الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقديماً صرح بذلك أحد الزنادقة فيما رواه الخطيب البغدادى فى تاريخه عن أبى داود السجستانى قال: "لماء جاء الرشيد بشاكر - رأس الزنادقة ليضرب عنقه- قال: أخبرنى، لم تعلِّمون المتعلم منكم أول ما تعلمونه الرفض - أى الطعن فى الصحابة-؟ قال: إنا نريد الطعن على الناقلة، فإذا بطلت الناقلة أوشك أن نبطل المنقول"(1) .
…
وبذلك صرح ذيل (شاكر) محمود أبو ريه فى كتابه أضواء على السنة قائلاً: "إن عدالة الصحابة تستلزم ولا ريب الثقة بما يروون، وما رووه قد حملته كتب الحديث بما فيه من غثاء، وهذا الغثاء هو مبعث الضرر وأصل الداء"(2) .
ثانياً: حكم أئمة المسلمين فيمن ينتقص صحابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
…
وما أصدق قول الإمام الحافظ أبى زُرْعة الرازى (3) رحمه الله: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن، والسنن، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة"(4) .
(1) انظر: تاريخ بغداد 4/308.
(2)
أضواء على السنة ص 340.
(3)
أبو زُرْعة الرازى هو: عُبَيدُ الله بِنُ عبد الكريم بن يزيد القرشى المخزومى، أحد الأئمة الأعلام، وحفاظ الإسلام، وفضائله أكثر من أن تعد، مات سنة 264هـ. له ترجمة فى تذكرة الحفاظ= =2/557 رقم 579، وطبقات الحفاظ للسيوطى 253 رقم 561، والعبر 1/379 رقم 264، وخلاصة تهذيب الكمال للخزرجى ص 213، والإرشاد للخليلى ص 226، وطبقات المفسرين للداودى 1/375 رقم 321، وأبو زرعة الرازى وجهوده فى السنة النبوية للدكتور سعدى الهاشمى 1/45-242.
(4)
رواه الخطيب فى الكفاية ص 97، والحافظ ابن حجر فى الإصابة 1/10.
.. وعن عبد الله بن مصعب (1) قال: قال المهدى: ما تقول فيمن ينتقص الصحابة؟ فقلت زنادقة، لأنهم ما استطاعوا أن يصرحوا بنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنقصوا أصحابه، فكأنهم قالوا: كان يصحب صحابة السوء) (2) .
(1) هو عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، ولى للرشيد إمرة المدينة، وقال فيه الخطيب: كان محموداً فى ولايته، جميل السيرة مع جلالة قدرة، ووثقة ابن حبان مات سنة 184هـ. له ترجمة فى: تعجيل المنفعة ص271 رقم583، وتاريخ بغداد 10/173 رقم5313، والثقات لابن حبان 7/56، وميزان الاعتدال 2/505 رقم 4609، والتاريخ الكبير للبخارى 5/211 رقم 678.
(2)
أخرجه الخطيب البغدادى فى تاريخه 10/175، ونقله الحافظ ابن حجر فى تعجيل المنفعة، ترجمة عبد الله بن مصعب ص 271 رقم 583.
.. وصدق شمس الأئمة السرخسى: "الشريعة إنما بلغتنا بنقلهم فمن طعن فيهم فهو ملحد منابذ للإسلام دواؤه السيف إن لم يتب"(1) .
(1) أصول السرخسى 2/132. وتكفير ساب الصحابة ذهب إليه فريق من أهل العلم من الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية. انظر الشرح والإبانة لابن بطة ص162، والنهى عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب ص 23، وفتاوى السبكى 2/580، والصارم المسلول على شاتم الرسول ص 570، والإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 1/149، وأصول السرخسى 2/132 وما بعدها. وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم، بل يفسق ويضلل، ولا يعاقب بالقتل، بل يكتفى بتأديبه، وتعزيره تعزيراً شديداً حتى يرجع. وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة. انظر: الشفا للقاضى عياض 2/54 وما بعدها. نقل من ذهب إلى هذا القول من أهل العلم. وإذا كان لكل فريق أدلته على ما ذهب إليه. فالقول الذى تطمئن إليه النفس ويرتاح إليه القلب أن من أبغضهم جميعاً أو أكثرهم أو سبهم سباً يقدح فى دينهم، وعدالتهم، فإنه يكفر بهذا، لأن هذا يؤدى إلى إبطال الشريعة بكاملها لأنهم هم الناقلون لها، "أما من سب أحداً من الصحابة فهو فاسق، ومبتدع بالإجماع، إلا إذا اعتقد إنه مباح أو يترتب عليه ثواب كما عليه بعض الشيعة أو اعتقد كفر الصحابة فإنه كافر بالإجماع" كذا قال الملا على القارئ انظر: مجموعة رسائل ابن عابدين كتاب تنبيه الولاة والحكام 1/367. وقال القاضى عياض رحمه الله: "وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة، وتكفير جميع الأمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم إذ لم تقدم علياً، وكفرت علياً إذ لم يتقدم، ويطلب حقه فى التقديم، فهؤلاء قد كفروا
…
لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها" الشفاء 2/286، ومزيد من حكم ساب الصحابة وعقوبته انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة للدكتور ناصر على الشيخ2/856-870.
نعم إن الصحابة رضي الله عنهم "هم حجر الزاوية فى بناء الأمة المسلمة، عنهم قبل غيرهم تلقت الأمة كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالغض من شأنهم والتحقير لهم، بل النظر إليهم بالعين المجردة من الاعتبار، لا يتفق والمركز السامى الذى تبوءوه، ولا يوائم المهمة الكبرى التى انتدبوا لها ونهضوا بها.
كما أن الطعن فيهم والتجريح لهم، يزلزل بناء الإسلام، ويقوض دعائم الشريعة، ويشكك فى صحة القرآن، ويضيع الثقة بسنة سيد الأنام! لذلك عنى علماء الإسلام قديماً وحديثاً بالدفاع عن عدالة الصحابة، لأنه -كما رأيت- دفاع عن الإسلام، ولم يكن ذلك الدفاع نزوة هوى، ولا عصبية بل كان نتيجة لدراسات تحليلية، وأبحاث تاريخية، وتحقيقات بارعة واسعة، أحصتهم عدداً، ونقدتهم فرداً فرداً، وعرضتهم على أدق موازين الرجال مما تباهى به الأمة الإسلامية كافة الأمم والأجيال.
…
وبعد هذا التحقيق والتدقيق، خرج الصحابة رضي الله عنهم من بوتقة هذا البحث، وإذا هم خير أمة أخرجت للناس، وأسمى طائفة عرفها التاريخ، وأنبل أصحاب لنبى ظهر على وجه الأرض، وأوعى وأضبط جماعة لما استحفظوا عليه من كتاب الله، وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اضطر أهل السنة والجماعة، أن يعلنوا رأيهم هذا كعقيدة، فقرروا أن الصحابة كلهم عدول. ولم يشذ عن هذا الرأى إلا المبتدعة والزنادقة قبحهم الله" (1) .
…
وطعون المبتدعة والزنادقة قديماً وحديثاً فى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة سبق ذكر بعضها من الطعن فى اجتهادهم (2) ، والطعن فى صدقهم واتهامهم بالكذب (3) .
(1) مناهل العرفان فى علوم القرآن للشيخ محمد الزرقانى 1/334، 335.
(2)
راجع: ص 307-318.
(3)
راجع: ص 333-339.