الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم فى الشريعة الإسلامية كله وحى
من عند الله عز وجل
…
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين: "اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم" موضوع قديم، قتله العلماء بحثاً، ولم يترك الأوائل للأواخر بشأنه شيئاً.
…
وخلاصته أنهم اختلفوا: فمنهم من لم يجز له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد، واعتبر ما ورد من ذلك صورة اجتهاد، وليس اجتهاداً فى الواقع والحقيقة، لأن الله معه صلى الله عليه وسلم وهو مع الله، ولأنه فى جل أوقاته صلى الله عليه وسلم يناجى من لا نناجى، وإلهامه وحى ورؤيا منامه وحى. ورب العزة يقول:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (1) . ويفسرون ما ظاهره الخطأ فى الرأى والرجوع إلى قول الغير بأن ذلك اجتهاد فى الظاهر لتدريب الأمة على البحث والتفكير والاجتهاد فى الأسباب والأخذ بالمشورة، وحقيقته: أن الله يوحى إليه أن قل كذا، وسيقول لك فلان كذا، فقل له كذا، ويشهد لهذا ما روى عن على بن أبى طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن جبريل هبط، فقال له خَيِّرْهُمْ يعنى أصحابكَ فى أُسارَى بَدْرٍ القتل أو الفداء، على أن يُقْتَلَ منهم قَاتِلٌ مِثْلُهم، قالوا الفداءَ، ويقتل منَّا (2) .
(1) الآيتان 3، 4 من سورة النجم.
(2)
أخرجه الترمذى فى سننه كتاب السير، باب ما جاء فى قتل الأسارى والفداء 4/114، 115 رقم1567 قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب من حديث الثورى. وفى الباب عن ابن مسعود وأنس، وأبى برزة، وجبير بن مطعم، انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/326.
.. وجمهور المحققين من العلماء على أن النبى صلى الله عليه وسلم؛ يجوز له أن يجتهد، وأنه اجتهد فعلاً (1) وأن اجتهاده فى بعض الأحيان القليلة كان خلاف حكم الله، فجاء الوحى بتصحيح الحكم، والإرشاد إلى ما ينبغى (2)، كما فى قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (3) .
وفى مغازى الأموى أن حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ (4) رضي الله عنه لما أشار على النبى صلى الله عليه وسلم بتغير مكان نزوله يوم بدر ورجع النبى صلى الله عليه وسلم إلى رأيه، نزل ملك من السماء، وجبريل جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذلك الملك: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن الرأى ما أشار به الحُبَابُ بْنُ المُنذِرِ (5) .
(1) قال الآمدى فى الإحكام 4/143 وهو المختار.
(2)
انظر: الإحكام للآمدى 4/143 - 187، والإحكام لابن حزم 5/125 - 133، والمستصفى للغزالى 2/350 - 354، والإبهاج فى شرح المنهاج 2/246، وأصول السرخسى 1/5،= =والمعتمد 2/210، والمحصول للرازى 2/489، والبحر المحيط للزركشى 6/214 – 219، وانظر: حجية السنة للعلامة الدكتور عبد الغنى ص145–240، والنفحات الشذية فيما يتعلق بالعصمة والسنة للشيخ محمد الحامدى ص103،وأصول الفقه للشيخ محمد الخضرى ص426
(3)
الآيتان 1،2 من سورة النجم.
(4)
حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 1/302 رقم 1557، والاستيعاب 1/458 رقم 483، واسد الغابة 1/665 رقم 1023، وتاريخ الصحابة ص 78 رقم 301، ومشاهير علماء الأمصار ص 32 رقم 112.
(5)
انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/292.
أو جاء الوحى بإمضاء حكم اجتهاده مع التنبيه بما ينبغى، كما فى قوله تعالى عن أسرى بدر:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1) .
…
نعم نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له بالاجتهاد واجتهد.
ونعم نقول: إن بعض اجتهاداته لم تصادف الصواب، لكن أين حكم الله تعالى فى الأمر الذى اجتهد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصب؟
…
إن ما يصدر عن النبى صلى الله عليه وسلم من اجتهاد إما أن يوافق حكم الله أو لا، فإن وافق حكم الله فهو حكم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن لم يوافق حكم الله عدَّله إلى حكمه جل شأنه، وإذن تصبح الأحكام الدينية التى حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الله فى النهاية، وقبل لقائه الرفيق الأعلى (2) . وتصير تلك الأحكام حجة إجماعاً بلا شك (3) .
(1) الآية 67 من سورة الأنفال.
(2)
السنة والتشريع للدكتور موسى لاشين ص 18-20 بتصرف وانظر: تاريخ المذاهب الإسلامية للعلامة محمد أبو زهرة ص 239 - 240 وانظر مناهل العرفان فى علوم القرآن للشيخ الزرقانى 2/418-425. ويقول الإمام الشاطبى: "فاعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مؤيد بالعصمة، معضود بالمعجزة الدالة على صدق ما قال وصحه ما بين، وأنت ترى الاجتهاد الصادر منه معصوماً بلا خلاف، إما بأنه لا يخطئ ألبته، وإما بأنه لا يقر على خطأ إن فرض، فما ظنك بغير ذلك؟ انظر: الموافقات 2/458 وراجع من نفس المصدر ص404.
(3)
انظر: حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص 283، وانظر: مصادر الشرعية الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية للمستشار الدكتور على حريشة ص 38-39، والفقه الإسلامى مرونته وتطوره لفضيلة الإمام الأكبر جاد الحق على جاد الحق ص 26-31.
أما ما ذهب إليه بعض علمائنا الأجلاء من تقسيم السنة النبوية إلى قسمين: سنة تشريعية ملزمة عامة ودائمة، وسنة غير تشريعية ولا ملزمة.
فيقول رداً على ذلك فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين: "غفر الله للقائلين بأن السنة تشريع وغير تشريع، وللقائلين بالمصلحة. غفر الله لهم وسامحهم، لقد فتح هؤلاء وهؤلاء باباً لم يخطر لهم على بال.
…
القائلون بأن السنة تشريع وغير تشريع قصدوا بغير التشريع ما ورد منها خاصاً بالصناعات، والخبرات كالزراعة والطب، ولم يخطر ببالهم أن من سيأتى بعدهم سيستدل بتقسيمهم ليدخل المعاملات، وأحاديث البيع، والشراء، والإجارة، ويدخل ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم من أحاديث فى العادات، وشئون الاقتصاد، والسياسة، والإدارة، والحرب، وغير ذلك فى السنة غير التشريعية، وهم من هذا القول برءاء.
أما ما جعلوه مما سبيله الحاجة البشرية، كالأكل والشرب والنوم
…
إلخ من السنة غير التشريعية، فهذا الكلام على عمومه مرفوض، وفى حاجة إلى تحقيق. فالأكل والشرب مثلاً - كلام عام يشمل المأكول والمشروب، ويشمل الأوانى والهيئة أو الكيفية.
فهل بيان المأكول والمشروب المحرم، والمكروه، والمباح، من السنة غير التشريعية (1) ؟
(1) السنة والتشريع لفضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين لاشين ص 22.
هل حديث: "أحلت لكم ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال"(1) وحديث: "أكل الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) . سنة غير تشريعية؟! اللهم لا.
أحل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطيبات، وحرم علينا الخبائث؛ فالمأكول، والمشروب سنة تشريعية من حيث الحل والحرمة، أما أنه أكل نوعاً من الحلال وترك غيره يأكل نوعاً آخر، فالتشريع فيها الإباحة، إباحة ما أُكِلَ وما لم يأكل مما لم ينه عنه.
…
وأما الأوانى: فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب فى صحائف الذهب والفضة، ونهى عن الأكل فى أوانى الكفار إلا بعد غسلها. وهذا تشريع قطعاً.
(1) أخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال2/295 رقم3314، والدارقطنى فى سننه كتاب الأشربة وغيرها، باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك4/271،272 رقم25 من حديث ابن عمر - رضى الله عنهما - وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال ابن الجوزى: أجمعوا على ضعفه، وقال البوصيرى: لكن لم ينفرد به عبد الرحمن بن زيد عن أبيه فقد تابعه عليه سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم عن ابن عمر. قال البيهقى: إسناد الموقوف صحيح، وهو فى معنى المسند أ. هـ. انظر: مصباح الزجاجة 3/85، قال الشوكانى فى نيل الأوطار 8/147، 148 وكذا صحح الموقوف أبو زرعة، وأبو حاتم، وهو فى حكم المرفوع فيحصل الاستدلال بهذه الرواية، أ. هـ. بتصرف، وانظر: فتح البارى 9/580 - 585 رقمى 5536/5537 وتعليق المغنى على الدارقطنى 4/271، 272.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الطب 7/109 رقم 1944، وانظر: نيل الأوطار 8/118 وما بعدها.
.. أما أنه صلى الله عليه وسلم أكل فى قصعة من الفخار، ونحن نأكل فى الأوانى الفاخرة غير الذهبية والفضية، فهذا من المباحات والإباحة تشريع (1) .
…
... وأما الهيئة: فهناك هيئات مأمور بها وهيئات منهى عنها، وهيئات أخرى كثيرة مباحة، والكل تشريع. "يا غلام سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك"(2) هيئة أكل مشروعة (3) ،
و"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس فى الإناء"(4) هيئة ممنوعة شرعاً فى نفس الإناء، ومستحبة خارج الإناء (5) ، أما أنه صلى الله عليه وسلم أكل بأصابعه ويده. ونحن نأكل بالملاعق، والشوك، والسكاكين، فهو من المباحات المشروعة.
فماذا فى الأكل والشرب من السنة غير التشريعية؟!!
…
إن قصدوا بالسنة غير التشريعية فى ذلك السنة غير الملزمة، وهى المباحات كان الخلاف بيننا لفظياً.
…
وإن قصدوا ما هو مطلوب على وجه الوجوب أو الندب، وما هو منهى عنه على وجه الحرمة أو الكراهة فهو غير مسلم.
(1) السنة والتشريع لفضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين ص 23، وسيأتى مزيد من بيان شرعية (المباح) بعد قليل.
(2)
البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين 9/431 رقم 5376، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما 7/209 رقم 2022. من حديث عمر بن أبى سلمة رضي الله عنه.
(3)
انظر: مجلة الأزهر عدد ربيع الآخر1418هـ ص630مقال (التيامن فطرة إلهية وأفضلية تاريخية".
(4)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأشربة، باب النهى عن التنفس فى الإناء 10/95 رقم 5630، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأشربة، باب كراهية التنفس فى نفس الإناء واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء 7/217 رقم 267 من حديث أبى قتادة رضي الله عنه.
(5)
انظر: فتح البارى، وشرح النووى فى الأماكن السابقة.
ومثال ذلك يقال فى النوم واللبس، وكل ما هو خاص بالحاجة والطبيعة البشرية كما يقولون، حتى قضاء الشهوة مع الزوجة له قواعده وأصوله وحدوده المشروعة (1) .
…
والتحقيق أنه من الخطأ أن نطلق هذا الإطلاق "السنة غير التشريعية على ما سموه الحاجة البشرية من أكل وشرب، وما سبيله التجارب، والعادة الشخصية أو الاجتماعية من زراعة وطب، ولباس إلى آخره، وكذا ما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم بوصفه إماماً ورئيساً للدولة المسلمة، أو بوصفه قاضياً فكل هذه الأمور التى أطلقوا عليها، سنة غير تشريعية، منها الواجب شرعاً، ومنها المحرم شرعاً، ومنها المكروه، ومنها المندوب، ومنها المباح، وحتى إذا أردنا كيفية هذه الأمور نجد منها الممنوع شرعاً، كما سبقت الإشارة إليه قريباً (2) .
…
أما القائلون بالمصلحة كمصدر من مصادر التشريع فقد اشترطوا لها ألَاّ تصادم نصاً من الكتاب أو السنة الصحيحة، فهم أخذوا بمراعاة المصالح فيما لم يرد فيه قرآن أو حديث صحيح، أما ما ورد فيه قرآن أو حديث صحيح فالمصلحة فيما جاء به النص" (3) .
(1) السنة والتشريع لفضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين ص 22-24 بتصرف، وانظر: للأستاذ محمد أسد فى كتابه "الإسلام على مفترق الطرق" تحليل قيم لما جاءت به السنة من آداب وتقاليد تتعلق بشئون الحياة وعادات الناس، وأثرها فى تميز الشخصية المسلمة، ينبغى أن يقرأ ويدرس، ويستفاد منه. الإسلام على مفترق الطرق ترجمة الدكتور عمر فروخ، والدكتور مصطفى الخالدى، الفصلين الأخيرين ص 87 - 110.
(2)
انظر: المزيد من التفصيل فىالسنة والتشريع لفضيلة الأستاذ الدكتور موسىشاهين ص33 وما بعدها.
(3)
السنة والتشريع لفضيلة الدكتور موسى شاهين ص 24.
.. واعتقد كما قال الدكتور فتحى عبد الكريم: "أن القائلين بالسنة التشريعية، والسنة غير التشريعية قد فاتهم المعنى الدقيق للتشريع الإسلامى، حيث قصر بعضهم وصف التشريع على الواجب، والحرام، ونفاه عن المندوب، والمكروه، والمباح، وأدخل بعضهم المندوب والمكروه فى التشريع، ونفاه عن المباح وحده (1) .
…
وفى ذلك يقول العلامة الدكتور عبد الغنى عبد الخالق رحمه الله "هذا وإخراج الأمور الطبيعية من السنة أمر عجيب، وأعجب منه: أن يدعى بعضهم ظهوره، مع إجماع الأئمة المعتبرين على السكوت عنها، وعدم إخراجها.
(1) السنة تشريع لازم ودائم ص 44، وانظر: دراسات فى السنة وعلوم الحديث للدكتور محمد المنسى ص 228-232.
.. ولست أدرى: لم أخرجها هؤلاء؟!! أأخرجوها: لأنها لا يتعلق بها حكم شرعى؟ وكيف يصح هذا مع أنها من الأفعال الاختيارية المكتسبة، وكل فعل اختيارى من المكلف لابد أن يتعلق به حكم شرعى: من وجوب أو ندب أو إباحة أو كراهة أو حرمة – وفعل النبى الطبيعى مثل الفعل الطبيعى من غيره، فلابد أن يكون قد تعلق به واحد من هذه الأحكام؟ وليس هذا الحكم الكراهة، ولا الحرمة، لعصمته وليس الوجوب، ولا الندب: لعدم القربة فيه. فلم يبق إلا الإباحة وهى حكم شرعى. فقد دل الفعل الطبيعى منه صلى الله عليه وسلم على حكم شرعى، وهو الإباحة فى حقه، بل وفى حقنا أيضاً:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) . ولقد أجمع الأصوليون فى باب أفعاله صلى الله عليه وسلم على أن أفعاله الطبيعية تدل على الإباحة فى حقه صلى الله عليه وسلم وفى حق أمته، وكل يحكى الاتفاق على ذلك، عن الأئمة السابقين (2) .
(1) الآية 21 من سورة الأحزاب.
(2)
انظر: المحصول للرازى 1/501، والإحكام للآمدى 1/159، والموافقات 4/437، والإبهاج فى شرح المنهاج 2/264، والمعتمد فى أصول الفقه 1/334، والبرهان للجوينى 1/181،= =والبحر المحيط 4/176، وفواتح الرحموت 2/180، وإرشاد الفحول 1/165، ودراسات أصولية فى السنة النبوية للدكتور محمد الحفناوى ص 65، وانظر: حجية السنة للعلامة الدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص 79.
.. أم أخرجوها: لأنهم ظنوا أن الإباحة ليست حكماً شرعياً؟ وهذا لا يصح أيضاً: فإن الأصوليين مجمعون على شرعيتها – اللهم إلا فريقاً من المعتزلة ذهب إلى عدم شرعيتها: فَهْماً منه: أن الإباحة انتفاء الحرج عن الفعل والترك (1) . وذلك ثابت قبل ورود الشرع، وهو مستمر بعده: فلا يكون حكماً شرعياً، والجمهور ينكرون: أن هذا المعنى ثابت قبل ورود الشرع، وأنه لا يسمى حكماً شرعياً ولكنهم يقولون: ليس هذا هو معنى الإباحة الشرعية، إنما هى خطاب الشارع بالتخيير بين الفعل والترك من غير بدل. ولا شك أن هذا حكم شرعى، وأنه غير ثابت قبل ورود الشرع. ولو التفت هذا الفريق إلى هذا المعنى لم ينازع فيه. فليس هناك خلاف حقيقى بينهما، فالإباحة حكم شرعى يحتاج إلى دليل، والفعل الطبيعى منه صلى الله عليه وسلم يدل عليه. ونظرة واحدة فى باب أفعاله صلى الله عليه وسلم فى أى كتاب من كتب أصول الفقه – ترشدك إلى الحق فى هذا الموضوع (2) .
(1) انظر: التقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2/144.
(2)
انظر: الإحكام للآمدى 1/114، والمحصول للرازى 1/20، والبرهان للجوينى 1/106-108، وأصول السرخسى 1/14، وفواتح الرحموت 1/112، والموافقات 1/95 3/193، 293، والمستصفى 1/75، والإبهاج فى شرح المنهاج 1/60، والبحر المحيط 1/241، 275، وإرشاد الفحول 1/186، وأصول الفقه للشيخ محمد الخضرى ص 60، وانظر: حجية السنة للدكتور عبد الغنى ص 80، وآراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويماً ص152، 251، ومصادر الشريعة الإسلامية مقارنة بالمصادر الدستورية للمستشار الدكتور على جريشة ص 35 –38.
وأعلم أن التأسى به صلى الله عليه وسلم واجب، وعلى ذلك جمهور الفقهاء والمعتزلة يقول فخرالدين الرازى فى المحصول: "قال جماهير الفقهاء والمعتزلة: التأسى به واجب، ومعناه: أنا إذا علمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل فعلاً على وجه الوجوب: فقد تعبدنا أن نفعله على وجه الوجوب وإن علمنا أنه تنفل به: كنا متعبدين بالتنفل به، وإن علمنا أنه فعله على وجه الإباحة كنا متعبدين باعتقاد إباحته، وجاز لنا أن نفعله.
…
وقال أبو على بن خلاد من المعتزلة: نحن متعبدون بالتأسى به فى العبادات، دون غيرها: كالمناكحات، والمعاملات.ومن الناس من أنكر ذلك فى الكل، واحتج أبو الحسين محمد ابن على الطيب المعتزلى: بالقرآن والإجماع: أما القرآن فقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) ولم يفرق الله تعالى بين أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا كانت مباحة أو لم تكن مباحة. وقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (2) .أمر بالاتباع: فيجب.
(1) الآية 21 من سورة الأحزاب.
(2)
جزء من الآية 158 من سورة الأعراف.
.. أما الإجماع فهو: "أن السلف رجعوا إلى أزواجه فى قبلة الصائم"(1) ، وفى أن "من أصبح جنباً لم يفسد صومه"(2) وذلك يدل على أن أفعاله لابد من أن يمتثل فيها طريقه (3)، ونقل الإمام الزركشى عن الكعبى البلخى رأس طائفة المعتزلة الكعبية قوله:"المباح مأمور به، لأن فعله ترك الحرام وهو واجب، فالمباح واجب"(4) .
ويقول الإمام الشاطبى فى رده على من قال: "ترك المباح طاعة على كل حال. قال الشاطبى: "بل فعل (المباح) طاعة بإطلاق لأن كل مباح ترك حرام. ألا ترى أنه تركَ المحرمات كلّها عند فعل المباح، فقد شغلَ النفسَ به عن جميعها. وهذا الثانى أولى؛ لأن الكلية هنا تصح، ولا يصح أن يقال كل مباح وسيلة إلى محرم أو منهى عنه بإطلاق، فظهر أن ما اعُترض به لا ينهض دليلاً على أن ترك المباح طاعة (5)، ويشهد لهذا قول الإمام السرخسى فى أصوله:"ترك العمل بالحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام كما أن العمل بخلافه حرام"(6) .
(1) انظر: حديث عمر بن أبى سلمة رضي الله عنه، فى صحيح مسلم (بشرح النووى) كتاب الصيام، باب بيان أن القبلة فى الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته 4/233 رقم 1108، وانظر: نيل الأوطار 4/210 وما بعدها.
(2)
انظر: حديث عائشة-رضى الله عنها-فى صحيح مسلم (بشرح النووى) كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب 4/237 رقم 1110، وانظر: نيل الأوطار 4/212.
(3)
المحصول فى أصول الفقه 1/511،512، وقارن بالمعتمد فى أصول الفقه 1/353 - 355، والتقرير والتحبير 2/303، ونهاية السول فى شرح منهاج الوصول 2/55 وما بعدها.
(4)
البحر المحيط فى أصول الفقه 1/241، 4/186، والتقرير والتحبير 2/307.
(5)
الموافقات 1/100
(6)
أصول السرخسى 2/7.