الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الصحابى الجليل سعيد بن زيد بن عمرو (1)، أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم لما سمع رجلاً من أهل الكوفة يسب رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
…
والله لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل من عمل أحدكم، ولو عمر عمر نوح عليه السلام" (2) .
يقول فضيلة الشيخ محمد الزرقانى رحمه الله "فأنت ترى من هذه الشهادات العالية فى الكتاب والسنة، ما يرفع مقام الصحابة إلى الذروة، وما لا يترك لطاعن فيهم دليلاً، ولا شبهة دليل.
والواقع أن العقل المجرد من الهوى والتعصب، يحيل على الله فى حكمته ورحمته، أن يختار لحمل شريعته الختامية، أمة مغموزة، أو طائفة ملموزة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ومن هنا كان توثيق هذه الطبقة الكريمة طبقة الصحابة، يعتبر دفاعاً عن الكتاب، والسنة، وأصول الإسلام من ناحية، ويعتبر إنصافاً أدبياً لمن يستحقونه من ناحية ثانية، ويعتبر تقديراً لحكمة الله البالغة فى اختيارهم لهذه المهمة العظمى من ناحية ثالثة.
كما أن تَوْهِينهم والنيل منهم، يعد غمزاً فى هذا الاختيار الحكيم، ولمزاً فى ذلك الاصطفاء والتكريم، فوق ما فيه من هدم الكتاب، والسنة، والدين" (3) أ. هـ.
ثالثاً: دلالة إجماع الأمة على عدالة الصحابة رضي الله عنهم
-:
(1) له ترجمة فى: الاستيعاب 2/614 رقم 982، واسد الغابة 2/476 رقم 2076، والإصابة 2/44 رقم 3271، وتاريخ الصحابة ص25 رقم 8، ومشاهير علماء الأمصار ص 13 رقم 11.
(2)
أخرجه أبو داود فىسنته كتاب السنة، باب فى الخلفاء4/212 رقم4650،وأخرجه أحمد فىمسنده 1/187، واللفظ له، وصحح إسناده الشيخ أحمد محمد شاكر فى تعليقه على المسند 3/108.
(3)
مناهل العرفان فى علوم القرآن 1/336 - 337.
.. أجمعت الأمة - إلا من شذ ممن لا يعتد بخلافهم (1) . على ما سبق من تعديل الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم للصحابة أجمع، والنقول فى هذا الإجماع كثيرة عن علماء الأمة، من المحدثين، والفقهاء، والأصوليين.
…
يقول الخطيب البغدادى: "إنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شئ مما ذكرناه، لأوجبت الحال التى كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة فى الدين، وقوة الإيمان واليقين: القطع على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين، الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين. هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء"(2) .
…
وقال ابن الصلاح: "للصحابة بأسرهم خصيصة، وهى أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب، والسنة، وإجماع من يعتد به فى الإجماع من الأمة"(3) .
…
وقال العراقى: "إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم وأما من لابس الفتن منهم وذلك حين مقتل عثمان رضي الله عنه فأجمع من يعتد به أيضاً فى الإجماع على تعديلهم إحساناً للظن بهم، وحملاً لهم فى ذلك على الاجتهاد"(4) .
(1) راجع أقوالهم فى: تدريب الراوى 2/214، وفواتح الرحموت 2/155 - 156، والبحر المحيط 4/299، 300، وإرشاد الفحول 1/274 - 278.
(2)
الكفاية ص 96.
(3)
علوم الحديث ص 176.
(4)
شرح الفية العراقى المسماة بالتبصرة والتذكرة للعراقى 3/13، 14.
.. وقال الإمام الغزالى: "والذى عليه سلف الأمة، وجماهير الخلق، أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم فى كتابه، فهو معتقدنا فيهم، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل – ثم ذكر بعض ما دل على عدالتهم من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال: فأى تعديل أصح من تعديل علام الغيوب –سبحانه- وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم كيف ولو لم يرد الثناء لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم فى الهجرة، والجهاد، وبذل المهج، والأموال، وقتل الآباء والأهل، فى موالاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصرته، كفاية فى القطع بعدالتهم"(1) .
…
فهذه النقول المباركة للإجماع من هؤلاء الأئمة وغيرها كثير. كلها فيها بيان واضح، ودليل قاطع على أن ثبوت عدالة الصحابة عموماً بلا استثناء، أمر مفروغ منه، ومسلم به.
فلا يبقى لأحد شك، ولا ارتياب بعد تعديل الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على ذلك (2) .
…
"وإذا تقرر لك عدالة جميع من ثبتت له الصحبة، علمت أنه إذا قال الراوى عن رجل من الصحابة، ولم يسمه كان ذلك حجة، ولا يضر الجهالة، لثبوت عدالتهم على العموم"(3) .
(1) المستصفى 1/164، وانظر: الإحكام للآمدى 2/81، 82، والبحر المحيط للزركشى 4/299
(2)
انظر: المكانة العلمية لعبد الرزاق الصنعانى فى الحديث النبوى لفضيلة الأستاذ الدكتور إسماعيل الدفتار 1/291 مبحث (لا يستثنى فى ثبوت العدالة أحد من الصحابة)، وانظر: توضيح الأفكار 2/470، 471، وعقيدة أهل السنة والجماعة فى الصحابة للدكتور ناصر الشيخ 2/814.
(3)
إرشاد الفحول للشوكانى 1/278، وانظر: فتح المغيث للسخاوى 3/97.
.. قال الإمام الجوينى: "ولعل السبب فى قبولهم من غير بحث عن أحوالهم، والسبب الذى أتاح الله الإجماع لأجله، أن الصحابة هم نقلة الشريعة، ولو ثبت توقف فى رواياتهم، لانحصرت الشريعة على عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما استرسلت على سائر الأعصار"(1) .
أولئك آبائى فجئنى بمثلهم
…
... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
غمرهم الله برحمته ورضوانه
…
آمين.
(1) البرهان فى أصول الفقه 1/242، وانظر: إرشاد الفحول 1/275.