الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. قيل لهم: إن أهل المقالات، وإن اختلفوا، ورأى كل صنف منهم أن الحق فيما دعا إليه، فإنهم مجمعون لا يختلفون.على أن من اعتصم بكتاب الله عز وجل، وتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد استضاء بالنور، واستفتح باب الرشد، وطلب الحق من مظانه. وليس يدفع أهل السنة عن ذلك إلا ظالم لأنهم لا يردون شيئاً من أمر الدين، إلى استحسان، ولا إلى قياس ونظر، ولا إلى كتب الفلاسفة المتقدمين، ولا إلى أصحاب الكلام المتأخرين (1) أ. هـ.
…
فإن قالوا: فإنه يلزمكم أن تقولوا إن نقلة الأخبار الشرعية التى قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم معصومون فى نقلها، وأن كل واحد منهم معصوم فى نقله من تعمد الكذب. قلنا لهم نعم. هكذا نقول، وبهذا نقطع ونبت. وكل عدل روى خبراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله فى الدين أو فعله صلى الله عليه وسلم، فذلك الراوى العدل معصوم من تعمد الكذب - مقطوع بذلك عند الله تعالى - لما تقدم من تعهد رب العزة بحفظ جميع الشريعة من كتاب وسنة" (2) .
وفى هذا رد على الدجالين الزاعمين، بأنهم فى ردهم للسنة المطهرة، والأحاديث الصحيحة لا يردون قول النبى صلى الله عليه وسلم وإنما يردون قول رواة السنة من الصحابة، والتابعين فمن بعدهم إلى أصحاب المصنفات الحديثية!!!
المطلب الثالث شرف أصحاب الحديث
إذا كان الحديث بعد القرآن هو عمدة كل صنف من الأصناف السابقة من أهل السنة، وإذا كانت دواوين أصحاب الحديث، بعد القرآن دعائم الإسلام التى قامت عليها صروحه.
(1) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 83 بتصرف يسير.وانظر: ما قاله ابن قيم فى مختصر الصواعق المرسلة إجابة على هذا السؤال، وبيان الفرق بين أهل السنة وأهل الأهواء2/571-576.
(2)
الإحكام لابن حزم 1/126.
فإن ذلك يدلنا على عظم مكانة المحدثين بين علماء أهل السنة جميعاً فهم بحق يصدق فيهم قول سفيان الثورى- رحمه الله: "الملائكة حراس السماء، وأصحاب الحديث حراس الأرض"(1) .
ويقول يزيد بن زُريع (2) : "لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد"(3) .
ويقول أبو حاتم الرازى رحمه الله: "لم يكن فى أمة من الأمم منذ خلق الله آدم، أمناء يحفظون آثار الرسل إلا فى هذه الأمة. فقال له رجل: يا أبا حاتم ربما رووا حديثاً لا أصل له، ولا يصح؟ فقال: علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم، فروايتهم ذلك للمعرفة، ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها"(4) .
…
وإذا تقرر أنه لا قيام للإسلام بدون سنة صدق فيهم ما قاله الإمام أبو داود الطيالسى (5) : "لولا هذه العصابة لا ندرس الإسلام"يعنى أصحاب الحديث الذين يكتبون الآثار" (6) .
(1) أخرجه الخطيب فى شرف أصحاب الحديث ص 91 رقم 80.
(2)
يزيد بن زُريع هو: يزيد بن زريع، بتقديم الزاى، مصغراً، البصرى، أبو معاوية، متفق على توثيقه. مات سنة 182هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/324 رقم 7741، والكاشف 2/382 رقم 6301، والثقات للعجلى 478 رقم 1841، والجمع بين رجال الصحيحين 2/573، 574 رقم 2237، ورجال صحيح البخارى للكلاباذى 2/807 رقم 1355.
(3)
أخرجه الخطيب فى شرف أصحاب الحديث ص 91 رقم 81.
(4)
المصدر السابق ص 89 رقم 77.
(5)
أبو داود الطيالسى هو: سليمان بن داود بن الجارود البصرى، أحد الأئمة الأعلام، وحفاظ الإسلام مات سنة 203هـ. له ترجمة فى تذكرة الحفاظ 1/351 رقم 340، وتقريب التهذيب 1/384 رقم 2558، وطبقات الحفاظ السيوطى ص153رقم327،والثقات للعجلى201،202 رقم 609، وشذرات الذهب 2/12، والتقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد لابن نقطة ص277 رقم 343، وتهذيب الكمال للمزى 11/401 رقم 2507.
(6)
أخرجه الخطيب فى شرف أصحاب الحديث ص 101 رقم 101.
ويقول الإمام الخطيب البغدادى: "وقد جعل الله تعالى أهله أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبى صلى الله عليه وسلم وأمته، والمجتهدون فى حفظ ملته،
…
قبلوا شريعته قولاً وفعلاً، وحرسوا سنته حفظاً ونقلاً حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها، وكم ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ لأركانها.
وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأياً تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول، إذا اختلف فى حديث، كان إليهم الرجوع، فما حكموا به، فهو المقبول المسموع.
ومنهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد فى قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب محسن وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذلهم الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير" (1) .
ورحم الله هارون الرشيد القائل: "طلبت أربعة فوجدتها فى أربعة: طلبت الكذب فوجدته عند الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث وطلبت الكفر فوجدته فى الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته مع المعتزلة"(2) أ. هـ.
…
رضى الله عن تلك الأنفس التى نهضت لحفظ الدين، ورضى الله عمن أحيا آثارهم من اللاحقين "آمين".
(1) شرف أصحاب الحديث ص 28 - 31 بتصرف وتقديم وتأخير، وانظر: ما قاله الحاكم فى معرفة علوم الحديث ص2-4، وجمال الدين القاسمى فى قواعد التحديث ص60، والسنة بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الموجود ص 11.
(2)
شرف أصحاب الحديث ص 108 رقم 104.