الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. ويقول فضيلة الدكتور أبو شهبة: "ثم ما هذه البدعة السيئة، بدعة أن الخبر ما دام لم يتواتر لا يقبل ولا يؤخذ به ولو أن كل مسألة من مسائل العلم والمعرفة لم نكتف فيها إلا بالتواتر لما سلم لنا من المعارف إلا القليل، بل لو أننا طبقنا هذه القاعدة على علم التاريخ والآداب لما سلم لنا منها إلا شئ أقل من القليل"(1) .
…
ومع كل هذا فإن المحدثين لم يهملوا العدد، وإنما اعتبروه فى تقسيمهم لخبر الآحاد إلى غريب، وعزيز، ومشهور.
والترجيح بكثرة العدد عند التعارض، وها أنت قد سمعت آنفاً ما ذكره أئمة الحديث وجهابذته من أن الحديث المتواتر يوجد بكثرة فى كتب الحديث المشهورة مثل الكتب الستة والمسانيد وغيرها (2) .
ثانياً: ما اشترطوه لصحة قبول خبر الواحد:
بألا يخالف ظاهر كتاب الله عز وجل فقد استدلوا لذلك بأدلة منها ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، "تكثر الأحاديث لكم بعدى، فإذا روى لكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى، فما وافقه فاقبلوه، واعلموا أنه منى، وما خالفه فردوه، وأعلموا أنى منه برئ"(3) .
(1) الإسراء والمعراج لفضيلة الدكتور محمد أبو شهبه ص 21.
(2)
راجع: إن شئت ص 539-541.
(3)
الأم 7/307- 308، وأصول السرخسى 1/365، والمعتمد فى أصول الفقه 2/80.
واستدلوا أيضاً بما روى عن أبى بكر وعمر وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم فى ردهم خبر فاطمة بنت قيس (1) –رضى الله عنها-، فيما روى عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم، فى المطلقة ثلاثا قال:"ليس لها سكنى ولا نفقة" فرد ذلك عمر رضي الله عنه، بقوله:"لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، لقول إمرأة لا ندرى لعلها حفظت أو نسيت.لها السكنى والنفقة قال الله عز وجل:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (2) .
واستدلوا أيضاً برد عائشة (رضى الله عنها) حديث عمر وابنه عبد الله -رضى الله عنهما- فى تعذيب الميت ببعض بكاء أهله عليه، فردت ذلك عائشة بقولها "يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد" ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه" حسبكم القرآن: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (3) .
(1) فاطمة بنت قيس: صحابية جليلة لها ترجمة فى: الإصابة4/384رقم11608 والإستيعاب 4/1901 رقم4062، وتاريخ الصحابة ص209 رقم1114، واسد الغابة 7/224 رقم 7193.
(2)
الآية الأولى من سورة الطلاق، والحديث أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها 5/356 رقم 1480، وانظر: رقم 1481.
(3)
الآية 38 من سورة النجم، والحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجنائز، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إن كان النوح من سنته3/181رقمى 1287، 1288، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه 3/502، 503 رقمى 927، 929.
واستدلوا برد على بن أبى طالب رضي الله عنه لخبر معقل بن سفيان رضي الله عنه فيما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنه سئل عن رجل تزوج امراة ولم يفرض لها صداقاً، ولم يدخل بها حتى مات. فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها. لاوكس ولا شطط. وعليها العدة ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعى (1)، فقال: قضى رسول اللهصلى الله عليه وسلم، فى بروع بنت واشق، إمرأة منا. مثل الذى قضيت. ففرح بها ابن مسعود" (2) فرد ذلك على بن أبى طالب رضي الله عنه بقوله:"لا ندع كتاب ربنا لقول أعرابى بوال على عقبيه"(3) .
(1) معقل بن سنان الأشجعى: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 3/446 رقم 815، واسد الغابة 5/221 رقم 5033، والاستيعاب 3/1431 رقم 2460، وتاريخ الصحابة 239 رقم1311، ومشاهير علماء الأمصار ص57 رقم 281.
(2)
أخرجه أبو داود فى سننه كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات 2/237 رقم 2114، والترمذى فى سننه كتاب النكاح، باب ما جاء فى الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها 3/450 رقم 1145، وقال: وفى الباب عن الجراح. وحديث ابن مسعود حسن صحيح. واللفظ للترمذى.
(3)
هذه الزيادة أخرجها سعيد بن منصور فى سننه1/232رقم931، وأخرجها عبد الرازق فى مصنفه 6/293. قال الشوكانى فى هذه الزيادة (لم يثبت عنه من وجه صحيح ولو سلم ثبوته فلم ينفرد بالحديث معقل المذكور بل روى من طريق آخر غيره، بل معه الجراح كما وقع عند أبى داود، والترمذى وناس من اشجع، انظر: نيل الأوطار 6/173. وقال الصنعانى فى سبل السلام "وأما الرواية عن على رضي الله عنه فقال فى البدر المنير لم يصح عنه، انظر: سبل السلام 3/1045
.. واستدل بالأحاديث السابقة أو بعضها كل من محمود أبو رية فى (أضواء على السنة)(1) ، وأحمد أمين فى (فجر الإسلام)(2) ، وأحمد حجازى السقا فى كتابة (دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى)(3) ، وجمال البنا فى (السنة ودورها فى الفقه الجديد)(4) ، وإسماعيل منصور فى (تبصير الأمة بحقيقة السنة)(5) ، ونيازى عز الدين فى (دين السلطان)(6) وغيرهم.
…
وتأثر بهذا الشرط والمنهج، فضيلة الشيخ محمد الغزالى – غفر الله له وزاد فى إحسانه وتجاوز عن سيئاته- فى كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) إذ يقول معقباً على قول عائشة -رضى الله عنها- (حسبكم القرآن) يقول الشيخ:"وعندى أن ذلك المسلك الذى سلكته أم المؤمنين أساس لمحاكمة الصحاح إلى نصوص الكتاب الكريم"(7) .
…
والجواب: إن ما استدل به على رد خبر الآحاد إذا كان زائداً على النص القرآنى لا حجة لهم فيه فحديث (عرض السنة على القرآن) سبق تخريجه وبيان وضعه (8) .
وبقية الأخبار التى جاء فيها رد بعض الصحابة لبعض الأخبار لمجرد تعارضها الظاهرى مع القرآن لا حجة لهم فيها أيضاً. والحق مع الخبر وهو موافق لكتاب الله عز وجل.
وقد أفاض فى الدفاع عن خبر فاطمة ابن قيم الجوزية فى زاد المعاد (9) .
وقال الشوكانى ما قيل فى الخبر من أنه مخالف للقرآن فوهم (10) .
(1) انظر: أضواء على السنة ص 73، 74.
(2)
انظر: فجر الإسلام ص 216، 217.
(3)
انظر: دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 104، 105، 156، 193.
(4)
انظر: السنة ودورها فى الفقه الجديد ص 113.
(5)
انظر: تبصير الأمة بحقيقة السنة ص 305، 398، 399، 409، 419.
(6)
انظر: دين السلطان ص941.
(7)
انظر: السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص 23.
(8)
راجع: ص 218-221.
(9)
انظر: زاد المعاد 5/522 – 542.
(10)
نيل الأوطار 6/303.
ومما هو جدير بالذكر أن أبا حنيفة النعمان –رحمه الله قال بخبر فاطمة (1) .
وكذلك الحال فى خبر تعذيب الميت ببعض بكاء أهله عليه، الحق مع الخبر، ولا مخالفة فيه لكتاب الله عز وجل، كما هو واضح من ترجمة الإمام البخارى لباب الحديث (يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إن كان النوح من سنته)(2) .
…
أما ما قاله على بن أبى طالب رضي الله عنه رداً على خبر معقل بن سنان رضي الله عنه؛ فقد سبق من قول الشوكانى وغيره أن هذا لم يصح عنه، ولو سلمت صحته فلم ينفرد به معقل، والجمهور مع الخبر فهو أيضاً صحيح موافق لكتاب الله عز وجل (3) .
…
ومع أن الجمهور مع الأخبار التى توقف فيها بعض الصحابة لتعارضها الظاهرى مع القرآن الكريم فقد حملوا هذا التوقف من الصحابة على التثبت والإحتياط، ولم يكن ذلك منهم مسلكاً مطرداً بدليل ما سبق ذكره من حالهم فى احتجاجهم بخبر الواحد والعمل به.
ومما هو جدير بالذكر أن من اشترطوا هذا الشرط من الأحناف، خالفوه، وقبلوا أخباراً بأسانيد ضعيفة مع مخالفتها للقرآن الكريم، وقد أكثر من تفصيل ذلك ابن قيم الجوزية (4) .
(1) المنهاج شرح مسلم للنووى 5/359، وانظر: نيل الأوطار 6/303، وسبل السلام 3/1126
(2)
انظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) 3/181، وانظر: نيل الأوطار 4/102، 106، والإجابة لايراد ما استدركته عائشة على الصحابة للإمام الزركشى ص102، 103.
(3)
انظر: نيل الأوطار6/173،وسبل السلام3/1045،وأحكام القرآن لابن العربى 1/219،والجامع لأحكام القرآن للقرطبى3/197،ومنهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوى للدكتور الأدلبى ص135
(4)
أعلام الموقعين 2/288 وما بعدها.