الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلذلك من الأثر ماله فى إثبات النبوة وإعطاء الأسوة وتعميق الإيمان، وتوكيد العلاقة والمحبة والتوقير بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم.، والالتزام بسنته المطهرة (1) .
أما علماء الأصول: فإنهم يعنون بالبحث فى مصادر الشريعة، وأخذ الأدلة الشرعية من النصوص، واستنباط الأحكام منها - ومن هنا كان اهتمامهم بالسنة من حيث كونها المصدر الثانى للتشريع بعد كتاب الله تعالى فعرفوها بأنها كل ما صدر عن النبى صلى الله عليه وسلم. من قول، أو فعل، أو تقرير، أو ترك، أو كتابة، أو إشارة مفهمه أو هم مصحوب بالقرائن، أو غير ذلك مما يثبت الأحكام ويقررها، مما لم ينطق به الكتاب العزيز (2) .
أما الفقهاء فيطلقون كلمة "سنة" ويعنون بها ما يقل عن درجة الوجوب والإلزام، فالواجب والفرض عندهم ما يثاب فاعله، ويعاقب تاركه، أما السنة عندهم - فهى ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها مما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم. وواظب عليه؛ لأنها فى اصطلاحهم - أقل إلزاماً من الفرض، ونظرة الفقهاء إلى السنة خاضعة لتخصصهم، ولموضوع علمهم الذى هو البحث عن حكم الشرع على أفعال العباد من حيث الوجوب والتحريم والاستحباب والكراهة والإباحة ومن هنا خضع تعريفهم للسنة إلى تخصصهم الذى يعملون فيه (3) .
السنة وعمل الصحابة:
يقول فى ذلك الدكتور محمد عجاج الخطيب، إلى جانب المعنى السابق الذى يدل عليه لفظ السنة، فقد يطلق العلماء (محدثين وأصوليين وفقهاء) لفظ السنة أحياناً على ما عمل به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. سواء أكان ذلك فى القرآن الكريم أم فى المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم. أم لا، لكنه اتباعاً لسنة ثبتت عندهم، أو اجتهادٍ مجتمعاً عليه منهم.
(1) شذرات من علوم السنة لفضيلة الأستاذ الدكتور الأحمدى أبو النور 1 /44، وعلوم الحديث لفضيلة الأستاذ الدكتور مروان شاهين ص 16.
(2)
انظر: الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 1 /127، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2 /223، وغاية الوصول شرح لب الأصول زكريا الأنصارى ص 91، ومناهج العقول للبدخشى 2 /269، وإرشاد الفحول للشوكانى 1 /155، وأصول الفقه للخضرى ص250،251.
(3)
تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص 13.
ومن أبرز ما ثبت فى السنة بهذا المعنى حد الخمر، حيث كان تعزير شارب الخمر فى عهده صلى الله عليه وسلم. غير معين فكانوا يضربونه تارة أربعين جلده، وتارة يبلغون ثمانين جلدة، فلما كان عهد عمر (1) رضي الله عنه استشار الناس؛ فقال عبد الرحمن بن عوف (2) رضي الله عنه أخف الحدود ثمانون، وقال على (3) رضي الله عنه نرى أن نجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فجلد عمر رضي الله عنه فى الخمر ثمانين (4) .
وثبت فى ذلك أيضاً تضمين الصناع. وقضى الخلفاء رضي الله عنهم بذلك، قال على رضي الله عنه لا يصلح الناس إلا ذاك؛ لأن الناس بحاجة إلى الاستصناع، وعدم تضمين الصناع يورث الإهمال فى العمل وعدم المسئولية، مما يؤدى إلى ضياع أموال الناس (5) .
ومن ذلك أيضاً، جَمْعُ المصاحف فى عهد أبى بكر برأى عمر -رضى الله عنهما- (6) ، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد من الحروف السبعة وتدوين الدواوين، وما أشبه ذلك مما اقتضاه النظر المصلحى الذى أقره الصحابة -رضوان الله عليهم- أجمعين (7) .
ومما يدل على إطلاق السنة بهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم. فيما رواه عنه العرباض بن سارية (8) رضي الله عنه قال:
(1) عمر بن الخطاب: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 3 /518 رقم 5752، والاستيعاب 3 /1144 رقم 1878، واسد الغابة 4 /137 رقم 3830، وتذكرة الحفاظ 1/5 رقم 2، وطبقات الحفاظ ص 13 رقم 2، وتاريخ الصحابة ص 23 رقم2، ومشاهير علماء الأمصار ص 10 رقم 3، وتجريد أسماء الصحابة 1 /397.
(2)
عبد الرحمن بن عوف: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2/456 رقم 5195، والاستيعاب 2 /844 رقم 1455، واسد الغابة 3/475 رقم 3370، وتاريخ الصحابة ص 25 رقم 9، ومشاهير علماء الأمصار ص 14 رقم 12.
(3)
على بن أبى طالب: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2/507 رقم 5704، والاستيعاب 3 /1089 رقم 1855، واسد الغابة 4 /87 رقم 3789، وتاريخ الصحابة ص 24 رقم 4، ومشاهير علماء الأمصار ص 11 رقم 5، وتذكرة الحفاظ 1 /10 رقم 4، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 14 رقم 4.
(4)
أخرجه مالك فى الموطأ كتاب الأشربة، باب الحد فى الخمر 2 /642 رقم 2.
(5)
الاعتصام للشاطبى 2 /119، وانظر: منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص81-96.
(6)
انظر: الحديث فى صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن 8 /627 رقم 4986.
(7)
الموافقات للشاطبى 4 /5،6، وانظر: المدخل إلى السنة النبوية ص 32، 33.
(8)
العرباض بن سارية: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2 /473 رقم 5501، والاستيعاب 3 /1238 رقم 2026، واسد الغابة 4 /19 رقم 3630، وتاريخ الصحابة 199 رقم 1062، ومشاهير علماء الأمصار ص 65 رقم 331.
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع، والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"(1) وقوله صلى الله عليه وسلم. فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو (2) -رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "إن بنى اسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين، كلهم فى النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هى يا رسول الله قال: ما أنا عليه وأصحابى"(3) .
واستدل على ذلك أيضاً بأن السلف كانوا يقولون: سنة العمريين أى أبى بكر وعمر -رضى الله عنهما-، ومما أخرجه ابن عبد البر بسنده عن مالك بن أنس (4) قال عمر بن عبد العزيز (5) :
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى لزوم السنة 4 /200 رقم 4607، والترمذى كتاب العلم، باب ما جاء فى الأخذ بالسنة واجتناب البدع 5 /43-44 رقم2676،وابن ماجة فى المقدمة، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1 /15-17 رقمى 42-43 وغيرهم.
(2)
عبد الله بن عمرو: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2 /351 رقم 4865، والاستيعاب 3 /256 رقم 1636، واسد الغابة 3 /345 رقم 3092، وتجريد أسماء الصحابة 1 /326، وتاريخ الصحابة رقم 721، ومشاهير علماء الأمصار ص71 رقم 377، وتذكرة الحفاظ 1 /41 رقم 19، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 18 رقم 19.
(3)
أخرجه الترمذى كتاب الإيمان، باب ما جاء فى افتراق هذه الأمة5/26رقم2641، وقال أبو عيسى: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه، وانظر: أصول الحديث علومه ومصطلحه للدكتور محمد عجاج الخطيب بتصرف يسير ص 21، 22.
(4)
مالك بن أنس: هو الإمام مالك بن أنس، أحد أعلام الإسلام، إمام دار الهجرة، وصاحب الموطأ، توفى سنة 179هـ. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ1 /207 رقم199،وطبقات المفسرين للداودى 2 /294رقم 613،والديباج المذهب ص56،وشذرات الذهب1 /289، والثقات للعجلى ص417 رقم 1521، ومروج الذهب3/350، ومشاهير علماء الأمصار ص169 رقم1110
(5)
عمر بن عبد العزيز: هو عمر بن العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص الأموى، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولى إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولى الخلافة بعده، فعد من الخلفاء الراشدين مدة خلافته سنتان ونصف، توفى سنة 101هـ. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 1 /188 رقم 104، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص53 رقم 101، وتقريب التهذيب 1 /722 رقم 4956، والكاشف 2/65 رقم 4089، ومشاهير علماء الأمصار ص 209 رقم 1411.
سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سنناً الأخذ بها تصديق بكتاب الله صلى الله عليه وسلم، واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله، من عمل بها؛ فهو مهتد، ومن استنصر بها؛ فهو منصور، ومن خالفها؛ اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً (1) .
وإذا كان عمل الصحابة رضي الله عنهم يطلق عليه لفظ السنة - فلا يعنى هذا أن السنة معناها فى صدر الإسلام "العادات والتقاليد الوراثية فى المجتمع العربى الجاهلى، ثم نقلت إلى الإسلام" كما زعم جولدتسيهر وغيره، لأن تلك الادعاءات كما قال الدكتور الأعظمى تخالف مخالفه جذرية ما دلت عليه النصوص القطعية والتى تفسر بعضها بعضاً. لما رواه أحمد فى مسنده عن سالم (2) قال "كان عبد الله بن عمر (3) يفتى بالذى أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيه: فيقول ناس لابن عمر: كيف تخالف أباك؟ وقد نهى عن ذلك، فيقول لهم عبد الله ويلكم ألا تتقون الله إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغى فيه الخير، يلتمس به تمام العمرة، فلم تحرمون ذلك؟ وقد أحله الله وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. أفرسول الله صلى الله عليه وسلم. أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر"(4) .
فدل ذلك على أن لفظ "السنة" فى صدر الإسلام كان معلوماً بأنها سنة النبى صلى الله عليه وسلم. وليس ما كان معروفاً مألوفاً فى الجاهلية، إذ لو كان الفرق الشائع، أو تقاليد المجتمع الجاهلية هما "السنة" فكيف نفسر قول ابن عمر هذا؟ (5) .
(1) أخرجه الخطيب فى الفقيه والمتفقة، باب القول فى أنه يجب إتباع ما سنه السلف من الإجماع والخلاف وأنه لا يجوز الخروج عنه1 /435رقم 455، والآجرى فى الشريعة ص48،65،306، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم، باب الحض على لزوم السنة والاقتصار عليها 2 /187.
(2)
سالم: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى، أبو عمر أو أبو عبد الله، المدنى، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عابداً فاضلاً، يشبه أبيه فى الهدى والسمت. روى عن أبيه وأبى هريرة، وعنه الزهرى، وصالح بن كيسان. مات سنة 106هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1 /335 رقم 2182، والكاشف 1/422 رقم 1773، والجرح والتعديل 3 /168، وتاريخ الثقات للعجلى ص 174 رقم 499، ومشاهير علماء الأمصار ص 85 رقم 438.
(3)
عبد الله بن عمر: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2 /347 رقم 4852، والاستيعاب 3 /340 رقم 1630، واسد الغابة 3 /336 رقم 3082 وتذكرة الحفاظ 1 /37 رقم 17، وتاريخ الصحابة 149 رقم 719، ومشاهير علماء الأمصار ص 23 رقم 55، وتجريد أسماء الصحابة 1 /325.
(4)
أخرجه أحمد فى مسنده 2 /95.
(5)
دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 1 /5-11 بتصرف، وانظر: السنة فى مواجهة أعدائها ص 36 وما بعدها.
هذا وإن كانت السنة تطلق على ما عمل به أصحاب رسول الله رضي الله عنهم كما سبق، فهى أيضاً تطلق ويراد بها الجانب العملى الذى نقل لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الحديث: فهو الأخبار التى نقلت لنا عنه صلى الله عليه وسلم. من أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته
…
إلخ. وفى ضوء ذلك نستطيع أن نفهم قول العلماء فى وصف أحدهم مثلاً (إمام فى الحديث) أو (إمام فى السنة) أو قولهم عنه إنه (إمام فيهما معاً) ، أى أنه عالم فى الحديث، وعالم بالسنة يطبقها على نفسه، ويلتزم بها فى سلوكه.
والسنة بهذا المعنى الأخير تباين البدعة التى ليست من الدين والتى اعتبرها الرسول صلى الله عليه وسلم. ضلالة؛ لأنها ليست من شرع الله فى شئ، وكل ضلالة فى النار. وفى ضوء ذلك أيضاً نستطيع أن نفهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم. "من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(1)
…
ووفقاً لهذا المعنى نستطيع أن نفهم أيضاً قول عبد الرحمن ابن مهدى (2) -وهو واحد من أفذاذ علم الحديث ورجاله، ومن كبار العلماء بالسنة - حينما سئل عن مالك بن أنس، والأوزاعى (3)، وسفيان بن عيينة (4) فقال: الأوزاعى إمام فى السنة وليس بإمام فى الحديث، وسفيان إمام فى الحديث وليس بإمام فى السنة، ومالك إمام فيهما معاً.
(1) الحديث متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها، أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جدر 5 /355 رقم 2697. ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور 6 /256، 257 رقم 1718.
(2)
عبد الرحمن بن مهدى: هو عبد الرحمن بن مهدى بن حسان البصرى، الثقة، الأمين، العالم بالحديث وأسماء الرجال، كان الشافعى يرجع إليه فى الحديث، وقال عنه: لا اعرف له نظيراً فى الدنيا. مات سنة 198هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1 /592 رقم 4032، والكاشف 1 /645 رقم 3323، والجرح والتعديل 5 /288 رقم 1382، والثقات للعجلى، ص 299 رقم 985، وتذكرة الحفاظ1 /329 رقم313، وطبقات الحفاظ للسيوطى، ص144رقم 301، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1 /141 رقم 35.
(3)
الأوزاعى: هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، أبو عمرو الأوزاعى، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، وهو صاحب مدرسة فى الفقه، وكان مذهبه منتشراً فى الشام انتشاراً واسعاً، وظل لمذهبه أنصار فى المغرب والأندلس حتى القرنين الثالث والرابع للهجرة، ثم توارى أمام مذهب الشافعى ومذهب مالك. مات سنة 158هـ له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 1 /178 رقم 177، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 85 رقم 168، والثقات للعجلى ص 296 رقم 970، ومشاهير علماء الأمصار ص 211 رقم 1425، والثقات لابن حبان 7 /62، ووفيات الأعيان 3 /127 رقم 361، وتهذيب التهذيب 6 /238 رقم 484.
(4)
سفيان بن عيينة: هو سفيان بن عيينه بن أبى عمران، أبو محمد، الكوفى ثم المكى، أحد أئمة الإسلام الأعلام، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخره، وربما دلس، ولكن عن الثقات. مات سنة 198هـ. وله ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 1 /262 رقم 249، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 119 رقم 238، وطبقات المفسرين للداودى 1 /196 رقم 187، والثقات للعجلى ص 194 رقم 577، ومشاهير علماء الأمصار ص 179 رقم 1181.
وإجابة عبد الرحمن بن مهدى واضحة الدلالة على أن السنة -فى مثل هذا الاستعمال- إنما يراد بها الجانب العملى فى الإسلام، أما الحديث فهو الاشتغال بما نقل لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. من أقواله وأفعاله وتقريراته
…
إلخ.
ومن هنا يقولون أيضاً: فلان صاحب سنة وفلان صاحب بدعة، أما الأول، فلأنه يتبع هدى النبى صلى الله عليه وسلم.، "وأما الثانى؛ فلأنه يحاول أن يلحق بالدين ما ليس منه (1) .
يقول الدكتور صبحى الصالح: وأغرب من هذا كله أن أحد المفهومين يدعم بالآخر كأنهما متغايران من كل وجه، حتى صح أن يذكر ابن النديم كتاباً بعنوان "السنن بشواهد الحديث"(2) .
وهناك تفريق آخر بين الحديث والسنة وهو ما ذكره العلامة الكتانى من أن الموقوف لا يسمى سنة، ولكنه يسمى حديثاً" (3) .
ويعقب الدكتور محمد الصباغ: على التفريق بين السنة والحديث فى قول الأمام عبد الرحمن بن مهدى فيقول: ولكن هذا التفريق لم يعش طويلاً فيما بعد، وأضحت الكلمتان مترادفتين، ولا نذكر هذا التفريق إلا من أجل فهم مثل العبارة الواردة عن ابن مهدى والتى ذكرناها آنفاً (4) .
هذا ومرادى بالسنة هنا: ما أراده المحدثون وذهب إليه جمهورهم وهى: أقوال النبى صلى الله عليه وسلم. وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلْقِية والخُلُقِية وسيره ومغازيه قبل البعثة مثل تحنثه فى غار حراء (5) ، ومثل حسن سيرته، لأن الحال يستفاد منها ما كان عليه من كريم الأخلاق ومحاسن الأفعال؛ كقول أم المؤمنين خديجة -رضى الله عنها- له صلى الله عليه وسلم. كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق (6)
(1) الزرقانى على الموطأ 1 /3.
(2)
علوم الحديث ومصطلحه ص 6.
(3)
الرسالة المستطرفة ص 32.
(4)
الحديث النبوى مصطلحه، بلاغته، كتبه ص 146.
(5)
متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحى، باب رقم 3، 1 /30 رقم 3، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1 /474 رقم 160.
(6)
راجع تخريجه فى نفس الحديث السابق.
ومثل أنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وأنه عرف بالصدق والأمانة وما إلى ذلك من صفات الخير، وحسن الخلق، فمثل ذلك ينتفع به فى إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم. كثيراً كما حصل من هرقل فى حديثه المشهور (1) .
وهذا ما جعل العلماء يعتبرون كل ما يتصل به صلى الله عليه وسلم. قبل البعثة جزءاً من السنة؛ فالسنة عندهم تشمل كل ما يتصل بالرسول صلى الله عليه وسلم. قبل وبعد البعثة، ويدخل فى التعريف ما كان عليه عمل الصحابة. وهذا أجمع تعريف لها (2) . والسنة بهذا المعنى مرادفة للحديث النبوى عندهم (3) أ. هـ..
ومن هنا يظهر فساد قول جولدتسيهر: فى كتابه (دراسات محمدية) يجب أن يكون مصطلح "الحديث"، ومصطلح "السنة" متميزين عن بعضهما (4) ، فهما ليسا بمعنى واحد، وإنما السنة دليل الحديث (5) .
وجولدتسيهر بزعمه هذا لم يفرق بين المعانى اللغوية والمعانى الاصطلاحية للفظتين: الحديث والسنة لذلك تراه يخلط فى الموضوع بعدم التزامه باصطلاحات علماء الشرع، مما جعله يظن أن الخلاف فى معانى لفظ (حديث) و (سنة) هو نوع من الاضطراب فى التفكير عند المسلمين، وهذه الاصطلاحات قد استوفيناها قبل قليل، فظهر أنه لم يعتبر اصطلاحات القوم، بل لم يقترب منها أدنى الاقتراب.
وقوله (إنما السنة دليل الحديث) هذه الدعوى جره إليها تفريقه بين الحديث والسنة، وكان الأشبه العكس، فالحديث دليل السنة، فهما بمعنى واحد فى اصطلاح الأصوليين.
ومن هنا جاء قولهم: سنة ثابتة عن الرسول، وسنة غير ثابتة عنه.
(1) متفق عليه من حديث أبى سفيان بن حرب (البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب، بدء الوحى باب رقم 6، 1 /42 رقم 7، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبى صلى الله عليه وسلم.، إلى هرقل يدعوه للإسلام 6/346 رقم 1773.
(2)
انظر: جامع العلوم والحكم 2 /120، والمدخل إلى السنة النبوية ص33، 34.
(3)
الحديث والمحدثون للدكتور أبو زهو ص 10، وانظر: تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص 28، 29.
(4)
نقلاً عن ضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير نصر ص 314.
(5)
العقيدة والشريعة فى الإسلام جولد تسيهر ص 49، وممن فرق بينهما أيضاً الأستاذ محمد رشيد رضا، انظر: مجلة المنار المجلد 10 /852،853.
فالأولى: لأنه ثبت عن الرسول الكريم أنه قال ذلك الشئ أو فعله أو أقره، وطريقة ثبوت ذلك عن الرسول هو وجود الحديث الشريف الذى يتضمن ذلك ويشهد عليه.
الثانية: لأنه لم نجد حديثاً عن النبى قولاً أو فعلاً أو تقريراً يؤكدها، فهى بذلك سنة غير ملزمة وكذلك إذا قيل: السنة كذا، ومن السنة كذا، وهكذا السنة كلها دليل شرعى ملزم؛ لأن ذلك ثابت عن النبى (بوجه من الوجوه (1) أ. هـ. .
والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم
(1) ضوابط الرواية عند المحدثين، ص 314 - 322 بتصرف.