الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. قال الإمام النووى رحمه الله: "ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة، أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو فى حكم المشيئة، وقد تقدم بيان القاعدة وتقريرها، وهذا الحديث شرح للأحاديث التى قبله، الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس، وغيره من أصحاب الكبائر فى النار، وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصى، فإن هذا عوقب فى يديه، ففيه رد على المرجئة (1) ، القائلين بأن المعاصى لا تضر مع الإيمان، كما لا ينفع مع الكفر طاعة"(2) أ. هـ.
…
وإذا تقرر أن مرتكب الكبيرة، مسلم عاصى، تحت مشيئة ربه عز وجل إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فلا وجه لإنكار أعداء السنة لشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم، لأهل الكبائر من أمته.
فإلى بيان شبههم حول الحديث والرد عليها فى المبحث التالى.
المبحث السادس: شبه الطاعنين فى حديث الشفاعة والرد عليهم
…
إن تشبث المعتزلة بأصلهم الوعد والوعيد، ووجوب تحقيق الوعيد فى حق مرتكب الكبيرة بتخليده فى النار، أدى بهم إلى نفى الشفاعة لأهل الكبائر يوم القيامة.
(1) المرجئة: من الإرجاء وهو التأخير، والمرجئة لقب أطلق على طائفة تؤخر العمل عن الإيمان، بمعنى أنهم لا يدخلون العمل فى مسمى الإيمان، وقصروا الإيمان على المعرفة. وأكثرهم يرى أن الإيمان لا يتبعض، ولا يزيد ولا ينقص، وزعم بعضهم أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة أ. هـ. انظر: مقالات الإسلاميين 1/132، الملل والنحل 1/137، وانظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام 2/743.
(2)
المنهاج شرح مسلم 1/409 رقم 116 بتصرف يسير، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/374-378.
قال عبد الجبار: "الشفاعة للفساق الذين ماتوا على فسوقهم، ولم يتوبوا لا تجوز، بل مثالها مثال الشفاعة لمن قتل ولد الغير، وظل يتربص للآخر حتى يقتله، فكما أن هذا قبيح فهى قبيحة أيضاً
…
والنبى صلى الله عليه وسلم، لا يشفع لصاحب كبيرة، ولا يجوز له ذلك لأن إثابة من لا يستحق الثواب قبيحة
…
والفاسق إنما يستحق العقوبة على الدوام، فكيف يخرج من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم (1) .
…
وقد رد المعتزلة أحاديث الشفاعة لأهل الكبائر بدعوى تعارضها مع القرآن الكريم والسنة المطهرة، وبدعوى أنها خبر آحاد، ومسألة الشفاعة طريقها العلم، فلا يصح الاحتجاج به (2) .
وما صح من أحاديث الشفاعة أطلق عليها عبد الجبار حكماً عاماً وهو أن أكثرها مضطرب" (3) .
ومما استدلوا به فى إنكار الشفاعة قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} (4) وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (5) .ونحو ذلك من الآيات، واستدلوا على دعوى التعارض مع السنة المطهرة بما سبق من حديث "لا يدخل الجنة نمام
…
الحديث" وحديث "من قتل نفسه بحديدة
…
الحديث" (6) .
(1) انظر: شرح الأصول ص 688، 689 بتصرف يسير وانظر: فضل الاعتزال ص 209.
(2)
انظر: شرح الأصول ص 690.
(3)
انظر: فضل الاعتزال ص 298.
(4)
الآية 48 من سورة البقرة.
(5)
جزء من الآية 18 من سورة غافر، وانظر: شرح الأصول ص 689.
(6)
الحديثان سبق تخريجهما ص782، وانظر: شرح الأصول ص 691.