الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثانى طعنهم فى عدالة أهل السنة
وفيه تمهيد وأربعة مطالب:
التمهيد
ويتضمن:
موقف أهل الزيغ والهوى قديماً وحديثاً من أهل السنة، وأئمة المسلمين، وأساليبهم فى الطعن فى أهل السنة.
المطلب الأول: بيان المراد بأهل السنة.
المطلب الثانى: سلامة طريقة أهل السنة فى فهم الشريعة الإسلامية وبيان تحقيق النجاة لهم.
المطلب الثالث: شرف أصحاب الحديث.
المطلب الرابع: الجواب عن دعوى تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن.
التمهيد
ويتضمن موقف أهل الزيغ والهوى قديماً وحديثاً من أهل السنة، وأئمة المسلمين وأساليبهم فى الطعن فى أهل السنة.
…
ليس فى الدنيا مبتدع، ولا من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع، إلا وهو يطعن فى أهل السنة من المحدثين، والفقهاء، والمفسرين
…
إلخ وينظر إليهم بعين الحقارة ويسمونهم بأسماء هم أولى بها منهم، فالجهمية يسمونهم مشبهة ونابته، والقدرية يسمونهم مجبرة، والزنادقة يسمونهم الحشوية، والمعتزلة يسمونهم زوامل أسفار، والرافضة يسمونهم نواصب
…
إلخ. وكل ذلك عصبية، وغياظ لأهل السنة، ولا اسم لهم إلا اسم واحد وهو "أصحاب السنة".
ولا يلتصق بهم ما لقبهم به أهل البدع كما لم يلتصق بالنبى صلى الله عليه وسلم تسمية كفار مكة ساحراً، وشاعراً، ومجنوناً، ولم يكن اسمه عند الله، وعند ملائكته، وعند انسه، وجنه، وسائر خلقه، إلا رسولاً نبياً برياً من العاهات كلها قال تعالى:{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} (1) .
فالوقيعة فى أهل السنة من علامات أهل البدع والزيغ قديماً وحديثاً.
(1) الآية 48 من سورة الإسراء، وانظر: قواعد التحديث للقاسمى ص 58.
فالشيعة الرافضة، والخوارج كفرو أهل السنة لأنهم ضبطوا آثار الصحابة، وقاسوا فروعهم على فتاوى الصحابة" (1) . فمن وثق الصحابة الذين كفروهم وأخذ بسنتهم فهو مثلهم فى الكفر.
…
والمعتزلة ردوا فتاوى أهل السنة وقبحوها فى أسماع العامة، لينفروا الأمة من اتباع السنة وأهلها (2) .
ويروى فى ذلك ابن قتيبة عن عمرو بن النضر. قال: مررت بعمرو بن عبيد فجلست إليه، فذكر شيئاً، فقلت: ما هكذا يقول أصحابنا. قال: ومن أصحابك لا أبا لك؟
…
قلت: أيوب، وابن عون، ويونس، والتيمى. فقال: أولئك أرجاس أنجاس أموات غير أحياء (3) . يقول ابن قتيبة معلقاً على ما قاله عمرو بن عبيد: "وهؤلاء الأربعة الذين طعنهم، غرة أهل زمانهم فى العلم، والفقه، والاجتهاد فى العبادة، وطيب المطعم، وقد درجوا على ما كان عليه مَنْ قبلهم من الصحابة والتابعين.
وهذا يدل على أن أولئك أيضاً عنده أرجاس أنجاس (4) .
وذكر الشاطبى عن عمرو بن عبيد أنه قال: "ما كلام الحسن البصرى، وابن سيرين عندما تسمعون إلا خرقة حيضة ملقاة"(5) .
(1) الفرق بين الفرق ص 282، وانظر: أهل السنة شعب الله المختار لصالح الوردانى ص 54، 55، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجانى ص159-163.
(2)
الاعتصام 1/186.
(3)
تأويل مختلف الحديث ص 82، ورواه ابن حبان فى المجروحين 1/83، وذكره الشاطبى فى الاعتصام 1/187.
(4)
تأويل مختلف الحديث ص 82 بتصرف يسير، وانظر: ما حكاه ابن حبان عن أبى حاتم فى المجروحين 1/84.
(5)
الاعتصام 1/187.
وحكى الذهبى وابن كثير عن عمرو بن عبيد أنه روى له حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "إن أحدكم يُجمع خلقُهُ فى بطنِ أُمه أربعين يوماً. ثم يكون فى ذلك علقةً مثلَ ذلكَ ثم يكون فى ذلك مُضغةً مثلَ ذلك. ثم يُرسلُ المَلَكُ فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربعِ كلماتٍ: بكتب رزقِهِ، وأجلِهِ، وعملِهِ، وشقىٌّ أو سعيدٌ
…
الحديث" (1) .
فقال: "لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت ليس على هذا أخذت ميثاقنا"(2) .
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب القدر، باب 11/486 رقم 6594، ومسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمى، فى بطن أمه، وكتابه رزقه وعمله وشقاوته وسعادته 8/440 رقم 2643.
(2)
ميزان الاعتدال 3/278، وانظر: البداية والنهاية 10/81، 82، يقول ابن كثير بعد حكايته ذلك عنه قال:"وهذا من أقبح الكفر، لعنه الله إن كان قال هذا، وإن كان مكذوباً عليه فعلى من كذبه عليه ما يستحقه" أ. هـ. البداية والنهاية 10/82. هذا وقد كذب بهذا الحديث وزعم أنه من وضع جنود السلطان من الفقهاء والمحدثين - نيازى عز الدين فى كتابه دين السلطان ص 650، 651. مؤيداً فى ذلك فكر عمرو بن عبيد المعتزلى، فى أنه لا قدر والأمر أنف أ. هـ.
ويروى الحاكم عن الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله أن أحمد بن الحسن (1) قال له يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبى فتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه، فقال: زنديق! زنديق! زنديق! ودخل البيت (2) .
وقال أحمد بن سنان القطان (3) : "ليس فى الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، وإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه"(4) .
…
يقول أبو عبد الله الحاكم: "وعلى هذا عهدنا فى أسفارنا، وأوطاننا، كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع، لا ينظر إلى الطائفة المنصورة، إلا بعين الحقارة، ويسميها الحشوية"(5)
قلت: وما قاله الإمام الحاكم وغيره، هو ما عهدناه فى زماننا ممن ينتسب إلى نوع من الإلحاد والبدع.صاروا علىدرب أسلافهم يبغضون أهل الحديث، وينظرون إليهم بعين الحقارة، ويسمونهم كما سماهم أهل الزيغ قديماً، حشوية، وزوامل أسفار
…
إلخ، ويطعنون فى عدالتهم.
(1) أحمد بن الحسن: هو أحمد بن الحسن بن جُنَيدب، أبو الحسن الترمذى، ثقة حافظ، سمع أحمد بن حنبل، وعنه البخارى، والترمذى، وخلق، مات سنة 242هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/32 رقم 25، والكاشف 1/192 رقم 20، والجمع بين رجال الصحيحين 1/9 رقم 13، والثقات لابن حبان 8/27، والجرح والتعديل 2/47 رقم 33.
(2)
معرفة علوم الحديث ص 4.
(3)
أحمد بن سنان هو: أحمد بن سنان بن أسد بن حبان، أبو جعفر، القطان الواسطى، متفق على توثيقه مات سنة 259هـ وقيل قبلها. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/35 رقم 44، وتذكرة الحفاظ 1/521 رقم 538، وطبقات الحفاظ ص231 رقم 516، وشذرات الذهب 2/137، والعبر 2/16، والجمع بين رجال الصحيحين 1/7 رقم 5.
(4)
معرفة علوم الحديث ص 4.
(5)
المصدر السابق ص 4.
فما قاله قديماً ابن أبى فتيلة فى أصحاب الحديث بأنهم قوم سوء، قاله فى زماننا نيازى عز الدين فى كتابيه "دين السلطان"(1)، و"إنذار من السماء" إذ يقول:"فإما أن نختار طريق آبائنا، وأجدادنا، ومشايخنا السالف، الذى قد عرفنا قبل قليل بالبرهان القاطع أننا ضللنا به، حين تركنا منهج القرآن، وتركناه حتى نسج عليه العنكبوت خيوطه"(2) .
…
ويقول: "أهل الحديث ورواته، كانت مهنتهم رواية الأحاديث وكتابتها، فهم يرتزقون مما يرددون ويكتبون. وقالوا: إن ما كتبوه بأيديهم (وحى آخر) من عند الله مثل القرآن، وقالوا: إن كتاب الله هو القرآن، وما معهم من الروايات والأقاويل كتاب الحكمة، ظناً وظلماً، فهم قالوا عن أكاذبيهم إنها من عند الله، تماماً كما فعل أهل الكتاب من قبلهم فى تحريفاتهم. وهم أيضاً يظنون أن الله سبحانه وتعالى لا يقصدهم فى هذه الآية {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (3) بينما هى تنطبق عليهم الانطباق التام (4) .
…
ويقول أيضاً طاعناً فى عدالة وجهاد من أيد الله به الدين يوم المحنة، قال:"لذلك نجد الإمام أحمد بن حنبل الذى كان صديقاً حميماً لرؤساء المحفل السرى الخفى، لم يرض أن يقول بخلق القرآن فجلده المأمون، لأنه وجد جلده أرحم من قتله على يد أصدقائه إن قال بعكس تعليماتهم كلها"(5) .
(1) دين السلطان ص 11، وانظر من نفس المصدر ص 114، 117، 119، 153، 154.
(2)
إنذار من السماء ص 134، وانظر من نفس المصدر: ص 124، 129، 130، 665.
(3)
الآية 11 من سورة الطور.
(4)
إنذار من السماء ص 705.
(5)
دين السلطان ص 153.
ونفس هذا الهراء نسبه إلى أبى حنيفة النعمان قائلاً: "أبو حنيفة النعمان كان صديقاً لأحبار اليهود الذين ادعوا أنهم أحبار الإسلام بإعلانهم إسلامهم، أمثال: يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضى، الذى كان من أكبر أصحاب أبى حنيفة"(1) .
…
وانظر إلى ما يقوله إسماعيل منصور متفوقاً على سلفه ابن أبى فتيلة فى طعنه فى رموز الإسلام القائلين بحجية السنة.
يقول: "ونحن نشفق على قائليه وهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعى، وأحمد، وكذلك البخارى ومسلم رحمهم الله جميعاً - لأنهم "عفا الله عنهم" يستحقون الشفقة والدعاء لهم بالعفو، فإن الله تعالى لو أخذهم بما قالوا (يعنى حجية السنة) لكان أخذه تعالى لهم أليماً شديد لمخالفتهم لكلامه تعالى (مخالفة صريحة)
…
فإنهم قد استدرجوا إلى مكيدة إبليس اللعين (بحسن نية منهم) فأخذوا بمنهج التبديل ذى الروايات والحكايات، وتركوا كتاب الله تعالى وهم لا يشعرون، حتى أصلوا ظاهرة التحول عن كلام الله، إلى كلام غيره من البشر، وعلموا الناس أن يتركوا ظاهر القرآن الكريم، إلى قول زيد، وعبيد، من الرواة، وهى خطة إبليس اللعين "عليه اللعنة إلى يوم الدين" وهذا واضح تمام الوضوح (2) .
(1) دين السلطان ص 154، ونفس هذه الطعون قال بها أحمد صبحى منصور، وطعن بها المحدثين، والفقهاء، وخص بطعونه من المحدثين الإمام البخارى رحمه الله انظر: كتبه التالية: حد الردة، والحسبة، ولا ناسخ ولا منسوخ، ولماذا القرآن، والصلاة فى القرآن، وعذاب القبر والثعبان الأقرع، وقراءة فى صحيح البخارى.
(2)
بلوغ اليقين بتصحيح مفهوم ملك اليمين ص 475، 476.
.. ويقول أيضاً واصفاً أهل السنة بالخرافة و
…
و
…
، وأن فى اتباعهم خسران الدنيا والآخرة قال:"يا أفراد عش الوطاويط (الخفافيش) أخرجوا إلى النور (نور القرآن الكريم) ولا تظلوا حبيسى الظلام "ظلام الأقوال البشرية، والروايات القصصية"
…
يا أتباع مملكة الوهم، وضحايا التأليف فى الدين، وصرعى الروايات والقصص والظنون والأوهام، أفيقوا من سباتكم الغطيط وانهضوا من رقادكم الطويل، وطهروا أنفسكم وعقيدتكم بألا تساووا كلام البشر بكلام الله رب العالمين (1) .
ماذا تقولون لنا يا أهل الخرافة من الروايات والحكايات والقصص والخزعبلات؟؟ ماذا تقولون؟؟
إن من يتبعكم سيخسر الدنيا والآخرة لا محالة؟؟ سيخسر الدنيا؛ لأنه يعيش فى غير نصرة الله تعالى: "كما يعيش أكثر المسلمين الآن"، ويخسر الآخرة لأنه سيموت على هذا الضلال المبين "يعنى الإيمان بحجية السنة" فلا يكون له فى الآخرة من خلاق (2) أ. هـ.
…
إن هذا الهراء ما كنت لاستحل حكايته إلا لبيان أن من أساليب الطعن فى حجية السنة من الزنادقة قديماً وحديثاً بغض أهل السنة، والطعن فى عدالتهم، وفى علومهم، لتنفير الأمة من إتباع السنة وأهلها.
ولنتأمل كيف فاق زنادقة يومنا، زنادقة الأمس بالطعن فى أهل السنة.
إن طعون الحاقدين من المستشرقين، وأهل الزيغ فى أهل السنة كثيرة، وقد سبق ذكر بعضها والجواب عنها كزعمهم أن المحدثين، والفقهاء، كانوا وضاعين ذهبوا إلى تأييد كل ذرأى يرونه صالحاً ومرغوباً فيه بحديث يرفعونه إلى النبى صلى الله عليه وسلم (3) .
(1) المصدر السابق ص18.
(2)
المصدر نفسه ص477، وانظر: له تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 135 - 140.
(3)
راجع إن شئت ص 417-431.