الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1- المسلك الأول:
يستند إلى أمر متواتر، لا يتمارى فيه إلا جاحد، ولا يدرؤه إلا معاند، وذلك أنا نعلم باضطرار من عقولنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرسل الرسل، ويحملهم تبليغ الأحكام، وتفاصيل الحلال والحرام، وربما كان يصحبهم الكتب، وكان نقلهم أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الآحاد، ولم تكن العصمة لازمة لهم، فكان خبرهم فى مظنة الظنون، وجرى هذا مقطوعاً به، متواتراً لا اندفاع له، إلا بدفع التواتر، ولا يدفع المتواتر إلا مباهت (1) .
…
إلا أن المعترضين على قبول خبر الواحد قد أثاروا شبهة حول هذا المسلك وذلك بقولهم: "إن إرسالهم "أى الرسل والمبعوثون" إنما كان لقبض الزكاة والفتيا ونحو ذلك"(2) .
…
وقد تولى الإجابة عن هذه الشبهة الحافظ ابن حجر فبين أن هذا الاعتراض "مكابرة" لأن العلم حاصل بأن إرسال الأمراء كان لأعم من قبض الزكاة، وإبلاغ الأحكام، وغير ذلك، ولو لم يشتهر من ذلك إلا تأمير معاذ بن جبل رضي الله عنه وقوله له: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب. فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات فىيومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإذا أَطَاعُوا بها، فخذ منهم وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ (3) . لو لم يكن إلا هذا الحديث لكان فيه الغناء.
(1) انظر: البرهان للجوينى 1/228، والإبهاج فى شرح المنهاج 2/307، 308، والمستصفى 1/151، 152، والمحصول للرازى 2/180.
(2)
القائل ذلك أبو الحسين البصرى المعتزلى فى المعتمد 2/121، 122.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب بعث أبى موسى، ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع 7/661 رقم 4347، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام 1/228 رقم 19.
مع العلم أن "الأخبار طافحة بأن أهل كل بلد منهم، كانوا يتحاكمون إلى الذى أمر عليهم، ويقبلون خبره، ويعتمدون عليه من غير التفات إلى قرينة"(1) .
…
وقديماً استدل الإمام الشافعى بهذا المسلك فى الرسالة فقال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سراياه وعلى كل سرية واحد، وبعث رسله إلى الملوك إلى كل ملك واحداً، ولم تزل كتبه تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهى فلم يكن أحد من ولاته يترك إنفاذ أمره، وكذا كان الخلفاء من بعده (2) . وبهذا المسلك أيضاً استدل الإمام البخارى فى صحيحه فى كتاب إخبار الآحاد باب ما كان يبعث النبى صلى الله عليه وسلم من الأمراء والرسل واحداً بعد واحد (3) . وقال ابن عباس: بعث النبى صلى الله عليه وسلم دحية الكلبى (4) بكتابه إلى عظيم بصرى أن يدفعه إلى قيصر (5) .
…
والأمثلة على أمراء السرايا والبعوث، وأمراء البلاد، ورسله إلى الملوك، كتب السير والتاريخ، ودواوين السنة زاخرة بها (6) .
(1) انظر: فتح البارى 13/247، 248 رقم 7258 - 7260.
(2)
الرسالة ص 412 - 419 فقرات رقم 1228، 1145 - 1147، 1151، وانظر: فتح البارى 13/254 رقمى 7264 - 7265.
(3)
انظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) 13/254.
(4)
دحية الكلبى صحابى جليل له ترجمة فى: الاستيعاب 2/461 رقم 701، واسد الغابة 2/197 رقم 1507، والإصابة 1/473 رقم 2395، ومشاهير علماء الأمصار 72 رقم 380، وتاريخ الصحابة 94 رقم 404.
(5)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحى 1/42، 43 رقم 7.
(6)
انظر: فتح البارى 13/254، 255 رقمى 7264-7265، وطبقات ابن سعد1/16 وما بعدها، وزاد المعاد 3/595 - 697، وسيرة ابن هشام 4/600، 606، 607 - 650.