الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول فضيلة الدكتور السباعى رحمه الله: وإنه لبلاء عظيم أن نسقط عدالة جمهور الصحابة الذين اشتركوا فى النزاع مع على أو معاوية، أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم، وهم فى هذا الرأى لا يقلون عن الشيعة خطراً وفساد رأى، وسوء نتيجة، وإذا كان مدار الاعتماد على الرواية هو صدق الصحابى وأمانته، فيما نقل - وقد كان ذلك موفوراً عندهم - وكان الكذب أبعد شئ عن طبيعتهم ودينهم وتربيتهم، فما دخل ذلك بآرائهم السياسية وأخطائهم؟
…
ووصفهم بأوصاف لا تليق بعامة الناس، فكيف بأصحاب رسول الله رضي الله عنهم الذين كان لهم فى خدمة الإسلام قدم صدق، لولاها لكنا نتيه فى الظلمات ولا نعرف كيف نهتدى سبيلاً (1) .
هل كان الخوارج يكذبون فى الحديث
؟
تحت هذا العنوان نفى الدكتور السباعى فى كتابه (السنة ومكانتها فى التشريع) : أن يكون الخوارج كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأنهم يكفرون مرتكب الكبيرة على ما هو المشهور عنهم، أو مرتكبى الذنوب مطلقاً كما حكاه الكعبى (2) فما كانوا يستحلون الكذب ولا الفسق ولا التقية ونفى أن يكون هناك دليلاً محسوساً يدل على أنهم ممن وضعوا الحديث.
وقال معقباً على ما روى عن ابن لهيعة عن شيخ لهم أنه قال: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً (3) .
وقول عبد الرحمن بن مهدى: إن الخوارج والزنادقة قد وضعوا هذا الحديث "إذا أتاكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله فأنا قلته
…
الحديث" (4) .
يقول الدكتور السباعى: هكذا قال الكاتبون فى هذا الموضوع من القدامى والمحدثين، ولكنى لم أعثر على حديث وضعه خارجى، وبحثت كثيراً فى كتب الموضوعات، فلم أعثر على خارجى عُدَّ من الكذابين والوضاعين.
(1) السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للدكتور السباعى ص 133 بتصرف، وانظر: أصول علم الحديث بين المنهج والمصطلح للدكتور أبو لبابة حسين ص 161-162.
(2)
الفرق بين الفرق للبغدادى ص 79، 85، 88، 92.
(3)
مقدمة الموضوعات لابن الجوزى ص38، 39، واللآلى المصنوعة للسيوطى 2 /486، والمدخل للحاكم ص9.
(4)
الحديث سيأتى تخريجه وبيان وضعه فى شبهة عرض السنة على القرآن الكريم ص 224-227.
أما النص السابق الذى يذكرونه عن شيخ للخوارج، فهو مجهول ولا ندرى من هو؟ وقد سبق مثل هذا التصريح برواية حماد بن سلمة عن شيخ رافضى، فلماذا لا تكون نسبته إلى شيخ خارجى خطأ؟ خصوصاً ولم نعثر لهم على حديث واحد موضوع.
أما قول عبد الرحمن بن مهدى عن حديث (إذا أتاكم
…
إلخ) أنه وضعته الزنادقة والخوارج، فلا أدرى مدى صحته عن ابن مهدى، فقد ذكره عنه ابن عبد البر فى (جامع بيان العلم) بلا سند (1) فضلاً على أنه لم يذكر لنا عن ابن مهدى من هو واضعه؟ على أن المنقول عن غير ابن مهدى لفظ الزنادقة فقط، قال شمس الحق العظيم آبادى: فأما ما رواه بعضهم أنه قال: "إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله
…
الحديث"؛ فإنه حديث لا أصل له (2) وقد حكى زكريا الساجى عن يحيى بن معين (3) أنه قال "هذا حديث وضعته الزنادقة" ونقل الفتنى عن الخطابى (4) أنه قال أيضاً "وضعته الزنادقة" (5) ، وليس فى هذين النصين ذكر للخوارج بحال.
وقد ورد عنهم ما ينفى تهمة الكذب عنهم.
يقول المُبَرِّدُ (6) :
(1) جامع بيان العلم وفضله 2 /191.
(2)
عون المعبود شرح سنن أبو داود 4 /329.
(3)
يحيى بن معين: هو يحيى بن معين بن عون المرى بالولاء البغدادى، أبو زكريا، الحافظ المشهور، كان إماماً عالماً ربانياً حافظاً متقناً خبيراً بصحيح الحديث وسقيمه، مات سنة 233هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/316 رقم 7679، والكاشف 2 /376 رقم 6250، وتذكرة الحفاظ 2 /429 رقم 437، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 188 رقم 416، والثقات للعجلى ص 475 رقم 1826، والجرح والتعديل 9 /192، والإرشاد للخليلى ص 186، 187، ووفيات الأعيان 6 /139 رقم 791. (
4) الخطابى: هو حمد ويقال أحمد بن إبراهيم بن خطاب البستى - نسبة إلى بست مدينة من بلاد كابل - أبو سليمان، كان أحد أوعية العلم فى زمانه حافظاً فقيهاً، له من التصانيف النافعة الجامعة: معالم السنن وغريب الحديث، وإصلاح غلط المحدثين وغيرها، مات سنة 388هـ. له ترجمة فى: مرآة الجنان لليافعى 2 /435، وبغية الوعاة للسيوطى 1 /536 رقم 1143، وشذرات الذهب لابن العماد 3 /127، 128، وتذكرة الحفاظ 3/1018 رقم 950، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 404 رقم 915، واللباب فى تهذيب الأنساب 1 /151.
(5)
تذكرة الموضوعات ص 28.
(6)
المُبَرِّدُ: هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر أبو العباس، أديب، نحوى، لغوى، كان كثير الحفظ، غزير العلم، وثقة الخطيب وجماعة، من مصنفاته المقتضب، والكامل فى الأدب، وغيرهما مات سنة 285هـ. له ترجمة فى: لسان الميزان 6 /629 رقم 8264، وسير أعلام النبلاء 13 /576 رقم 299، وطبقات المفسرين للراوى 2 /269 رقم 597، وشذرات الذهب 2/190، وإنباه الرواة للقفطى 1 /40، 48.
"والخوارج فى جميع أصنافها تبرأ من الكاذب ومن ذوى المعصية الظاهرة (1) " وقال أبو داود (2) : "ليس فى أصحاب الأهواء أصح حديثاً من الخوارج"(3) .
وقال ابن تيمية (4) : للرافضة فى الرد عليهم "ونحن نعلم أن الخوارج شر منكم ومع هذا فما نقدر أن نرميهم بالكذب لأننا جربناهم فوجدناهم يتحرون الصدق لهم وعليهم (5) وقال: ومن تأمل كتب الجرح والتعديل رأى المعروف عند مصنفيها بالكذب فى الشيعة أكثر فى جميع الطوائف، والخوارج مع مروقهم من الدين فهم من أصدق الناس حتى قيل: إن حديثهم من أصح الحديث"(6) وقال أيضاً "ليس فى أهل الأهواء أصدق ولا أعدل من الخوارج (7) .
قلت: وأنا مع الدكتور السباعى فيما ذهب إليه ورجحه من نفى تهمة كذب الخوارج فى الحديث، وليس معنى ذلك براءتهم، ولكن معناه أنى لا اتهمهم بالكذب فى الحديث؛ لأنه لا دليل على كذبهم، والأخبار الواردة فى اتهامهم بالوضع ضعيفة تحتمل التأويل كما سبق، والأخبار التى تدل على صدقهم ونفى الكذب عنهم صريحة وواضحة.
(1) الكامل فى الأدب 2 /106.
(2)
أبو داود: هو سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو الأزدى الإمام العالم صاحب كتاب السنن، والمراسيل، والقدر، وغير ذلك، وهو أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وحفظاً ونسكاً وورعاً. مات سنة 275هـ له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 2 /591 رقم 615، تهذيب التهذيب 4 /169 رقم 298، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى 9/55 رقم 4638، ووفيات الأعيان 2 /138 رقم 258، والعبر فى خبر من غبر 1/396 رقم 275، وطبقات المفسرين للداودى 1 /207 رقم 195، والتقييد لمعرفة رواه السنن والمسانيد لابن نقطة ص 279 رقم 344، والبداية والنهاية 11 /58.
(3)
الكفاية فى علم الرواية للخطيب البغدادى ص 130.
(4)
ابن تيمية: هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، الحرانى الدمشقى، الملقب بتقى الدين، المكنى بأبى العباس، الإمام المحقق الحافظ المجتهد المحدث المفسر الأصولى الأديب النحوى القدوة الزاهد شيخ الإسلام، أما تصانيفه فإنها تبلغ ثلاثمائة مجلد، منها: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، والصارم المسلول على منتقص الرسول، ومنهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة والقدرية، وغير ذلك. مات سنة 727هـ. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 4 /1496 رقم1175، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 520 رقم 1142، وشذرات الذهب 6 /80، والبدر الطالع للشوكانى 1 /63 رقم 40، والدرر الكامنة لابن حجر 1 /144 رقم 409، وطبقات المفسرين للداودى 1 /46 رقم 42، والبداية والنهاية 14 /135.
(5)
المنتقى من منهاج الاعتدال ص 480.
(6)
المصدر السابق ص 22.
(7)
منهاج السنة 3 /31، وانظر: السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى للدكتور السباعى ص81، 82، 83 بتصرف، وأصول علم الحديث بين المنهج والمصطلح للدكتور أبو لبابة حسين ص158-161.
وكل ما يقال بحق، أنهم جهلة بالسنة ولا يحتجون بها؛ لأنها من طريق صحابة رسول الله رضي الله عنهم وهم كفار فى نظرهم، فضلاً عن عدم استعدادهم لقبول آراء غيرهم؛ نظراً لبداوتهم وجفاء طبعهم وغلظتهم وجهلهم بفقه الكتاب والسنة؛ ولذا نجدهم يعملون على محاربة المسلمين وإراقة دمائهم وانتهاك حرمتهم فهم أحقاء بأن يسموا بالخوارج البغاة لخروجهم على السنة وأهلها ومعاداتهم لها (1) .
(1) شرح القصيدة النونية للدكتور محمد خليل هراس ص 322.