الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال لي ابن عوان: "إنى أرى هذه الكتب، يا أبا إسماعيل ستضل الناس"(1) .
درجة الأحاديث الواردة في النهى عن كتابة السنة:
تكلم عن بيان درجة الأخبار والآثار الواردة في النهى عن كتابة السنة الشيخ عبد لرحمن المعلمى في كتابه (الأنوار الكاشفة)(2) ، هذا فضلا عن حكم بعض أئمة الحديث قديما على بعضها، كما مر حكم الذهبي، وابن كثير على رواية أبى بكر الصديق رضي الله عنه وإحراقه للأحاديث التى جمعها، والحافظ الهيثمي تكلم عن بعضها في مجمع الزوائد (3) .
وخلاصة القول في الأحاديث المرفوعة: إنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. في النهى عن كتابة السنة إلا حديث أبى سعيد الخدرى الذي أخرجه مسلم مع اختلاف بعض العلماء في رفعه ووقفه، واعتبروا ذلك علة، فقال الحافظ ابن حجر:"ومنهم من أعل حديث أبى سعيد وقال: الصواب وقفه على أبى سعيد، قاله البخاري وغيره"(4) .
واعتقد أن هذا الرأى مجانب للصواب؛ حيث إن الحديث مخرج في صحيح الإمام مسلم مرفوعا _ كما سبق ويؤيد الرفع أمران:
أولاً: ما ذهب إليه جمهور المحدثين وصححوه في مسألة "حكم تعارض الرفع والوقوف من بعض الثقات أو من راو واحد" أن الحكم للرفع كما قال ابن الصلاح؛ لأن الرافع مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيًا فالمثبت مقدم عليه؛ لأنه علم ما خفى عليه.
ويقول الحافظ العراقي في تخريجه الكبير للإحياء عقب حكم اختلف راويه في رفعه، ووقفه الصحيح الذي عليه الجمهور: أن الراوي إذا روى الحديث مرفوعًا وموقوفًا، فالحكم للرفع؛
(1) أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص 57.
(2)
الأنوار الكاشفة ص 34 _ 43، وانظر: دراسات في الحديث النبوي للدكتور الأعظمى 1/ 76 _ 78.
(3)
مجمع الزوائد 1/ 150 _ 152.
(4)
فتح الباري 1/ 251 رقم 113، وقال العلامة أحمد محمد شاكر: وهذا غير جيد، فإن الحديث صحيح. انظر: الباعث الحثيث ص 111.
لأن معه في حالة الرفع زيادة، هذا هو المرجح عند أهل الحديث (1) . ونحوه قول الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفًا؛ لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث، ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. مرة، ويذكره مرة على سبيل الفتوى بدون رفع، فيحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعًا (2) ، وهذا ما نقله الماوردي عن الشافعي _ رحمه الله_ أنه يحمل الموقوف على مذهب الراوي، والمسند على أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم. يعنى فلا تعارض حينئذ (3) .
ثانيًا: على فرض صحة وقف هذا الحديث على أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه: لكان له حكم المرفوع المسند؛ لأن النهى عن كتابة السنة النبوية _ وهي المصدر الملازم للقرآن الكريم في التشريع الإسلامي، هذا النهى مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا يقال من قبل الرأى، فله حكم المرفوع المسند، جزم به الرازي في المحصول وغير واحد من أئمة الحديث تحسينًا للظن بالصحابي (4) ، بل وبالصحابة جميعًا الذين امتثلوا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. بالنهى عن الكتابة مع وجود علة النهى، والأذن بالكتابة مع عدمها، حفاظًا على القرآن الكريم والسنة النبوية معًا، فما استمدت السنة حجيتها إلا من كتاب الله عز وجل، ومن كتاب الله والسنة النبوية معًا استمدت بقية المصادر التشريعية حجيتها.
فلأن الحديث مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا مجال للرأى فيه، فحكمه الرفع، ولا سيما وقد رفعه الراوى أيضًا (5) .
وفي صحة هذا الحديث رد على بعض غلاة الشيعة في زعمهم عدم صحة النهى عن كتابة السنة من النبي صلى الله عليه وسلم. وأن روايات النهى عن كتابة السنة اختلفت في وقت متأخر لترير منع الشيخين أبى بكر وعمر من حذا حذوهما. وفي ذلك أيضًا إبطال للأساس الذي أسسوا عليه كتبهم في مسألة كتابة السنة وتدوينها كما فعل مرتضى العسكرى، وعلى الشهرستاني، ومروان خليفات وغيرهم ممن سبقوا.
(1) انظر: المغيث للسخاوي 1/ 194، 195، وشرح الفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة للعراقي 1/ 178، وتدريب الراوي للسيوطي 1/ 221 _ 223، وتوضيح الأفكار للصنعاني 1/ 343.
(2)
الكفاية للخطيب ص 587، 588.
(3)
انظر: البحر المحيط للزركشي 4/ 341، والمحصول للرازي 2/ 229، 230، وفتح المغيث للسخاوى 1/ 195.
(4)
المحصول للرازي 2/ 221، وانظر: فتح المغيث للسخاوي 1/ 144، وتدريب الراوى 1/ 190، 191، وتوضيح الأفكار 1/ 280.
(5)
انظر: فتح المغيث للسخاوي 1/ 195.
أما الآثار الموقوفة فصحح منها الحافظ الهيثمي رواية أبى بردة بن أبى موسى الأشعري بإسناد الطبراني في المعجم الكبير، والبزار في مسنده وبقية الروايات الموقوفة، وكذا المقطوعة يؤيد بعضها بعضًا، وتصلح حجة في بابها (1) .
ويشهد لذلك اعتبار الأئمة؛ كالخطيب، وابن عبد البر، والدارمي وغيرهم اعتمادهم بعض تلك الروايات في بيان موقف الصحابة والتابعين من كتابة السنة، وكراهيتهم للتدوين؛ لعلل سيأتى ذكرها.
وفي ذلك رد على المستشرقين التابعين لصنمهم الأكبر "جولدتسيهر" في زعمه؛ بأن أحاديث النهى عن كتابة السنة مخترعة من قبل أهل الرأى لتأييد مذهبهم في إنكار صحة السنة والاحتجاج بها.
وفي ذلك يقول الدكتور يوسف العش ردًا على جولدتسيهر: "إنه لم يصب حين قال: إن من ادعى عدم جواز الكتابة هم أهل الرأى، وأن مخالفيهم هم من أهل الحديث، فالخلاف لم يكن بين هاتين الفئتين؛ لأن من أهل الرأى من امتنع عن الكتابة كعيسى بن يونس (187هـ) ، وحماد بن زيد (179هـ) ، وعبد الله بن إدريس (192هـ) ، وسفيان الثوري (161هـ) ، وبينهم من أقرها كحماد بن سلمة (167هـ) ، والليث بن سعد (175هـ) ، وزائدة بن قدامة (161هـ) ، ويحيي بن اليمان (189هـ) وغيرهم.
ومن المحدثين من كره الكتابة كابن عليه (200هـ) ، وهشيم بن بشير (183هـ) ، وعاصم بن ضمرة (174هـ) ، وغيرهم، ومنهم من أجازها كبقية الكلاعي (197هـ) ، وعكرمة بن عمار (159هـ) ، ومالك بن أنس (179هـ) وغيرهم (2) .
(1) انظر: شروط الاحتجاج بالضعيف في علوم الحديث لابن الصلاح ص 35، وفتح المغيث للسخاوي 1/ 86، 87، وتدريب الراوي 1/ 176، 177، والباعث الحثيث ص 34.
(2)
انظر: تقييد العلم للخطيب، تصدير الدكتور يوسف العش ص 21، 22، ودلائل التوثيق المبكر للسنة للدكتور امتياز أحمد ص 209، 231.