الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصادر الخوارج فى العقائد والأحكام:
خاض الخوارج - كغيرهم من الفرق - فى مسائل اعتقادية وفقهية إلا أنهم بصفة خاصة لم تصل إلينا أكثر آرائهم من كتبهم، وإنما وصلت إلينا من كتب أهل السنة وغيرهم من علماء الفرق الآخرين (1) .
فنقل عنهم باستثناء الإباضية منهم (2) أنهم ينكرون حجية الإجماع والسنن الشرعية، وقد زعمت هذه الطائفة أنه لا حجة فى شيء من شيء من أحكام الشريعة إلا من القرآن (3) .
وقد أطلق أتباع هؤلاء، وأتباع بعض غلاة الرافضة فى الأزمنة المتأخرة على أنفسهم اسم "القرآنيون"(5) ، وحجتهم الحديث الموضوع "ما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فإنى لم أقله"(6) .
وهم فى تعاملهم مع كتاب الله بين موقفين:
فتارة يكونون نصيين يجمدون على المعنى الظاهر من النص دون بحث عن معناه الذى يهدف إليه وهذا رأى أحمد أمين (7) ، وأبو زهرة (8) .
وتارة ثانية يؤولون النصوص تأويلاً يوافق أهواءهم، وقد غلطوا حين ظنوا أن تأويلهم هو ما تهدف إليه النصوص، وعلى هذا الرأى ابن عباس، وشيخ الإسلام ابن تيمية (9) ، وابن قيم الجوزية (10) .
(1) فرق معاصرة للدكتور غالب عواجى 1/106.
(2)
دراسات فى الحديث النبوى للدكتور محمد مصطفى الأعظمى 1/23.
(3)
أصول الدين للبغدادى ص 19، وانظر: الملل والنحل للشهرستانى 1/114، 115، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للإمام محمد الملطى ص52، والعقيدة والشريعة لجولد تسيهر ص193
وكان لموقفهم هذا من القرآن الكريم، وجهلهم بالحديث، وعدم تحملهم له عن غيرهم، لأنهم كفرة فى نظرهم سبباً فى أن عقائدهم وأحكامهم الفقهية جاءت مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، بل منه ما جاء مخالفاً لنصوص القرآن الكريم.
فمنهم من يرى أن التيمم جائز، ولو على رأس بئر، ومنهم من يرى أن الواجب من الصلاة إنما هو ركعة واحدة بالغداة وأخرى بالعشى، ومنهم من يرى الحج فى جميع شهور السنة، ومنهم من يبيح دم الأطفال والنساء ممن لا ينتمى إلى عسكرهم (1) ، ومنهم من جوز نكاح بنت الابن وبنت الأخ والأخت، ومنهم من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن، وأن من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن عند الله ولو اعتقد الكفر بقلبه، وعظم البلاء بهم وتوسعوا فى معتقدهم الفاسد، فأبطلوا رجم المحصن، وقطعوا يد السارق من الإبط، وأوجبوا الصلاة على الحائض فى حال حيضها، وكفروا من ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إن كان قادراً، وإن لم يكن قادراً فقد ارتكب كبيرة، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر، وكفوا عن أموال أهل الذمة، وعن التعرض لهم مطلقاً، وفتكوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبى والنهب، فمنهم من يفعل ذلك مطلقاً بغير دعوة منهم، ومنهم من يدعوا أولاً ثم يفتك (2) ، وغير ذلك الكثير والكثير.
يقول فضيلة الدكتور أبو زهو رحمه الله: وهذا مما يدل على جهل عميق حتى بالقرآن الكريم، وأكثر ذلك أتاهم كما قلنا من أنهم لا يعتدون برواية جمهور المسلمين، وكيف يأخذون دينهم عن قوم هم كفار فى نظرهم، وإنما يعتمدون ما رواه لهم أئمتهم، وهم كما قلنا خلو من العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.، بل خلوا من فهم أحكام القرآن على وجهها الصحيح.
(1) انظر: فتح البارى 12 /296، 297 أرقام 6930-6932، وانظر: الفرق بين الفرق للبغدادى ص88، والملل والنحل للشهرستانى 1 /113 - 119، ومقالات الإسلاميين 1 /173.
(2)
انظر: فتح البارى 12 /297، 298 أرقام 6930 - 6932، وانظر: أصول علم الحديث بين المنهج والمصطلح للدكتور أبو لبابة حسين ص 162-172.
ثم لا يغيب عن البال أن هذا الحكم لا يسرى على جميع أفراد الخوارج، بل قد وجد منهم فيما بعد أفراد وأئمة تفقهوا فى الدين، ورووا الحديث، واعتمدهم كما قال ابن الصلاح فى مقدمته بعض أئمة الحديث كالبخارى فقد احتج بعمران بن حطان (1) ، وهو من الخوارج لا سيما إذا علمت أن الخوارج يحكمون بكفر من يكذب؛ لأن مرتكب الكبيرة كافر فى نظرهم، والكذب من الكبائر أ. هـ. (2) .
قلت: احتجاج الإمام البخارى فى صحيحه بعمران بن حطان رغم أنه مبتدع من الخوارج؛ فقد كان رأس القعدية من الصفرية، وفقيههم، وشاعرهم، وخطيبهم مع كونه داعية إلى مذهبه فقد مدح (عبد الرحمن بن ملجم) قاتل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه. احتجاج البخارى به وبغيره من المبتدعين محمول على:
1-
أنه خرج لهم ما حمل عنهم قبل ابتداعهم.
2-
أو أنهم يكونون ممن تابوا ورجعوا عن بدعتهم فى آخر حياتهم.
3-
أو يكونون تبرؤوا مما نسب إليهم.
وعلى القول الأول حمل ما أخرجه الإمام البخارى عن عمران بن حطان قال ابن حجر رحمه الله: "وقد أخرج له البخارى على قاعدته فى تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متديناً وقيل: إن يحيى بن أبى كثير (3) ، حمله عنه قبل أن يبتدع"(4) وليس لعمران بن حطان فى البخارى سوى حديثين أحدهما متابعة (5) والآخر أصل (6) .
وعلى الأقوال السابقة يحمل أيضاً ما أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه عن المبتدعين.
(1) عمران بن حطان: هو عمران بن حطان بكر الحاء وتشديد الطاء المهملتين السدوسى، سمع عائشة وابن عمر وابن عباس، روى عنه يحيى بن أبى كثير، وكان رأساً فى الخوارج. وقال العقيلى: لا يتابع على حديثه ووثقه العجلى، وقال قتادة: كان لا يتهم فى الحديث، وقال أبو داود: ليس فى أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطان، وأبا حسان الأعرج، وذكره ابن حبان فى الثقات، مات سنة 184هـ له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1 /751 رقم 5168، والكاشف2 /92 رقم4262، ورجال صحيح البخارى للكلاباذى 2/574 رقم 904، والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسرانى1 /389 رقم 1484، والثقات للعجلى ص 373 رقم 1301، والثقات لابن حبان 5 /222، وانظر: حاشية ابن العجمى على الكاشف 2 /92، 93، والبيان والتوضيح لمن أخرج له فى الصحيح ومس بضرب من التجريح للعراقى ص 189 رقم 291.
(2)
الحديث والمحدثون ص 86، وانظر: الملل والنحل 1 /115، 116.
(3)
يحيى بن أبى كثير: هو يحيى بن أبى كثير من موالى بنى طئ من أهل البصرة عالم أهل اليمامة فى عصره، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل مات سنة 132هـ وقيل قبل ذلك. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2 /313 رقم 7660، والثقات لابن حبان 7 /591، والتاريخ الكبير للبخارى 4 /2 رقم 301، وصفوة الصفوة 4 /75 رقم 657، والكاشف 2 /373 رقم 6235، ومشاهير علماء الأمصار ص 224 رقم 1037.
(4)
فتح البارى 10 /302 رقم 5835.
(5)
انظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه 10/296 رقم 5835.
(6)
انظر: المصدر السابق نفس الكتاب، باب نقض الصور 10 /398 رقم 5952.