الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استعراض شبهة أن النهى عن الإكثار من التحديث دليل على أن الصحابة
رضي الله عنهم كانوا يجتهدون فى مقابل السنة الشريفة، ولا يأخذون بها والرد عليها
ذهب بعض غلاة الشيعة إلى تقسيم الصحابة إلى مدرستين (1) ، أو إلى طائفتين (2)، باعتبار تعاملهم مع النصوص الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
المدرسة أو الطائفة الأولى: "طائفة التعبد المحض" وهى التى انتهجت منهاج الطاعة والامتثال المطلق للأحكام الصادرة عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ويعنون بهم أنفسهم.
المدرسة أو الطائفة الثانية: "طائفة الاجتهاد والرأى" وهى التى انتهجت منهاج الاجتهاد فى مقابل النص وخرجوا عليه وتأولوه -ويعنون بهم أهل السنة من السلف وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون- رضي الله عنهم (3) .
…
ويستدلون على هذا التقسيم الباطل، بمواقف اجتهادية وقعت من الصحابة زمن النبوة وبعدها.
(1) على حد تعبير السيد مرتضى العسكرى فى كتابه "معالم المدرستين".
(2)
على حد تعبير على الشهرستانى فى كتابه "منع تدوين الحديث أسباب ونتائج".
(3)
معالم المدرستين المجلد 2/67، ومنع تدوين الحديث ص 85، وركبت السفينة لمروان خليفات ص233، 295، وتأملات فى الحديث زكريا عباس ص 48-62، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجانى ص 27، 28، 31.
والجواب: يبطل التقسيم السابق الذى ذهب إليه بعض غلاة الشيعة ما هو مقرر عند الأصوليين من اتفاقهم على جواز الاجتهاد (1) بعد الرسول صلى الله عليه وسلم (2) أما فى عصره صلى الله عليه وسلم فقد اختلفوا فيه، فذهب أكثر أهل الأصول على جوازه فى حضرته وغيبته صلى الله عليه وسلم والتعبد به (3) ومنع من ذلك الجبائى (4)
(1) الاجتهاد لغة: مأخوذ من الجهد، وهو المشقة والطاقة، فيختص بما فيه مشقة ليخرج عنه ما لا مشقة فيه وقال الرازى فى المحصول: هو فى اللغة عبارة عن استفراغ الوسع، فى أى فعل كان يقال استفرغ وسعة فى حمل الثقيل، ولا يقال: استفرغ وسعة فى حمل النواة. انظر: القاموس المحيط 1/283، والمحصول 2/489، والإحكام لابن حزم 8/629. وأما فى عرف الفقهاء: فهو: استفراغ الوسع فى النظر فيما لا يلحقه فيه لوم مع استفراغ الوسع فيه. وهذا سبيل مسائل الفروع، ولذلك تسمى هذه المسائل مسائل الاجتهاد، والناظر فيها مجتهد وليس هذا حال الأصول انظر: المحصول للرازى 2/489، وانظر: تقرير الاستناد فى تفسير الاجتهاد للإمام السيوطى ص29-66.
(2)
نقل هذا الاتفاق الآمدى فى الإحكام 4/152، والرازى فى المحصول 2/494، والسبكى وولده فى الإبهاج 3/252.
(3)
اختاره جماعة من المحققين منهم الغزالى فى المستصفى 2/354، وأبى الحسين فى المعتمد 2/213
(4)
الجبائى هو: محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائى أبو على. ينسب إلى جبى -من قرى البصرة-كان من أئمة المعتزلة، ورئيس علماء الكلام فى عصره، وإليه تنسب الطائفة الجبائية. له مقالات وآراء انفرد بها. من آثاره:"كتاب الأصول""التفسير الكبير" وغير ذلك مات سنة303 هـ. له ترجمة فى: وفيات الأعيان 4/267-269 رقم 607، وسير أعلام النبلاء 14/183رقم 102، والبداية والنهاية 11/134، ولسان الميزان 6/320 رقم 7783، وطبقات المفسرين للداودى 2/191 رقم 529، وطبقات المعتزلة لابن المرتضى ص7، 57، 68، والأعلام 6/256.
وأبى هاشم (1)، وهو قول ضعيف كما قال الزركشى: لأنه لا يؤدى إلى مستحيل فإن أرادوا منع الشرع توقف على الدليل وهو مفقود (2) .
…
ويدل على ما سبق، من وقوع الاجتهاد من الصحابة -بما فيهم الإمام علىَّ كرم الله وجهه- زمن النبوة بحضرته وغيبته صلى الله عليه وسلم، والتعبد بذلك الاجتهاد.
(1) أبو هاشم: هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب بن أبى على الجبائى من رؤوس المعتزلة هو وأبوه له تصانيف منها "تفسير القرآن""والجامع الكبير" مات 321هـ. له ترجمة فى: البداية والنهاية 11/188، وتاريخ بغداد 11/56 رقم 5735، والفهرست لابن النديم 305، ولسان الميزان 4/359 رقم 5180، وطبقات المفسرين للداودى 1/307 رقم 281، وطبقات المعتزلة لأحمد المرتضى ص7،77، وفضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضى عبد الجبار ص 290-294
(2)
البحر المحيط فى أصول الفقه للزركشى 6/220، وانظر: تاريخ التشريع الإسلامى للشيخ محمد الخضرى ص74 وما بعدها، والفقه الإسلامى مرونته وتطوره لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق ص 37-43.
.. حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه (1)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال:"كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضى بما فى كتاب الله، قال فإن لم يكن فى كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يكن فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: اجتهد رأيى، قال معاذ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدرى، ثم قال: الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ".
(1) معاذ بن جبل: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 3/426 رقم 8055، وتاريخ الصحابة ص229 رقم 1231، واسد الغابة 5/187 رقم 4960، والاستيعاب 3/1402 رقم 2416، ومشاهير علماء الأمصار ص63 رقم 321.
(2)
أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأى فى القضاء 3/303 رقم 3592، وأخرجه الترمذى فى سننه كتاب الأحكام، باب ما جاء فى القاضى كيف يقضى 3/616 رقمى 1327، 1328 وقال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندى= =بمتصل. قال ابن قيم الجوزية: هذا الحديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك
…
فلا يعرف فى أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، لا يشك أهل العلم بالنقل فى ذلك، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث؟ وقد قال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة فى إسناد حديث فاشدد يديك به. انظر: أعلام الموقعين 1/202، وقال الشوكانى هو حديث مشهور له طرق متعددة، ينهض مجوعها للحجية. انظر: إرشاد الفحول 2/322، هذا والحديث مما تلقاه الناس بالقبول، وأجمعوا على معناه، واشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم، وما كان كذلك يحكم له بالصحة وكان غنياً عن الإسناد، انظر: تدريب الراوى 1/67،فالحديث صحيح رغم أنف بعض غلاة الشيعة، فى زعمهم أن الحديث من وضع أهل السنة. انظر: الشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجانى ص155
.. يقول الإمام ابن قيم الجوزية: "وقد اجتهد الصحابة فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم فى كثير من الأحكام ولم يعنفهم كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر فى بنى قريظة (1) ، فاجتهد بعضهم وصلاها فى الطريق، وقال لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخروها إلى بنى قريظة فصلوها ليلاً، نظروا إلى اللفظ، وما عنف واحداً من الفريقين، وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء سلف أصحاب المعانى والقياس (2) .
واجتهد سعد بن معاذ (3) فى بنى قريظة وحكم فيهم باجتهاده، فصوبه النبى صلى الله عليه وسلم وقال:"لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل"(4) .
(1) الحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب مرجع النبىصلى الله عليه وسلممن الأحزاب.. إلخ 7/471 رقم 4119، وأخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين 6/340 رقم 1770 من حديث ابن عمر-رضى الله عنهما -.
(2)
أعلام الموقعين 1/203 بتصرف.
(3)
سعد بن معاذ: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2/37 رقم 3204، وتاريخ الصحابة ص112 رقم 504، والاستيعاب 2/602 رقم 958، واسد الغابة 2/461 رقم 2046.
(4)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل 6/191 رقم 3043، وأخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم عدل أهل للحكم 6/335 رقم 1768، واللفظ له من حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه.
.. وعن زيد بن أرقم (1) رضي الله عنه قال: كان على رضي الله عنه باليمن فأتى بإمرأة وطئها ثلاثة نفر فى طهر واحد فسأل اثنين أتقران لهذا بالولد فلم يقرا، ثم سأل اثنين أتقران لهذا بالولد فلم يقرا، ثم سأل اثنين، حتى فرغ، يسأل اثنين اثنين عن واحد فلم يقروا، ثم أقرع بينهم فألزم الولد الذى خرجت عليه القرعة، وجعل عليه ثلثى الدية، فرفع ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم "فضحك حتى بدت نواجذه". وفى رواية فقال:"لا أعلم إلا ما قال على رضي الله عنه (2) ".
(1) زيد بن أرقم: صحابى جليل له ترجمة فى ت: الإصابة 1/560 رقم 2880، والاستيعاب 2/535 رقم 837، وتاريخ الصحابة 107 رقم 476، ومشاهير علماء الأمصار 59 رقم296، واسد الغابة 2/342 رقم 1819.
(2)
أخرجه أحمد فى المسند 4/373، 374. وانظر فى المسند 1/77، اجتهاده فى قصة أخرى وإقرار النبى صلى الله عليه وسلم له من حديثه رضي الله عنه بسند قال فيه الهيثمى فيه حنش وثقة أبو داود، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح، انظر: مجمع الزوائد 6/287، أما حديث زيد بن أرقم فقال فيه الشوكانى إسناده صحيح إرشاد الفحول 2/323، وانظر: أعلام الموقعين 1/203.
.. وعن البراء بن عازب (1) رضي الله عنه قال: لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب على ابن أبى طالب رضي الله عنه بينهم كتاباً، فكتب "محمد رسول الله" فقال: المشركون لا تكتب محمد رسول الله، لو كنت رسولاً لم نقاتلك فقال لعلى: امحُهُ فقال على: ما أنا بالذى أَمْحاهُ، فَمَحَاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِه
…
الحديث" (2) .
(1) البراء بن عازب: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 1/142 رقم 618، والاستيعاب 1/155 رقم 173، وتاريخ الصحابة ص42 رقم 103، ومشاهير علماء الأمصار ص55 رقم 272، واسد الغابة 1/362 رقم 389.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلح باب كيف يكتب "هذا ما صالح فلان ابن فلان
…
إلخ 5/357 رقم 2698، وأخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية فى الحديبية 6/376 رقم 1783، واللفظ للبخارى.
.. ففى امتناعه رضي الله عنه من محو اسمه الشريف من الصحيفة أبلغ رد على ما يذهب إليه غلاة الشيعة من تقسيم الصحابة إلى مدرستين أو طائفتين، زاعمين أن الإمام على رضي الله عنه لم يجتهد زمن النبوة وأنه رضي الله عنه وشيعته من طائفة التعبد المحض وباقى الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون وسائر أهل السنة من طائفة الاجتهاد والرأى فى مقابل النص. ولا يخفى أن امتناعه رضي الله عنه بعد طلب النبى صلى الله عليه وسلم محو ما كتب اجتهاد منه فى مقابل النص النبوى. وإذا كان هذا موقف اجتهادى منه فى صلح الحديبية، فموقف الفاروق عمر الاجتهادى فى نفس الصلح، طعن به، على الشهرستانى، فى عقيدة عمر رضي الله عنه، وهو قول عمر للنبى صلى الله عليه وسلم "ألست نبى الله حقاً؟ قال بلى. قلت فلم نعطى الدَّنِيَّةَ فى ديننا إذاً؟
…
إلخ الحديث" (1) استدل بذلك على أنه رضي الله عنه شك فى صحة قول الرسول وعدم الاطمئنان بكلامه صلى الله عليه وسلم، وأن هذا النص يوضح أنه رضي الله عنه لم يكن من أتباع مسلك التعبد المحض (2) .
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الشروط، باب الشروط فى الحرب، والمصالحة مع أهل الحرب
…
إلخ 5/390 رقمى 2731، 2732، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية فى الحديبية 6/377 رقم 1785.
(2)
منع تدوين الحديث أسباب ونتائج ص 92، 93.
والحقيقة أنه لو لم يرد عن سيدنا عمر رضي الله عنه سوى حديث تقبيله الحجر الأسود وقوله رضي الله عنه: "إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"(1) لكفى فى بيان أنه من أهل التعبد المحض بالسنة المطهرة، وهو القائل:"إنه سيأتى ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله"(2) .
…
والحق أن فى نفس القصة ما يدحض افتراء الشهرستانى ومن قال بقوله، فموقف عمر لم يكن شكاً بل طلباً لكشف ما خفى عليه، وحثاً على إذلال الكفار، لما عرف من قوته فى نصرة الدين.
فإن أراد على الشهرستانى الشك فى الدين فمردود بما وقع فى رواية ابن إسحاق (3)" أن أبا بكر لما قاله له: الزم غَرْزه (4) فإنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله"(5) .
…
وإن أراد على الشهرستانى الشك فى المصلحة وعدمها، فمردود أيضاً.
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحج، باب ما ذكر فى الحجر الأسود 3/540 رقم1597، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود فى الطواف 5/20 رقم 1270 واللفظ للبخارى.
(2)
أخرجه الدارمى فى سننه المقدمة، باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة1/62رقم119
(3)
ابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبى، مولاهم المدنى، نزيل العراق، إمام المغازى، صدوق يدلس، ورمى بالتشيع والقدر، مات سنة 150هـ ويقال بعدها. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 1/172 رقم 167، والثقات للعجلى 400 رقم 1433، والثقات لابن شاهين 280 رقم 1147، وتقريب التهذيب 2/54 رقم 5743.
(4)
الغرز للإبل بمنزلة الركب للفرس، والمراد به التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذى يمسك بركب الفارس فلا يفارقه. انظر: فتح البارى 5/408 رقم 2733، والنهاية فى غريب الحديث والأثر 3/359.
(5)
السيرة النبوية لابن هشام 3/317.
قال الحافظ ابن حجر: "والذى يظهر أنه توقف منه ليقف على الحكمة فى القصة وتنكشف عنه الشبهة، ونظيره قصته فى الصلاة على رأس المنافقين عبد الله بن أبى ابن سلول. فعن ابن عمر -رضى الله عنهما- أنه قال "لما توفى عبد الله بن أبى جاء ابنه عبد الله (1) بن عبد الله، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفنه فيه، ثم قام يصلى عليه، فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال: تصلى عليه وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟ قال: إنما خيرنى الله أو أخبرنى الله - فقال "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم"(2) فقال: سأزيده على سبعين. قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه، ثم أنزل الله عليه {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (3) .
(1) عبد الله بن عبد الله بن أبى: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2/335 رقم 2802، ومشاهير علماء الأمصار ص31 رقم 103 والاستيعاب 3/940 رقم 1590، وتاريخ الصحابة ص164 رقم 816، واسد الغابة 3/297 رقم 3039.
(2)
جزء من الآية 80 من سورة التوبة.
(3)
الآية 84 من سورة التوبة، والحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب "وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ" 8/189 رقم 4672، ومسلم (بشرح النووى) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب صفات المنافقين وأحكامهم 9/134رقم2774 واللفظ للبخارى.
.. يقول الحافظ ابن حجر: "وإن كان فى الأولى (أى فى قصة الحديبية) لم يطابق اجتهاده الحكم بخلاف الثانية طابق اجتهاده الحكم، ونزل القرآن الكريم مؤيداً لهذا الاجتهاد، بقوله تعالى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (1) .
…
إلا أنه رضي الله عنه بالرغم من اجتهاده فى هذا الموقف ترك رأى نفسه، واجتهاده، وتابع النبى صلى الله عليه وسلم وصلى معه كما جاء فى الحديث:"فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه" وإلا فقد جاء اجتهاده رضي الله عنه موافقاً لحكم الله عز وجل.
…
أما موقفه الاجتهادى فى صلح الحديبية، فقد عمل أعمالاً صالحة ليكفر عنه هذا التوقف فى الامتثال للأمر النبوى ابتداءً، وورد ذلك صريحاً فى رواية ابن إسحاق: "وكان
(1) وفى ذلك أبلغ رد على الرافضى على الشهرستانى واستدلاله بهذه القصة على أن عمر رضي الله عنه كان من طائفة الاجتهاد فى مقابل النص. انظر: منع تدوين الحديث ص 94.
5عمر يقول مازلت اتصدق، وأصوم، وأصلى، وأعتق من الذى صنعت يومئذٍ مخافة كلامى الذى تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً" (1) .
…
وعند الواقدى (2) من حديث ابن عباس -رضى الله عنهما- "قال عمر لقد اعتقت بسبب ذلك رقاباً وصمت دهراً"(3) ويقول رضي الله عنه مبيناً ندمه على عدم رضائه عن الصلح ابتداءً، ثم امتثاله لأمر النبى صلى الله عليه وسلم قال:"يا أيها الناس: اتهموا الرأى على الدين، فلقد رأيتنى أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيى اجتهاداً، فوالله ما آلوا عن الحق، وذلك يوم أبى جندل (4) والكتاب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل مكة، فقال: اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم" فقالوا: ترانا قد صدقناك بما تقول؟ ولكنك تكتب كما كنت تكتب -: باسمك اللهم. فرضى رسول الله وأبيت عليهم، حتى قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ترانى أرضى، وتأبى أنت"؟ فرضيت" (5)
(1) السيرة النبوية لابن هشام 3/317.
(2)
الواقدى هو: محمد بن عمر بن واقد الواقدى، قاضى العراق، رغم دقته فى المغازى وإمامته فيها إلا أنهم ضعفوه فى الحديث قال الذهبى: الواقدى وإن كان لا نزاع فى ضعفه، فهو صادق اللسان كبير القدر، وقال ابن حجر: متروك مع سعة علمه، من أشهر مؤلفاته "المغازى" و"الردة"، مات 207هـ. له ترجمة فى: لسان الميزان 9/531 رقم 15615، والكاشف 2/205 رقم 5078، والمجروحين لابن حبان 2/290، والتقريب 2/117 رقم 6195، وتهذيب الكمال للمزى 26/180 رقم 5501.
(3)
فتح البارى 5/408، 409 رقمى 2731، 2732.
(4)
أبو جندل هو: ابن سهيل بن عمرو صحابى جليل.له ترجمة فى: الإصابة4/34رقم 9699، وتاريخ الصحابة ص271رقم1507،واسد الغابة6/53رقم5775،والاستيعاب4/1621 رقم 2898.
(5)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب غزوة الحديبية وقول الله تعالى "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ" 7/522، 523 رقم 4189، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية فى الحديبية6/377-379 رقم 1785 وأخرجه البزار بسند رجاله رجال الصحيح، كذا فى مجمع الزوائد6/145، 146، واللفظ للبزار.
.. يقول الحافظ ابن حجر: "وإلا فجميع ما صدر منه كان معذوراً فيه بل هو مأجور لأنه مجتهد فيه" وقد غفر الله عز وجل له، ولمن شهدوا بيعه الرضوان يوم الحديبية قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (1) .
…
وشهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية: فعن جابر رضي الله عنه قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فقال لنا النبى صلى الله عليه وسلم: "أنتم اليوم خير أهل الأرض"(2) .
…
وشهد لهم بالجنة فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار، إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحدٌ الذين بايعوا تحتها" قالت (حفصة)(3) بلى يا رسول الله! فانتهرها. فقالت حفصة: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (4) فقال النبى صلى الله عليه وسلم قد قال عز وجل: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (5) .
(1) الآية 18 من سورة الفتح، وانظر: فتح البارى 5/409 رقمى 2731، 3732.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب غزوة الحديبية وقول الله تعالى:"لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ" الآية 7/507 رقم 4154، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإمارة باب استحباب مبايعة الإمام الجيش 7/6 رقم 1856 واللفظ له.
(3)
حفصه بنت عمر إحدى أمهات المؤمنين وصحابيه جليلة لها ترجمة فى: الإصابة4/273رقم 396، وتاريخ الصحابة ص83رقم339،واسد الغابة7/67رقم6852،والاستيعاب4/1811رقم3297
(4)
الآية 71 من سورة مريم.
(5)
الآية 72 من سورة مريم والحديث أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة 8/296 رقم 2496.
.. ففى الأحاديث السابقة وغيرها مما ذكرها أهل الأصول دليل على وقوع الاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم بما فيهم الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه زمن النبوة بحضرته وغيبته صلى الله عليه وسلم فى المصالح الدنيوية والعبادات أيضاً (1) .
…
ومن المعلوم أن اجتهادهم رضي الله عنهم بحضرته وغيبته صلى الله عليه وسلم يصير حجة وشرعاً ويتعبد به بإقراره صلى الله عليه وسلم لا بمجرد اجتهادهم (2) .
…
وإن لم يقره صلى الله عليه وسلم أو لم يبلغه اجتهادهم كان اجتهادهم فيه الخلاف المعروف فى قول الصحابى (3) . اللهم إلا إذا قال أحدهم قولاً لا يقال من قبل الرأى، ولا مجال للاجتهاد فيه فحكمه الرفع، على ما هو مقرر عند الأصوليين والمحدثين (4) .
(1) من الأدلة التى استدل بها على ذلك قوله تعالى "وشاورهم فى الأمر" استدل بها الإمام السرخسى على أن المشاورة فى أحكام الشرع، كما فى مصالح الدنيا فقال:"ألا ترى أنه شاورهم فى أمر الآذان والقصة فيه معروفة، وشاورهم فى مفاداة الأسارى يوم بدر". أصول السرخسى 2/93، 94، 131، وبهذه الأدلة استدل الزركشى فى البحر المحيط كما استدل بقوله صلى الله عليه وسلم "قد سن لكم معاذ" البحر المحيط 6/223، 225.
(2)
إرشاد الفحول 2/323، وأعلام الموقعين 2/232.
(3)
الإحكام للآمدى 4/130، والمسودة لآل تيمية ص 336، وأصول السرخسى 2/105-116، وإرشاد الفحول 2/268، والأدلة المختلف فيها وأثرها فى الفقه للدكتور عبد الحميد أبو المكارم ص 279 –316.
(4)
المحصول للرازى 2/221، وتدريب الراوى 1/190، 191، وفتح المغيث للسخاوى 1/144، وتوضيح الأفكار للصنعانى 1/280
.. وكذا إذا اجتهدوا فى شىء، وأجمعوا عليه، فيصير حجة بلا خلاف حتى يكفر جاحده (1) . وهذا الاجتهاد من الصحابة زمن النبوة وإقرار النبى صلى الله عليه وسلم لهم، قد أقرهم رب العزة عليه، ولم يبين أنهم قد اخطأوا فيه، مع أن الزمان كان زمان وحى. فلو كانوا فى عملهم هذا مخطئين: لما أقرهم الله تعالى عليه، لأن تقريره تعالى فى زمان الوحى حجة بمثابة الوحى المنزل (2) .
…
فكان اجتهادهم حجة وسنة يعمل بها ويرجع إليها (3)، ولِمَ لا وقد قرن صلى الله عليه وسلم سنتهم بسنته فى وجوب الاتباع فى قوله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى"(4) وقال: "اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر"(5) وعلى ذلك سلف الأمة من الصحابة (6) والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين (7) .
(1) كذا فى أصول السرخسى 1/318، وانظر: الإحكام للآمدى 1/255، والمستصفى للغزالى 1/198، والبحر المحيط للزركشى 4/482.
(2)
حجية السنة للدكتور عبد الغنى ص 285.
(3)
الموافقات للشاطبى 4/450، وانظر من نفس المصدر 3/300 (بيان الصحابى حجة) ، والبحر المحيط (التخصيص بقول الصحابى) 3/398.
(4)
سبق تخريجه ص 38.
(5)
أخرجه الترمذى فى سننه كتاب المناقب، باب مناقب أبى بكر وعمر رضي الله عنهم 5/570 رقمى 3662، 3663، وباب مناقب عمار بن ياسر رضي الله عنه 5/626 رقم 3799، وقال: هذا حديث حسن، وابن ماجة فى سننه المقدمة، باب فى فضائل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/48 رقم 49، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وانظر أعلام الموقعين 2/225، 226.
(6)
انظر: أثر عن ابن عباس -رضى الله عنهما- فى سنن الدارمى المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1/71 رقم 166، وانظر: جامع بيان العلم 1/57.
(7)
انظر: ما روى عن عمر بن عبد العزيز فى سنن الدارمى المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1/70 رقم 162.
.. وبالجملة فما سنه الخلفاء الراشدون أو أحدهم للأمة فهو حجة لا يجوز العدول عنها، فأين هذا من قول غلاة الشيعة أن الخلفاء الراشدين وأتباعهم من بقية الصحابة باستثناء -الإمام على وشيعته- يجتهدون ويقدمون رأيهم على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ، كيف وقد تقدم عنهم جميعاً تعظيمهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحكيمه فى كل شأن من شئون حياتهم، وزجرهم، وهجرهم من لم يعظم قوله صلى الله عليه وسلم وقد تواتر من شيمهم أنهم كانوا يطلبون حكم الواقعة من كتاب الله عز وجل، فإن لم يصادفوه فتشوا فى سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوها تشاوروا، ورجعوا إلى الرأى عند الاضطرار حيث لا يوجد منه بد، ولم يلزموا أحداً العمل به، ولم يحرموا مخالفته، ولا جعلوا مخالفه مخالفاً للدين، بل غايته أنهم خيروا بين قبوله ورده.
فعن عمر رضي الله عنه أنه لقى رجلاً فقال: ما صنعت؟ قال قضى علىٌّ وزيد بكذا، قال: لو كنت أنا لقضيت بكذا، قال، فما منعنك والأمر إليك؟ قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لفعلت، ولكنى أردك إلى رأى، والرأى مشترك، فلم ينقض ما قال على وزيد" (2) .
(1) منع تدوين الحديث ص 90-98، ومعالم المدرستين 2/379.
(2)
أعلام الموقعين 1/65.
.. وإذا ظهر لهم النص مع اجتهادهم رجعوا إليه وتركوا رأيهم، يدل على ذلك: ما روى أن عمر رضي الله عنه كان يقول: "الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها" حتى أخبره الضحاك بن سفيان (1) ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابى من ديته، فرجع إليه عمر" (2) . وروى عنه أنه جاء إليه رجل من ثقيف فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت يوم النحر، ألها أن تنفر؟ فقال عمر لا، فقال له الثقفى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتانى فى مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت به، فقام إليه عمر يضربه بالدرة، ويقول له: لم تستفتنى فى شئ قد أفتى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) ؟ وغير ذلك من الأحاديث الواردة عن عمر وغيره من الصحابة (4) .
(1) الضحاك بن سفيان رضي الله عنه صحابى جليل له ترجمة فى: تاريخ الصحابة ص141 رقم 687، والإصابة 2/206 رقم 4186، والاستيعاب 2/742 رقم 1250، واسد الغابة 3/47 رقم 2556.
(2)
أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الفرائض، باب فى المرأة ترث من دية زوجها 3/129، 130 رقم 2927، والترمذى فى سننه كتاب الديات، باب ما جاء فى المرأة هل ترث من دية زوجها 4/19 رقم 1415، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، وأخرجه أيضاً فى كتاب الفرائض، باب ما جاء فى ميراث المرأة من دية زوجها 4/371 رقم 2110، وقال: حسن صحيح، وأخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب الديات، باب الميراث من الدية 2/85 رقم 2642، والشافعى فى الرسالة ص 426 رقم 1172، وانظر: أعلام الموقعين 2/265.
(3)
أعلام الموقعين 2/263.
(4)
انظر: المصدر السابق 2/260-275، والدارمى فى سننه المقدمة، باب الرجل يفتى بشئ ثم يبلغه عن النبى صلى الله عليه وسلم فيرجع إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم 1/161 أرقام 641 – 644.
.. وعلى ذلك إجماع الأمة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين، قال عمر ابن عبد العزيز:"لا رأى لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1) .
وقال الشافعى: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس" (2) .
…
وبعد: فقد تحقق لك جواز الاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم فى عصر النبوة المباركة، وبعده واتفاق الأمة منذ زمن الصحابة رضي الله عنهم -إلى يومنا هذا- ولم ينكر أصل الاجتهاد واحد من الصحابة بما فيهم الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه، وإنما كانوا يتناظرون فى الذب عن وجوه الاجتهاد والدعاء إلى غيرها من الاجتهاد (3) .
…
وإذا كانت الوقائع التى جرت فيها فتاوى علماء الصحابة، وأقضيتهم لا يحصرها عد، ولا يحويها حد حيث كانوا قايسين فى قريب من مائة سنة (4) .
إذا تقرر كل ذلك بطل ما يذهب إليه غلاة الشيعة من الطعن فى الصحابة باجتهادهم زمن النبوة المباركة وبعده، وبطل ما يزعمونه من أن الصحابة طائفتان فى تعاملهم مع السنة المطهرة. طائفة التعبد المحض -ويعنون بهم الإمام على وشيعته، وطائفة الاجتهاد، والأخذ بالرأى وترك السنة- ويعنون بهم أهل السنة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون.
فهذا التقسيم محض كذب، من رافضة امتلأت قلوبهم حقداً وبغضاً على سلف هذه الأمة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من صار على دربهم من أهل السنة رضي الله عنهم.
(1) أخرجه الدارمى فى سننه المقدمة، باب ما يتقى من تفسير حديث النبى صلى الله عليه وسلم، وقول غيره عند قوله صلى الله عليه وسلم 1/125 رقم 432.
(2)
أعلام الموقعين 2/263.
(3)
البرهان فى أصول الفقه للجوينى 2/14 فقرة رقم 713.
(4)
المصدر السابق 2/13 فقرة رقم 711.