الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. ويقول الأستاذ محمد أسد مؤكداً ما سبق أن ذكرناه أن غياب السنة يزيد الخلاف بين الناس فى فهم تعاليم القرآن الكريم قال: "وفى الحقيقة يجب علينا أن نعتبر أن السنة إنما هى التفسير الوحيد لتعاليم القرآن الكريم والوسيلة الوحيدة لاجتناب الخلاف فى تأويل التعاليم وتطبيقها فى الحياة العملية"(1) أ. هـ.
…
وفى موضع آخر يقول: "من أجل هذا كله نرانا مضطرين إلى أن نعمل بسنة بنينا صلى الله عليه وسلم قلباً وقالباً إذا أردنا أن نخلص وجهنا للإسلام (2) أ. هـ.
يا أهل الكتاب، ويا أهل الهوى، تعالوا لننظر ماذا يوجد فى الحديث
،
وأى مقدار منه يصلح أن يكون مجالاً للبحث والمناقشة
…
وأقول للمنكرين لسنة النبى صلى الله عليه وسلم المتمسحين كذباً بإيمانهم بكتاب الله عز وجل تعالوا لننظر ماذا يوجد فى الحديث، وأى مقدار منه يصلح أن يكون مجالاً للبحث والمناقشة:
1-
لا يخفى أن القسم الأعظم من الحديث تاريخى، أعنى أنه يشتمل على أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام، ووقائعهم، وبيان جليل أعمالهم، وهذا القسم غير قابل للبحث والمناقشة عند كل ذى عقل سليم، لأنه عبارة عن جزء من تاريخ العالم، مثل سائر تواريخ الأمم، إلا أنه يمتاز عنها بصحة المأخذ وضبط الرواية، وتسلسل الأسانيد، ومطابقتها لأصول النقد. بحيث أن هذا الوصف لا يشاركه فيه تاريخ أمة من الأمم، لا الرومان، ولا الفرس، ولا اليونان، ولا الهند، ولا مصر
…
إلخ.
2-
والقسم الثانى: أخلاقى تهذيبى، يحتوى على الحكم والآداب والنصائح، مثل مدح الصدق، والعدل، والإحسان، والاتحاد، والتعاون، وسائر الفضائل والحث عليها وذم الكذب، والظلم، والفسق، والفساد، وسائر الرذائل والصد عنها. فهذه الأمور تؤيدها الفطرة الإنسانية، وأصولها موجودة فى القرآن فهل فيها شئ يستحق الرد؟!!
(1) الإسلام على مفترق الطرق ص90.
(2)
المصدر السابق ص 103.
3-
العقائد: أصول العقائد مذكورة فى القرآن (1) ، مثل التوحيد، والصفات الإلهية، والرسالة، والبعث، وجزاء الأعمال. ولا يوجد فى الحديث الصحيح إلا ما يؤيد هذه الأصول ويوضحها ويقررهها، أو يكون من جزئياتها ونظائرها، ولا يوجد فيها ما يكون مخالفاً لعقائد القرآن، أو زائداً عليها بحيث لا يكون له أصل فى القرآن. وكل ما يستشكل من الأحاديث الصحيحة فى العقائد تجد مثله فى القرآن، ويجرى فيه ما يجرى فى القرآن من التفويض أو التأويل، حسب اختلاف مدارك الأفهام والطبائع الإنسانية، فمنها ما يقبل التسليم والتفويض، ومنها ما لا يقنعه إلا التأويل الموافق لعقله والذى يطمئن به قلبه. وأما الأحاديث التى فيها مخالفة للقرآن أو العقل السليم فلا تجدها إلا من الموضوعات والواهيات. ومثلها لا يجوز ذكرها إلا مع بيان وضعها - فضلاً عن التمسك بها. وهذا بإجماع المسلمين.
4-
الأحكام: هذا القسم أكثره ثابت بالأحاديث المستفيضة المشهورة، وهى قد رويت بطرق كثيرة صحيحة، ولكنها لم تبلغ حد التواتر وبعضها من الآحاد ولكنها صحاح. وأما الأحاديث الضعيفة فهى عند الجمهور من المحدثين والفقهاء لا تقبل فى الأحكام، والمحققون لا يقبلونها فى غير الأحكام أيضاً (2) .
…
فأما الاحتجاج بالخبر المستفيض المشهور فلا يتصور وجود عاقل ينكر ثبوت الحكم بمثل هذا الخبر، ولزوم العمل به لمن يبلغه، وإلا بطل نظام العالم، فهذه قوانين الحكومات إذا نشرت فى عدة جرائد معتبرة، أو فى الجريدة الرسمية للحكومة يلزم العمل بتلك القوانين لكل أحد من رعايا تلك الحكومة، ولا يسعه الاعتذار بأنها لم تبلغه بالتواتر.
(1) انظر: الموافقات للشاطبى 4/396 المسألة الثالثة "أصول السنة فى القرآن" وانظر: فى نفس المصدر 4/434، ومختصر الصواعق المرسلة لابن قيم الجوزية 2/508.
(2)
انظر: تفصيل ذلك فى الأجوبة الفاضلة للعلامة اللكنوى ص 46 - 59.
.. وأما الآحاد الصحاح فكذلك العمل بها جار فى سائر أنحاء العالم، مثلاً إذا أتانا رجل معتبر، وبلغنا أن فلاناً يطلبك، فحالاً نلبى طلبه، ولا نسأله أن يأتينا بالشهود على صحة قوله، إلا إذا وجدت هناك قرينة مانعة عن قبول خبرة فحينئذ نتثبت قبل الذهاب.
…
وهكذا الأمر فى الأحاديث الآحادية الصحيحة: تقبل فى الأحكام ويعمل بها ما لم يوجد أمر مانع من قبولها، مثل كونها مخالفة للقرآن أو السنة المتواترة أو المشهورة، أو كونها متروكة العمل فى زمن الخلفاء الراشدين والصحابة، ففى هذه الحالة يحق لكل عالم أن يتوقف - وأقول يتوقف ولا يرد ويجحد - العمل بها، وأن يبحث عنها إلى أن يزول الإشكال، ويطمئن إليه الخاطر. وأما ترك العمل بالآحاد الصحاح مطلقاً من غير وجود علة مانعة من قبولها فغير معقول، ومخالف لما هو جار فى سائر المعاملات الدنيوية" (1) أ. هـ.
…
أما زعمكم بأن أحاديث الأحكام من العبادات (صلاة، وصيام، زكاة، وحج) ومن معاملات وحدود
…
إلخ أحاديث غير صالحة لكل زمان ومكان، والأمر فيها متروك لأولى الأمر كل يختار ما يناسب زمانه ومكانه، حتى لو اقتضى الأمر تركها بالكلية والأخذ بما يخالفها من تشريعات وضعية.
…
فهذا ما لا يقوله مسلم يؤمن بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وبالإسلام عقيدة وشريعة صالحة لكل زمان ومكان.
…
لأن أحاديث الأحكام التى توجد فى الأحاديث الصحيحة هى مأخوذة ومستنبطة من القرآن الكريم، استنبطها النبى صلى الله عليه وسلم من القرآن بتأييد إلهى، ووحى ربانى وهذا الاستنباط يسمى فى اصطلاح القرآن تارة "تبيناً" وتارة "إراءة" قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
(1) تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للعلامة السيد الندوى، ص 14 - 17.
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1) وقال جل جلالة: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (2) .
وأصبح لهذا البيان صفة المبين من حيث وجوب قبوله ووجوب العمل به وصالحيته لكل زمان ومكان، ولا يقول بخلاف هذا مسلم.
…
ويقول الأستاذ محمد أسد رداً على من يفرقون فى الالتزام بين أوامر الرسول فى العبادات وبين غيرها من الأوامر التى تنظم حياة المجتمعات: "وإنه لمن الجهل بالإسلام أن يحاول أحدنا أن يفرق بين أوامر للرسول تتعلق بأمور تعبدية روحية خالصة، وبين غيرها من التى تتصل بقضايا المجتمع وقضايا حياتنا اليومية، وإن القول بأننا مجبرون على اتباع الأوامر المتعلقة بالنوع الأول، ولكننا لسنا مجبرين على أن نتبع الأوامر المتعلقة بالنوع الثانى، إنما هو نظر سطحى، وهو فوق ذلك مناهض فى روحه للإسلام، مثل الفكرة القائلة بأن بعض أوامر القرآن الكريم قد قصد بها العرب الذين عاصروا نزول الوحى، لا النخبة من الأكياس (الجنتلمان) الذين يعيشون فى القرن العشرين. إن هذا بخس شديد لقدر النور النبوى الذى قام به المصطفى صلى الله عليه وسلم (3) أ. هـ.
(1) الآية 44 من سورة النحل.
(2)
الآية 105 من سورة النساء، وانظر: تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للندوى ص18.
(3)
الإسلام على مفترق الطرق ص88، 89، وانظر: ما قاله عن الإسلام كدين ودولة ص 110.