجليل ابن عباس رضي الله عنه.
يقول الحافظ السخاوى:"ولا عبرة برد بعض الحنفية روايات سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه، وتعليلهم بأنه ليس فقيهاً، فقد عملوا برأيه فى الغسل ثلاثاً من ولوغ الكلب وغيره، وولاه عمر رضي الله عنه الولايات الجسيمة.
وقال ابن عباس له كما فى مسند الشافعى (3) ، وقد سئل عن مسألة "افته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، فأفتى، ووافقه على فتياه"(4) .
(1) هو: محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى، أبو مالك المدنى، له رؤية وليس له سماع إلا من الصحابة قتل يوم الحرة سنة 63هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/118 رقم 6202، والكاشف 2/206 رقم 5081، وطبقات ابن سعد 5/71.
(2)
أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أبى هريرة 3/585 رقم 6171، وسكت عنه هو والذهبى. وانظر: سير أعلام النبلاء 2/617، وفتح البارى 1/259 رقم 118
(3)
انظر: مسند الشافعى ص 450 رقم 1292، وأخرجه أيضاً الإمام مالك فى الموطأ كتاب الطلاق، باب طلاق البكر 2/447 رقم39،والبيهقى فى السنن كتاب الخلع والطلاق، باب ما جاء فى إمضاء الطلاق الثلاث وإن كن مجموعات 7/335.
(4)
فتح المغيث للسخاوى 3/96.
7-
وعن أبى صالح السمان (1) قال: "كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بأفضلهم"(2) .
وفى هذا رد على من يحاول الربط بين المنزلة فى الدين وكثرة الرواية، فالربط بينهما ليس من التحقيق العلمى فى شئ (3) .
…
وقال الإمام الشافعى: "أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى دهره"(4) .
وقال الإمام الذهبى: "أبو هريرة إليه المنتهى فى حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأدائه بحروفه"(5) .
وقال أيضاً: "وكان من أوعية العلم، ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة، والعبادة، والتواضع (6)
10-
وقال شمس الأئمة السرخسى: "إن أبا هريرة ممن لا يشك أحد فى عدالته، وطول صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن كل هذه النقول وغيرها كثير تبين لنا مدى افتراء الرافضة، والمستشرقين، وضعفاء الإيمان الذين اتهموا أبا هريرة بالكذب، والخيانة، فى رواية الحديث، بسبب كثرة أحاديثه مع قلة صحبته.
وأعتقد أنه ليس هناك ما يدعوا إلى اتهام أبى هريرة بتلك الافتراءات، وقد تهيأت له الأسباب السابقة التى أعانته على هذا التفوق فى الرواية، وشهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة، ومن بعدهم من أئمة المسلمين السابق ذكرهم (7) .
(1) أبو صالح السمان هو: ذكوان أبو صالح السمان الزيات، المدنى، روى عن سعد بن أبى وقاص، وأبى هريرة، وأبى الدرداء، وغيرهم، وعنه منصور، والأعمش، وسهيل ابنه، متفق على توثيقه، مات سنة 101هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/287 رقم 1846، والكاشف 1/386 رقم 1489، والثقات للعجلى 150 رقم 404.
(2)
البداية والنهاية 8/109، 110.
(3)
دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة ص 105.
(4)
الرسالة للشافعى ص 281 رقم 772، والبداية والنهاية 8/110.
(5)
سير أعلام النبلاء 2/619.
(6)
تذكرة الحفاظ 1/33.
(7)
أصول السرخسى 1/340.
.. وأى غرابة فى حفظ أبى هريرة أحاديث لم تبلغ خمسة آلاف وخمسمائة ومعلوم أن العرب قد اشتهروا وامتازوا بقوة حفظهم، ووجد فى الصحابة والتابعين من كان آية عجباً فى قوة الذاكرة، وسرعة الحفظ؛ فالإمام أحمد بن حنبل، والبخارى، وأبو زرعة، وأشباههم، كان كل واحد منهم يحفظ عشرات الألوف من الأحاديث بأسانيدها" (1) .
…
يقول الدكتور السباعى دفاعاً عن أبى هريرة: "إن صحابياً يظل يحدث الناس سبعاً وأربعين سنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على مسمع من كبار الصحابة، وأقرب الناس إليه من زوجته وأصحابه، ثم لا يلقى إلا تجلة وإعظاماً، يرجع إليه فى معرفة الأحاديث، ويهرع إليه التابعون من كل جانب
…
ويبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم
…
وكلهم يجمعون على جلالته والثقة به
…
وتمر هذه القرون وكلها شهادات صدق فى أحاديثه وأخباره
…
ويأتى اليوم من يزعم أن المسلمين جميعاً
…
لم يعرفوه على حقيقته، وأنه فى الواقع كان يكذب ويفترى، إن موقفاً كهذا يقفه بعض الناس من مثل هذا الصحابى العظيم، لجدير بأن يجلب لأهله والقائلين به الاستخفاف، والازدراء بعلومهم، وعقولهم جميعاً (2) .
…
إن حب هذا الصحابى الجليل لعلامة على الإيمان وبغضه لعلامة على النفاق وهذا تصديقاً لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو هريرة بأن يدعو الله له بأن يحببه هو وأمه إلى عباده المؤمنين. ويحببهم إليهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم حبب عبيدك هذا -يعنى أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين" يقول أبو هريرة فما خلق الله مؤمناً يسمع بى ولا يرانى إلا أحبنى (3) .
(1) السنة ومناهج المحدثين للدكتور رجب صقر ص 66 بتصرف.
(2)
السنة ومكانتها فى التشريع ص 319 بتصرف يسير.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبى هريرة الدوسى رضي الله عنه 8/290 رقم 2491.
.. يقول الحافظ ابن كثير:"وهذا الحديث من دلائل النبوة، فإن أبا هريرة محبب إلى جميع الناس، وقد شهر الله ذكره بما قدره أن يكون من روايته من إيراد هذا الخبر عنه على رؤوس الناس فى الجوامع المتعددة فى سائر الأقاليم فى الإنصات يوم الجمعة بين يدى الخطبة، والإمام على المنبر، وهذا من تقدير الله العزيز العليم، ومحبة الناس له رضي الله عنه (1) أ. هـ.
…
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور على أحمد السالوس: [هذا أبو هريرة وعاء العلم، فكيف نجد فى عصرنا من ينسب نفسه للإسلام ويعرض عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، والأئمة الأعلام الهداة المهديين، ويأخذ بقول الضالين المضلين؟! (2) .
هذا المسلك يفسره العلامة المرحوم الشيخ أحمد شاكر فيقول: "وقد لهج أعداء السنة، أعداء الإسلام، فى عصرنا، وشغفوا بالطعن فى أبى هريرة، وتشكيك الناس فى صدقه وفى روايته. وما إلى ذلك أرادوا، وإنما أرادوا أن يصلوا -زعموا- إلى تشكيك الناس فى الإسلام، تبعاً لسادتهم المبشرين، وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على الأخذ بالقرآن، أو الأخذ بما صح من الحديث فى رأيهم، وما صح من الحديث فى رأيهم إلا ما وافق أهواءهم، وما يتبعون من شعائر أوروبا وشرائعها. ولن يتورع أحدهم عن تأويل القرآن، إلى ما يخرج الكلام عن معنى اللفظ فى اللغة التى نزل بها القرآن، ليوافق تأويلهم هواهم وما إليه يقصدون!!
…
وما كانوا بأول من حارب الإسلام من هذا الباب، ولهم فى ذلك سلف من أهل الأهواء قديماً. والإسلام يسير فى طريقه قدماً، وهم يصيحون ما شاءوا، لا يكاد الإسلام يسمعهم، بل هو إما يتخطاهم لا يشعر بهم، وإما يدمرهم تدميراً.
(1) البداية والنهاية 8/108.
(2)
قصة الهجوم على السنة للدكتور على السالوس ص 88.
ومن عجب أن تجد ما يقول هؤلاء المعاصرون، يكاد يرجع فى أصوله ومعناه إلى ما قال أولئك الأقدمون! بفرق واحد فقط: أن أولئك الأقدمين، زائغين كانوا أم ملحدين، كانوا علماء مطلعين أكثرهم ممن أضله الله على علم!! أما هؤلاء المعاصرون، فليس إلا الجهل والجرأة، وامتضاغ ألفاظ لا يحسنوها، يقلدون فى الكفر، ثم يتعالون على كل من حاول وضعهم على الطريق القويم!! " (1) .
وبعد
فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة هم خير جيل عرفته البشرية، وهم أبرز وجوه حضارتنا، وأكثرها إشراقاً، وأخلدها ذكراً، وأنبلها أخلاقاً، وهم بشر، ولكنهم فى القمة ديناً وخلقاً رغم أنف الحاقدين.
رضى الله عن صحابة رسول الله، وعلى الحافظ علينا شرائع الدين أبى هريرة رضي الله عنه وجعلنا الله عز وجل من محبيه، وجمعنا معه فى واسع جنته (2) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
(1) انظر: مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر 12/84-85 هامش.
(2)
انظر ترجمته فى: الإصابة 7/425 - 445 رقم 10674، وتذكرة الحفاظ 1/32 رقم 16، واسد الغابة 6/313 رقم 6326، والاستيعاب 4/1768 رقم 3208، وتجريد أسماء الصحابة 2/209، وتاريخ الصحابة ص 181 رقم 940، ومشاهير علماء الأمصار ص 21 رقم 46، وغير ذلك من المراجع السابقة.