الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. نعم إن قوماً لم يحابوا فى حكمهم على الرجال أحداً لا أباً، ولا ابناً، ولا أخاً، ولا صديقاً، ولا أستاذاً، لذلك عنوان صدق ديانتهم، ونزاهتهم، وأمانتهم، وعنوان غلاء الحفاظ على السنة الشريفة لديهم، وأنها عندهم أغلى من الأباء والأجداد، والأولاد، والأحفاد، فكانوا مضرب المثل فى الصدق والتقوى والأمانة (1) .
…
وهاك
أمثلة على نزاهتهم فى حكمهم على الرجال:
المجرحون لآبائهم:
الإمام على بن المدينى سأل عن أبيه فقال: "سلوا عنه غيرى" فأعادوا المسألة، فأطرق ثم رفع رأسه فقال:"هو الدين، إنه ضعيف"(2) .
المجرحون لأبنائهم:
(1) انظر: لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث للأستاذ أبو غدة ص 160 بتصرف، وانظر: دلائل النبوة للبيهقى 1/47.
(2)
انظر: ميزان الاعتدال 2/401، ولسان الميزان 8/430 رقم 13114، ترجمة عبد الله بن جعفر بن نجيح والد على بن الدينى، والمجروحين لابن حبان 2/14،15، وقال: ابن حجر فى التقريب: ضعيف، يقال: تغير حفظه بآخره" انظر: تقريب التهذيب 1/483 رقم 3266، وتهذيب الكمال للمزى 14/379 رقم 3206.
الإمام أبو داود السجستانى "صاحب السنن قال: ابنى عبد الله كذاب (1) ، ونحوه قول الذهبى فى ولده أبى هريرة، أنه "حفظ القرآن، ثم تشاغل عنه حتى نسيه (2) .
المجرحون لإخوانهم:
زيد بن أبى أُنَيْسة قال: لا تأخذوا عن أخى يحى المذكور بالكذب (3) .
المجرحون لأختانهم:
(1) انظر: ميزان الاعتدال 2/433 رقم 4368، ولسان الميزان 4/31 رقم 4631، ترجمة عبد الله بن سليمان بن الأشعث. وقال ابن عَدِى: هو مقبول عند أصحاب الحديث، وأما كلام أبيه فيه، فما أدرى أَيْشِ تبين له منه. انظر: الكامل فى الضعفاء 4/265 رقم 1101، وقال الذهبى فى ترجمته من تذكرة الحفاظ، وأما قول أبيه فيه، فالظاهر أنه أن صح عنه، فقد عَنَى أنه كذاب فى كلامه، لا فى الحديث النبوى، وكأنه قال هذا وعبد الله شابٌ طرى، ثم كبر وساد" انظر: تذكرة الحفاظ 2/772 رقم 768، وقال فى السير: هو حجة فيما نقله، انظر: سير أعلام النبلاء 13/231 رقم 118.
(2)
انظر: الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوى ص 83، 84.
(3)
انظر: ميزان الاعتدال 4/364 رقم 9463، ولسان الميزان 9/283 رقم 14826، ترجمة يحيى بن أبى أَنَيْسه. قال فيه الحافظ فى التقريب: ضعيف. انظر: تقريب التهذيب 2/297 رقم7535، وتهذيب الكمال 31/223 رقم 6789.
شعبة بن الحجاج قال: لو حَاَبْيتُ أَحَداً لحابيت هِشَام بْنُ حَسَّان كان ختنى (1) ،ولم يكن يحفظ" (2) .
المجرحون لبعض أقاربهم:
أبو عروبة الحرانى: قال الذهبى فى ترجمة الحُسَيْنُ بن أبى السَّرِىّ العسقلانىُّ: "قال أبو عروبة الحرانى: هو خال أمى، وهو كذاب"(3) .
من الذين لم يحابوا مشايخهم:
يحيى بن سعيد القطان: روى الإمام ابن أبى حاتم عن عبد الرحمن بن مهدى قال: اختلفوا يوماً عند شعبة، فقالوا: اجعل بيننا وبينك حكماً فقال: قد رضيت بالأحول يعنى يحيى بن سعيد القطان، فما برحنا حتى جاء يحيى فتحاكموا إليه فقضى على شعبة - وهو شيخه ومنه تعلم وبه تخرج، فقال له شعبة: ومن يطيق نقدك أو من له مثل نقدك يا أحول؟! ".
…
قال ابن أبى حاتم: "هذه غاية المنزلة – ليحيى بن سعيد القطان – إذ اختاره شيخه شعبة من بين أهل العلم، ثم بلغ من دالته بنفسه وصلابته فى دينه أن قضى على شعبة" شيخه ومعلمه (4) .
(1) ختنى: الختن كل ما كان من قبل المرأة مثل الأب والأخ، وخاتن الرجل الرجل إذا تزوج إليه.انظر: مختار الصحاح ص169، والقاموس المحيط 4/214، 215، والنهاية فى غريب الحديث 2/10
(2)
ميزان الاعتدال 3/487، ولسان الميزان 9/252 رقم 14726 ترجمة هشام بن حسان القُرْدُوسى، وقال ابن حجر: أحد الأعلام، ضعفه القطان عن عطاء، وفى تقريب التهذيب قال: ثقة، من أثبت الناس فى ابن سيرين، وفى روايته عن الحسن وعطاء مقال، لأنه كان يرسل عنهما. انظر: تقريب التهذيب 2/266 رقم 7315، وتهذيب الكمال للمزى 30/181 رقم 6572.
(3)
انظر: ميزان الاعتدال 1/536، ولسان الميزان 8/272 رقمى 11280، 2291، وقال ابن حجر فى التقريب "ضعيف" انظر: تقريب التهذيب 1/218 رقم 1348، وتهذيب الكمال 6/468 رقم 1331.
(4)
مقدمة الجرح والتعديل 1/232 رقم 102 ترجمة يحيى بن سعيد القطان.
وبلغ من نزاهة أئمة الحديث أنهم كانوا لا يقبلون شفاعة إخوانهم للسكوت عمن يرون جَرْحه، وكيف يرتضون تلك الوساطة، وهم الذين طَعَنُوا فى أبنائهم، وآبائهم، وإخوانهم، لما رأوا منهم ما يستوجب القّدْحَ.
وقد ضَرَبَ شعبة بن الحجاج فى هذا أروع الأمثال لما كلمه حماد بن زيد، وعباد ابن عباد، وجرير بن حازم، كلموه فى رجل ليكف عنه، قال حماد ابن زيد، فكأنه لان وأجابنا. قال: فذهبت يوماً أريد الجمعة فإذا شعبة ينادينى من خلفى، فقال: ذاك الذى قلتم لى فيه لا أراه يسعنى". قال عبد الرحمن ابن مهدى: كان شعبة يتكلم فى هذا حسبة (1) .
نماذج لما كان عليه سلفنا الصالح من جراءة فى الحق مع خلفائهم وملوكهم وأمراءهم، لا يخشون لوماً، ولا موتاً، ولا أذى، ولا اضطهاداً:
أما موقف الصحابة مع خلفائهم فقد سبق بما يغنى عن إعادته هنا عند الحديث عن بداية الوضع وبراءة الصحابة منه (2) .
…
ونزيد هنا بموقف لأبى بن كعب رضي الله عنه مع الفاروق عمر رضي الله عنه أخرجه ابن راهوية عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد وعلى أبى بن كعب رضي الله عنه قراءة آية، فقال أبى: لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت يليهك يا عمر الصفق بالبقيع. فقال عمر رضي الله عنه: صدقت إنما أردت أن أجربكم هل منكم من يقول الحق؟ فلا خير فى أمير لا يقال عنده الحق ولا يقوله" (3) .
(1) انظر: الجرح والتعديل لابن أبى حاتم 1/171، وللاستزادة فى هذا المبحث انظر: فتح المنان بمقدمة لسان الميزان للأستاذ محمد المرعشلى ص 187-191.
(2)
راجع: ص 397.
(3)
ذكره صاحب كنز العمال 13/361 رقم 36766.
.. وروى أن أبى بن كعب قرأ: {الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} (1) فقال عمر رضي الله عنه كذبت. قال: أنت أكذب. فقال رجل: تكذب أمير المؤمنين؟ قال: أنا أشد تعظيماً لحق أمير المؤمنين منك. ولكن كذبته فى تصديق كتاب الله عز وجل، ولم أصدق أمير المؤمنين فى تكذيب كتاب الله عز وجل، فقال عمر: صدق" (2) .
فانظر كيف يمتحن عمر الصحابة فى مدى جهرهم بكلمة الحق إذا عدل عنها الأمير، وانظر كيف كان الصحابة يعرفون لأمرائهم حقهم، فإذا عدلوا عن الحق لم تأخذهم فى الله لومة لائم.
…
أما عن موقف الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة الإسلام، من ملوكهم وأمراءهم، فقد مر موقف أبو سعيد الخدرى من مروان وإلى المدينة، وكذا موقف ابن عمر من الحجاج (3) . وسيأتى موقف آخر للإمام الزهرى مع هشام بن عبد الملك الأموى، بعد ذكر بعض المواقف لأئمة الإسلام من ملوك وأمراء بنى العباس. منها ما ذكره الحافظ الذهبى فى ترجمة - ابن أبى ذئب الإمام الثبت - قال الإمام أحمد:"دخل بن أبى ذئب على المنصور فلم يهبه أن قال له الحق، وقال الظلم ببابك فاش، وأبو جعفر، أبو جعفر".
(1) جزء من الآية 107 من سورة المائدة.
(2)
أخرجه ابن جرير فى تفسيره 5/107 رقم 13977، دون ذكر رد عمر عليه، وانظر: الدر المنثور 3/606.
(3)
راجع: ص 398، 399، وانظر: موقف آخر فى السياسة الشرعية لابن تيمية ص 12، يدخل فيه أبومسلم الخولانى على معاوية بن أبى سفيانرضي الله عنه فيعظه موعظة بليغة، ولم يسميه فيها بالأمير بل بالأجير.