الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبشبهات المعتزلة استدل دعاة اللادينية فى عصرنا (1) .
ويجاب عن شبههم بما يلى:
أولاً: الأحاديث فى إثبات الشفاعة لأهل الكبائر ثابتة صحيحة فى الصحيحين، والسنن، والمسانيد وغيرها. وقد نص جماعة من العلماء على أنها تبلغ حد التواتر المعنوى (2) فزعمهم بأن الأحاديث أكثرها مضطرب. حجة واهية، وزعم عار عن الصحة، لا يتفوه به إلا من جهل حديث النبى صلى الله عليه وسلم، أو أغمض عينيه عنه (3) .
(1) انظر: مذاهب التفسير الإسلامى ص 190، والمسلم العاصى لأحمد صبحى 10-30، والأنبياء فى القرآن ص 65 وما بعدها، والأضواء القرآنية ص 258 – 264، والقرآن والحديث والإسلام ص 15-17، وإنذار من السماء 184-188، ودين السلطان ص 207، 208، 611، وتبصير الأمة بحقيقة السنة ص 608، 609، وانظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة للدكتور خادم حسين بخش ص 343.
(2)
انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص234 رقم304،وشرح الطحاوية1/312، ولوامع الأنوار البهية2/208،218،وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص226
(3)
انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/387.
.. ومن الأحاديث الصحيحة الواردة فى الشفاعة قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى"(1) ، وزعمهم أن هذا الحديث لم تثبت صحته (2) ، زعم مردود، لأن الحديث قد ثبتت صحته، وأيدته الأحاديث الثابتة كقوله صلى الله عليه وسلم:"لكل نبى دعوة مستجابة، فتعجل كل نبى دعوته، وإننى اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة. فهى نائلة إن شاء الله من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئاً"(3) وقوله صلى الله عليه وسلم: "أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه"(4) .
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى الشفاعة 4/236 رقم 4739، والترمذى فى سننه كتاب صفة القيامة، باب ما جاء فى الشفاعة 4/539، 540 رقم 2435 وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وفى الباب عن جابر، وأخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب الإيمان 1/139 رقم 228، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبى. والحديث من رواية أنس بن مالك، وأخرج الحاكم للحديث متابعات وشواهد من حديث جابر، وصححها على شرط مسلم، ووافقه الذهبى. قال الحاكم: "هذا الحديث فيه قمع المبتدعة المفرقة بين الشفاعة لأهل الصغائر والكبائر، وأخرجه البيهقى فى البعث والنشور ص 55 رقم 1 من حديث جابر، وانظر: استدراكات البعث والنشور ص 173-177 أرقام 268-277، وشعب الإيمان 2/110-144.
(2)
انظر: شرح الأصول ص 690.
(3)
أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الدعوات، باب لكل نبى دعوة مستجابة 11/99 رقم 6304، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان باب اختباء النبى صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته 2/76 رقم 199، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، واللفظ لمسلم.
(4)
سبق تخريجه ص 646، وانظر: ما قاله الإمام البيهقى فى البعث والنشور ص 56 وما بعدها.
.. تقول الدكتورة عائشة يوسف المناعى: "اضطر المعتزلة إلى اللجوء إلى نقد الأخبار المعارضة التى تثبت الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى" فبرغم أن هذا الحديث ينص صراحة على أن الشفاعة لأهل الكبائر، وبرغم صحته فإن المعتزلة لا يتورعون أن يقفوا موقف التكذيب من هذا الخبر ويقولون: "إن هذا الخبر لم تثبت صحته أولاً، ولو صح فإنه منقول بطريق الآحاد عن النبى، ومسألتنا طريقها العلم فلا يصح الاحتجاج به" (1) .
ولسنا فى حاجة إلى أن نقول إن إجابة المعتزلة هذه تنبنى على التحكم البحت، وفيها من عدم الدقة شئ كثير، فهم يفترضون مرة أن هذا الحديث غير صحيح، ويفترضون مرة أخرى أنه صحيح ولكنه آحاد وأن رأيهم فى هذه المسألة مبنى على العلم، مع أن قولهم فى هذه المسألة قول لا برهان عليه، بل إن الأقرب إلى العقل أن الشفاعة إذا لم تكن لأهل الكبائر بحيث تخرجهم من النار فإنها لا معنى لها ولا فائدة منها، والمكلف التائب مغفور له، وليس فى حاجة إلى الشفاعة، والنصوص صريحة فى أن التائب يبدل الله سيئاته حسنات، فكيف يحتاج إلى شفيع بعد ذلك؟
وإذا كانت معتزلة البصرة قد اعترفوا بجواز إسقاط العقاب ابتداء من الله تعالى؛ لأنه حقه، وهو يشبه الدين، فله أن يسقطه، وله أن يستوفيه، فالأولى أن يقال بإسقاط العقوبة ابتداء.
فكيف يقرر المعتزلة بعد ذلك أن أصلهم فى الشفاعة مسألة علم لا يصح أن تعارضها أخبار الآحاد؟
ومن غريب تفسيرات المعتزلة أنهم يقولون أن التائب من الكبيرة تسقط عنه العقوبة بالتوبة، لكن الكبيرة قد أحبطت ما تحصل عنده من الثواب من قبل، فالشفاعة هنا تنفعه فى إعادة هذا الثواب (2) .
(1) شرح الأصول ص 690.
(2)
شرح الأصول ص 691.
ولا شك أن كل هذه التأويلات إنما هى فى المقام الأول هروب من مواجهة النصوص الصريحة فى أن الشفاعة، إنما تكون لأهل الكبائر من المؤمنين، وتؤكد أن القضية مع المعتزلة وسائر أهل البدع ليست قضية متواتر وآحاد، وإنما قضية أصولهم التى طوعوا النصوص قرأناً وسنة لأجلها.
ومن الغريب أيضاً:"أن يقول أبو الهذيل:"إن الشافعة إنما تثبت لأصحاب الصغائر" (1) .
…
والمعتزلة أنفسهم قد سخروا من هذا القول؛ لأنهم قرروا من قبل أن الصغائر تكفرها الطاعات، فلا وجه للشفاعة فى هذا القول" (2) .
أما ما زعم المعتزلة ومن قال بقولهم أن أحاديث الشفاعة متعارضة مع القرآن الكريم.
فدعوى مرفوضة؛ لأن ما استدلوا به على نفى الشفاعة، من الآيات القرآنية محمول على الشفاعة للمشركين، والكفار، وهؤلاء لا تنفعهم الشفاعة أصلاً كما دل على ذلك قوله تعالى:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (3) .
…
والمراد بذلك الشفاعة التى يثبتها أهل الشرك وأهل البدع، الذين يعتقدون أن الخلق يشفعون عند الله بغير إذن، كما يشفع بعضهم لبعض فى الدنيا (4) .
(1) المصدر السابق ص 691.
(2)
أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية للدكتورة عائشة يوسف المناعى ص 345، 346.
(3)
الآيات 42-48 من سورة المدثر.
(4)
مجموع الفتاوى 1/149-150 بتصرف، وللاستزادة: فى الرد على استدلالات المعتزلة انظر: لوامع الأنوار البهية 2/217، والإنصاف للباقلانى ص 168-176، والأربعين فى أصول الدين للرازى ص 245، وشرح المقاصد للتفتازانى 2/175، والمعتزلة وأصولهم الخمسة ص 235.
والشفاعة إنما تطلب من الله تعالى؛ لأنه هو المالك لها سبحانه كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (1) .
وأما الشفاعة المثبتة فهى لا تثبت عند السلف إلا بشروط وهى:
الإذن للشافع بالشفاعة كما قال عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (2) وقال تعالى: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} (3) .
الرضا عن المشفوع فيه. كما قال سبحانه: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (4) وقال: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (5) وعن ابن عباس – رضى الله عنهما - قال فى قوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} قال:"الذين ارتضاهم بشهادة أن لا إله إلا الله"(6) .
وأما زعمهم دعوى تعارض أحاديث الشفاعة بحديث: "لا يدخل الجنة نمام
…
الحديث" وبحديث "من قتل نفسه بحديدة
…
" الحديث.
فقد سبق الجواب، بما يرفع التعارض، ويوفق بين النصوص (7) .
…
وأما حملهم للحديث على أن المراد به شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم، لأهل الكبائر إذا تابوا (8) ؛ فلا دليل لهم على ذلك. وهو مع أنه تأويل مناهض للنصوص الثابتة، ولا يدل عليه لفظ الحديث، فهو أيضاً معنى فاسد؛ لأن الذى يتوب من الذنب لا يوصف به بعد ذلك، بل يبدل الله
(1) جزء من الآية 44 من سورة الزمر.
(2)
جزء من الآية 255 من سورة البقرة.
(3)
جزء من الآية 3 من سورة يونس.
(4)
الآية 26 من سورة النجم.
(5)
جزء من الآية 28 من سورة الأنبياء، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة1/395-396
(6)
أخرجه البيهقى فى البعث والنشور ص 55 رقم 2.
(7)
راجع: ص 782-784.
(8)
انظر: شرح الأصول ص 691.
سيئاته حسنات فضلاً منه وكرماً قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (1) . فصاحب الكبيرة إذا تاب عن كبيرته وصحت توبته زال عنه هذا الاسم (2) .
قال الصحابى الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة"(3) .
…
وما ذهب إليه بعضهم من حصر شفاعته صلى الله عليه وسلم، على زيادة الثواب، ورفع الدرجات لأهل الثواب (4) .
مردود عليهم بما صرحت به الأحاديث الصحيحة من شفاعات أخرى له صلى الله عليه وسلم من ذلك:
(1) الآية 70 من سورة الفرقان.
(2)
انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/390.
(3)
أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب الإيمان 1/140 رقم 232.
(4)
انظر: الكشاف للزمخشرى 3/366.
الشفاعة العظمى، الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم، دون سائر خلق الله عز وجل والواردة فى قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (1) وفى ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين فى صعيد واحد
…
إلى أن يقول: فيأتون محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فأنطلق فآتى تحت العرش فأقع ساجداً لربى عز وجل ثم يفتح الله على من محامده، وحسن الثناء عليه، شيئاً لم يفتحه على أحد قبلى، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفْع تُشفع
…
" الحديث (2) .
شفاعته صلى الله عليه وسلملأمته فى دخول الجنة: كما جاء فى حديث الشفاعة العظمى السابق، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: فأقول أمتى يا رب، أمتى يا رب، فقال: يا محمد ادخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب (3) .
(1) الآية 79 من سورة الإسراء.
(2)
أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب التفسير، باب "ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً" 8/247، 248 رقم 4712، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 2/55-57 رقم 194 واللفظ للبخارى.
(3)
انظر: تخريج الحديث السابق.
ج- شفاعته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين من أهل الكبائر: وقد سبقت بعض النصوص التى تدل عليها. وهى لا تختص به صلى الله عليه وسلم وإنما يشاركه فيها الملائكة، والنبيون، والمؤمنون، كما روى مسلم فى صحيحه بسنده عن أبى سعيد الخدرى أن ناساً فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم قال: "هل تُضَارُّونَ فى رُؤية الشمس بالظهيرة صَحْواً ليس معها سَحَابُ؟ " فذكر الحديث وفيه: "فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون. ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضه من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط
…
" الحديث (1) .
…
وله صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى، منها ما يشاركه فيها غيره، ومنها ما يختص به (2) أ. هـ.
اللهم إنى اسألك شفاعات نبيك صلى الله عليه وسلم
وأبرأ إليك من جهل الجاهلين وإلحاد الملحدين
المنكرين لشفاعة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية 2/25، 26 رقم 183، وانظر: استدراكات البعث والنشور للإمام البيهقى جمع الشيخ عامر حيدر ص 131-135 أرقام 207-213، والتذكرة للقرطبى 1/477 –483 أرقام 780-790.
(2)
انظر: استدراكات البعث والنشور ص144-149 أرقام 230-238، وشرح العقيدة الطحاوية 1/307-315،ولوامع الأنوار البهية2/211-212،والشفاعة لمقبل بن هادى ص18،31،61، والتذكرة 1/483-483، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/390-394، وللاستزادة فى الرد على شبهات المعتزلة راجع موقف المدرسة العقلية من السنة 1/379 – 396. وضلالات منكرى السنة ص 512، والسنة فى مواجهة أعدائها ص 165-187.