الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
الجواب:
…
نقول لهؤلاء النابتة الضالة التى تريد الطعن والتشكيك فى صحيح الإمام البخارى لتسقط مكانته كأصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، ولتسقط بسقوطه كل كتب السُّنة التى تليه، إذ هو بمثابة الرأس، لكتب السنة، وبسقوط الرأس يسقط كل الجسد.
نقول لهم إن كنتم صادقين فى دعواكم تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يشكك فى سيرته العطرة، وأخلاقه العظيمة، وتزعمون أن البخارى بإخراجه لهذه الرواية فى صحيحه، قد افترى كذباً على الرسول صلى الله عليه وسلم، وشكك فى أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وحاشا للإمام البخارى من ذلك. وإن كنتم حقاً أهل علم، وبحث عن الحقيقة،
فلماذا تعمدتم عدم ذكر اسم عنوان الباب الذى ذكر تحته الإمام البخارى هذا الحديث؟ وهو باب "ما يجوز أن يخلوا الرجل بالمرأة عند الناس".
ولماذا تجاهلتم ما قاله شُرَاح الحديث فى بيانهم للمراد من الخلوة، وكيف كانت تلك الخلوة، ولماذا اختلى بها النبى صلى الله عليه وسلم؟
…
نعم تعمدتم عدم ذكر ذلك تلبيساً منكم وتضليلاً للقارئ، ولأنكم تعلمون كما تعلم الدنيا بأسرها، أن فقه الإمام البخارى فى تراجم أبوابه، وتعلمون أنكم بذكركم عنوان الباب، ينكشف كذبكم وتضليلكم.
كما أنكم تجاهلتم ما قاله شراح الحديث من أئمة المسلمين، والذين تحرصون على وصفهم بأنهم يقدسون البخارى، ويعبدونه من دون الله "وحاشاهم من ذلك".
تجاهلتم ما فسروه وبينوه من معنى "خلوة الرجل بالمرأة عند الناس" وكيف كانت تلك الخلوة؟!
والنتيجة من تجاهلكم كل ذلك أنكم سفهتم عقول أئمة المسلمين، واستخففتم بعقول القارئ لكم.
…
وتعالوا بنا لنظهر للقارئ ما حرصتم على كتمانه، ولنترك له الحكم بعد ذلك، من الصادق، البخارى أم أنتم؟ ومن الطاعن والمشكك فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، البخارى أم أنتم؟
ومن المحترم لعقل القارئ، البخارى أم أنتم؟
.. يقول الحافظ "ابن حجر" – رحمه الله – شارحاً المراد من عنوان الباب الذى ذكر الإمام البخارى تحته حديث أنس قال: قوله: "باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس" أى لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بحيث لا يسمعون كلامهما، إذا كان بما يخافت به، كالشئ الذى تستحى المرأة من ذكره بين الناس، وأخذ المصنف قوله فى الترجمة "عند الناس" من قوله فى بعض طرق الحديث "فخلا بها فى بعض الطرق أو فى بعض السكك" وهى الطرق المسلوكة التى لا تنفك عن مرور الناس غالباً.
…
وقوله "فخلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" أى فى بعض الطرق، قال المهلب: لم يرد أنس أنه خلا بها، بحيث غاب عن أبصار من كان معه، وإنما خلا بها، بحيث لا يسمع من حضر شكواها، ولا ما دار بينهما من الكلام، ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله، ولم ينقل ما دار بينهما؛ لأنه لم يسمعه.
…
وفى رواية مسلم عن أنس "أن امرأة كان فى عقلها شئ فقالت: يا رسول الله! إن لى إليك حاجة، فقال: يا أم فلان! أى السكك شئت، حتى أقضى لك حاجتك، فخلا معها فى بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها"(1) .
…
قال الإمام النووى قوله: "خلا معها فى بعض الطرق" أى وقف معها فى طريق مسلوك، ليقضى حاجتها ويفتيها فى الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية، فإن هذا كان فى ممر الناس، ومشاهدتهم إ ياه وإ ياها، لكن لا يسمعون كلامها، لأن مسألتها مما لا يظهره" (2) .
(1) أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الفضائل، باب قرب النبى صلى الله عليه وسلم، من الناس وتبركهم به 8/90 رقم 2326، وأخرجه أبو داود فى سننه كتاب الأدب، باب الجلوس فى الطرقات 4/257 رقمى 4818، 4819.
(2)
المنهاج شرح مسلم للنووى 8/91.
.. قال الحافظ ابن حجر: وفى هذه الرواية بيان "أن مفاوضة الأجنبية سراً لا يقدح فى الدين عند أمن الفتنة، ولكن الأمر كما قالت عائشة: "وأيكم يملك أربه كما كان صلى الله عليه وسلم، يملك أربه" (1) .
…
أما قوله "والذى نفسى بيده"، إنكم أحب الناس إلىَّ –مرتين– وفى رواية ثلاث مرات، هو على طريق الإجمال، أى مجموعكم أحب إلى من مجموع غيركم".
…
وفى هذه الجملة منقبة للأنصار حيث جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم، حبهم من علامات الإيمان وبغضهم من علامات النفاق، فقال صلى الله عليه وسلم:"الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق ومن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله"(2) .
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض 1/481 رقم 302، وكتاب الصوم، باب المباشرة للصائم 4/176 رقم 1927، وأخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض فوق الإزار 2/207 رقم 293، وكتاب الصيام باب بيان أن القبلة فى الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته 4/231 رقم 1106، وانظر: فتح البارى 9/245 رقم 5234.
(2)
أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار من الإيمان 7/141 رقم 3783 ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلى رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق 1/340 رقم 75.
.. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال:"أية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار"(1) ومن هنا كرر الإمام البخارى، حديث أنس فى كتاب مناقب الأنصار.
قال الحافظ ابن حجر: "وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل، من إيواء النبى صلى الله عليه وسلم، ومن معه، والقيام بأمرهم، ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم، وإيثارهم إياهم فى كثير من الأمور على أنفسهم، فكان صنيعهم لذلك موجباً لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم، والعداوة تجر البغض، ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجباً للحسد، والحسد يجر البغض، فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب فى حبهم حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق، تنويهاً بعظيم فضلهم، وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم فى معنى ذلك مشاركاً لهم فى الفضل المذكور كل بقسطه. وقد ثبت فى صحيح مسلم عن علىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال له "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" (2) ، وهذا جار باطراد فى أعيان الصحابة، لتحقق مشترك الإكرام، لما لهم من حسن العناء فى الدين"(3) .
وبعد
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار 1/80 رقم17، وكتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار من الإيمان 7/141 رقم 3784، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلى رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق 1/340 رقم 128.
(2)
أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلىرضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق 1/341 رقم 78.
(3)
فتح البارى 1/81 رقم 17.
فقد ظهر واضحاً جلياً لكل ذى عقل، وقلب سليم، أن الحديث صحيح رواية ودراية، وأن ما زعمه أهل الزيغ من أن لفظ الخلوة فى الحديث - محمول على الخلوة المحرمة، مردود عليهم بما جاء فى بعض طرق الحديث "فخلا بها فى بعض الطرق أو بعض السكك، وهى الطرق التى لا يخلو منها المارة من الناس.
كما اتضح جلياً أن تلك المرأة التى خلى بها النبى صلى الله عليه وسلم، كانت لها مسألة أرادت أن تستفتى فيها النبى صلى الله عليه وسلم، وتلك المسألة مما تستحى من ذكره النساء بحضرة الناس، وكانت إجابة النبى صلى الله عليه وسلم، لها أن تلتمس بعض الطرق أى تلتمس أى جانب من الأماكن العامة التى لا تخلو من مرور الناس غالباً حتى يسمع حاجتها، ويقضيها لها، ومن هنا جاء التعبير بلفظ الخلوة، وكل هذا صرحت به رواية الإمام مسلم.
وما ختم به النبى صلى الله عليه وسلم، حديثه مع المرأة من قوله "والذى نفسى بيده إنكم أحب الناس إلى" هذا منه صلى الله عليه وسلم، تأكيداً لما قاله مراراً من جعله علامات الإيمان حب الأنصار، ومن علامات النفاق بغضهم، ثم إن هذه الكلمة قالها النبى صلى الله عليه وسلم، جهاراً على ملأ من الناس - لنساء وصبيان من الأنصار كانوا مقبلين من عرس.
…
ففى رواية البخارى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أبصر النبى صلى الله عليه وسلم، نساءاً وصبياناً مقبلين من عرس فقام ممتناً فقال "أنتم من أحب الناس إلى" (1) .
فهل بقى بعد كل هذا حجة فى الحديث لمن أرادوا أن يشوشوا به على سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، وهم يوهمون البسطاء أنهم من المحبين للنبى صلى الله عليه وسلم، المدافعين عنه، فىالوقت الذى يجحدون فيه سنته العطرة، ويطعنون فى عدالة الإمام البخارى، وفى صحيحه الجامع، ويسفهون عقول المسلمين القائلين بقول سلفهم الصالح رضي الله عنهم ويستخفون بعقول القارئ لهم؟ أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم للأنصار: أنتم أحب الناس إلى 7/142 رقم 3785، وكتاب النكاح، باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس 9/156 رقم 5180.