الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أنه لا يقول بواحد من الأمرين السابقين إلا الرافضة أمثال (مرتضى العسكرى (1) ومروان خليفات (2) ، وزكريا عباس (3) ، وعلى الشهرستانى، الذى مال إلى الأمرين معاً:
أولهما: "إن الخليفة عمر قد أمر بكتمان ما أنزل الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فمنع من التحديث لكتمان ما ورد فى فضائل أهل البيت وما يدل على إمامتهم"(4) .
ثانيهماً: أن الخليفة عمر بن الخطاب وكذا أبو بكر (5) ؛ كانا يتهما الصحابة جميعاً بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاب على الإمام ابن حزم، ومن تبعه من الأعلام قديماً وحديثاً أنهم لم يرتضوا بهذين الأمرين وقال:"لذلك اضطروا إلى حمل نهى عمر على النهى عن التحديث بأخبار الأمم السالفة، وهذا حمل تبرعى لم يدل عليه دليل من روايات منعه"(6) .
…
وصدق الإمام الذهبى: "فوالله ما يغض من عمر إلا جاهل
…
أو رافضى فاجر، وأين مثل أبى حفص، فما دار الفلك على مثل شكل عمر، وهو الذى سن للمحدثين التثبت فى النقل" (7) ، إن دعوى أن نهى عمر عن الإكثار من الرواية أنه يتهم الصحابة جميعاً بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوى لا برهان لها، إلا فى كتب الروافض من غلاة الشيعة، ومن قال بقولهم من المستشرقين، ودعاة اللادينية الملحدة.
الجواب عن شبهة: "النهى عن الإكثار من التحديث اتهام من أبى بكر وعمر
-رضى الله عنهما-، للصحابة بالكذب:
(1) معالم المدرستين المجلد 2/44، 45، 64.
(2)
وركبت السفينة ص 107 - 146، 173 - 181.
(3)
تأملات فى الحديث ص 42 - 62.
(4)
منع تدوين الحديث على الشهرستانى ص 57، 64.
(5)
المصدر السابق ص 49.
(6)
المصدر نفسه ص 104، 105، وسبق الرد بما جاء فى رواية السائب بن يزيد.
(7)
تذكرة الحفاظ 1/6.
إن الصحابة جميعاً وعلى رأسهم عمر، كانوا أبعد الناس فى أن يشك بعضهم فى صدق بعض، والأدلة على هذا متوافرة جداً، فقد كان الصحابى إذا سمع من صحابى آخر حديثاً صدق به، ولم يخالجه الشك فى صدقه، وأسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما لو كان سمعه بنفسه، وعلى هذا اعتماد أئمة الحديث فى مرسل الصحابى (1) .
…
يدل على ذلك ما روى عن عمر رضي الله عنه قال: "كنت أنا وجار لى من الأنصار فى بنى أمية بن زيد، وهى من عوالى المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً، وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحى وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك
…
" (2) ، ولو لم يكن سوى هذا الحديث لكفى فى رد هذه الشبهة، ولكن كما قلنا الأدلة على هذا متوافرة جداً.
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "ليس كلنا سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن الناس كانوا لا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد الغائب (3) ، وأخرج الطبرانى عن حميد قال كنا مع أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: والله ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضاً"(4) .
(1) انظر: تدريب الراوى1/207،وفتح المغيث للسخاوى1/170،171،وتوضيح الأفكار 1/317
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب التناوب فى العلم 1/223 رقم 89.
(3)
أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب العلم، باب فضل توقير العالم 1/216 رقم 438 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.
(4)
أخرجه الطبرانى فى الكبير1/246 رقم 699، وعزاه إليه الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد1/153، وقال: رجاله رجال الصحيح.
وعن عائشة –رضى الله عنها- قالت: "ما كان خلق أبغض إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الكذب (1) وعن الأعمش –رحمه الله قال: "لقد أدركت قوماً، لو لم يتركوا الكذب إلا حياءً لتركوه" (2) .
…
وأخيراً: يقول عمر لأبى موسى الأشعرى لما حدثه بحديث (الاستئذان ثلاثاً)، وطلب منه البينة على ذلك (3) . قال:"أما إنى لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) . وفى رواية: "فقال عمر لأبى موسى والله إن كنت لأميناً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أحببت أن أستثبت، ونحوه فى رواية أبى بردة حين قال أبى بن كعب لعمر:"يا بن الخطاب فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سبحان الله إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت"(5) .
(1) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب البر والصلة، باب ما جاء فى الصدق والكذب 4/307 رقم1973 وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه أحمد فى مسنده 6/152، وابن أبى الدنيا فى مكارم الأخلاق 112 رقم 139، 145، والحديث ذكره الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد 1/142، وعزاه إلى أحمد، والبزار، وقال إسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبى الدنيا فى الصمت ص 263 رقم 544.
(3)
القصة فى صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاستئذان، باب التسليم والاستئذان11/28 رقم6245، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الآداب، باب الاستئذان 7/387 رقم 2154.
(4)
أخرجه مالك فى الموطأ كتاب الاستئذان، باب الاستئذان2/734، 735 رقم 3 وروايته منقطعة.
(5)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الآداب، باب الاستئذان 7/387 رقم 2154.
قال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون حضر عنده من قرب عهده بالإسلام فخشى أن يختلق الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الرغبة، والرهبة، طلباً للمخرج مما يدخل فيه، فأراد أن يعلمهم أن من فعل شيئاً من ذلك ينكر عليه حتى يأتى بالمخرج (1) ، وزاد غيره فأراد عمر سد هذا الباب وردع غير أبى موسى لا شكاً فى روايته، فإن من دونه إذا بلغته قصته، وكان فى قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبى موسى، فالمراد غيره (2) . وفى ذلك يقول الخطيب البغدادى:"وفى تشديد عمر على الصحابة فى رواياتهم حفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترهيب لمن لم يكن من الصحابة أن يدخل فى السنن ما ليس منها، لأنه إذا رأى الصحابى المقبول القول، المشهود بصحبة النبى صلى الله عليه وسلم، قد شدد عليه فى روايته، كان هو أجدر أن يكون للرواية أهيب، ولما يلقى الشيطان فى النفس من تحسين الكذب أرهب"(3) .
…
وفى القصة دليل على ما كان الصحابة عليه من القوة فى دين الله وقول الحق والرجوع إليه وقبوله، فإن أبياً رضي الله عنه أنكر على عمر تهديد أبى موسى، وخاطبه مع أنه الخليفة (بيا ابن الخطاب) أو يا عمر؛ لأن المقام مقام إنكار" (4) .
وفى ذلك رد على الرافضة الطاعنين فى الصحابة ووصفهم بالجبن والتقية خوفاً من درة عمر أو مهابة له، وأنهم وافقوه فى النهى عن كتابة السنة والإكثار منها تقية منهم وجبناً" (5) .
(1) شرح الزرقانى على الموطأ 4/426، وفتح البارى 11/32 رقم 6245.
(2)
شرح الزرقانى على الموطأ 4/426.
(3)
شرف أصحاب الحديث للخطيب ص 163.
(4)
شرح الزرقانى على الموطأ 4/426، 427.
(5)
منع تدوين الحديث على الشهرستانى ص 28، 228، وقد تناقض فى إفكه هذا، ووصفهم بالشجاعة فى موضع آخر ص 254، 342.
.. وهكذا كانت ثقة الصحابة جميعاً وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، ثقة لا يشوبها شك، ولا ريبة، لما يؤمنون به من تدينهم بالصدق، وأنه عندهم رأس الفضائل، وبه قام الإسلام، وساد أولئك الصفوة المختارة من أهله الأولين" (1) .
…
وبالجملة: ما فعله كبار الصحابة وتبعهم فيه الصحابة أجمع، ومن بعدهم من النهى أو الامتناع عن الإكثار من التحديث، كان لوجوه وأسباب وردت صراحة فى الآثار الواردة عنهم، وكانوا فى كل سبب من تلك الأسباب مقتدين بسنة النبى صلى الله عليه وسلم، وهو ما حرصنا على تأكيده فيما سبق.
فما فعلوه كان احتياطاً للدين كتاباً وسنة ورعاية لمصلحة المسلمين لا زهداً فى الحديث النبوى، ولا تعطيلاً له.
ولا إخفاءً لأحاديث فضائل أهل البيت، وما يدل على إمامتهم كما تزعم الرافضة، فأحاديث فضائل أهل البيت، وما يدل على إمامتهم، وعظيم منزلتهم، مدونة فى سائر كتب السنة (فى كتب المناقب، وفضائل الصحابة) .
فلا يجوز أن يفهم أو يتوهم من منهاج الصحابة، القائم على المنهاج النبوى ومن تشدد عمر خاصة هجر الصحابة للسنة أو زهدهم فيها لعدم حجيتها، أو أنهم أرادوا ألا يجعلوها ديناً عاماً دائماً كالقرآن، معاذ الله أن يقول بهذا أحد منهم.
فلا يقول بهذا إلا جاهل مغرور، أو رافضى فاجر، لا علم له بقليل من السنة، ولم تخالط قلبه روح الصحابة، ولا أنار سبيله، قبس من هداهم.
(1) السنة ومكانتها فى التشريع للدكتور السباعى ص 263.
.. فقد ثبت عن الصحابة جميعاً تمسكهم بالحديث النبوى، وتعظيمهم، وتوقيرهم له، وتحكيمهم له فى كل شأن من شئون حياتهم، وزجرهم وهجرهم كل من لم يعظم قوله صلى الله عليه وسلم، وقد حرصوا على المحافظة على الحديث النبوى بكل وسيلة تفضى إلى ذلك، فكان لهم جميعاً الفضل الأول فى المحافظة على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتميز منهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عن عمر، وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم