الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويريد أبو عمرو أن القراءة سنة واتباع وأثر، ولا دخل فيها للسليقة أو الاستحسان اللغوى أو الترجيح النحوى أو رسم المصحف. ومن ثم يرى كثير من العلماء أن ترجيح قراءة متواترة على قراءة متواترة لا يجوز. يقول أبو العباس ثعلب "إذا اختلف الإعراب فى القرآن عن السبعة، لم أفضل إعراباً على إعراب فى القرآن، فإذا خرجت إلى الكلام، كلام الناس فضلت الأقوى"(1) .
قراءات ربانية:
يقول الدكتور محمود الطناحى: "فثبت إذن أن القراءات القرآنية كلها بوجوهها المختلفة من عند الله، ولا دخل لخط المصحف فيها، ولا للوجوه النحوية أو اللغوية فيها كذلك، وثبت أيضاً أن اختلاف القراءات القرآنية إنما هو اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد"(2) أ. هـ.
…
واعلم أن معنى قول "أبى بن كعب" رضي الله عنه "فسقط فى نفسى من التكذيب إلخ" أن الشيطان ألقى إليه من وساوس التكذيب ما شوش عليه حاله، حين رأى النبى صلى الله عليه وسلم، قد حسن القراءتين وصوبهما على ما بينهما من اختلاف، وكانتا فى سورة واحدة هى سورة النحل على ما رواه الطبرى. وكأن الذى مر بخاطره وقتئذ أن هذا الاختلاف فى القراءة ينافى أنه من عند الله. لكنه كان خاطراً من الخواطر الرديئة التى لا تنال من نفس صاحبها منالاً، ولا تفتنها عن عقيدة، ولا يكون لها أثر باق، ولا عمل دائم.
…
ومن رحمة الله بعباده؛ أنه لا يؤاخذهم بهواجس النفوس وخلجات الضمائر العابرة، ولكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم، حين يفتح الإنسان للشبهة صدره، ويوجه إليها اختياره وكسبه، ثم يعقد عليها فؤاده وقلبه.
(1) انظر: الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبى 1/48، 4/563.
(2)
انظر: مجلة العربى العدد 480 لسنة 1998، ص 114 - 119.
.. قال القرطبى: "فكان هذا الخاطر الذى سقط فى نفس أبى من قبيل ما قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم حين سألوه: إنا نجد فى أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال ذلك صريح الإيمان"(1) أ. هـ.
…
ومن هنا تعلم أن ما خطر لسيدنا أبى بن كعب رضي الله عنه، لا يمس مقامه، ولا يصادم إيمانه، ما دام قد دفعه بإرشاد رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً حتى قال أُبى نفسه:"ففضت عرقاً، وكأنى انظر إلى الله عز وجل فرقاً"(2) أ. هـ.
…
أضف إلى ما ذكرنا أن خصومة أبى بن كعب، وعمر وغيرهم من الصحابة فى أمر اختلاف القراءة على هذا النحو، إنما كانت قبل أن يعلموا أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فهم وقتئذٍ كانوا معذورين، بدليل أنهم لما علموا بذلك، واطمأنت إليه نفوسهم، عمل كل منهم بما علم، وصاروا مراجع مهمة من مراجع القرآن الكريم على اختلاف رواياته.
يدل على ذلك ما روى عن أبى ابن كعب رضي الله عنه قال: لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال يا جبريل إنى بعثت إلى أمة أميين: منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل، الذى لم يقرأ كتاباً قط، قال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" (3) .
…
أما ما زعمه دعاة اللادينية أن القراءات ليست من الوحى، ومصدرها لهجات القبائل المختلفة، فهذا كذب آخر.
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة فى الإيمان وما يقوله من وجدها 1/340 رقم 132 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(2)
مناهل العرفان 1/143 –144. وانظر: فتح البارى 9/640، 641، والمنهاج شرح مسلم للنووى 3/364.
(3)
أخرجه الترمذى فى سننه كتاب القراءات، باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف 5/178، 179رقم2944 وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن أبى بن كعب. وانظر: مناهل العرفان 1/144 وما بعدها.