الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. والناظر فيما قاله أعداء السنة سابقاً يرى أنهم يطعنون فيما يأتى:
أولاً: فى صحة إسلام معاوية رضي الله عنه، ووصفهم له بأنه كان منافقاً اعتماداً على ما ورد من أنه أسلم يوم الفتح، وكان من الطلقاء المؤلفة قلوبهم، وأنه فتح باب الوضع فى السنة، وصرح بذلك الرافضة السابق ذكرهم، وتبعهم على ذلك دعاة اللادينية.
ثانياً: وصفهم حملة الإسلام من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من أئمة المسلمين من الفقهاء والمحدثين، بأنهم كانوا كذابين وفقهاء سلطة.
ثالثاً: طعنهم فى الملوك والأمراء الأمويين، والعباسين، بأنهم بعيدين عن تعاليم الإسلام مستغلين علماء المسلمين بوضع ما يثبت ملكهم.
رابعاً: طعنهم فى أحاديث طاعة أولى الأمر، وأحاديث الفتن.
…
والجواب عما سبق فيما يلى:
أولاً: الجواب عن الطعن فى صحة إسلام سيدنا معاوية رضي الله عنه
، وأنه فتح باب الوضع فى السنة النبوية:
ما طعن به أعداء السنة المطهرة فى صحة إسلام سيدنا معاوية رضي الله عنه، دافع عنه فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو شهبة بقوله:"وقد غاب عن أعداء الإسلام أن الكاتبين فى تاريخ الصحابة ذكروا عن الواقدى، وابن سعد، أنه أسلم بعد الحديبية قبل الفتح، وأنه أخفى إسلامه مخافة أهله، وأنه كان فى عمرة القضاء مسلماً، وإذا كان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم فى رأى البعض، ففى رأى الكثيرين أنه ليس من المؤلفة قلوبهم، قال ابن عبد البر: "معاوية وأبوه من المؤلفة قلوبهم، ذكره فى ذلك بعضهم"، وهو يشعر بأن الكثيرين لا يرون هذا الرأى، ولذا نجد الحافظ المحقق ابن حجر لم يذكر فى ترجمته شيئاً من هذا، وإنما ذكر فى ترجمة أبيه أنه من المؤلفة قلوبهم (1) .
(1) انظر: فى ترجمته: الاستيعاب 3/1416 رقم 2435، وتاريخ الصحابة ص 231 رقم 1239، واسد الغابة 5/201 رقم 4984، والإصابة 4/433 رقم 8068. وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 7/406، وفتح البارى 7/130 رقم 3764، والبداية والنهاية 8/120.
ومهما يكن من شئ فقد أسلم وحسن إسلامه، وحتى لو كان ممن أسلموا يوم الفتح، فلا يقدح ذلك فى عدالته وصحبته، بعد تزكية رب العزة لمن أسلموا بعد الفتح أيضاً قال تعالى:{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (1) . وكيف يصح الطعن فى صحة إسلامه رضي الله عنه، وقد كان أحد كتبه الوحى بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم (2) ، يدل على ذلك ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى معاوية ليكتب له، فقال: أنه يأكل، ثم بعث إليه، فقال: إنه يأكل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا أشبع الله بطنه"(3) .
(1) الآية 10 من سورة الحديد.
(2)
دفاع عن السنة ص65 بتصرف، وانظر تطهير الجنان واللسان لابن حجر الهيتمى ص7،وما بعدها
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب البر والصلة، باب من لعنه النبى صلى الله عليه وسلم أو سبه
…
إلخ 8/399 رقم 3604، وأخرجه أبو داود الطيالسى فى مسنده ص 359 رقم 2746واللفظ له، والبيهقى فى دلائل النبوة 6/243.
.. يقول الأستاذ محب الدين الخطيب (1) رحمه الله: "قد يستغل بعض الفرق من أعداء الإسلام (2) . هذا الحديث ليتخذوا منه مطعناً فى معاوية رضي الله عنه وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبى صلى الله عليه وسلم؟!
…
فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم غير مقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب فى وصل كلامها بلا نية كقوله صلى الله عليه وسلم: تربت يمينك.
ويمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم بباعث البشرية التى أفصح عنها هو نفسه صلى الله عليه وسلم فى أحاديث كثيرة متواترة منها حديث عائشة – رضى الله عنها – مرفوعاً: "
…
أَوَ مَاَ عَلِمْتِ مَا شَرَطْتُ عَلَيْهِ رَبِىِّ؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَىُّ المُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاَةً وَأَجْراً"(3) .
ولم تعرف عن معاوية رضي الله عنه دخلة فى إيمانه ولا ريبة فى إخلاصه لإسلامه ولا فى إمارته.
(1) الخطيب هو: محب الدين الخطيب بن أبى الفتح محمد بن عبد القادر بن صالح الخطيب، من كبار الكتاب الإسلاميين، ولد فى دمشق وتعلم بها، أصدر مجليته (الزهراء) و (الفتح) ، وكان من أوائل مؤسسى جمعية الشبان المسلمين، وتولى تحرير مجلة الأزهر الشريف، وانشأ المطبعة السلفية ومكتبتها، من مؤلفاته: تاريخ مدينة الزهراء بالأندلس، وغير ذلك. مات سنة 1969م. له ترجمة فى: الأعلام 5/282.
(2)
انظر: دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين صالح الوردانى ص 264.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب البر والصلة، باب من لعنة النبى صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه 8/396 رقم 2600، وانظر: البداية والنهاية 8/122، 123 وانظر: العواصم من القواصم تعليق الأستاذ محب الدين الخطيب ص 213.
.. يقول القاضى أبو بكر بن العربى، مبيناً ما اجتمع فى معاوية من خصال الخير إجمالاً قال:"معاوية اجتمعت فيه خصال: وهى أن عمر جمع له الشامات كلها وأفرده بها، لما رأى من حسن سيرته، وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور، وإصلاح الجند، والظهور على العدو، وسياسة الخلق. وقد شهد له فى صحيح الحديث بالصحبة والفقه، فيما رواه البخارى فى صحيحه بسنده عن ابن أبى مليكه قال: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال: دعه؛ فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفى رواية أخرى قيل لابن عباس: هل لك فى أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه (1)
…
يقول ابن العربى: "وشهد بخلافته فى حديث أم حرام – رضى الله عنها– فيما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عندها القيلولة ثم استيقظ وهو يضحك؛ لأنه رأى ناساً من أمته غزاة فى سبيل الله يركبون ثبج البحر – أى وسطه ومعظمه – ملوكاً على الأسرة. ثم وضع رأسه فنام واستيقظ وقد رأى مثل الرؤيا الأولى فقالت له أم حرام: أدع الله أن يجعلنى منهم، فقال، أنت من الأولين"، فركبت أم حرام البحر فى زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر. فهلكت" (2) .
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر معاوية رضي الله عنه 7/130 رقمى 3764، 3765، وانظر: كتاب مروان بن الحكم إلى معاوية بن أبى سفيان يستفتيه فى مجنون قتل رجلاً. أخرجه مالك فى الموطأ كتاب العقول، باب ما جاء فى دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون 2/648 رقم 3، وانظر: اسد الغابة 5/202 رقم 4984.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح البارى) كتاب الجهاد السير، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء 6/13 رقم 2788، 2789، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإمارة، باب فضل الغزو فى البحر 7/65 رقم 1912.
قال الحافظ ابن كثير: يعنى بالأول جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها سنة 27 أيام عثمان بن عفان، بقيادة معاوية، عقب إنشائه الأسطول الإسلامى الأول فى التاريخ، وكانت معهم أم حرام فى صحبة زوجها عبادة بن الصامت. ومعهم من الصحابة أبو الدرداء وأبو ذر وغيرهم. وماتت أم حرام فى سبيل الله وقبرها بقبرص إلى اليوم.
قال ابن كثير: ثم كان أمير الجيش الثانى يزيد بن معاوية فى غزوة القسطنطينية. قال: وهذا من أعظم دلائل النبوة (1) فى الشهادة لسيدنا معاوية، وابنه يزيد بالفضل، والمغفرة والجنة كما جاء فى حديث أم حرام مرفوعاً:"أول جيش من أمتى يركبون البحر قد أوجبوا (2) . وأول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا"(3) .
…
يقول الإمام ابن تيمية: "لم يكن من ملوك المسلمين ملك خيراً من معاوية، ولا كان الناس فى زمان ملك من الملوك خيراً منهم فى زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده، وإذا نسبت إلى أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل.
…
وقد روى أبو بكر بن الأثرم - ورواه ابن بطه من طريقه عن قتادة قال: "لو أصبحتم فى مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدى". وروى ابن بطه بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال: لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدى.
(1) البداية والنهاية 8/229، وانظر: النهاية فى الفتن والملاخم 1/17، وفتح البارى 6/23، 120 أرقام 2799، 2800، 2924.
(2)
"قد أوجبوا" قال ابن حجر: أى فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة، قال المهلب وفى الحديث: منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبه لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر. انظر: فتح البارى 6/120 –121 رقم 2924.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل فى قتال الروم 6/120 رقم 2924.
.. وروى الأثرم عن أبى هريرة المكتب قال: كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش، فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا فى حلمه؟ قال: لا والله، بل فى عدله. وعن أبى إسحاق السبيعى أنه ذكر معاوية فقال: لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم: كان المهدى.
…
وهذه الشهادة من هؤلاء الأئمة الأعلام لأمير المؤمنين معاوية صدى استجابة الله عز وجل دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم لهذا الخليفة الصالح يوم قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعله هادياً، مهدياً، واهد به"(1) .
…
وقبل أن ننهى الكلام على شهادات الصحابة، والتابعين، وآراء العلماء، فى معاوية، ننقل رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون فى اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين قال: "إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغى أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخيارهم فهو تاليهم فى الفضل والعدالة والصحبة (2) .
(1) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب المناقب، باب مناقب لمعاوية بن أبى سفيانرضي الله عنه5/645رقم 3842 من حديث عبد الرحمن بن عميرة رضي الله عنه، وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب. وانظر: منهاج السنة 3/185، والبداية والنهاية 8/124 - 125.
(2)
تاريخ ابن خلدون 2/458.
ويقول أيضاً فى مقدمته: مدافعاً عن إيثاره ابنه يزيد بالعهد، دون من سواه قال: "إنما هو مراعاة المصلحة فى اجتماع واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بنى أمية
…
وهم عصابة قريش (1) وأهل الملة أجمع، وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره
…
حرصاً على الاتفاق، واجتماع الأهواء الذى شأنه أهم عند الشارع، ولا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه، دليل على انتفاء الريب فيه، فليسوا ممن يأخذهم فى الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة فى قبول الحق فإنهم كلهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه" (2) .
(1) انظر: دفاعه عن حديث (الأئمة من قريش) ورده لما اعترض به عليه من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، فى المقدمة ص 214، وانظر: تأويل مختلف الحديث ص 115.
(2)
المقدمة 228، 233 وانظر: دفاعه عما وجه إليه من اعتراض على اخذه العهد لابنه يزيد ص240 وراجع: للاستزادة: العواصم من القواصم للقاضى أبو بكر بن العربى، والصواعق المحرقة وتطهير الجنان واللسان كلاهما لابن حجر الهيتمى.
.. "نذكر جميع هذه الشهادات، وقبلها الأحاديث النبوية فى فضل معاوية (1) ، مع اعترافنا يشهد الله بفضل على بن أبى طالب رضي الله عنه، وأنه أفضل منه والحق غالبه معه، وكل كان مجتهداً (2) . وقد جاء فى الحديث الصحيح: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب؛ فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم اخطأ؛ فله أجر" (3) .
…
وقد أوردنا هذه الأمثلة القليلة التى لا يسع المقام لأكثر منها؛ ليعلم الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية رضي الله عنه تخالف الصورة الكاذبة التى يصورها الزنادقة من الرافضة ومن تابعهم من أعداء الإسلام، والسنة المطهرة، تلك الصورة التى تنكر ما جاء فى السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، والتابعين، من الشهادة له بالصحبة، والفقه، والملك العادل، وحسن السيرة، حتى شهد له من أدركه كمجاهد والأعمش بأنه المهدى.
(1) لا يشك أحد فى أنه وضع فى فضائل معاوية وكذا الخلفاء الراشدون أحاديث كثيرة، ولكن أحصاها الأئمة، وبينوا الموضوع منها، من الصحيح، وقد عرض الحافظ ابن كثير لما ورد فى فضائل معاوية رضي الله عنه وميز الصحيح من الموضوع، انظر: البداية والنهاية 8/120 – 147، وراجع: كتب الموضوعات باب المناقب. وانظر: مجمع الزوائد 9/356.
(2)
انظر: مقدمة ابن خلدون ص 227، ومختصر التحفة الإثنى عشرية 305 - 324، والعواصم من القواصم ص 172 وما بعدها، ومنهاج السنة لابن تيمية ص 205، والبداية والنهاية 8/129.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو اخطأ 13/330 رقم 7352، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ 6/254رقم1716 من حديث عمرو بن العاصرضي الله عنه