الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: شبهة التأخر فى تدوين السنة النبوية والرد عليها
استعراض الشبهة وأصحابها:
…
روى الإمام البخارى رحمه الله فى صحيحه تعليقاً، قال: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبى بكر بن حزم (1) ، "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإنى خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،، ولتفشو العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً"(2) .
(1) أبو بكر بن حزم هو: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى البخارى، اسمه وكنيته واحد، وقيل أنه يكنى أبا محمد، من سادات التابعين، ثقة عابد، مات سنة 120هـ. وقيل غير ذلك له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص 100 رقم 544، وتقريب التهذيب 2/367 رقم 8017، والكاشف 2/412 رقم 6537، والثقات لابن حبان 5/561، والجرح والتعديل 9/337 رقم 1492.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم 1/234، والدارمى فى سننه المقدمة، باب من رخص فى كتابة العلم 1/137 رقمى 487، 488، والخطيب فى تقييد العلم 1/105، 106.
.. بهذه الرواية تعلق أعداء الإسلام من الرافضة، والمستشرقين، ودعاة اللادينية المتفرنجة، فقالوا: إن السنة لم تدون إلا فى مطلع القرن الثانى الهجرى، لأن أول من أمر بتدوينها هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وهو قد تولى الخلافة سنة 99هـ وتوفى سنة 101هـ (1)
(1) أضواء على السنة محمود أبو رية ص 260. ويتناقض أعداء السنة عن جهل تارة، وعن علم تضليلاً للقارئ تارة أخرى، وهم يؤرخون للتدوين الرسمى للسنة المطهرة. فنرى مصطفى المهدوى يقول: "إن الثابت أن الأحاديث لم تدون إلا بعد زمن بعيد من وفاته صلى الله عليه وسلم وعلى رأس المائة الثالثة من الهجرة بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز. وأين عمر من المائة الثالثة؟ انظر: البيان بالقرآن 1/25، ثم يتناقض ويكذب على أئمة المسلمين قائلاً: "يتفق جمهور الفقهاء على أن تدوين هذا التراث إنما بدأ فى أواسط القرن الثانى الهجرى" انظر: المصدر السابق 1/197. ويقول سعيد العشماوى: (غير أن الأحاديث لم تجمع إلا فى عصر التدوين فى العصر العباسى الأول، وفى النصف الثانى من العام الثانى الهجرى) انظر: حقيقة الحجاب وحجية الحديث ص81، 82، 84، وأيد العشماوى فى تأريخه السابق المستشار عبد الجواد ياسين فى كتابه السلطة فى الإسلام ص 237، 238، 277 وقال بذلك أيضاً أحمد صبحى منصور فى كتبه الحسبة ص 8، ولا ناسخ ولا منسوخ ص 10، وعذاب القبر ص 6، والصلاة فى القرآن 44، والقرآن والحديث والإسلام لرشاد خليفة ص 36، ويذهب محمود أبو رية إلى أن التدوين المعتمد لدى الجمهور لم يقع إلا حوالى منتصف القرن الثالث إلى القرن الرابع، انظر: أضواء على السنة ص 268، ويذهب قاسم أحمد إلى أنه تم جمع السنة بعد فترة تمتد من قرنين إلى أربعة قرون من=
=وفاة النبى صلى الله عليه وسلم. انظر: إعادة تقييم الحديث ص 94، وانظر: نقد الخطاب الدينى نصر أبو زيد ص126، وشفاء الصدر بنفى عذاب القبر إسماعيل منصور 1/117، والأصلان العظيمان جمال البنا ص275، وضحى الإسلام لأحمد أمين 2/106/107. ويذهب إسماعيل منصور إلى التأريخ للتدوين، تارة بأنه فى سنة 250هـ، وتارة فى سنة 200هـ. انظر: تبصير الأمة بحقيقة السنة ص7،13، 111، 288، ويذهب محمد شحرور إلى التأريخ بسنة 250هـ. انظر: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص 565، ويذهب أحمد صبحى منصور إلى التأريخ بالقرن الثالث الهجرى انظر: عذاب القبر ص6، ومجلة روزاليوسف العدد 3559 ص 48، ويذهب محمد حسين هيكل إلى التأريخ بعصر المأمون المتوفى سنة 218هـ. انظر: حياة محمد ص55، والدكتور على حسن عبد القادر يؤرخ بسنة 200هـ. انظر: نظرة عامة فى تاريخ الفقه ص119.
.. وهذه المدة الطويلة تكفى لأن يحصل فيها من التلاعب والفساد ما قد حصل (1) . ولذا حصل فى السنة التبديل والزيادة ككتب أهل الكتاب، لعدم كتابتها فى عهده صلى الله عليه وسلم، وعدم حصر الصحابة لها فى كتاب معين، وعدم تبليغها للناس بالتواتر، وعدم حفظهم لها جيداً فى صدروهم، حتى أباحوا نقلها بالمعنى، واختلفت الرواية عنهم لفظاً ومعنى (2) ، ولا يمكن بغير الكتابة أن يحصر ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم أو فعله فى ثلاثة وعشرين عاماً مما سهل على قوم أن يستبيحوا لأنفسهم وضع الحديث ونسبته كذباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) .
(1) مجلة المنار المجلد 9/515، وأضواء على السنة 258، 259، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى لأحمد حجازى السقا ص 80.
(2)
مجلة المنار المجلد 9/911، وأضواء على السنة ص 80، 259.
(3)
فجر الإسلام أحمد أمين ص210،211، وحقيقة الحجاب وحجية الحديث للعشماوى ص84، والأصلان العظيمان جمال البنا ص 268.
أما غلاة الشيعة: فيزعمون أنهم حفظة السنة وأساس تدوينها، والسبق إلى التدوين فضيلة لهم، فهم أساس بناء مدرسة التعبد المحض (1) . أما أهل السنة وفى مقدمتهم أبى بكر وعمر –رضى الله عنهما- فهم أساس مدرسة الاجتهاد والرأى، وهم الذين منعوا تدوين الأحاديث، وأضاعوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم (2) ، التى قاموا بتدوينها على رأس المائتين بعد انقراض دولة بنى أمية، وتحول الدولة إلى بنى العباس (3) .
أما المستشرقون: فيتلخص موقفهم من السنة النبوية وتدوينها، فى موقف المستشرق اليهودى (جولدتسيهر) الذى ذهب إلى:"أن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الدينى، والسياسى، والاجتماعى فى القرنين الأول، والثانى، وأنه ليس صحيحاً ما يقال من أنه وثيقة للإسلام فى عهده الأول، عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود الإسلام فى عصر النضوج"(4) .
(1) انظر: الشيعة وفنون الإسلام حسن الصدر ص27، 28، والمطالعات والمراجعات والردود لمحمد الحسين آل كاشف ص 56، ومعالم المدرستين لمرتضى العسكرى المجلد 2/375، ومنع تدوين الحديث أسباب ونتائج لعلى الشهرستانى ص 76، 342، 397، 424، 442، 447، وتأملات فى الحديث عند السنة والشيعة لزكريا عباس داود ص42.
(2)
منع تدوين الحديث أسباب ونتائج لعلى الشهرستانى ص312، 339، 468، 504، وتأملات فى الحديث لزكريا عباس داود ص 70، وركبت السفينة لمروان خليفات ص 107 وبقول الرافضة، قال المستشرقون، انظر: منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل للدكتورة عزية على طه ص 59.
(3)
تأسيس علوم الشيعة حسن الصدر 278، 279.
(4)
العقيدة والشريعة فى الإسلام جولدتسهير ص53، 251، وانظر: دارسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير، نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 10/564.
.. وهذا الذى زعمه جولدتسيهر؛ اتخذه المستشرقون وذيولهم "إنجيلاً مقدساً"، ورددوه فى بحوثهم ودوائر معارفهم (1) .
…
وكان هذا الزعم لدى (شاخت)(2) حجر الأساس له، ولكل باحث يريد التشكيك فى السنة النبوية المطهرة، فأكد ما قاله سلفه جولد تسهير وتجاوزه بزعمه: "أنه لا صحة لأى حديث منسوب للنبى صلى الله عليه وسلم، وأن المجموعة الأولى المعول عليها من الأحاديث النبوية التى تعرف بأحاديث الأحكام، قد نشأت فى منتصف القرن الثانى الهجرى تقريباً، وهو التاريخ الذى يحدد حسب رأيه، بداية فترة تدوين الأحاديث (3) .
(1) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 2/570 - ترديد (ماكدونالد) مقولة جولدتسيهر، وكذا (كارل بروكلمان) فى تاريخ الشعوب الإسلامية ص 71، وانظر دراسة الكتب المقدسة للدكتور موريس بوكاى ص152،273. وانظر: مفهوم النص نصر أبو زيد وزعمه بأن النص (قرأناً وسنة) منتج ثقافى وأن ذلك بديهية لا تحتاج لإثبات. مفهوم النص ص23 - 24.
(2)
شاخت: هو جوزيف شاخت. مستشرق ألمانى. ولد عام 1902/ عمل محاضراً للدراسات الإسلامية فى عدد من الجامعات. كان من أعضاء المجمع العلمى العربى فى دمشق. وقد أشتهر بدراسة التشريع الإسلامى، قال الدكتور السباعى:(ألمانى متعصب ضد الإسلام والمسلمين) من مصنفاته: إعادة تقييم الحديث، وأصول الفقه المحمدى، والتطور الحديث للفقه الإسلامى بمصر، وغير ذلك، له ترجمة فى: المستشرقون الألمان تراجمهم وما أسهموا به فى الدراسات العربية جمع صلاح الدين المنجد 2/803 - 805، والاستشراق للدكتور السباعى ص38، والأعلام 8/234 وجوزيف شاخت بقلم: برنارد لويس ترجمة الأستاذ الصديق بشير، ويوسف شاخت حياته وأثاره بقلم: روبير برو نشفيج ترجمة الدكتور عبد الحكيم الأربد. نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 11/622-644.
(3)
أصول الفقه المحمدى ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبا العدد 11/652
.. وكانت نزعة الشك عند شاخت أكثر شدة منها عند جولدتسيهر، ويتضح هذا من "القاعدة المنهجية" التى تترتب، حسب رأيه، على استنتاجات جولدتسهير. وهى "قاعدة
السكوت عن الحديث فى موطن الاحتجاج دليل على عدم وجوده" استخدم شاخت هذه القاعدة كثيراً ليثبت عدم وجود كثير من الأحاديث إبان فترة الإسلام الأولى.
ويعبر عن ذلك بقوله: "إن أحسن طريق لإثبات عدم وجود حديث فى عهد معين، هو أن نظهر أن ذلك الحديث لم يستعمل كدليل فقهى فى نقاش يستوجب الاستدلال بذلك الحديث لو كان بالفعل موجوداً
…
" (1) .
…
وهذا الذى زعمه شاخت فى كتابه (أصول الفقه المحمدى) أصبح "إنجيلاً ثانياً" لعالم الاستشراق حيث غير من نظرة سلفه جولدتسيهر التشكيكية فى صحة الأحاديث إلى نظرة متيقنة فى عدم صحتها بقوله: "إن المجموعة الأولى المعول عليها من الأحاديث النبوية التى تعرف بأحاديث الأحكام، قد نشأت فى منتصف القرن الثانى الهجرى تقريباً لمواجهة أقوال الصحابة وغيرهم"(2) .
ويقول: "يكاد يكون من المستحيل توثيق أى من هذه الأحاديث فيما يتعلق بأمور التشريع الدينى"(3) .
(1) سنعود إلى بقية نص هذا الكلام عند نقد قاعدة شاخت. انظر: أصول الفقه المحمدى ص140 نقلاً عن نقد قاعدة شاخت للأستاذ ظفر إسحاق الأنصارى بحث قدم لمؤتمر السنة ومنهجها فى بناء المعرفة والحاضرة 2/589.
(2)
أصول الفقه المحمدى ترجمة الأستاذ الصديق بشير، نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 11/652.
(3)
مدخل إلى الشريعة لشاخت نقلاً عن نقد قاعدة شاخت للأستاذ ظفر الأنصارى، انظر: مؤتمر السنة ومنهجها فى بناء المعرفة والحضارة 2/589.