الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد وفيه بيان المراد بأعداء السنة من أهل الأهواء والبدع:
انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى الرفيق الأعلى وقد بلغ رسالة ربه تعالىكاملة، وما من خير إلا دل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذرهم منه، كما قال صلى الله عليه وسلم.:"إنه لم يكن نبى قبلى إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم"
…
الحديث (1) .
كان رأس الخير الذى دل عليه ووصى به الاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنته صلى الله عليه وسلم. وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، كما جاء فى الحديث: "إنى قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا أبداً؛ كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. (2) .
وفى الحديث أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع، والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً؛ فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ
…
الحديث (3) .
وكان من الشر الذى حذر منه الأمة أهواء أهل البدع - كما جاء فى الحديث عن عمر بن الخطاب أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم. قال لعائشة: "يا عائشة (4) إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم فى شيء"(5) هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء، ليس لهم توبة أنا منهم برئ، وهم منى برآء (6) .
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول 6/473 رقم 1844 من حديث عبد الله بن عمرو (.
(2)
سبق تخريجه ص 47.
(3)
سبق تخريجه ص 38.
(4)
عائشة (رضى الله عنها) لها ترجمة فى: الإصابة 8/16 رقم 11461، والاستيعاب 4/1881 رقم 3476، واسد الغابة 7/186 رقم 7093، وتاريخ الصحابة ص 201 رقم 1072، وتذكرة الحفاظ 1/27 رقم 13.
(5)
الآية 159 من سورة الأنعام.
(6)
أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان 5/449، 450، وأبو نعيم فى حلية الأولياء 4/138، والطبرانى فى الصغير 1/303، من حديث أبى هريرة، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/22، 23، إسناد الطبرانى فى الصغير جيد، وأخرجه ابن الجوزى فى العلل المتناهية كتاب السنة وذم البدع، باب= =فى تفسير قوله تعالى"إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم فىشئ) 1/144،رقم209، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/196.
وفى الحديث عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه الآية {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُو الأَلْبَابِ} (1) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.: "فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم (2) وعن أبى أمامة الباهلى (3) رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم. فى قوله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} (4) قال هم الخوارج، وفى قوله تعالى {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (5) قال: هم الخوارج (6) .
قال الحافظ ابن كثير (7) : وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابى ومعناه صحيح، فإن أول بدعة وقعت فى الإسلام؛ فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين كان النبى صلى الله عليه وسلم. يقسم قسماً، فكأنهم رأوا فى عقولهم الفاسدة، أنه لم يتق الله ولم يعدل فى القسم، ففاجئوه بهذه المقالة فقال قائلهم وهو ذو الخويصرة - بقر الله خاصرته - اتق الله يا محمد،
(1) الآية 7 من سورة آل عمران.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب منه آيات محكمات 8/57 رقم 4547، وأخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب العلم باب النهى عن إتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعية 8/469 رقم 2665.
(3)
أبو أمامة الباهلى هو: صدى بن عجلان بن وهب، صحابى جليل. له ترجمة فى: الإصابة 2/182 رقم 4079، والاستيعاب 2/1237 رقم 1242، واسد الغابة 3/15 رقم 2497، وتاريخ الصحابة ص 137 رقم 2675، ومشاهير علماء الأمصار ص 65 رقم 327، وتجريد أسماء الصحابة 1/264.
(4)
جزء من الآية 7 من سورة آل عمران.
(5)
الآية 106 من سورة آل عمران.
(6)
أخرجه أحمد فى مسنده 5/262.
(7)
ابن كثير: هو إسماعيل بن عمر بن كثير الحافظ عماد الدين أبو الفداء، القرشى البصرى الدمشقى الشافعى، كان عالماً حافظاً فقيهاً، ومفسراً نقاداً، ومؤرخاً كبيراً، من مصنفاته: تفسير القرآن العظيم، والبداية والنهاية مات سنة 774هـ. له ترجمة فى: الدرر الكامنة لابن حجر 1/373 رقم 944، وطبقات المفسرين للداودى 1/111 رقم 103، وشذرات الذهب لابن العماد 6/231، والبدر الطالع للشوكانى 1/153 رقم 95. وذيل تذكرة الحفاظ ص57، 361، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 533 رقم 1159.
فعن أبى سعيد الخدرى (1) رضي الله عنه قال:
بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو يقسم قسماً أتاه ذو الخويصرة - وهو رجل من بنى تميم. فقال: يا رسول الله اعدل فقال: "ويلك ومن يعدل إذ لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل" فقال عمر: وفى رواية خالد (2) : يا رسول الله ائذن لى فيه، فأضرب عنقه. فقال "دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، ويقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
…
الحديث" (3) ثم كان ظهورهم أيام على رضي الله عنه وقتلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة، ثم انبعث القدرية، ثم المعتزلة، ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التى أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. فى قوله "
…
وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقه كلها فى النار إلا واحدة. قالوا: وما هم يا رسول الله؟ قال: "من كان على ما أنا عليه وأصحابى"(4) .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أصحاب الرأى أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا: لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم"(5) .
ومرادى هنا بأعداء السنة من أهل الأهواء والبدع تلك الفرق التى أخبر عنها المعصوم صلى الله عليه وسلم. وتغالت فى بدعتها من الخوارج، والشيعة، والمعتزلة، الذين لقيت السنة المطهرة من أهوائهم وعنتهم عناءً كبيراً، وكان لآرائهم الجامحة فى الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - أثر كبير فى اختلاف الآراء، والأحكام فى الفقه الإسلامى، وفيما أثير حول السنة من شبه (6) .
(1) أبو سعيد الخدرى: هو سعد بن مالك صحابى جليل. له ترجمة فى: الإصابة 2/53، رقم3204، والاستيعاب 2/1671، رقم 958، واسد الغابة 2/451 رقم 2036، وتاريخ الصحابة ص113 رقم 513، ومشاهير علماء الأمصار ص 17 رقم 26، وتجريد أسماء الصحابة 2/172، وتذكرة الحفاظ 1/44 رقم 22.
(2)
خالد: هو خالد بن الوليد صحابى جليل. له ترجمة فى: الإصابة 1/413 رقم 2206، والاستيعاب 2/603 رقم 621، واسد الغابة 2/140 رقم 1399، وتاريخ الصحابة 85 رقم349، ومشاهير علماء الأمصار ص 39 رقم 157.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المناقب، باب علامات النبوة فى الإسلام جـ6 ص714 رقم 3610، وأخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم 4/171، 172 رقم 1064.
(4)
الحديث سبق تخريجه ص 38، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/346 بتصرف.
(5)
أخرجه ابن عبد البر فى جامع بيان العلم2/135،والخطيب فى الفقيه والمتفقة1/454 رقم 479.
(6)
السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للدكتور السباعى ص 133 بتصرف، وانظر: الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين للدكتور أحمد محرم 1/189