الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأعداء السنة المطهرة شبهات على عدم حجية السنة بنوها على أحاديث مكذوبة، وضعيفة، وأخرى صحيحة مع ضعف دلالتها على ما احتجوا به. وسوف نذكر تلك الشبهات في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: شبهة عرض السنة على القرآن الكريم والرد عليها
.
l واستدل بالحديث الأول قديمًا الشيعة الإثنى عشرية كما رواه الكليني في الكافي (1) . والرافضة منهم، والزنادقة كما حكاه الحافظ السيوطي في مفتاح الجنة (2) ، والطائفة التى ردت الأخبار كلها وناظر الإمام الشافعي واحدًا من أتباعها (3) ،
(1) أخرجه الكليني في الكافي كتاب فضل العلم، باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب 1 / 69 رقم 5 عن أبي عبد الله رضي الله عنه، وانظر: الشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجاني ص 244.
(2)
مفتاح الجنة ص 13، 14.
(3)
الرسالة 225.
وأهل الرأي كما حكاه أحمد أمين في فجر الإسلام (1) . والمعتزلة وهو أحد الأصوب الخمسة عند الإمام القاسم بن إسماعيل الرسي كما سبق في أصول المعتزلة (2) وحديثًا استدل به الدكتور توفيق صدقي (3) ، ويحيي كامل أحمد (4) .
l واستدل بالحديث الثاني الدكتور توفيق صدقي (5) ، والأستاذ جمال البنا (6) .
l واستدل بالحديث الثالث الدكتور توفيق صدقي (7) .
l واستدل بالحديث الرابع الأستاذ جمال البنا (8) ، كما استدل بحديث "عبد الله بن أبي أوفى"(9) في وصية النبي صلى الله عليه وسلم. في مرض موته بالاقتصار على كتاب الله عز وجل (10) ، ونقل كلام الحافظ ابن حجر مبتورًا، وسبق بيان ذلك كما سبق بيان المراد من الأحاديث المرفوعة والموقوفة بالاقتصار على كتاب الله وحده (11) .
(1) فجر الإسلام ص 224، وانظر: البحر المحيط للزركشي عزاه إلى أكثر المتكلمين 4 / 351.
(2)
راجع: إن شئت ما سبق في أصول المعتزلة وموقفهم من السنة ص 105،110، وانظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 84.
(3)
مجلة المنار المجلد 9 / 523.
(4)
تطبيق الشريعة بين الحقيقة وشعارات الفتنة ص 12.
(5)
مجلة المنار المجلد 9 / 907.
(6)
السنة ودورها في الفقه الجديد ص 246.
(7)
مجلة المنار المجلد 9 / 907.
(8)
السنة ودورها في الفقه الجديد ص 246.
(9)
عبد الله بن أبي أوفى: صحابي جليل له ترجمة في: الاستيعاب 3 / 870 رقم 1478، واسد الغابة 3 / 181 رقم 2830، وتاريخ الصحابة ص 155 رقم 742، ومشاهير علماء الأمصار ص 62 رقم 320، وتجريد أسماء الصحابة 1 / 299، والإصابة 2 / 274 رقم 4573.
(10)
أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الوصايا، باب الوصايا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم. (وصية الرجل مكتوبة عنده) 5 /420 رقم 2740، ومسلم (بشرح النووي) كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصي فيه 6/ 98 رقم 1634.
(11)
راجع: إن شئت ص 201، 202.
وحجة المنكرين لحجية السنة النبوية من الروايات السابقة: أنها تفيد عرض السنة على القرآن فما وافق القرآن؛ فهو من السنة، وتكون السنة في هذه الحالة لمحض التأكيد، والحجة هو القرآن فقط، وما خالف القرآن بإثبات حكم شرعي جديد؛ فهو ليس من السنة، ولم يقله النبي صلى الله عليه وسلم. ولا حجة فيه.
يقول محمد نجيب: "فإذا كانت سنة الرسول وحديثه متفقة مع سنة الله وحديثه فاتباعها حكم من متبعها أنها أحسن من سنة الله، وأنها حديث خير من حديث الله، وليس في هذا إلا تكذيب لله القائل:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} (1) وهذا يحتم عدم الأخذ بسنة غير الله، وحديث غير الله، ولو كان متفقًا مع كلام الله فاتباعه خلط لدين الإنسان، وخروج عن الدين الخالص لله وحده إذ بذلك يكون الدين خليطًا.
أما إذا كانت السنة والحديث غير متفقة مع كلام الله، وحديث الله، وسنة الله، فلا يمكن أن يعمل بها مسلم، أو أن يقبلها (2) .
يقول الدكتور أحمد صبحي منصور: "..... مع أهمية المناقشة بالقرآن لكل ما جاء في التراث من أحكام فقهية وروايات خرافية (3) .
ويقول الأستاذ جمال البنا: "هناك أحاديث جاءت بما لم يأت به القرآن، نحن نحكم عليها في ضوء القرآن، فما لا يخالف القرآن يقبل، وما يخالفه يستبعد، فتحريم زواج المرأة على عمتها وخالتها. وتحريم لحم الحمر الأهلية، أمور لانرى مانعًا فيها، ونجد فيها قياسًا سليمًا (4) .
وهكذا اتخذ أعداء السنة من منهج عرض السنة على القرآن الكريم قاعدة ينطلقون منها للتشكيك في حجية السنة المطهرة وهدمها. وهم يصرحون بتلك الحقيقة وأهدافها.
ومن قاعدة عرض السنة على كتاب الله عز وجل، انطلق أعداء الإسلام من الرافضة والزنادقة يشككون في حجية السنة المطهرة وتابعهم دعاة الفتنة وأدعياء العلم؛ أمثال الدكتور أحمد صبحي منصور، وإسماعيل منصور، ومحمود أبو رية، ومحمد نجيب، وقاسم أحمد وغيرهم ممن سبق ذكرهم وفيما يلي الجواب عن شبهتهم هذه.
وتكلم العلماء عن هذا الحديث كلامًا يستلزم أن يكون من أشد الموضوعات أو الضعيف المردود ونختار من أقوالهم ما يأتي:
قال الإمام الشافعي: "ما روي هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغر ولا كبر.. وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في شيء (5) .
ويعلق الأستاذ أحمد شاكر (6) في تحقيقه لكتاب الرسالة على هذا الحديث فيقول: "هذا المعنى لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن، بل وردت فيه ألفاظ كثيرة، كلها موضوع، أو بالغ الغاية في الضعف، حتى لا يصلح شيء منها للاحتجاج أو الاستشهاد (7) .
(1) الآية 23 من سورة الزمر.
(2)
انظر: الصلاة ص 278، 279.
(3)
انظر: مجلة روزاليوسف العدد 3563 ص 36، وانظر: البحث في مصادر التاريخ الديني لأحمد صبحي منصور ص 40، 287.
(4)
السنة ودورها في الفقه الجديد ص 254، وسيأتي الرد على ذلك وأنه غير مخالف للقرآن في مبحث أدلة حجية السنة ص 533.
(5)
الرسالة للشافعي ص 225.
(6)
أحمد شاكر: هو العلامة محمد شاكر، يكني: أبا الأشبال محدث ومحقق، وقاضي شرعي، وعضو المحكمة الشرعية العليا "سابقًا" من مؤلفاته الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ونظام الطلاق في الإسلام، وغير ذلك. مات سنة 1377هـ. انظر: ترجمته في كتابه كلمة الحق بقلم الأستاذ محمود محمد شاكر.
(7)
الرسالة للشافعي ص 224.
وقال الإمام بن عبد البر (1) : " وقد أمر الله عز وجل بطاعته واتباعه أمرًا مطلقًا مجملاً لم يقيد بشئ، كما أمرنا باتباع كتاب الله، ولم يقل وافق كتاب الله كما قال بعض أهل الزيغ، قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث
…
وهذه الألفاظ لاتصح عنه صلى الله عليه وسلم. عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه، وقد عارض هذا الحديث قوم من أهل العلم، وقالوا: نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء، ونعتمد على ذلك، قالوا: فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه لكتاب الله؛ لأنا لم نجد في كتاب الله ألا يقبل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما وافق كتاب الله، بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسى به، والأمر بطاعته
(1) الإمام ابن عبد البر: هو يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، أبو عمر، كان حافظ علماء الأندلس، وكبير محدثيها في وقته، وكان أولاً ظاهريًا ثم صار مالكيًا، فقيهًا حافظًا مكثرًا عالمًا بالقراءات والحديث والرجال، والخلاف، كثير الميل إلى أقوال الشافعي، من مصنفاته. التمهيد شرح الموطأ، والاستذكار مختصره، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، وجامع بيان العلم وفضله. وغير ذلك مات سنة 463هـ. له ترجمة في: تذكرة الحفاظ 3/ 1128 رقم 1013، وطبقات للسيوطي ص 431، 432 رقم 978، والديباج المذهب لابن فرحون ص440 رقم 626، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 2 / 458 رقم 23، والرسالة المستطرفة ص 15، وشجرة النور الزكية 1 / 119 رقم 337.
، ويحذر المخالفة عن أمره جملة على كل حال" (1) أ. هـ.
وقال فضيلة الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف معقبًا على تقوية ابن عراق للحديث (2)، تبعًا للسيوطى (3) :"الحديث باطل منكر جدًا، كما قال العقيلي وغيره، ومحاولة المؤلف تبعًا للسيوطي تقويته غلط، فإن الحديث من وضع بعض الزنادقة للتلاعب بالسنة، وغفل السيوطي، ثم المؤلف _ رحمهما الله _ عن هذا المقصد الخبيث"(4) .
أما الحديث الثاني: إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه
…
إلخ فأخرجه الشافعي (5) ، والبيهقي (6) ، ومن من طريق طاووس (7) ،
(1) جامع بيان العلم وفضله 2 / 190، 191، وانظر: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 291، وإرشاد الفحول 1/ 157، 158، وكشف الخفاء للعجلوني 1 / 76، رقم 220، 2 / 386.
(2)
تنزيه الشريعة 1 / 264، 265، وانظر: الموضوعات لابن الجوزي 1 / 258.
(3)
اللآلئ المصنوعة 1 / 195، والنكت البديعات على الموضوعات ص 48، 49 رقم 23.
(4)
تنزيه الشريعة 1 / 265 هامش. وفيما سبق رد على الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة _ رحمه الله تعالى _ في تقويته للحديث في كتابه (لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث) ص 29، 30. وفيما سبق أيضًا رد على إدعاء جولدتسهير بأن المحدثين يقررون احتجاجًا بهذا الحديث، انظر: العقيدة والشريعة في الإسلام ص 55، وأعجب من إدعاء جولدتسهير، إدعاء أحد أدعياء العلم وهو يحيى كامل أحمد الذي وصف الذين حكموا بوضع هذا الحديث بأنهم ملاحدة قائلا: [إن بعض الملاحدة زعموا أن هذا الحديث (فيما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله..) من وضع الزنادقة، ليبيحوا لأنفسهم عدم التقيد بآيات القرآن، للتقول في أمور الدين بما يشاءون.. فيرددون الأباطيل والإسرائيليات والخرافات بدعوى أنها أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم. على حين أن القرآن يسقطها، ويثبت كذبها بتعارضها مع آياته الكريمة] أ. هـ. انظر تطبيق الشريعة بين الحقيقة وشعارات الفتنة ص 12، 13، والشيعة هم أهل السنة للدكتور محمد التيجاني ص 251، 252.
(5)
الأم كتاب جماع العلم، باب الصوم 7 / 288، وفي كتاب الصلاة، باب صلاة المريض 1 /80، 81.
(6)
المدخل إلى السنن والآثار كتاب السير، باب الرجل يموت في أرض العدو قبل الغنيمة 13/ 155 رقم 17742.
(7)
طاووس: هو طاووس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن، يقال اسمه ذكوان، وطاووس لقب، من أكابر التابعين تفقها في الدين ورواية للحديث وتقشفًا في العيش، وجرأة على وعظ الخلفاء والملوك، أصله من الفرس، ولكنه ولد في اليمن، متفق على توثيقه مات سنة 106هـ له ترجمة في: صفة الصفوة لابن الجوزي 2 / 284 رقم 243، ومشاهير علماء الأمصار ص 150 رقم 955، والثقات لابن حبان 4 / 391، الثقات للعجلي ص 234، رقم 720، والثقات لابن شاهين ص 182رقم 587، وتقريب التهذيب 1 / 448 رقم 3020، والكاشف 1 / 512 رقم 2461، ووفيات الأعيان 2/ 509 رقم 306.
وقال الإمام الشافعي: هذا منقطع، وكذلك صنع صلى الله عليه وسلم.، وافترض عليه أن يتبع ما أوحي إليه، ونشهد أن قد اتبعه صلى الله عليه وسلم. وما لم يكن فيه وحي فقد فرض الله في الوحي اتباع سنته، فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله قال تعالى:{وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) .
قال البيهقي: وقوله في الحديث: "في كتابه" إن صحت هذه اللفظة فإنما أراد فيما أوحى إليه، ثم ما أوحى إليه نوعان؛ أحدهما وحي يتلى، والآخر وحي لا يتلى (2) .
ويشهد لما قاله البيهقي في أن المراد بكلمة "في كتابه" أعم من القرآن، ويشمل الوحي بنوعيه، المتلو، وغير المتلو. قوله صلى الله عليه وسلم. لوالد الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم:"والذي نفسي بيه لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد. وعلى ابنك جلد مائة، وتغريب عام"(3) قال الحافظ ابن حجر: المراد بكتاب الله ما حكم به وكتب على عباده، ويؤيده رواية القرآن وهو المتبادر. وقال ابن دقيق العيد (4) : الأول أولى؛ لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله باتباع رسوله، قيل وفيما قال نظر لاحتمال أن يكون المراد ما تضمنه قوله تعالى:{أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} (5) فبين النبي صلى الله عليه وسلم. أن السبيل جلد البكر ونفيه، وجلد الثيب ورجمه، فيما رواه الإمام مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهم (6) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عنى. خذوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلا.
(1) جزء من الآية 7 من سورة الحشر.
(2)
مفتاح الجنة ص 42،43.
(3)
متفق عليه من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا 12/ 140 رقم 6827، 6828. وأخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا 6/ 214 رقم 1697، 1698 واللفظ له.
(4)
ابن دقيق العيد:هو محمد بن على وهب المنفلوطي، تقى الدين أبو الفتح، إمام حافظ فقيه، كان من أذكياء زمانه، وقل أن ترى العيون مثله، وله يد طولى في الأصول والمعقول، ولي قضاء الديار المصرية وتخرج به أئمة، من مصنفاته: الاقتراح في علوم الحديث، وشرح العمدة، مات سنة 702هـ له ترجمة في: طبقات الحفاظ للسيوطي 516 رقم 1134، وتذكرة الحفاظ للذهبي 4 / 1481 رقم 1168، والرسالة المستطرقة للكتابي ص 180، والديباج المذهب لابن فرحون ص 411 رقم 566، والدرر الكامنة 4/ 91 رقم 256، والبداية والنهاية 14/ 27، وشذرات الذهب 6/ 5، والوافي بالوفيات 4/ 193.
(5)
الآية 15 من سورة النساء.
(6)
عبادة بن الصامت: صحابي جليل له ترجمة في: الاستيعاب 2/ 807 رقم 1372، واسد الغابة 3/ 158 رقم 2891، وتاريخ الصحابة ص 190 رقم 1004، والإصابة 2/ 268 رقم 4515، ومشاهير علماء الأمصار ص66 رقم 334.
البكر بالبكر جلد مائة جلة مائة ونفى سنة، والثيب بالثيب. جلد مائة والرجم" (1) .
قال الحافظ ابن حجر قلت: وهذا أيضًا بواسطة التبيين" (2) .
وقلت: حتى لو صحت هذه اللفظة "في كتابه" وحملت على المتبادر منها وهو القرآن الكريم. فلا حجة في الحديث للمنكرين لحجية السنة، فالحديث عليهم لا لهم؛ لأن ما يحرمه أو يحله الرسول صلى الله عليه وسلم.، هو حرام أو حلال في كتاب الله عز وجل الذي أمر بطاعته، ونهى عن مخالفته صلى الله عليه وسلم. . ويؤيد ذلك ما ثبت في صحيح السنة من حديث المقدام بن معد يكرب الكندى (3) رضي الله عنه؛ أن رسول صلى الله عليه وسلم. قال: "يوشك الرجل متكئا على أريكته، يحدث بحديث من حديثي، فيقول بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، فما وجدنا من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثل ما حرم الله عز وجل (4) .
قال الإمام الشافعي معقبًا: فقد ضيق رسول الله على الناس أن يردوا أمره بفرض الله عليهم اتباع أمره (5)
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الحدود، باب حد الزني 6/ 240 رقم 1690.
(2)
انظر: فتح الباري 12/ 142 _ 144 رقمي 6827، 6828.
(3)
المقدام بن معد يكرب: صاحبي جليل له ترجمة في: الاستيعاب 4/ 1482 رقم 2562، واسد الغابة 5/ 244 رقم 5077، وتاريخ الصاحبة ص 240 رقم 1317، ومشاهير علماء الأمصار ص 69 رقم 365، والإصابة 3/ 455 رقم 8202.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب في لزوم السنة 4/ 200 رقم 4604، والترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم.5/ 36 رقم 2664 وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه بن ماجة في سننه المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه 1/ 20 رقم 12، واللفظ له وابن جبان في صحيحه (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) ، باب الاعتصام بالسنة وما يتعلق بها نقلا وأمرًا وزجرًا 1/ 107 رقم 12، والحاكم في المستدرك 1/ 191 رقم 371، وسكوت عنه الحاكم والذهبي، وصححه أحمد شاكر في هامش الرسالة للشافعي ص 90، 91.
(5)
الرسالة للشافعي ص 226.
وقال الإمام البيهقي (6) : وهذا خبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. عما يكون بعده من رد المبتدعة حديثه فوجد تصديقه فيما بعده صلى الله عليه وسلم. (7) .
أما قول الدكتور توفيق صدقي: "فهذا الحديث صح أو لم يصح فالعقل يشهد له ويوافق عليه، وكان يجب أن يكون مبدأ للمسلمين لايحيدون عنه"(1) فسيأتى الرد على ذلك في المطلب الثاني (شبهة عرض السنة على العقل) .
(6) الإمام البيهقي: هو أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر، كان أوحد أهل زمانه في الإتقان والحفظ والفقه والتصنيف، كان فقهيًا وأصوليًا وإمامًا من أئمة الحديث، من مصنفاته: السنن الكبرى، ودلائل النبوة، توفي سنة 458هـ. له ترجمة في: تذكرة الحفاظ 3 / 1132 رقم 1014، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص 433 رقم 979، ووفيات الأعيان 1 / 75 رقم 28، طبقات الشافعية لابن السبكي 4 /8 رقم 50، والبداية والنهاية 12/ 94، وشذرات الذهب 3 / 304.
(7)
دلائل النبوة للبيهقي 1/ 25.
(5)
يعني معيار عرض السنة على القرآن بمفهوم أعداء السنة.
(1)
السنة ودورها في الفقه الجديد ص 7.
(2)
المصدر السابق ص 248.
(3)
السنة ودورها في الفقه الجديد ص 265.
(4)
مجلة روزاليوسف العدد 3563 ص 35.
(5)
تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 18 _ 20.
(6)
أضواء على السنة ص 19، 391 _ 395.
(7)
الصلاة ص 279.
(8)
إعادة تقييم الحديث ص 136.
(1)
الحديث والمحدثون ص 211.
(1)
الآية 7 من سورة الحشر.
(2)
الآية 80 من سورة النساء.
(1)
انظر: الأم كتاب جماع العلم، باب الصوم 7/ 288، وفي كتاب الصلاة، باب صلاة المريض 1/ 80، 81.
(2)
الإحكام في أصول الأحكام 2/ 212.
(3)
الآيتان 3،4 من سورة النجم.
(4)
انظر: الإحكام لابن حزم 2/ 212.
(5)
السنة ومكانتها في التشريع للدكتور السباعي ص 164.
(6)
انظر: نيل الأوطار 1/ 187.
(7)
ثوبان: هو ثوبان بن بجدر أبو عبد الله مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. صاحبي جليل له ترجمة في: الاستيعاب 2/ 218 رقم 282، واسد الغابة 1/ 480رقم 624، وتاريخ الصحابة ص 56 رقم 174، ومشاهير علماء الأمصار ص64 رقم 324، والإصابة 1/ 204 رقم 969.
(8)
الدارقطني كتاب الطهارة، باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقئ والحجامة ونحوه 1/ 151 رقم 41.
(1)
انظر: مجلة المنار المجلد 9/ 515 رقم 913.
(2)
الدارمي في سنته المقدمة، باب السنة قاضية على كتاب الله 1/ 153، 154 رقم 589 بلفظ: "السنة سنتان: سنة الأخذ بها فريضة: وتركها كفر، وسنة الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غيره حرج) .
(3)
مكحول: هو مكحول الشامي، أبو عبد الله، ثقة، فقيه كثير الإرسال مات سنة 113هـ. له ترجمة في: تقريب التهذيب 2 / 211 رقم 6899، والكاشف 2 / 291 رقم 5620، وحاشية بن العجمي هامش على الكاشف 2/ 291 _ 293، والثقات للعجلي ص 439 رقم 1628، والثقات لابن حبان 5/ 446، ومشاهير علماء الأمصار ص 141 رقم 870.
(4)
الطبراني في الأوسط 4 / 392 رقم 4011، وقال الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن محمد إلا عيسى تفرد به عبد الله، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد إلى الطبراني في الأوسط، وقال: لم يروه عن أبي سلمة إلا عيسى بن واقد تفرد به عبد الله بن الرومي، ولم أر من ترجمة. انظر: مجمع الزوائد 1/ 172، وانظر مجمع البحرين في زوائد المجمعين الصغير والأوسط للطبراني 1/ 233 رقم 256.
(5)
انظر: ميزان الاعتدال 2/ 422 رقم 4317، ولسان الميزان 3/ 286 رقم 1208.
(6)
انظر: الإحكام للآمدي 1/ 127، وإرشاد الفحول للشوكاني 1/ 155، وأصول الفقه للخضري ص 250، 251.
(1)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الوضوء، باب لاتقبل صلاة بغير طهور 1/282 رقم 135، ومسلم (بشرح النووي) كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة 1/ 104 رقم 225 واللفظ له.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه كتاب أبواب الصلاة، باب ما جاء في المنى والمذي 1/ 193 رقم 114، وقال هذا حديث حسن.
(3)
عمران بن حصين: صاحبي جليل له ترجمة في: الاستيعاب 3/ 1208 رقم 1969، واسد الغابة 4/ 269 رقم 4048، وتاريخ الصحابة ص 183 رقم 949، ومشاهير علماء الأمصار ص 48 رقم 218، والإصابة 3/26 رقم 6024.
(4)
أخرجه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب التميم باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء 1 / 533 رقم 344، وأخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة 300/ 199 رقم 682.
(5)
الآية 6 من سورة المائدة.
(1)
متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم.:" من حمل علينا السلاح فليس منا" 13/ 26 رقم 7071 ومسلم (بشرح النووي) كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم. من "حمل علينا السلاح فليس منا" 1 رقم 100.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن 6/ 479 رقم 1848.
(3)
الآية 33 من سورة المائدة.
(4)
متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعور رضى الله عنه، البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الديات، بال قول الله تعالى "النفس بالنفس والعين بالعين" 12/ 209 رقم 6878، ومسلم (بشرح النووي) كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم 6/ 179 رقم 1676.
(5)
الآية 217 من سورة البقرة.
(6)
منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص 499، وانظر: الموافقات للشاطبي 4/ 9 _ 14.
(7)
الآية 7 من سورة الحشر.
صلى الله عليه وسلم. صلى الله عليه وسلم.
عنه كقوله تعالى: {وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) .
ومثال السنة المحرمة: قوله صلى الله عليه وسلم. " لايجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها (2) فأصل ذلك التحريم في الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، قوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَف} (3) .
وهذا استدلال من لا يرى استقلال السنة بالتشريع، وقد عرفت مما سبق استدلال من يرى استقلالها.
فأمثال هذه السنة سواء كانت (واجبة أو محرمة) الأخذ بها هدى وتركها بعدم فعلها إذا كانت واجبة، وفعلها إذا كانت محرمة (ضلالة) كما في الحديث، وهو ما يتمشى مع تعريف الواجب والحرام عند الأصوليين.
فالواجب: مرادف للفرض عند الجمهور، هو ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم بحيث يأثم تاركه وقال الآمدى:"والحق في ذلك أن يقال: الوجوب الشرعي عبارة عن خطاب الشارع بما ينتهض تركه سببًا للذم شرعًا في حالة ما"(4) .
أما الحرام فهو ضد الواجب: قال الآمدى: والحق فيه أن يقال: هو ما ينتهض فعله سببًا للذم شرعًا بوجه ما من حيث هو فعل له (5) .
أما قوله صلى الله عليه وسلم. في الحديث: " وسنة في غير فريضة"؛ فالمراد بذلك السنة المباحة والمندوبة وقوله: "الأخذ بها فضيلة وتركها ليس بخطيئة" أي في فعلها ثواب، وليس في تركها عقاب، وهذا هو "المباح والمندوب" عند أهل الأصول.
فالمندوب: هو ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، أو هو ما طلب الشارع فعله طلبًا غير حتم (6) .
(1) الآية 7 من سورة الحشر.
(2)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب النكاح، باب لاتنكح المرأة على عمتها 9/ 64 رقم 5109، ومسلم (بشرح النووي) كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح 5/ 205 رقم 1408.
(3)
الآية 23 من سورة النساء.
(4)
البحر المحيط للزركشي 1/ 181 _ 184، والإحكام للآمدي 1/ 92، وأصول الفقه للخضري ص 39.
(5)
الإحكام للآمدي 1/ 106.
(6)
أصول الفقه للخضري ص 54، وانظر: أصول الفقه للشيخ خلاف ص 111.
وقال الآمدي: فالواجب أن يقال: هو المطلوب فعله شرعًا من غير ذم على تركه مطلقًا (1) ومن ومن أسمائه: النافلة، والسنة، والمستحب، والتطوع وذلك عند الجمهور (2) .
ومثاله: الرواتب مع الفرائض، وصلاة العيدين، والاستسقاء، والكسوف، وصدقة التطوع
…
إلخ والأصل في ذلك حديث الأعرابي الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم. شرائع الإسلام وفرائضه، وأنه ليس عليه غيرها إلا أن التطوع "فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله على شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.:"أفلح أن صدق. أو دخل الجنة إن صدق"(3) .
والمباح: هو ما خير الشارع المكلف فيه بين فعله وتركه من غير مدح ولا ذم (4) . وقال الأمدى: والأقرب في ذلك أن يقال: هو ما دل الدليل السمعى على خطاب الشارع بالتخيير فيه الفعل والترك من غير بدل (5) .
ومن أسمائه: الحلال، والمطلق، والجائز (6)، ومثاله قوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاة} (7) . وقوله: "لحمزة بن عمرو الأسلمي (8) لما سأله عن الصيام في السفر: "إن شئت فصم وإن شئت فأفطر" (9) .
(1) الإحكام للآمدي 1/ 111.
(2)
البحر المحيط للزركشي 1/ 284.
(3)
متفق عليه من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإٍلام 1/ 130رقم 46، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التى هي أحد أركان الإسلام 1/ 198 رقم 11.
(4)
أصول الفقه الحضرى ص 60، وانظر: أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ص 115.
(5)
الإحكام للآمدى 1/ 115.
(6)
البحر المحيط للزركشى 1 / 276.
(7)
الآية 101 من سورة النساء.
(8)
حمزة بن عمر الأسلمى: صحابي جليل له ترجمة في: الاستيعاب 1/ 375 رقم 542، واسد الغابة 2/ 71 رقم 1252، وتاريخ الصحابة ص 67 رقم 233، ومشاهير علماء الأمصار ص 22 رقم 51، والإصابة 1/ 354 رقم 1837.
(9)
متفق عليه من حديث عائشة _ رضى الله عنها _ البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الصوم، باب الصوم في السفر والإفطار 4/ 211 رقم 1943، ومسلم (بشرح النووي) كتاب الصوم، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر 4/ 253 رقم 1121.
فأمثال هذه السنن المباحة والمندوبة الأخذ بها فضيلة ويثاب ويمدح الإنسان على فعلها، وإن تركها لم يكن مخطئًا، ولا عقاب ولا لوم عليه.
وأصل هذه السنن في كتاب الله قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1) .
فهذا هو معنى الحديث على فرض صحته، فأين الدلالة فيه على عدم حجية السنة ووجوب عرضها على كتاب الله؟!!
وبعد
هذا ما قاله أهل العلم في أحاديث عرض السنة المطهرة على القرآن الكريم، التى أسس عليها أعداء الإسلام منهجًا خاصًا بهم في الحكم على صحة السنة بوجوب عرضها عل الكتاب.
فما وافقه؛ فهو حجة، وما خالفه ولو مخالفة ظاهرة يمكن الجمع بينهما؛ فباطل مردود ليس من السنة.
وهذا منهج باطل، مردود، عماده الكذب والخديعة: لأنه يفضي إلى نفي حجية السنة النبوية التى لها دور في بيان الكتاب وتفسيره، أو التى أفادت حكمًا مستقلاً: لأن كلاً من النوعين غير موجود فيه، فتكون وظيفة السنة مقصورة على تأكيد القرآن فقط، وبالتالى الحجة فيه وحده، ولا حجة في السنة على أي حكم شرعي بذاتها؛ لأنها لو كانت حجة على شئ لما توقف ذلك على ثبوت الشئ بحجة أخرى، وهذا كلام باطل لا يصح؛ لأن أحاديث العرض عند عرضها على كتاب الله وجدناها مخالفة لما فيه؛ لأنه لا يوجد في كتاب الله أن لا يقبل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلا ما وافق كتاب الله بل يوجد في كتاب الله إطلاق التأسى به، والأمر بطاعته مطلقة من غير تقييد، والتحذير من مخالفة أمره جملة على كل حال.
وكما سبق من قول الأئمة: البيهقي، وابن عبد البر، وابن حزم (2) ومن ثم فقد رجعت أحاديث العرض على نفسها بالبطلان، ثم إنه ورد في بعض طرقها عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.: " إنه سيأتيكم منى أحاديث مختلفة، فما أتاكم موافقًا لكتاب الله وسنتى فهو مني، وما أتاكم مخالفًا لكتاب الله وسنتى فليس مني"(3) .
(1) الآية 21 من سورة الأحزاب، وانظر: التعريفات للجرجاني ص 161، 162.
(2)
راجع: ص 224، 225.
(3)
أخرجه الخطيب في الكفاية ص 603، وانظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالنسة ص 38.
قال البيهقي: تفرد به صالح بن موسى الطلحي، وهو ضعيف لا يحتج بحديثه (1) .
قال السيوطي: قلت: ومع ذلك فالحديث لنا لا علينا: ألا ترى إلى قوله: "موافقًا لكتاب الله وسنتى"(2) .
ومع أن أحاديث عرض السنة على القرآن الكريم لا وزن لها سندًا عند أهل العلم كما سبق، إلا أن معناها صحيح وعمل بها المحدثون في نقدهم للأحاديث متنًا فجعلوا من علامات وضع الحديث مخالفته لصريح القرآن الكريم والسنة النبوية والعقل.
إلا أنهم وضعوا لذلك قيدًا وهو استحالة إمكان الجمع والتأويل، فإذا أمكن الجمع بين ما ظاهره التعارض من الكتاب أو السنة أو العقل _ جمعًا لا تعسف فيه يصار إلى الجمع والقول معًا ولا تعارض حينئذ، وإن كان وجه الجمع ضعيفًا باتفاق النظار، فالجمع عندهم أولى (3) .
وإعمال الأدلة أولى من إهمال بعضها، وإلا فلنتعرف على الناسخ والمنسوخ فنصير إلى الناسخ ونترك المنسوخ، وإلا نرجح بأحد وجوه الترجيحات المفصلة في كتب الأصول وعلوم الحديث (4) ، والعمل بالأرجح حينئذ متعين، وهؤلاء المبتدعة لم يرفعوا بهذا الأصل رأسًا، جهلاً به أو عنادًا كما قال الشاطبي (5) .
(1) انظر: تقريب التهذيب 1/ 433 رقم 2902، والكاشف 1/ 499 رقم 2364، والمجروحين 1/ 369، والضعفاء والمتروكين للنسائي ص 136 رقم 314، والضعفاء لأبي زرعة الرازي 2/ 627 رقم 154، وخلاصة تهذيب الكمال ص 172.
(2)
مفتاح الجنة في الاحتجاج بالنسة ص 39.
(3)
قال الإمام فخر الدين الرازي في المحصول: "والدليل القاطع ضربان: عقلي، وسمعي فإن كان المعارض عقليًا نظرنا فإن كان خبر الواحد قابلاً للتأويل كيف كان أولناه فلم نحكم بردة " انظر: المحصول في أصول الفقه 2/ 210.
(4)
انظر: إرشاد الفحول 2/ 369 _ 408، والمحصول في أصول الفقه 2/ 434 _ 488، والإحكام للآمدي 4/ 206، والموافقات للشاطبي 4/ 640، والمستصفى للغزالي 2/ 392، والإبهاج في شرح المنهاج 3/ 208، والبحر المحيط 6/ 108 _ 194، والمعتمد في أصول الفقه 2/ 176 _ 178، وأصول السرخسي 2/ 145، 249، وفتح المغيث للعراقي ص 337 _ 339، وتدريب الراوي 2/ 198 _ 203، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي ص 59 _ 90، وانظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 172، 173.
(5)
الاعتصام باب في مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1/ 200، 201، وانظر: الإحكام لابن حزم 1/ 161.
وإن لم يتمكن العالم من ذلك للتعادل الذهني فاختلفوا على مذاهب منها:
1_
التخيير 2_ تساقط الدليلين والرجوع إلى البراءة الأصيلة
3_
الأخذ بالأغلظ 4_ التوقف.
ومعلوم بأن التوقف هنا حتى يمكن الجمع أو التأويل أو الترجيح. وكل ما سبق قال به من المعتزلة صاحب المعتمد في أصول الفقه في باب الأخبار المعارضة، وباب ما يترجح به أحد الخبرين على الآخر" (1) .
قال الحافظ ابن حجر: "فصار ما ظاهرة التعارض واقعًا على هذا الترتيب الجمع إن أمكن، فاعتبار الناسخ والمنسوخ، والترجيح إن تعين، ثم التوقف عن العمل بأحد الحديثين، والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط، لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر، إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفى عليه وفوق كل ذي علم عليم"(2) .
ولا أعلم نقلاً عن أحد من العلماء برفض ورود الحديث بمجرد المخالفة الظاهرية مع القرآن الكريم، أو السنة، أو العقل مع إمكان الجمع، أو التأويل، أو الترجيح، حتى من نقل عنهم الأصوليون إنكار الترجيح وردوا عليهم إنكارهم، قالوا عند التعارض: يلزم التخيير أو الوقف (3) .
نعم لم ينقل رد السنة وجحدها بمجرد المخالفة الظاهرية إلا عن أهل البدع والأهواء كما حكاه عنهم الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام (4) ، وتابعهم ذيولهم في العصر الحديث من أصحاب المذاهب اللادينية.
وقصاري القول: إن أهل العلم مجمعون على أن السنة الصحيحة لا تخالف كتاب الله عز وجل، ولا تخالف سنة أخرى صحيحة مثلها، ولا تخالف العقل، وما يبدوا حينًا من تعارض هو من سوء الفهم لا من طبيعة الواقع، كما قال فضيلة الشيخ محمد الغزالي _ رحمه الله تعالى _: لا يتعارض حديث مع كتاب الله أبدًا، وما يبدو من تعارض هو من سوء الفهم لا من طبيعة الواقع " (5) .
(1) المعتمد في أصول الفقه 2/ 176، 188، وانظر: الإحكام للآمدي 4/ 221، والبحر المحيط 6/ 115، والمسودة في أصول الفقه لآل تيمية ص 449.
(2)
نزهة النظر ص 35، وانظر: فتح المغيث للسخاوي 3/ 73، وتدريب الراوي 2/ 202.
(3)
الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 209، وفتح المغيث السخاوي 3/ 73، وانظر: المصادر السابقة نفس الأماكن.
(4)
الاعتصام باب في مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1/ 199.
(5)
مائة سؤال في الإسلام 1/ 244، وانظر: المكانة العلمية لعبد الرازق في الحديث النبوي لفضيلة الأستاذ= =الدكتور إسماعيل الدفتار 2/ 626 مبحث (حقيقة التعارض إنما هي في الفهم) . ومختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين للدكتور نافذ حسين حماد ص 125 _ 188.
وعن دعوى تعارض الأحاديث مع بعضها يقول الحافظ ابن خزيمة: "لا أعرف أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. حديثان بإسنادين صحيحن متضادين، فمن كان عنده فليأتي به لأؤلف بينهما "(1) .
قال الإمام ابن حزم: ليس في الحديث الذي صح شيء يخالف القرآن الكريم ولا سبيل إلى وجود خبر صحيح مخالف لما في القرآن أصلاً، وكل خبر شريعة فهو إما مضاف إلى ما في القرآن ومعطوف عليه ومفسر لجملته، وإما مستثنى منه لجملته، ولا سبيل إلى وجه ثالث. فإن احتجوا بأحاديث محرمة أشياء ليست في القرآن قلنا لهم: قد قال الله عز وجل {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (2) فكل ما حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثل الحمار الأهلي، وسباع الطير، وذوات الأنياب (3) ، وغير ذلك؛ فهو من الخبائث، وهو مذكور في الجملة المتلوه في القرآن ومفسر لها، والمعترض بها يسأل: أيحرم أكل عذرته أم يحلها؟ فإن أحلها خرج عن إجماع الأمة وكفر، وإن حرمها؛ فقد حرم ما لم ينص الله تعالى على اسمه في القرآن، فإن قال هي من الخبائث قيل له: وكل ما حرم عليه السلام؛ فهو كالخنزير، وكل ذلك من الخبائث. فإن قال قد صح الإجماع على تحريمها، قيل له: قد أقررت بأن الأمة مجمعة على إضافة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. من السنن إلى القرآن الكريم، مع ما صح عنه صلى الله عليه وسلم. قال:" لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه "(4) .
(1) علوم الحديث لابن الصلاح ص 173، وتدريب الراوي 2/ 196، وفتح المغيث للعراقي ص 336، وفتح المغيث للسخاوي 3/ 71.
(2)
الآية 157 من سورة الأعراف.
(3)
سيأتى تخريجه ص 451، وانظر: أمثلة أخرى عل ما اعترضوا عليه من الأحاديث الصحيحة لمخالفتها في نظرهم القرآن الكريم، ولا مخالفة في الحقيقة في الباب الثالث، حديث رؤية الله عز وجل.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/ 200 رقم 4605، والترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم. 5/ 36 رقم 2663، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتغليظ على من عارضه 1/ 20 رقم 13 من حديث أبى رافع رضي الله عنه.
فهذا حديث صحيح بالنهى عما تعلل به هؤلاء الجهال (1) .
ويقول ابن حزم في موضع آخر: "إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية والحديث، فيما يظن من لا يعلم، ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها، وكل من عند الله عز وجل، وكل سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق"(2) .
ويتأيد ما قاله ابن حزم بما قال الإمام الشاطبي عند كلامه على حديث العرض: "ما أتاكم عنى فاعرضوه على كتاب الله _ الحديث" قال: "إن الحديث إما وحي من الله صرف، وإما اجتهاد من الرسول _ عليه الصلاة والسلام _ معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة، وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله؛ لأنه _ عليه الصلاة والسلام _ ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
(1) انظر: الإحكام في أصول الأحكام 2/ 215، 216 بتصرف، وانظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي فصل "الأحاديث النبوية وربطها بالقرآن" 2/127.
(2)
الإحكام في أصول الأحكام 1/ 161.