الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول عبد الجبار فى أحاديث الرؤية: "ومما يتعلقون به، أخبار مروية عن النبى صلى الله عليه وسلم، وأكثرها يتضمن الجبر والتشبيه، فيجب القطع على أنه صلى الله عليه وسلم، لم يقله وإن قال فإنه قاله حكاية عن قوم، والراوى حذف الحكاية ونقل الخبر"(1) .
…
وبقول المعتزلة قال نابتة من المنحرفين بتعارض الحديث مع القرآن، والسنة، والعقل، وصرحوا بوضع الحديث" (2) .
الجواب عن شبهات المعتزلة ومن قال بقولهم فى إنكار رؤية رب العزة جل جلاله
أولاً: إن الأحاديث التى دلت على ثبوت الرؤية تبلغ حد التواتر أخرجها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد واعتنى بجمعها أئمة من العلماء كالدارقطنى، وأبى نعيم الأصبهانى، وأبى بكر الأجرى وغيرهم الكثير (3) .
وقد نص على تواتر أحاديث الرؤية جماعة من العلماء، منهم الحافظ ابن تيمية (4) ، وابن قيم (5) ، وابن كثير (6) ، وابن أبى العز (7) ، وعبد العزيز الغمارى (8) وغيرهم.
(1) شرح الأصول ص 268، وانظر: آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويماً ص83، والمعتزلة وأصولهم الخمسة ص 127.
(2)
انظر: أبو هريرة لعبد الحسين شرف الدين ص 68، وما بعدها، وأضواء على السنة ص 231، والأضواء القرآنية 2/299، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 40، 42، 163، 219، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 239، ودين السلطان ص 177 وما بعدها وغيرهم.
(3)
انظر: بيان تلبيس الجهمية فى تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية 1/348.
(4)
انظر: مجموع الفتاوى 3/390.
(5)
حادى الأرواح ص 219 - 251.
(6)
انظر: تفسير القرآن العظيم 2/161.
(7)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية 1/243.
(8)
انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 239 رقم 307، وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص 226 - 227.
.. قال الحافظ ابن حجر: "جمع الدارقطنى طرق الأحاديث الواردة فى رؤية الله تعالى فى الآخرة فزادت على العشرين، وتتبعها ابن قيم الجوزية فى حادى الأرواح فبلغت الثلاثين، وأكثرها جياد، وأسند الدارقطنى عن يحيى بن معين قال: "عندى سبعة عشر حديثاً فى الرؤية صحاح" (1) .
وفى تواتر حديث الرؤية رد على المعتزلة، ومن قال بقولهم من أعداء السنة "بوجوب القطع على أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل حديث الرؤيا وأنه مكذوب عليه"(2) .
كما أن فى تواتر حديث الرؤيا بيان أن القضية مع أعداء السنة ليست قضية متواتر يؤخذ به فى العقائد، وآحاد لا يؤخذ به، كلا، القضية، قضية عقولهم وأصولهم الإلحادية التى قدموها على النصوص. كتاب وسنة، وإلا فلو صدقوا فى زعمهم بأن العقائد تؤخذ من الدليل اليقينى الحاصل بالتواتر، فلم لم يأخذوا بحديث الرؤية هنا مع تواتره (3) ؟!!
…
ثم ألا يكفى ثبوت الرؤيا بكتاب الله المتواتر؟! ويصبح حديث الرؤيا على فرض أنه آحاد دليل ظنى راجع إلى دليل قطعى وهو القرآن، ومبين له، وبالتالى يجب العمل بالظن هنا كما سبق من قول الإمام الشاطبى (4) ؟!
ثانياً: لقد تظاهرت أدلة الكتاب، والسنة، والعقل، وأجمع الصحابة، والذين من بعدهم من سلف هذه الأئمة وأئمتها من أهل السنة والجماعة على أن الله عز وجل يرى فى الدار الآخرة، يراه المؤمنون رؤية حقيقية، تليق به سبحانه وتعالى، من غير إحاطة، ولا كيفية (5) .
(1) انظر: فتح البارى 13/443، والمنهاج شرح مسلم للنووى 2/20 رقمى 180، 181.
(2)
شرح الأصول ص 268، وراجع: المصادر المسمومة السابقة ص 756.
(3)
انظر: شرح الأصول ص 269.
(4)
راجع: ص 523، 564.
(5)
انظر: المنهاج شرح مسلم للنووى 2/20 رقمى 180، 181، والإنصاف للباقلانى ص 176، 181، والفصل فى الملل والنحل 3/4، وفتح البارى 13/434–442 أرقام 7445-7449.
كما اتفقوا على أنه لا يراه أحد بعينى رأسه فى الدنيا، وذلك لقوله تعالى لموسى عليه السلام:"لَنْ تَرَانِى"(1)، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم:"تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت"(2) وهى وإن كانت جائزة عقلاً وليست بمستحيلة، إلا أن البشر لا يطيقون رؤيته فى هذه الدار لعجز أبصارهم وضعفها.
ولذا من ادعى رؤية الله فى الدنيا بعينى رأسه فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة وهو ضال (3) .
وإنما الخلاف فى رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل بعينيه فى الدنيا، فأثبت ذلك قوم ونفاه آخرون. والجمهور أنه لم يره بعينيه لقوله فى حديث أبى ذر رضي الله عنه:"نور أنى أراه" وفى رواية: "رأيت نوراً"(4) ومن قال رآه بعينى رأسه ليلة المعراج، قال رأه كما سيراه المؤمنون يوم الآخرة، رؤية حقيقية تليق به سبحانه وتعالى من غير إحاطة ولا كيفية (5) .
…
وهذه بعض النصوص التى تدل على إثباتها من القرآن، والسنة، والعقل، وأقوال سلفنا الصالح.
أ- القرآن الكريم:
(1) جزء من الآية 143 من سورة الأعراف.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد9/279رقم2931 من حديث بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. وانظر: الابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية ص 84.
(3)
انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/358، ومجموع الفتاوى 3/389، وشرح العقيدة الطحاوية 1/245، والجامع لأحكام القرآن 7/55، ولوامع الأنوار البهية للسفارينى 2/285، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/230.
(4)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب فى قوله صلى الله عليه وسلم:"نوراً أنى أراه" وفى قوله "رأيت نوراً" 2/15 رقم 178.
(5)
الإنصاف للباقلانى ص176،وانظر: الإسراء والمعراج للدكتور أبو شهبة67-69،وزاد المعاد 3/36-38
1-
قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (1) . وبيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة:
…
الوجه الأول: إنه لا يظن بكليم الرحمن، ورسوله الكريم عليه، أن يسأل ربه ما لا يجوز عليه، بل هو من أبطل الباطل وأعظم المحال.
…
الوجه الثانى: إن الله سبحانه لا ينكر عليه سؤاله، ولو كان محالاً لأنكره عليه. ولهذا لما سأل إبراهيم الخليل ربه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحى الموتى لم ينكر عليه، ولما سأل عيسى بن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر سؤاله. ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله وقال:{إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (2) أ. هـ.
…
الوجه الثالث: إنه إجابة بقوله: "لن ترانى" ولم يقل لا ترانى ولا إنى لست بمرئى، ولا تجوز رؤيتى، والفرق بين الجوابين ظاهر لمن تأمله. وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته فى هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى.
…
الوجه الرابع: قوله تعالى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت لتجليه له فى هذه الدار، فكيف بالبشر الضعيف الذى خلق من ضعف.
(1) الآية 143 من سورة الأعراف.
(2)
الآية 46 من سورة هود.
.. الوجه الخامس: إن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقراً مكانه وليس هذا بممتنع فى مقدوره، بل هو ممكن وقد علق به الرؤية، ولو كانت محالاً فى ذاتها لم يعلقها بالممكن فى ذاته. بل لو كانت محالاً لكان ذلك نظير أن يقول: إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام.
…
الوجه السادس: قوله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} وهذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك وتعالى فإنه إذا جاز أن يتجلى للجبل الذى هو جماد لا ثواب له ولا عقاب، فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه ورسله، وأوليائه فى دار كرامته ويريهم نفسه؟ فأعلم سبحانه وتعالى موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته فى هذه الدار فالبشر أضعف.
…
الوجه السابع: إن ربه سبحانه وتعالى قد كلمه، وخاطبه، وناجاه، وناداه، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز، ولهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار التكليم (1) .
2-
قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (2) استدل بهذه الآية ابن عباس – رضى الله عنهما – وجماعة من التابعين منهم الحسن البصرى، وعكرمة مولى ابن عباس على جواز الرؤية، وكذا استدل بها مالك والشافعى رحمهما الله (3) وهو قول المفسرين من أهل السنة والجماعة (4) .
(1) حادى الأرواح ص 212 – 213 بتصرف، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية 1/241، 242، والانصاف للباقلانى ص 177.
(2)
الآيتان 22، 23 من سورة القيامة.
(3)
انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائى 2/464.
(4)
انظر: شرح الطحاوية1/239، وتفسير القرآن العظيم 4/450، والعقيدة الصحيحة فى الله وما ثار حولها من مشكلات للحافظ النابلسى ص 29.
3-
قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1) الحسنى: هى الجنة، والزيادة هى النظر إلى وجه الله الكريم، بذلك فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ثم تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (2) .
4-
قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} (3) قال الرازى: "فإن إحدى القراءات فى هذه الآية فى "َمُلْكًا" بفتح الميم وكسر اللام، وأجمع المسلمون على أن ذلك الملك ليس إلا الله تعالى، وعندى أن التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها (4) .
5-
قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (5) ففى هذه الآية دليل على أن الله تعالى يرى فى القيامة، ولولا ذلك ما كان فى هذه الآية فائدة، ولا خصت منزلة الكفار بأنهم يحجبون.
(1) الآية 26 من سورة يونس.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين فى الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 2/19، 20 رقم 181، والبيهقى فى البعث والنشور ص 261 رقم 446 من حديث صهيب رضي الله عنه من حديث صهيب رضي الله عنه وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/255 وما بعدها، وحادى الأرواح ص 214 – 215، والجامع لأحكام القرآن 8/330، وتفسير القرآن العظيم 2/414 وشرح العقيدة الطحاوية 1/240.
(3)
الآية 20 من سورة الإنسان.
(4)
التفسير الكبير 13/131، وانظر: مناهل العرفان 1/150.
(5)
الآية 15 من سورة المطففين.
قال الإمام الشافعى: "لما حجب قوماً بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه فى المعاد لما عبده فى الدنيا"(1) وجمهور المفسرين ذهبوا إلى تفسير حجب الكفار عن ربهم، بالمنع من رؤيته يوم القيامة (2) .
ب- أدلة السنة:
…
أما الأحاديث الصحيحة التى تدل على رؤية الله فى الآخرة فهى كثيرة متوافرة بلغت حد التواتر، فى الصحاح، والسنن، والمسانيد، من تلك الأحاديث:
ما روى فى الصحيحين من حديث جرير (3) قال: "كنا جلوساً عند النبى صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فى رؤيته (4)
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/506، وانظر: مناقب الشافعى للبيهقى 1/419، ومناقب الشافعى للرازى ص 111.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 19/261. وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/506.
(3)
جرير هو: جرير بن عبد الله البجلى. صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة1/232 رقم 1136، وأسد الغابة 1/529 رقم 730، والاستيعاب 1/236 رقم322،وتاريخ الصحابة ص 59، 60 رقم 193، ومشاهير علماء الأمصار ص56 رقم 275
(4)
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تضامون فى رؤيته" فيه عدة وجه منها:
أحدهما: "لا تُضَامُّون" بتشديد الميم، وضم التاء، وهو تَفَاعَلُون من الضَّمِّ، أى لا ينضم بعضكم إلى بعض حال الرؤية لإشكاله وخفائه، كما يكون وقت الهلال، أى ترون الله عياناً ظاهراً لا يحتاج بعضكم أن ينضم إلى بعض فى الاستعانة به لجلائه.
والوجه الثانى والثالث: "لا تضارَّون بتشديد الراء، أصله "تَضارَرُون" أو تُضَارَرُون من الضُّرِّ، أى لا يضركم أحد، ولا تضرُّوا أحداً، بمنازعة ولا مجادلة، ولا مضايقة، لأن ذلك كله إنما يتصور فى مَرْئىّ يُرى فى حين واحد، أو جهة مخصوصة، أو قدر مقّدر وذلك كله فى حق الله تعالى محال.
والوجه الرابع: "لا تُضّامُون، أو لا تُضَاهُون" فى رؤيته أى لا يُشبِّهُون ربكم بغيره، والمضاهاة المشابهة أ. هـ. وغير ذلك من الوجود انظر: الابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية ص89، 90، وفتح البارى 11/455 رقم 6574، 13/446 أرقام 7434 – 7447.
، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا (1)، وفى رواية عنه رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم، "إنكم سترون ربكم عياناً" (2) . وفى الصحيحين أيضاً من حديث أبى موسى الأشعرى مرفوعاً:"جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما. وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن"(3) .
ج- أدلة العقل:
(1) البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قول الله تعال "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" 13/429، 430 رقم 7434، ومسلم (بشرح النووى) كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاتى الصبح والعصر والمحافظة عليهما3/143،144رقم633واللفظ للبخارى.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" 13/430 رقم 7435.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" 13/433 رقم 7444، ومسلم (شرح النووى) كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين فى الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 2/19 رقم 180 واللفظ المسلم.
.. قال القاضى الباقلانى (1) : يدل على الرؤية من جهة العقل: أنه تعالى موجود، والموجود لا يستحيل رؤيته، وإنما يستحيل رؤية المعدوم. وأيضاً فإنه تعالى يرى جميع المرئيات، وقد قال تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (2) وقال تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} (3) وكل راء يجوز أن يرى.
ولا يجوز أن تحمل الرؤية منه تعالى على العلم -كما تزعم المعتزلة لأنه تعالى فصل بين الأمرين، فلا حاجة بنا أن نحمل أحدهما على الآخر، ألا ترى أنه سمى نفسه عالماً، وسمى نفسه مريداً، ولا يجوز أن نحمل الإرادة على العلم، كذلك لا تحمل الرؤية على العلم. فاعلمه.
…
وجواب آخر: وهو أن الصحابة سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا؟ فقال: "نعم" ولا يجوز أن يكون سؤالهم: هل نعلم ربنا أو يعلمنا ربنا.
(1) الباقلانى: هو محمد بن الطيب بن محمد، القاضى أبو بكر الباقلانى، البصرى المالكى الأشعرى الأصولى المتكلم، صاحب المصنفات الكثيرة فى علم الكلام وغيره توفى سنة 403هـ. له ترجمة فى: الديباج المذهب 363 رقم 490، وشذرات الذهب 3/168، ووفيات الأعيان 3/400 رقم 580، وسير أعلام النبلاء 11/43 رقم 3734، وشجرة النور الزكية 1/92 رقم 209.
(2)
الآية 14 من سورة العلق.
(3)
الآية 218 من سورة الشعراء.
فبطل قول من يحمل الرؤية على العلم، ولهذا أجاب صلى الله عليه وسلم:"سترونه كما يرى القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب وكما ترى الشمس ليس دونها سحاب"(1) يعنى لا تشكون فى رؤيته كما لا يشك من رأى القمر والشمس فيها، فشبه الرؤية بالرؤية فى نفى الشك عن الرائى، ولم يشبه المرئى بالمرئى. فاعلم ذلك" (2) أ. هـ.
د- آثار السلف:
…
وأما الآثار التى وردت عن سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم – فى إثبات رؤية الله عز وجل فى الآخرة للمؤمنين، فهى أكثر من أن تذكر سبق منها قول الإمام الشافعى.
ويقول فى ذلك الإمام أحمد – رحمه الله: "من كذب بالرؤية فهو زنديق" وقال: "نؤمن بها أى الرؤية وأحاديثها، ونعلم أنها حق، فنؤمن بأن الله يرى، نرى ربنا يوم القيامة، لا نشك فيه ولا نرتاب".
(1) البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" 13/430 رقم 7437، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية 2/21، 22 رقم 182 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(2)
الانصاف للباقلانى ص181، 182 وانظر: الابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية ص 78، 79
.. وقال أيضاً: "من زعم أن الله لا يرى فى الآخرة فقد كفر بالله، وكذب بالقرآن ورد على الله أمره، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل"(1) .
…
وسئل الإمام على بن المدينى (2) الإمام عبد الله بن المبارك عن رؤية الله تعالى فقال: ما حجب الله عز وجل أحداً إلا عذبه، ثم قرأ:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (3) قال: الرؤية. فقلت له يا أبا عبد الله: إن عندنا قوماً من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وأهل الجنة يرون ربهم، فحدثنى بنحو عشرة أحاديث فى هذا، وقال: أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن التابعين، والتابعون أخذوه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمن أخذوه؟! (4) أ. هـ.
…
أما ما تعلق به المعتزلة من قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (5) وزعمهم بتعارض الآية مع الحديث (6) .
(1) لوامع الأنوار البهية للسفارينى 2/246.
(2)
على بن المدينى هو: على بن عبد الله بن معمر بن نجيح، أبو الحسن، ابن المدينى البصرى، ثقة ثبت إمام، أعلم أهل عصره بالحديث وعلله. توفى سنة 234هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/697، 698 رقم 4776، والإرشاد للخليلى ص 188، والثقات للعجلى ص 349 رقم 1198، والكاشف 2/42 رقم 3937، وطبقات الحفاظ 187 رقم 414، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/146 رقم 40.
(3)
الآيات 15 – 17 من سورة المطففين.
(4)
لوامع الأنوار2/245،وانظر: حادى الأرواح ص252،وشرح أصول اعتقاد أهل السنة2/504
(5)
جزء من الآية 103 من سورة الأنعام.
(6)
شرح الأصول ص 233- 242.
.. قال الإمام الباقلانى: "الآية لا حجة لهم فيها وهى حجة عليهم. لأنه قال: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ولم يقل لا تراه الأبصار، والإدراك بمعنى يزيد على الرؤية، لأن الإدراك: الإحاطة بالشئ من جميع الجهات، والله تعالى لا يوصف بالجهات، ولا أنه فى جهة، فجاز أن يرى وإن لم يدرك (1) .
وجواب آخر: أن معنى الآية لا تدركه الأبصار فىالدنيا، وإن جاز أن تدركه فىالآخرة، ليجمع بين قوله تعالى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (2) وبين قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .
وجواب آخر على دعوى التناقض: "لا تدركه الأبصار" يعنى أبصار الكفار دون المؤمنين، ليجمع بين قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (3) وبين قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (4) . وهذا صحيح، لأن الحجاب لما كان للكفار دون المؤمنين، كذلك الرؤية للمؤمنين دون الكفار" (5) أ. هـ.
(1) انظر: الإسراء والمعراج للدكتور محمد أبو شهبة ص 67.
(2)
جزء من الآية 103 من سورة الأنعام.
(3)
الآيتان 22، 23 من سورة القيامة.
(4)
الآية 15 من سورة المطففين.
(5)
الانصاف للباقلانى ص 184، وانظر: فتح البارى 8/473 وما بعدها رقم 4855.
.. أما ما احتجوا به من خبر عائشة – رضى الله عنها – لما قال لها ابن الزبير – وهو ابن أختها – يا أماه: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: يا ابن أختى لقد وقف شعر بدنى، والله تعالى يقول:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (1) . وفى رواية قالت: "من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم، رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية
…
قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (2) .
…
قالوا: فموضع الدليل من الخبر أنها أكبرت ذلك ونفت الرؤية عن الله تعالى، فدل أن ذلك مستحيل فى حقه سبحانه وتعالى، كما قالوا بتعارض الخبرين (3) .
قال القاضى الباقلانى والجواب على ذلك من أوجه:
أولهما: أن ابن عباس رضي الله عنه وغيره من الصحابة قد صرحوا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم، رأى ربه ليلة أسرى به بعينى رأسه، ولو كان ذلك مستحيلاً لم يقع الخلاف فيه بين الصحابة، كما لم يقع بينهم الخلاف فى ما هو مستحيل على الله تعالى من الولد والزوجة، والشريك، ونحو ذلك. فلما وقع بينهم الخلاف فى ذلك وانقرض عصرهم على ذلك، دل على أن الرؤية جائزة غير مستحيلة. فبطل ما ذكر.
(1) الآية 51 من سورة الشورى.
(2)
الآية 103 من سورة الأنعام، والحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب فى سورة النجم8/472 رقم 4855، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: ولقد رآه نزلة أخرى، وهل رأى النبى ربه ليلة الإسراء 2/8، 9 رقم 177.
(3)
انظر: الإنصاف ص 186، وشرح الأصول ص 267-270.