الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: وكون الحديث آحاداً ومن أجل ذلك سهل رده، قول مردود
، وحجة داحضة، وقد سبق الكلام عن ذلك فلا إعادة ههنا (1) .
…
وقول السيد رشيد رضا بأنه: غريب عن التشريع؛ لأنه ينافى قاعدة تحريم الضار، واجتناب النجاسة.
يرد عليه: بأن الحديث لم ينف ضرر الذباب بل أثبت ذلك، فذكر أن فى أحد جناحيه داء، ولكنه زاد ببيان أن فى الآخر شفاء، وأن ذلك الضرر يزول إذا غمس الذباب كله (2) .
…
يقول الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله: "وأعلم أن فى الذباب عندهم قوة سمية يدل عليها الورم، والحكمة العارضة عن لسعة، وهى بمنزلة السلاح، فإذا أسقط فيما يؤذيه اتقاه بسلاحه، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله سبحانه فى جناحه الآخر من الشفاء، فيغمس كله فى الماء والطعام، فيقابل المادة السمية المادة النافعة، فيزول ضررها، وهذا طب لا يهتدى إليه كبار الأطباء وأئمتهم، بل هو خارج من مشكاة النبوة، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا العلاج، ويقر لمن جاء به، بأنه أكمل الخلق على الإطلاق، وأنه مؤيد بوحى إلهى خارج عن القوة البشرية (3) .
…
وقال الشوكانى – رحمه الله: "والفائدة فى الأمر بغمسه جميعاً هى أن يتصل ما فيه من الدواء بالطعام أو الشراب كما اتصل به الداء، فيتعادل الضار والنافع فيندفع الضرر"(4) .
(1) راجع إن شئت ص 497، 552-566، 751-753، 757، 758، 787-788.
(2)
انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى المجلد 1/61.
(3)
زاد المعاد 4/112.
(4)
نيل الأوطار 1/56، وانظر: سبل السلام 1/37.
.. والقول بنجاسة الذباب لا دليل عليه؛ لأنه لا ملازمة بين الضرر والنجاسة، ولذا كان هذا الحديث من أدلة العلماء على أن الماء القليل لا ينجس بموت ما لا نفس له سائلة فيه، إذ لم يفصل الحديث بين موت الذباب، وحياته عند غمسه (1) .
…
قال الإمام الخطابى –رحمه الله:"فيه من الفقه: أن أجسام الحيوان طاهرة، إلا ما دلت عليه السنة من الكلب وما لحق به فى معناه.وفيه دليل: علىأن ما لا نفس له سائلة إذا مات فى الماء القليل لم ينجسه، وذلك أن غمس الذباب فى الإناء قد يأتى عليه. فلو كان نجسه إذا مات فيه، لم يأمر بذلك. لما فيه من تنجس الطعام، وتضييع المال، وهذا قول عامة العلماء"(2) .
…
والقول بأنه لا فرق بين جناحى الذباب بأن يحمل أحدهما سماً، والآخر شفاء.
قول يناهض الحديث، بل ويخالف الواقع من اجتماع كثير من المتضادات فى الجسم الواحد كما هو مشاهد معروف. وقد أجاب عن ذلك العلماء فى السابق.
ولا أدرى أجهل ذلك الشيخ رشيد رضا – رحمه الله – مع سعة إطلاعه ونصرته للسنة – أم تجاهله؟ وكلا الأمرين ذميم فى حقه، وقد ذكر ذلك معاصروه (3) .
…
قال الحافظ ابن حجر: "وقال الخطابى: تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له فقال كيف يجتمع الشفاء والداء فى جناحى الذباب؟ وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الداء، ويؤخر جناح الشفاء، وما ألجأه إلى ذلك؟ قلت: وهذا سؤال جاهل، أو متجاهل، فإن كثيراً من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة. وقد ألف الله بينها وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان.
(1) انظر: فتح البارى 10/262 رقم 5782، ونيل الأوطار 1/56، وسبل السلام 1/37.
(2)
معالم السنن5/340-341،وانظر: زاد المعاد4/111-112،وشرح السنة للبغوى11/260.
(3)
انظر: مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر 12/128 فى الهامش، ودفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص 338.