الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الشيخ الزرقانى رحمه الله ورجحت هذه الرواية الأخيرة بأنها أصح الروايات، وبأن التأويلات المنقولة عنه لم تخرج عن حدود ما نسخ من القرآن. وأبعد الروايات عن الرجل هى الرواية الأولى؛ لأنه لا يعقل أن مسلماً، فضلاً عن عالم كأبى مسلم، ينكر وقوع النسخ جملة، اللهم إلا إذا كانت المسألة ترجع إلى التسمية فقط، فإنها تهون حينئذ، على معنى أن ما نسميه نحن نسخاً، يسميه هو تخصيصاً بالزمان مثلاً.
وإلى ذلك ذهب بعض المحققين. قال التاج السبكى (1) : "إن أبا مسلم لا ينكر وقوع المعنى الذى نسميه نحن نسخاً، ولكنه يتحاشى أن يسميه باسمه، ويسميه تخصيصاً"(2) أ. هـ.
أهمية علم الناسخ والمنسوخ فى الشريعة الإسلامية
…
إن معرفة علم الناسخ والمنسوخ، والإحاطة به فى القرآن الكريم، والسنة المطهرة، من أولويات ما يجب أن يعرفه كل من يتصدر للقضاء أو الفتيا أو بيان الحلال والحرام. إذ لا يمكن استنباط الأحكام من أدلتها من غير معرفة الناسخ والمنسوخ، والذى بدونه يوجب الإنسان على نفسه، وعلى عباد الله أمراً لم يوجبه الله عز وجل أو يضع عنهم فرضاً أوجبه الله.
(1) السبكى هو: الإمام الفقيه، المحدث الحافظ، المفسر الأصولى، على بن عبد الكافى بن يوسف، شيخ الإسلام، قال فيه ولده ليس بعد الذهبى، والمزى، أحفظ منه. مات سنة 756 هـ. له ترجمة فى: وطبقات الحفاظ للسيوطى ص525، 526 رقم 1148، والبداية والنهاية لابن كثير 14/195، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلى 6/180،وطبقات المفسرين للداودى1/416رقم360.
(2)
رفع الحاجب ص 251، وانظر: الإبهاج فى شرح المنهاج 2/228، ومناهل العرفان 2/223، وإلى ذلك ذهب الدكتور محمد الحفناوى فى هامش تحقيقه لكتاب الناسخ والمنسوخ لابن شاهين ص30، وكذلك الدكتور شعبان إسماعيل فى هامش تحقيقه لكتاب إرشاد الفحول للشوكانى 2/76، 77، وبقولهم أقول والله أعلم.
وفى ذلك يقول: يحيى بن أكثم (1) : ليس من العلوم كلها علم هو واجب على العلماء، وعلى المتعلمين، وعلى كافة المسلمين، من علم ناسخ القرآن ومنسوخه، لأن الأخذ بناسخه واجب فرضاً، والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به، ولا ينتهى إليه، فالواجب على كل عالم علم ذلك لئلا يوجب على نفسه، وعلى عباد الله أمراً لم يوجبه الله أو يضع عنهم فرضاً أوجبه الله" (2) .
…
وقد اهتم السلف الصالح بمعرفة الناسخ والمنسوخ، وأولوه عناية كبيرة منذ عصر الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين إلى يومنا هذا.
فعن عبد الله بن حبيب السلمى (3) قال: "مر على بن أبى طالب رضي الله عنه على قاصٍ فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال "هلكت وأهلكت" (4) .
وعن محمد بن سيرين، قال: سئل حذيفة عن شئ فقال: إنما يفتى أحد ثلاثة: من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال عمر، أو رجل ولى سلطانً، فلا يجد من ذلك بدا أو متكلف" (5) .
(1) يَحْيَى بنُ أَكْثَم هو: ابن محمد بن قطن التميمى، المروزى، أبو محمد، القاضى المشهور، فقيه صدوق، إلا أنه رمى بسرقة الحديث، ولم يقع ذلك له، وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة، مات سنة 243هـ وقيل قبل ذلك. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/297 رقم7534، والكاشف الذهبى 2/361 رقم 6133، ولسان الميزان 9/282 رقم 14823، وتهذيب الكمال 31/207 رقم 6788.
(2)
بيان العلم وفضله لابن عبد البر، باب بيان أنه ليس من العلوم علم واجب إلا العلم بناسخ القرآن ومنسوخه 2/28.
(3)
هو: أبو عبد الرحمن، عبد الله بن حبيب السلمى الكوفى، متفق على توثيقه مات 73هـ تقريباً. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/485، 486 رقم 3282، والكاشف 1/544 رقم 2681، والثقات للعجلى ص 253 رقم 792.
(4)
الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ للحازمى ص 48، والناسخ والمنسوخ للزهرى ص 15.
(5)
الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ ص 49.
.. وعن الضحاك بن مزاحم قال: مر ابن عباس بقاص يقص فركضه برجله، فقال: تدرى ما الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال هلكت، وأهلكت" (1) .
…
وأقوال أئمة المسلمين فى هذا الباب تكثر جداً (2)، نختار منها قول الإمام القرطبى: قال: "معرفة هذا الباب - أى الناسخ والمنسوخ - أكيدة، وفائدته عظيمة، لا يستغنى عن معرفته العلماء ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء، لما يترتب عليه من النوازل فى الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام"(3) أ. هـ.
(1) المصدر السابق ص 50، والناسخ والمنسوخ للزهرى ص 16.
(2)
راجع نماذج من أقوالهم فى الاعتبار للحازمى ص 44 وما بعدها، وتدريب الراوى2/189، وفتح المغيث للسخاوى2/57، وفتح المغيث للعراقى ص330، وتوضيح الأفكار للصنعانى 2/416.
(3)
تفسير القرطبى 2/62.