الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيهما: أن عائشة - رضى الله عنها - إنما أنكرت رؤية البارى بأبصار العيون فى دار الدنيا، لا على الإطلاق، ولهذا روى عن أبيها وعنها -رضى الله عنهما- وعن جميع الصحابة أنهم فسروا قوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (1) قالوا: الزيادة النظر إلى الله تعالى فى الجنة (2) ، وقد روى هذا مرفوعاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما سبق فى الأدلة القرآنية على الرؤية (3) .
فصح مذهب أهل السنة والجماعة بحمد الله تعالى، وبطلت شبه المخالف واندحض مكره. ولله المنة والحجة البالغة" (4) أ. هـ.
ونسأله عز وجل أن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم
المبحث الثالث: موقف أهل البدع قديماً وحديثاً من أحاديث القدر
والرد عليهم
…
الأحاديث التى تثبت ركناً من أركان الإيمان وهو: الإيمان بقدر الله عز وجل خيره، وشره، حلوه ومره، طعن فيها المعتزلة؛ لأنها تتعارض مع أصل من أصولهم الخمسة وهو العدل الذى يعد مع أصلهم، الأول "التوحيد" أهم أصولهم لذا فهم يسمون أنفسهم أهل العدل وأهل التوحيد، وتمدحوا بهذه التسمية.
وقد عرفوا العدل: بأنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يختاره، ولا يخل بما هو واجب عليه، وأن أفعاله كلها حسنة (5) . وبنوا على هذا الأصل "العدل" أموراً عدة منها:
(1) انظر: فتح البارى 8/474، 475 رقم4855، والابتهاج فى أحاديث المعراج لابن دحية74-76، وزاد المعاد 3/36 - 38، والإسراء والمعراج للدكتور محمد أبو شهبة 67، 69.
(2)
انظر: البعث والنشور للبيهقى ص 262، 263 رقمى 447، 448.
(3)
راجع: ص 760، 761.
(4)
الإنصاف 186-187 وللاستزادة فى الرد على شبه المعتزلة حول حديث الرؤي، انظر: الانصاف، والإبانة ص 35 - 47، وموقف المدرسة العقلية من السنة 1/213 - 284، وشرح العقيدة الطحاوية 1/237-257.
(5)
انظر: شرح الأصول ص 132، 301.
أ- وجوب الصلاح والأصلح على الله عز وجل (1) . عصمنا الله وإياكم من إساءة الأدب مع الله.
ب- الحسن والقبح العقليان، فالحسن ما حسنه العقل والقبيح ما قبحه العقل، والشرع فى تحسينه وتقبيحه للأشياء مخبر عنها لا مثبت لها، والعقل مدرك لها لا منشئ (2) .
ج- إن الله عز وجل لم يخلق أفعال العباد، وإنما الإنسان هو الخالق لأفعاله كلها خيرها وشرها (3) . وقد أفضى بهم هذا إلى إنكار القدر.
قال القاضى عبد الجبار "والذين يثبتون القدر هم المجبرة (4) ، فأما نحن فإنا ننفيه وننزه الله تعالى. عن أن تكون الأفعال بقضائه وقدره (5) .
وحجة المعتزلة فى نفى القدر أو نفى خلق الله لأفعال العباد طاعات كانت أم معاصى؛ أن الله لا يفعل القبيح، وأفعال العباد وإن كانت طاعة، فقد يصح وجودها على وجه فتقبح، وعلى وجه آخر فتحسن" (6) .
وبناءً على أصلهم هذا "العدل" تأولوا الآيات القرآنية التى تثبت قدر الله عز وجل وخلقه لأفعال عباده خيرها وشرها.
وطعنوا فى الأحاديث التى تثبت القدر وعدوها ضرباً من الخطأ، وأن من رواها قد ارتكب عظيماً.
(1) شرح الأصول ص 133، 134، 307 وما بعدها، وانظر: الفصل فى الملل والنحل 3/164.
(2)
شرح الأصول 132، 301-323، وانظر: الكشاف للزمخشرى 2/441.
(3)
شرح الأصول ص 323، 334، 345، 776.
(4)
المجبرة أو الجبرية: مشتقة من الجبر، وهو نفى الفعل حقيقة عن العبد، وإضافته إلى الرب تعالى: وهم أصناف: فالجبرية الخالصة هى التى لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلا. والمتوسطة: هى التى تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة. انظر: الملل والنحل 1/85، والتعريفات ص101.
(5)
شرح الأصول ص 776.
(6)
المجموع المحيط بالتكليف للقاضى عبد الجبار ص 366، 367، نقلاً عن موقف المدرسة العقلية من السنة 1/2880.
قال القاضى عبد الجبار: "وما ورد من أخبار الآحاد دالاً على ذلك، ضرب من ضروب الخطأ الذى يعلم بروايته أنه ارتكب عظيماً"(1) .
…
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما كفروا من خالفهم فى هذا الأصل "العدل".
قال عبد الجبار: "وأما من خالف فى العدل، وأضاف إلى الله تعالى القبائح كلها من الظلم، والكذب، وإظهار المعجزات على الكذابين، وتعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم والإخلال بالواجب فإنه يكفر أيضاً"(2) .
وقد تأثر بموقف المعتزلة بالطعن فى أحاديث القدر، دعاة اللادينية (3) ، كما تأثر بعض رواد المدرسة العقلية الحديثة وقد فصل ذلك الدكتور فهد الرومى فى رسالته للدكتوراه "منهج المدرسة العقلية الحديثة فى التفسير"(4) .
(1) فضل الاعتزال ص 194.
(2)
شرح الأصول ص125.
(3)
انظر: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص131،135،357،394،ودين السلطان ص323،324
(4)
انظر: منهج المدرسة العقلية ص 533-544.