الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثانى السدى الصغير، فالكبير من ثقات أهل السنة (1) ، والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضى غال (2) .
3-
ومن مكايدهم أنهم ينسبون بعض الكتب لكبار علماء السنة مشتملة على مطاعن فى الصحابة، وبطلان مذهب أهل السنة، وذلك مثل كتاب (سر العالمين) فقد نسبوه إلى الإمام الغزالى (3) -رحمه الله تعالى- وشحنوه بالهذيان، وذكروا فى خطبته على لسان ذلك الإمام وصيته بكتمان هذا السر وحفظ هذه الأمانة وما ذكر فى هذا الكتاب فهو عقيدتى، وما ذكر فى غيره؛ فهو للمداهنة، فقد يلتبس ذلك على بعض القاصرين
…
نسأل الله تعالىالعصمة من الزلل.
4-
ومن مكايدهم أنهم يذكرون أحد علماء المعتزلة، أو الزيدية أو نحو ذلك، ويقولون: إنه من متعصبى أهل السنة، ثم ينقلون عنه ما يدل على بطلان مذهب أهل السنة، وتأييد مذهب الإمامية الإثنى عشرية ترويجاً لضلالهم؛ كالزمخشرى صاحب الكشاف الذى كان معتزلياً تفضيلياً، والأخطب الخوارزمى؛ فإنه زيدى غال، وابن أبى الحديد شارح نهج البلاغة الذى هو من غلاة الشيعة على حد قول، ومن المعتزلة على قول آخر، وهشام الكلبى، وكذلك المسعودى صاحب مروج الذهب، وأبو الفرج الأصفهانى صاحب كتاب الأغانى وغيرهم، وقصدوا بذلك إلزام أهل السنة بما لهم من الأقوال، مع أن حالهم لا تخفى حتى على الأطفال (4) .
المبحث الرابع: التعريف بالمعتزلة وموقفهم من السنة النبوية
تمهيد:
المعتزلة: اسم يطلق على فرقة ظهرت فى الإسلام فى القرن الثانى الهجرى ما بين سنة 105 وسنة 110هـ بزعامة رجل يسمى واصل بن عطاء الغزال، ونشأت هذه الفرقة متأثرة بشتى الاتجاهات الموجودة فى ذلك العصر، وقد أصبحت المعتزلة فرقة كبيرة تفرعت عن الجهمية فى معظم الآراء، ثم انتشرت فى أكثر بلدان المسلمين انتشاراً واسعاً، وعن كثرتهم وانتشارهم يقول الشيخ جمال الدين القاسمى "هذه الفرقة من أعظم الفرق رجالاً وأكثرها تابعاً، فإن شيعة العراق على الإطلاق معتزلة، وكذلك شيعة الأقطار الهندية، والشامية، والبلاد الفارسية، ومثلهم الزيدية فى اليمن. فإنهم على مذهب المعتزلة فى الأصول كما قاله العلامة المقبلى فى "العلم الشامخ" وهؤلاء يعدون فى المسلمين بالملايين،
(1) السدى الكبير: هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة السدى، نسبة إلى سدة مسجد الكوفة كان يبيع بها المقانع، صدوق يهم، ورمى بالتشيع مات سنة 127هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1 /97 رقم 464، والكاشف 1 /247 رقم 391، والثقات للعجلى ص 66 رقم 94، والجرح والتعديل 2 /184 رقم 625.
(2)
السدى الصغير: هو محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل الكوفى، متهم بالكذب. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2 /131 رقم 6303، والمجروحين لابن حبان 2 /286، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص358، والضعفاء والمتروكين للنسائى ص 219 رقم 565، والجرح والتعديل 8 /86 رقم 364، والضعفاء لأبى زرعة الرازى 2 /657 رقم 306.
(3)
الغزالى: هو محمد بن محمد الغزالى، أبو حامد، الملقب بحجة الإسلام، كان بارعاً فى الفقه، وأصول الدين، وأصول الفقه، والمنطق والفلسفة، من أشهر مصنفاته: المستصفى فى أصول الفقه، وإحياء علوم الدين، مات سنة 505هـ. له ترجمة فى: وفيات الأعيان لابن خلكان 4 /216 رقم 588، وطبقات الشافعية لابن السبكى 6/389 رقم 694، وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص 69، وشذرات الذهب 4 /10.
(4)
مختصر التحفة الإثنى عشرية للعلامة الألوسى ص32،33 بتصرف، وانظر: منهاج السنة لابن تيمية 3 /246.
بهذا يعلم أن الجهمية المعتزلة ليسوا فى قلة فضلاً عن أن يظن أنهم انقرضوا وأن لا فائدة من المناظرة معهم، وقائل ذلك جاهل بعلم تقويم البلدان ومذاهب أهلها (1) .
والمعتزلة: قوم من المتكلمين فتنتهم؛ الفلسفة اليونانية، والمنطق اليونانى، وما نقل من الفلسفة الهندية، والأدب الفارسى، وقد كانوا كلهم أو جمهورهم ممن ينتمون إلى أصل فارسى فأولوا القرآن الكريم لينسجم مع الفلسفة اليونانية، وكذبوا الأحاديث التى لا تتفق مع هذه العقلية اليونانية الوثنية، واعتبروا فلاسفة اليونان أنبياء العقل الذى لا خطأ معه (2)، المحقق الكبير محمد محيى الدين عبد الحميد: وكان أول من استعان بالفلسفة اليونانية، واستقوا منها فى تأييد نزعاتهم، فأقوال كثيرة من أقوال النظام وأبى الهذيل والجاحظ وغيرهم بعضها نقل بحت من أقوال فلاسفة اليونان، وبعضها يستقى من نبعه ويغترف من معينه بشئ من التحوير والتعديل (3) . فكثيراً ما تطالعنا فى كتب الفرق أثناء الحديث عن أحد المعتزلة أو تحليل مبدأ من مبادئهم عبارات تثبت تأثرهم بهذه المصادر الأجنبية مثل:"قد طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة"(1) ومثل: "اقتبس هذا الرأى من الفلاسفة"(2) و"هذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة"(3) ومثل: "قد أخذ العلاف عن أرسطو طاليس"(4) .
والمعتزلة حين حاولت فى أول الأمر أن تواجه المتكلمين فى الديانات السالفة للإسلام والمذاهب المنحرفة، استطاعت أن تحقق نتائج طيبة، ولكنها حين استقلت بنفسها وخرجت عن حدودها لتقيم لنفسها منهجاً عقلانياً خالصاً يستعلى على مفهوم الإسلام الجامع؛ فإنها قد انحرفت انحرافاً شديداً واخطأت خطأ بالغاً، وكان نتيجة طبيعية لتأثرها بشتى الاتجاهات الموجودة فى عصرها، ثم أثرت هى الأخرى بعد ذلك فى تلك الاتجاهات الفكرية قديماً (5) ، وتأثر بها حديثاً كثير من خصوم الإسلام، وأعداء السنة، حيث وجدوا فى مذهبهم الفكرى عشاً يفرخون فيه بمفاسدهم وآرائهم، ويطلقون من قنواته دسهم على الإسلام والسنة النبوية المطهرة أ. هـ. (6) .
وترجع بداية نشأة المعتزلة كفرقة ذات اتجاه سياسى ومنهج فكرى، إلى ما وقع بين الحسن البصرى (7) ،
(1) تاريخ الجهمية ص 56، وانظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام للدكتور غالب عواجى 2/821، والخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية للدكتور محمد عمارة ص 273.
(2)
السنة ومكانتها فى التشريع ص7، وانظر: الفرق بين الفرق ص 127، والملل والنحل 1/32، وموقف المعتزلة من السنة النبوية ومواطن انحرافهم عنها للدكتور أبولبابة حسين ص42-46.
(3)
مقالات الإسلاميين مقدمة المحقق 1/23، وانظر: فجر الإسلام ص 474، وضحى الإسلام 3/95،96.
(1)
الملل والنحل 1 /53، 54.
(2)
الملل والنحل 1 /50.
(3)
مقالات الإسلاميين 2 /277.
(4)
مقالات الإسلاميين 2 /278، وانظر: تاريخ المذاهب الإسلامية ص 130، 131
(5)
انظر: تفصيل تأثر المعتزلة بغيرها من الفرق، وتأثيرها فى غيرها سواء مما تأثرت به أو غيرها فى: مقالات الإسلاميين 1 /187، ورسائل العدل والتوحيد للدكتور محمد عمارة 1 /79، وضحى الإسلام3 /207وفرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام2 /865، والشيعة الإثنا عشرية ومنهجهم فى التفسير ص 562، والمعتزلة واتجاههم العقلى وأثره فى تطور الفكر الإسلامى الحديث ص420، 421، 422، والاتجاه الاعتزالى فى الفكر الإسلامى الحديث للدكتور أحمد محمد عبد العال.
(6)
انظر: المؤامرة على الإسلام للأستاذ أنور الجندى ص 21، وموقف المعتزلة من السنة للدكتور أبو لبابة ص 169-172، وتاريخ المذاهب الإسلامية ص 131.
(7)
الحسن البصرى: هو الحسن بن أبى الحسن يسار البصرى، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت كان عالماً رفيعاً ثقة حجة ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر.ومات سنة 110هـ له ترجمة فى: وفيات الأعيان 2 /69 رقم 156، وتهذيب التهذيب 2/263 رقم 488، وطبقات المفسرين للداودى 1 /150 رقم 144، وتذكرة الحفاظ 1 /71 رقم 66، ومشاهير علماء الأمصار ص113 رقم 642.
وواصل بن عطاء من خلاف فى حكم مرتكب الكبيرة، حين سئل الحسن البصرى عن ذلك، فبادر واصل بن عطاء إلى الجواب قبل أن يجيب الحسن البصرى، ومن هنا تطور الأمر إلى اعتزال واصل ومن معه حلقة الحسن البصرى، فسموا معتزلة، وإلى هذا ذهب أكثر العلماء (1) .
وقد ضعف هذا الرأى الدكتور أحمد أمين، وأياً كانت بداية نشأتهم، فالذى يعنينا ويهمنا هنا فى هذا المقام هو أصول مذهبهم الفكرى، وأثرها على السنة المطهرة.
وإذا كانت المعتزلة قد تفرقت إلى فرق كثيرة تصل إلى اثنتين وعشرين فرقة واختلفوا فى المبادئ والتعاليم إلى حد تكفير كل فرقة الأخرى، إلا أنه يجمعهم إطار عام، وهو الاعتقاد بالأصول الخمسة:
1-
التوحيد على طريقة الجهمية.
2-
العدل على طريقة القدرية.
3،4،5 - والوعد، والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على طريقة الخوارج (2) .
ولقد حددها على هذا النحو الخياط (3)، صاحب الانتصار عندما قال: "وليس يستحق أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا كملت فى الإنسان هذه الخصال الخمس؛ فهو معتزلى (4) .
يقول الدكتور محمد عمارة: "وإذا كان هذا التحديد لهذه الأصول الخمسة قد شاع الشيوع الأكبر، وانتشر الانتشار الأعم لدى أهل العدل، والتوحيد، كما شاع عنهم لدى كتاب المقالات، فإننا نجد الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسى (ت - 246هـ) وهو معاصر لأبى الهذيل العلاف يحدد هذه الأصول بأنها:
1-
التوحيد، 2- والعدل، 3- والوعد والوعيد، 4- والمنزلة بين المنزلتين، 5- والقرآن الكريم والسنة المطابقة له، 6- وأصل سادس يمكن أن نسميه العدالة الاجتماعية، والمالية، والاقتصادية.
(1) انظر: الملل والنحل للشهرستانى1 /40، والفرق بين الفرق للبغدادى ص116، وفرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام 2 /822، والخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية للدكتور محمد عمارة ص179-198
(2)
انظر: الفرق بين الفرق ص112 - 115، وفرق معاصرة 2 /822.
(3)
الخياط: هو أبو الحسين، عبد الرحيم بن محمد بن عثمان، شيخ المعتزلة البغدادية من نظراء الجبائى، وله مكانة عند المعتزلة. من آثاره: الانتصار، والرد على من أثبت خير الواحد.له ترجمة فى: تاريخ بغداد 11 /87 رقم 5770،ولسان الميزان 4 /342 رقم 5156، وسير أعلام النبلاء 14 /220 رقم 121، واللباب فى تهذيب الأنساب 1 /475، وطبقات المعتزلة لابن المرتضى ص 85.
(4)
الانتصار ص 188، 189.
بينما نجد هذه الأصول عند مفكر آخر هو أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840هـ) على النحو المشهور عند المعتزلة، وبدلاً من أصل الوعد والوعيد أصل آخر وهو:
تولى الصحابة والاختلاف فى عثمان رضي الله عنه بعد الأحداث والبراءة من معاوية وعمرو بن العاص -رضى الله عنهما-.
يقول الدكتور عمارة: "ومعنى هذا أن خلاف أهل العدل والتوحيد - ولا نقول المعتزلة - حول هذه الأصول، هو أمر غير مستبعد تماماً، وإن عدتها الأغلبية الساحقة من مفكريهم خمسة، على النحو الذى قدمناه فى أول هذا الحديث، وإذاً فليس خلافهم فقط فى فروع هذه الأصول، كما يقول البعض، بل وأحياناً فى بعض هذه الأصول (1) .
ومعنى هذه الأصول إجمالاً:
1-
التوحيد: وهم يقصدون به البحث حول صفات الله تعالى، وما يجب له، وما يجوز، وما يستحيل، وفى هذا الأصل نفوا أن يكون لله تعالى صفات أزلية من علم، وقدرة، وحياة، وسمع، وبصر، بل، الله عالم، وقادر، وحى، وسميع، وبصير بذاته، وليست هناك صفات زائدة مع ذاته، وتأولوا الآيات التى تثبت هذه الصفات، والتى يفهم منها أن له صفات كصفات المخلوقين، ورفضوا الأحاديث التى تثبت هذه الصفات أيضاً، وحجتهم فى إنكار صفات الله عز وجل أن إثباتها يستلزم تعدد القدماء وهو شرك على حد زعمهم. ولأن إثبات الصفات يوحى بجعل كل صفة إلهاً، والمخرج من ذلك هو نفى الصفات وإرجاعها إلى ذات البارى تعالى، فيقال عالم بذاته، قادر بذاته إلخ، وبذلك يتحقق التوحيد فى نظرهم، والمعتزلة فى نفيهم الصفات وتعطيلها وتأويل ما لا يتوافق مع مذهبهم من نصوص الكتاب والسنة وافقوا بذلك الجهمية (المعطلة)
…
فهم الذين أحيوا آرائهم، ونفخوا فى رمادها، وصيروها جمراً من جديد، ومن هنا استحق المعتزلة أن يطلق عليهم جهمية أو معطلة (1) ، وبناء على هذا الأصل أطلق المعتزلة على من عاداهم وخصوصاً أهل السنة أسماء جائرة مثل المشبهة، والحشوية.
(1) رسائل العدل والتوحيد 1 /76، 77، وانظر: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية كلاهما للدكتور محمد عمارة ص 186، 187، 196.
وسموا أنفسهم أهل التوحيد، والمنزهون لله، حيث نفوا الصفات عنه (2) . وسيأتى الرد عليهم فى الباب الثالث.
2-
العدل: وهم يقصدون به البحث فى أفعال الله عز وجل التى يصفونها كلها بالحسن، ونفى القبح عنها، بما فيه نفى أعمال العباد القبيحة، وتحت ستار العدل؛ نفوا القدر، وأسندوا أفعال العباد إلى قدرتهم وأنهم الخالقون لها مع أنهم يؤمنون بأن الله تعالى عالم بكل ما يعمله العباد، وأنه تعالى هو الذى أعطاهم القدرة على الفعل أو الترك (3) .
والمعتزلة لنفيهم القدر يلقبون؛ بالقدرية لموافقتهم للقدرية فى إنكار القدر، وهم يسمون أيضاً؛ بالثنوية، والمجوسية؛ لقولهم إن الخير من الله، والشر من العبد، فوافقوا بذلك الثنوية، والمجوسية الذين يقررون وجود إلهين أحدهما للخير، والآخر للشر، وهم لا يرضون بهذه الأسماء السابقة من القدرية، والثنوية، والمجوسية، ويرضون باسم أهل العدل لنفيهم القدر، ولأن أهل السنة يثبتون القدر لله عز وجل ويؤمنون به خيره وشره، حلوه ومره، فهم يطلقون عليهم القدرية المجبرة (4) .
وبناء على هذا الأصل (العدل) الذى يعنى نفى القدر؛ تأولوا الآيات التى تفيد إثبات القدر لله عز وجل كقوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} (5) . وقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (6) .
(1) فرق معاصرة2/823،824،832، وانظر: فتح البارى 13 /357، وانظر: شرح الأصول ص197، وفضل الاعتزال ص140-141، وأدب المعتزلة ص135،136، ومقالات الإسلاميين 1 /235، والملل والنحل1/40، وموقف المعتزلة من السنة ومواطن انحرافهم عنها للدكتور أبو لبابة ص33
(2)
فرق معاصرة 2 /825.
(3)
فرق معاصرة 2 /834، وانظر: شرح الأصول ص 301، والملل والنحل 1 /41، والفصل فى الملل والنحل لابن حزم 3 /164 والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل 3 /8.
(4)
فرق معاصرة 2 /824، 825، وانظر: موقف المعتزلة من السنة للدكتور أبو لبابة ص 31.
(5)
جزء من الآية 8 من سورة الرعد.
(6)
الآية 21 من سورة الحجر.
وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1) .
ووقفوا من أحاديث القدر موقف الإنكار؛ فردوا الأحاديث الصحيحة التى تثبت القدر، وسيأتى تفصيل ذلك، والرد عليه فى الباب الثالث.
3-
الوعد والوعيد: وهم يقصدون به أن الله وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة بالعقاب فيجب على الله - تعالى الله عن ذلك - أن ينفذ وعده ووعيده؛ بأن يعطى العبد أجر ما كلفه به من طاعات استحقاقاً منه على الله مقابل وعد الله له إذا التزم العبد بجميع التكاليف التى اختارها الله وكلف بها عباده، وكذلك يجب على الله أن ينفذ وعيده فيمن عصاه، ويلزم على هذا الأصل أن الله عز وجل لا يعفو عمن يشاء، ولا يغفر لمن يريد؛ لأن ذلك يكون بخلف الوعيد والكذب، والله عز وجل لا يجوز عليه الخلف والكذب، وبمقتضى هذا الأصل فإن أصحاب الكبائر من عصاه المؤمنين إذا ماتوا من غير توبه؛ فإنهم يستحقون بمقتضى الوعيد من الله النار خالدين فيها إلا أن عقابهم يكون أخف من عقاب الكفار (2) .
وبناء على هذا الأصل تأولوا الآيات التى تفيد بأن الله عز وجل يعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء؛ كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3) . وقوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (4) .
واستدلوا بالآيات الواردة فى نفى الشفاعة عن غير المؤمنين الفائزين؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} (5) وكذا قوله تعالى {مَا للظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (6) إلى غير ذلك من الآيات الواردة بهذا المعنى.
وبناءً على هذا الأصل أيضاً ردوا الأحاديث الواردة فى شفاعة عصاة المؤمنين من أهل الكبائر، والأحاديث التى تفيد أنهم تحت المشيئة إن شاء الله عذبهم، وإن شاء غفر لهم. وسيأتى تفصيل ذلك والرد عليه فى الباب الثالث.
(1) الآية 49 من سورة القمر.
(2)
شرح الأصول ص 134، وانظر: الملل والنحل 1 /42، والمعتزلة زهدى جار الله ص 51، 52، وفضل الاعتزال ص 154.
(3)
الآية 48 من سورة النساء.
(4)
الآية 53 من سورة الزمر.
(5)
الآية 48 من سورة البقرة.
(6)
جزء من الآية 18 من سورة غافر.
4-
المنزلة بين المنزلتين: وهم يقصدون بها أن مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان، ولا يدخل فى الكفر؛ فهو ليس بمؤمن ولا كافر، لكنه فى منزلة بينهما فاسق، والفاسق يستحق النار والمعتزلة بقولهم بهذا الأصل وافقوا الخوارج؛ لأن الخوارج لما رأوا لأهل الذنوب الخلود فى النار سموهم كفرة، وحاربوهم، والمعتزلة رأت لهم الخلود فى النار، ولم تجسر على تسميتهم كفرة ولا جسرت على قتال أهل فرقة منهم، فضلاً عن قتال جمهور مخالفيهم، ولهذا قيل للمعتزلة: إنهم مخانيث الخوارج (1) .
ويعد هذا الأصل الرابع هو نقطة البدء فى تاريخ المعتزلة كما سبق فى نشأتهم.
وكان لهذا الأصل أثره السئ فى موقف المعتزلة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.، وخصوصاً أصحاب الجمل، وصفين من الفريقين؛ على، ومعاوية - رضى الله عن الجميع - كما سيأتى.
5-
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: هذا الأصل توافق فيه أهل السنة والمعتزلة، واتفقوا على أنه من الواجبات على الكفاية، وهو ما قرره المولى عز وجل فى كتابه العزيز {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2) . إلا أنه وقع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يلى:
أ- حملهم الناس على المعروف والمنكر فى مذهبهم وإلزامهم به، ويبدوا هذا واضحاً فى محنة خلق القرآن.
ب- طريقة تغيير المنكر؛ ساروا فيها عكس الحديث الوارد عن النبى صلى الله عليه وسلم.، فى بيان موقف المسلم من المنكر إذا رآه وهو قوله صلى الله عليه وسلم.:"من رأى منكم منكراً؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"(3) بينما تغيير المنكر عندهم يبدأ بالحسنى، ثم باللسان، ثم باليد، ثم بالسيف على عكس ما يرشد إليه الحديث، ويذهب إليه أهل الحق.
ج- حمل السلاح فى وجوه المخالفين لهم سواء كانوا من الكفار أو من أصحاب المعاصى من أهل القبلة.
(1) الفرق بين الفرق للبغدادى ص116، وانظر: الملل والنحل 1 /42، وشرح الأصول ص137، 697، وفضل الاعتزال 17، 64.
(2)
الآية 104 من سورة آل عمران، وانظر: شرح الأصول ص 141، 744.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان كون النهى عن المنكر من الإيمان
…
إلخ 1 /296، 297 رقم 49 من حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه.
د- أوجبوا الخروج على السلطان الجائر، وهم فى كل ذلك متأثرون بتنطع الخوارج (1) . وخلاصة هذا الأصل عندهم أنهم قالوا: "علينا أن نأمر غيرنا بما أمرنا به، وأن نلزمه بما يلزمنا (2) .
ومن فوارق الأصول عند المعتزلة ما ذهب إليه الإمام القاسم الرسى: "أن القرآن الكريم فصل محكم، وصراط مستقيم، ولا خلاف فيه ولا اختلاف، وأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما كان لها ذكر فى القرآن ومعنى (3) .
وفى هذا الأصل الخامس بيان لموقفهم السئ من سنة المعصوم صلى الله عليه وسلم.، فهم لا يأخذون إلا بالسنة الموافقة للقرآن فقط، ولا يأخذون بالسنة المستقلة، وهذا الموقف له أثره السئ حيث اتخذوه منهجاً خاصاً بهم حكموا من خلاله على سنة النبى صلى الله عليه وسلم.، وهو عرض الحديث على القرآن الكريم، فما خالفه ولو مخالفة ظاهرية يمكن الجمع بينهما ردوه حتى ولو كان فى أعلى درجات الصحة.
ومن فوارق الأصول عند المعتزلة أيضاً ما ذهب إليه أحمد بن يحيى المرتضى؛ تولى الصحابة، والاختلاف فى سيدنا عثمان رضي الله عنه بعد الأحداث، والبراءة من معاوية وعمرو بن العاص - رضى الله عنهما-.
فاتفق المعتزلة على صحة خلافة أبى بكر، حتى من قال منهم بأفضلية علىِّ على أبى بكر - رضى الله عنهما - حيث أنهم رأوا علياً بايع أبا بكر غير مكره، فلابد أن تكون بيعته صحيحة، فإذا وصلنا إلى سيدنا عثمان رضي الله عنهم، نرى الخياط المعتزلى يقول: إن واصل بن عطاء وقف فى عثمان وفى خاذليه وقاتليه وترك البراءة من واحد منهم؛ لأنه أشكل عليه الأمر بين حالته المحمودة قبل أحداث السنين الست الأواخر وبعدها،
(1) فرق معاصرة 2 /849 - 851، وانظر: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ص 256، 261، والمعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها للأستاذ عواد عبد الله ص273، 276.
(2)
شرح العقيدة الطحاوية 2 /286.
(3)
رسائل العدل والتوحيد 1 /76، وانظر: رسائل الجاحظ 1 /287، وفضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 181، 182.