الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. فالمواترة المتابعة، ولا تكون بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة، وإلا فهى مداركة ومواصلة (1) .والخلاصة أن التواتر هو: التتابع مع التراخى، أو بدون التراخى، والأول أقوى.
…
أما فى الاصطلاح: فقد عرفه العلماء قديماً وحديثاً تعريفات كثيرة، ولعل من أجمعها وأمنعها ما عرفه به فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى أمين التازى رحمه الله بقوله: "هو ما رواه جمع كثير، يحيل العقل اتفاقهم على الكذب عادة أو صدوره منهم اتفاقاً، عن مثلهم، فى كل طبقة من طبقاته، وأن يكون مستند انتهائهم الحس، ويصحب خبرهم إفادة العلم بنفسه لسامعه (2) .
ثانياً: اختلاف العلماء فى وجود المتواتر:
…
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور (مصطفى التازى) رحمه الله: "لا خلاف فى أن الأخبار المتواترة تقع كثيراً فى حياة دنيا الناس اليومية، ففى كل يوم نسمع عن حادثة تقع فى ناحية من النواحى النائية، أو نسمع بتصريح يصدر عن مسئول فى بلد من البلاد فتطير به وكالات الأنباء وتذيعه جميع الإذاعات فى أنحاء العالم فينتشر الخبر بين الناس ويعلم به القريب والبعيد على سواء، ثم لا يكذب من أحد، فيحصل به العلم الجازم عند سامعيه، بصحة الخبر ونسبته إلى قائليه، ولا شك أن هذا من الأخبار المتواترة التى استوفت شروط التواتر، وإنما الخلاف بين العلماء فى وجود الخبر المتواتر فى السنة النبوية، وقد ذهبوا فى هذا الخلاف إلى ثلاثة مذاهب:
(1) انظر: القاموس المحيط 2/150،151، ومختار الصحاح ص707، 708، والمصباح المنير2/647.
(2)
مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/7 وانظر: نزهة النظر لابن حجر ص 17، والإحكام للآمدى 2/14، 15، والبحر المحيط 4/231، وإرشاد الفحول 1/200، والإبهاج فى شرح المنهاج 2/285، والحصول للرازى 2/108، وانظر: قواعد التحديث للقاسمى ص146.
1-
المذهب الأول: وعليه ابن حبان والحازمى وغيرهما أن الحديث المتواتر فى السنة المستوفى لشروط التواتر لا وجود له بالمرة، وإنما الموجود منه هو الحديث الآحاد الذى قد يبلغ درجة الاستفاضة والشهرة (1) .
2-
المذهب الثانى: أن الحديث المتواتر فى السنة نادر قليل يعز وجوده، وعليه الحافظ أبو عمرو المعروف بابن الصلاح حيث يقول فى مقدمته علوم الحديث:"ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فيما يروى من الحديث أعياه تطلبه"(2) .
3-
المذهب الثالث: وهو مذهب الجمهور أن الحديث المتواتر فى السنة له وجود كثير، وأيد ذلك بأنه يوجد بالفعل أحاديث متواترة كثيرة فى كتب الحديث المشهورة، مثل الكتب الستة والمسانيد، وغيرها، وهذه الكتب قد انتشرت واشتهرت بين أهل العلم وقطعوا بصحة نسبتها إلى أصحابها الذين صنفوها وألفوها، وكثيراً ما تجتمع هذه الكتب، وتتفق على إخراج أحاديث قد تعددت طرقها فىكل طبقات رواتها تعدداً يحيل العقل تواطؤهم على الكذب عادة أو صدوره منهم اتفاقاً، وقد انتهت إلى قول من أقوال الرسول، أو فعل من أفعاله، أو بيان حالة من حالاته.
…
وقد أفادنا اجتماعها العلم بصحة نسبة هذه الأحاديث إلى قائلها، ولا شك أن ذلك هو الحديث المتواتر المستوفى لشروطه التى سبق ذكرها.
(1) شروط الأئمة الخمسة للحازمى ص 31، 32، 37.
(2)
علوم الحديث ص 162.
وقد نص على هذا الحافظ ابن حجر فقال فى شرحه على نخبة الفكر: "ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجوداً وجود كثرة فى الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدى أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث، وقد تعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقينى بصحته إلى قائله، ومثل ذلك فى الكتب المشهورة كثير (1) أ. هـ.
…
وقد رد الجمهور على أصحاب المذهبين الأولين القائلين بعدم وجود الحديث المتواتر، أو بعزة وجوده، بأن قولهما إنما نشأ من الآتى:
عدم معرفة طرق الأحاديث وعدم الوقوف على أحوال رواتها وصفاتهم.
وإما لعدم إطلاعهم عليها.
وإما لعدم استيعابهم ذلك، وقصر باعهم عن الوقوف عليها.
ولو عرفوا ذلك لعلموا أن هناك أحاديث كثيرة ينطبق عليها شروط التواتر (2) .
…
ويمكن الجمع بين هذه المذاهب الثلاثة بما يلى:
أولاً: أن القائلين بعدم وجود الحديث المتواتر إنما أرادوا المبالغة فى بيان قلته وندرة وجوده، وبذلك عاد أصحاب المذهب الأول إلى المذهب الثانى.
(1) نزهة النظر ص 19، وانظر: تدريب الراوى 2/178 - 179، والبحر المحيط 4/248، والمدخل إلى السنة النبوية لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد المهدى عبد القادر ص 331.
(2)
انظر: طعن فضيلة الشيخ شلتوت رحمه الله فى هذا الرأى تحت عنوان "الإسراف فى وصف الأحاديث بالتواتر وأسبابه" الإسلام عقيدة وشريعة ص 62 - 65.
ثانياً: يجمع بين المذهب الثانى القائل بعزة وجود الحديث المتواتر، ومذهب الجمهور القائل بكثرة وجوده، بأن القائلين بعزته إنما أرادوا الأحاديث المتواترة تواتراً لفظياً، وأن القائلين بكثرته إنما أرادوا الأحاديث المتواترة تواتراً معنوياً، وهذا حق؛ لأن المتواتر لفظاً قليل، وأهل الحديث لا يكادون يتفقون إلا على القليل منه، والمتواتر معنى كثير" (1) أ. هـ.
(1) وبذلك قال شارح مسلم الثبوت 1/120 وما بعدها، وانظر: مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/19 - 22، ودراسات أصولية فى السنة ص 161، وانظر: أمثلة على الأحاديث المتواترة فى الأزهار المتناثرة فى الأخبار المتواترة للسيوطى، ونظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتانى، وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة بما وقع من الزيادة فى نظم المتناثر على الأزهار المتناثرة للسيد عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغمارى، ضمن مجموعة الحديث الصديقية.