الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب عمن تكلم فيه من رجال الصحيحين:
…
فى الصحيحين جماعة جرحهم بعض المتقدمين، وبلغ عدد من تكلم فيه من رجال البخارى ثمانون، ومسلم مائة وستون رجلاً (1) ، منهم عكرمة مولى ابن عباس، وعمرو بن مرزوق وسويد بن سعيد وغيرهم (2) .
قد اتخذ أعداء السنة -أعداء الإسلام- ممن تكلم فيه من رجال البخارى ومسلم مدخلاً للطعن والتشكيك فى مكانة الصحيحين (3) .
ولا حجة لهم فى ذلك؛ لأن ممن تكلم فيهم من رجال الصحيحين ليس مجمعاً على جرحهم غاية أمرهم: أنه جرحهم وقدح فيهم جماعة بينما عدلهم ومدحهم آخرون، فيكون قد ترجح عند صاحب الصحيح تعديلهم على الأقل فيما أخرجه من حديثهم، وربما أخرج لهم فى المتابعات والشواهد، وإن أخرج لهم فى الأصول فمقصوده أنهم شاركوا غيرهم من الثقات الأثبات؛ فالصحة حاصلة برواية الجميع" (4) .
…
قال الحافظ ابن حجر: "ينبغى لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأى راوٍ كان مقتضياً لعدالته عنده، وصحة ضبطه، وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه فى الصحيح؛ فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيها.
(1) انظر: هدى السارى ص 13.
(2)
علوم الحديث لابن الصلاح ص 141 – 142، وانظر: تدريب الراوى 1/305 وفتح المغيث للسخاوى 1/334.
(3)
انظر: حد الرده لأحمد صبحى منصور ص 85 – 87.
(4)
الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين لفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد محرم 2/229.
هذا إذا خرج له فى الأصول، فأما إن خرج له فى المتابعات، والشواهد، والتعاليق، فهذا بتفاوت درجات من أخرج له منهم فى الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره فى أحد منهم طعناً فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام، فلا يقبل إلا مبين السبب مفسراً بقادح يقدح فى عدالة هذا الراوى وفى ضبطه مطلقاً أو فى ضبطه لخبر بعينه، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح، ومنها ما لا يقدح.
وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسى يقول فى الرجل الذى يخرج عنه فى الصحيح، هذا جاز القنطرة؛ يعنى بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه، قال الشيخ أبو الفتح القشيرى فى مختصره وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه، إلا بحجة ظاهرة وبيان شاف يزيد فى غلبة الظن على المعنى الذى قدمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما" (1) أ. هـ.
…
وقصارى القول وحماداه أن صاحب الصحيح أعرف بما رواه، وليس التكلم فى بعض الرواة بمقدم على توثيق صاحب الصحيح لهم، ولو سلم جرح كل جارح وقبل على إطلاقه ما قبل خبر ولا روى أثر. فأين ذاك الذى سلم من الطعن؟ ومتى كان الطعن مستنداً إلى حجة؟ (2) .
قال الحافظ ابن حجر: "واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن فى جماعة بسبب اختلافهم فى العقائد فينبغى التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق، وكذا عاب جماعة من الورعين جماعة دخلوا فى أمر الدنيا فضعفوهم لذلك، ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط (3) أ. هـ.
(1) هدى السارى ص 403.
(2)
الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين 2/232.
(3)
هدى السارى ص 404، وانظر: دفاعه عن الرجال المطعون فيهم ص 405 – 493، وانظر: البيان والتوضيح لمن أخرج له فى الصحيح ومس بضرب من التجريح للحافظ العراقى، ومعرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد للإمام الذهبى.
.. ومن كل ما سبق يظهر فساد ادعاء جولدتسيهر ومن قال بقوله "إن سلطان هذين الكتابين يرجع لأساس شعبى لا صلة له بالتدقيق الحر للنصوص، وهذا الأساس هو إجماع الأمة، وتلقى الأمة لهما بالقبول يرفعهما إلى أعلى المراتب".
…
فهذا الكلام فاسد من أساسه، بما سبق بيانه من دراسة الأئمة لكل من الكتابين سنداً ومتناً، وعرضهما على أدق المقاييس النقدية الصحيحة التى اشترطها كل من البخارى ومسلم فى صحيحهما، وظهر من سبر الأئمة وفاء البخارى ومسلم بشرطهما، سوى أحاديث قليلة، والقول فيها قول البخارى ومسلم، وهى صحيحة.
فظهر من ذلك الصحيحين ليسا جهد أفراد وإنما جهد أمة، وهم طائفة المحدثين، وهم المشتغلون بهذا الشأن وأعرف الناس به، وهم نقاد الأخبار الذين يتوقف على قولهم قبول الآثار النبوية أو ردها. وهم المعنيون بإجماع الأمة على صحة الكتابين، وتلقيهما بالقبول. وهو إجماع معصوم لا يقدح فيه إلا جاحد مغرور (1) .
أما قول جولدتسيهر:"بالرغم من أن نقد هذين الكتابين غير لائق، وغير مسموح به
…
" إلخ.
(1) يقول ابن خلدون: "
…
ولا تقولن-بضعف أو سوء حفظ-يتطرق إلى رجال الصحيحين فإن الإجماع قد اتصل فى الأمة على تلقيهما بالقبول، والعمل بما فيهما، وفى الإجماع أعظم حماية وأحسن دفعاً" أ. هـ.، انظر: المقدمة ص 345.
يتناقض مع آخر كلامه من أن الدارقطنى قد صنف فى نقدهما كتابه (الاستدراكات والتتبع) ودعواه أن نقد هذين الكتابين لا يجوز أو غير لائق أو غير مسموح به يكذبه الواقع، بما سبق من استدراك الأئمة الدارقطنى، والدمشقى، والغسانى، وفات هذا المستشرق وغيره من الطاعنين فى مكانة الصحيحين أن الخطورة لا تكمن فى تعرض الكتابين للنقد، ولكنها تكمن فى سلامتهما من الانتقادات أو الطعون التى وجهت إلى بعض أحاديثهما، فليس كل انتقاد يعول عليه، كما أن النقد أو الاستدراك قد يوجه لحالة معينة فيحسب من لا دراية له بهذا الموضوع أن النقد قد شمل كل أحوال الكتاب، كما هو الحال مع استدراكات الأئمة.
وقد بين نقاد الحديث أن هذه الاستدراكات غير قادحة (1) فى صحة الصحيحين، ومكانتهما، خلافاً لأعداء السنة الذين يوهمون القارئ بخلاف ذلك.
…
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد محرم: إن نسبة الوهم إلى بعض الرواة ممن روى لهم البخارى ومسلم، تقتضى الدقة فى التفرقة بين نسبة الوهم إلى بعض الرواة لشواهد تنتصب على ذلك، وبين نسبة الضعف أو الوضع إلى الصحيحين لا بحجة أو برهان، وإنما متابعة للشيطان وموافقة للهوى.
وكن على حذر من مكمن الخطر فى التقليل من منزلة الصحيحين أو محاولة إنزالهما من عليائهما (2) .
فالصحيحان هما أصح ما ألفه المحدثون، وقد أدى مؤلفاهما إلى الدين، وإلى الأمة الإسلامية خدمة جليلة لا تنكر، بل تذكر بالإكبار فتشكر، نسأله عز وجل أن يجزل ثوابهما ما استفاد من الكتابين مستفيد (3) أ. هـ.
…
(1) ضوابط الرواية عند المحدثين ص 393، 394 بتصرف.
(2)
الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين 2/228.
(3)
فى رحاب الكتب الستة ص 97، ولمزيد من الدفاع عن الصحيحين انظر: الحديث والمحدثون للدكتور أبو زهو ص 399 -403، وكتب السنة دراسة توثيقية للدكتور رفعت فوزى.
ونختم كلامنا عن الصحيحين بكلمة جامعة للشيخ أحمد شاكر –رحمه الله تعالى- نرى أنها عين الحق وندين لله بمضمونها ونلقاه مطمئنين على اعتقاد ما فيها من اليقين قال رحمه الله: "الحق الذى لا مريه فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، وممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر، أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها ليس فى واحد منها مطعن أو ضعف، وإنما انتقد الدارقطنى وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث، على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ فى الصحة الدرجة العليا التى التزمها كل واحد منهما فى كتابه، وأما صحة الحديث فى نفسه، فلم يخالف أحد فيها، فلا يهولنك إرجاف المرجفين، وزعم الزاعمين أن فى الصحيحين أحاديث غير صحيحة، وتتبع الأحاديث التى تكلموا فيها، وانقدها على القواعد الدقيقة التى سار عليها أئمة أهل العلم،، واحكم على بينة، والله الهادى إلى سواء السبيل (1) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
(1) الباعث الحثيث ص 29، وانظر: فى رحاب الكتب الستة ص 72.