الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد علمت أن التعريف الاصطلاحى للصحابة يخرج من ارتد ومات على ردته - والعياذ بالله -.
وفى الحديث ما يؤيد المعانى السابقة، كقوله صلى الله عليه وسلم "أصيحابى" بالتصغير، كما جاء فى بعض الروايات، قال الخطابى:"فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك، وإنما وقع لبعض جفاة الأعراب، ولم يقع من أحد من الصحابة المشهورين"(1) . وفى قوله صلى الله عليه وسلم: "فيقال": هل شعرت ما عملوا بعدك" "فيه إشارة إلى أنه لم يعرف أشخاصهم بأعيانها، وإن كان قد عرف إنهم من هذه الأمة" (2) .
أما حمل الحديث على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى الاصطلاحى-فهذا ما لا يقوله مسلم!! وهو ما يدحضه ما سبق ذكره من تعديل الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة على ذلك أ. هـ.
خامساً: أما ما احتجوا به من حديث "لا ترجعوا بعدى كفاراً
يضرب بعضكم رقاب بعض" والزعم بأن الصحابة استحل بعضهم دماء بعض فى صفين والجمل.
…
فالحق أن هذه الشبهة من أخطر الشبه التى احتج بها الرافضة الزنادقة، وأذيالهم من دعاة العلمانية، الذين اتخذوا من تلك الفتن مادة دسمة، طعنوا بها فى عدالة الصحابة، وفتنوا بذلك عوام المسلمين، وممن لا علم له، بضربهم على (الوتر الحساس) وهو: دعوى ظلم الصحابة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الفتن".
(1) انظر: فتح البارى 8/135،136 رقم 4625، وانظر: تأويل مختلف الحديث ص 213-215.
(2)
فتح البارى 11/484 رقم 6593، ومختصر التحفة الإثنى عشرية ص 273.
وهذا ما فعله طه حسين فى كتابه "الفتنة الكبرى - عثمان بن عفان رضي الله عنه"(1) . وقال بقوله محمود أبو رية (2) ، وغير واحد من دعاة الرافضة واللادينية (3) .
حتى وجدنا من يجهر من الرافضة قائلاً: "معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه" - كافر ابن كافر - ولعنة الله على معاوية، فقد بغى على الحق، وخرج على طاعة الإمام على، وشتت شمل المسلمين، وفرق كلمتهم، فأساس فرقة المسلمين إلى الآن هو معاوية الذى خرج عن طاعة الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه" (4) .
…
والجواب عن هذا الإفك يطول (5) ، وهو بحاجة إلى تحقيق دقيق (6) . نكتفى هنا بخلاصة القول.
وهو أنه لا حجة لهم فى الحديث، ولا فى الفتن التى وقعت بين سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم أجمعين-، والتى أشعلها سلفهم من الخوارج، والرافضة، والزنادقة.
فقوله: "لا ترجعوا بعدى". بصيغة النهى والتحذير من قتال المؤمن.
…
وإطلاق الكفر على قتال المؤمن مبالغة فى التحذير من ذلك، لينزجر السامع عن الإقدام عليه وليس ظاهر اللفظ مراداً، أو أنه على سبيل التشبيه لأن ذلك فعل الكافر" (7) .
والمعنى لا تفعلوا فعل الكفار فتشبهوهم فى حالة قتل بعضهم بعضاً (8) .
(1) انظر: الفتنة الكبرى ص 170 - 173.
(2)
انظر: أضواء على السنة ص 360 - 362.
(3)
انظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص 34، 103، 110، 124، 795، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 260 وما بعدها.
(4)
قال ذلك الرافضى حسن شحاته (قبحه الله تعالى) انظر: مجلة روز اليوسف العدد3562 ص35.
(5)
راجع إن شئت ما سبق من الجواب فى الطعن فى صحة إسلام سيدنا معاويةرضي الله عنه ص420-425.
(6)
ممن حقق فى تلك الفتن الإمام ابن العربى فى العواصم من القواصم، وابن تيمية فى منهاج السنة. وغيرهما والأمر فى حاجة إلى مزيد من التحقق. والله أعلم.
(7)
انظر: فتح البارى 13/30 أرقام 7076 - 7080.
(8)
انظر: المصدر السابق 1/262 رقم 121.
.. وقيل: المعنى كفاراً بحرمة الدماء، وحرمة المسلمين، وحقوق الدين، وقيل: كفاراً بنعمة الله، وقيل المراد ستر الحق، والكفر لغة الستر، لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويعينه، فلما قاتله كأنه غطى على حقه الثابت له عليه، وقيل: إن الفعل المذكور يفضى إلىالكفر، لأن من اعتاد الهجوم على كبار المعاصى جره شؤم ذلك إلى أشد منها فيخشى أن لا يختم له بخاتمة الإسلام، وقيل: اللفظ على ظاهره للمستحل قتال أخيه المسلم.وقيل غير ذلك (1) .
…
وما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من قتال لم يكن عن استحلال له حتى يحمل الحديث على ظاهره وأن قتالهم كفر، كما استدل الخوارج ومن شايعهم بقوله صلى الله عليه وسلم:"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"(2) .
كيف والقرآن الكريم يكذبهم فى هذا الفهم السطحى قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3) .
فسماهم أخوة، ووصفهم بأنهم مؤمنون، مع وجود الاقتتال بينهم، والبغى من بعضهم على بعض.
(1) المصدر نفسه 12/201، 202 رقم 6868، 13/30 أرقام 7076 - 7080.
(2)
سبق تخريجه ص577.
(3)
الآيتان 9، 10 من سورة الحجرات.
.. يقول الحافظ ابن كثير: "وبهذا استدل البخارى (1) وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم، وهكذا ثبت فى صحيح البخارى من حديث الحسن (2)، عن أبى بكرة (3) رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر-والحسن بن على إلى جنبه-وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى ويقول: إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (4)
(1) صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الإيمان، باب المعاصى من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بإرتكابها إلا بالشرك لقوله صلى الله عليه وسلم لأبى ذر:"إنك امرؤ فيك جاهلية" وقول الله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وباب "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" فسماهم مؤمنين 1/106 رقمى 30، 31.
(2)
الحسن هو: ابن على بن أبى طالب - رضى الله عنهما - صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 1/328 رقم 1719، والاستيعاب 1/383 رقم 555، وأسد الغابة 2/13 رقم 1165، ومشاهير علماء الأمصار 12 رقم 6.
(3)
أبو بكرة هو: نفيع بن مسروح بن كلده، صحابى جليل، له ترجمة: فى الإصابة 3/571 رقم8793، واسد الغابة 5/334 رقم 5289، وتاريخ الصحابة ص249 رقم 1373، ومشاهير علماء الأمصار ص48 رقم 220 والاستيعاب 4/1614 رقم 2877.
(4)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلح، باب قول النبىصلى الله عليه وسلم للحسن بن على رضي الله عنه"إن ابنى هذا سيد
…
الحديث" وقوله جل ذكره "فأصلحوا بينهما" 5/361 رقم 2704.
فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، أصلح الله تعالى به بين أهل الشام، وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة، والواقعات المهولة" (1) .
…
يقول الإمام ابن تيمية:"والذين قاتلوا الإمام على رضي الله عنه لا يخلوا: إما أن يكونوا عصاة، أو مجتهدين مخطئين أو مصيبين، وعلى كل تقدير، فهذا لا يقدح فى إيمانهم، ولا فى عدالتهم، ولا يمنعهم الجنة، بما سبق من تصريح القرآن الكريم، من تسميتهم إخوة، ووصفهم بأنهم مؤمنون، وتأكيد النبى صلى الله عليه وسلم ذلك بما سبق من رواية الحسن بن على عن أبى بكرة رضي الله عنه.
ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين، وإن قالوا فى إحداهما أنهم كانوا بغاة (2) والبغى إذا كان بتأويل كان صاحبه مجتهداً، والمجتهد المخطئ لا يكفر، ولا يفسق وإن تعمد البغى فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة كالتوبة، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاء المؤمنين، وغير ذلك (3) .
وعلى هذا القول إجماع الأمة من علمائها.
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/211.
(2)
ويعنون بهذه الطائفة التى بغت طائفة معاوية رضي الله عنه ودليلهم فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمار "تقتلك الفئة الباغية" أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه 9/266 رقم 2916، من حديث أم سلمة –رضى الله عنها- وكان عمار رضي الله عنه يقاتل مع الإمام على رضي الله عنه والوصف بالبغى هنا لا ينفى عنهم العدالة كما تشهد بذلك آية الحجرات فى قوله تعالى:"فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ".
(3)
منهاج السنة 2/205 بتصرف وانظر: أصول الدين للبغدادى ص 289 وما بعدها.
يقول الإمام الآمدى: "فالواجب أن يحمل كل ما جرى بينهم من الفتن على أحسن حال، وإن كان ذلك إنما لما أدى إليه اجتهاد كل فريق من اعتقاده أن الواجب ما صار إليه، وأنه أوفق للدين وأصلح للمسلمين.
وإلا فجمهور الصحابة وسادتهم تأخروا عن تلك الفتن والخوض فيها كما قال محمد بن سيرين: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما حضر منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين" وإسناد هذه الرواية كما قال ابن تيمية أصح إسناد على وجه الأرض (1) .
وعلى هذا فالذى خاض فى تلك الفتن من الصحابة إما أن يكون كل مجتهد مصيباً، أو أن المصيب واحد، والآخر مخطئ فى اجتهاده مأجور عليه.
وعلى كلا التقديرين، فالشهادة والرواية من الفريقين لا تكون مردودة، إما بتقدير الإصابة فظاهر، وإما بتقدير الخطأ مع الاجتهاد فبالإجماع" (2) .
يقول الإمام الجوينى: "أما التوقف فى تعديل كل نفر من الذين لابسوا الفتن، وخاضوا المحن، ومتضمن هذا، الانكفاف عن الرواية عنهم، فهذا باطل من دين الأمة، وإجماع العلماء على تحسين الظن بهم، وردهم إلى ما تمهد لهم من المآثر بالسبيل السابقة، وهذا من نفائس الكلام"(3) أ. هـ.
…
(1) منهاج السنة 3/186.
(2)
الإحكام للآمدى 2/82 بتصرف وانظر: فواتح الرحموت 2/155، 156، والبحر المحيط 4/299، وإرشاد الفحول 1/275، والباعث الحثيث ص 154، وعقيدة أهل السنة فى الصحابة الكرام للدكتور ناصر الشيخ مبحث (الحرب التى دارت بين على بن أبى طالب، وبعض الصحابة - رضى الله عنهم- وموقف أهل السنة منها 2/700 – 748، وانظر: الرد القويم على المجرم الأثيم للشيخ التويجرى ص 182-184.
(3)
البرهان فى أصول الفقه 1/241، 242.
وأخيراً: دع عنك - أخى المسلم - ترهات المبتدعة الذين يجادلون فى عدالة الصحابة جميعاً - وينفون العدالة عن بعضهم - اتباعاً للهوى أو انقياداً للشيطان. وأشد سخفاً من ذلك، ما يتجرأ به البعض فى زماننا هذا حينما يتحدثون عن الصحابة بأسلوب غير لائق، وينصب نفسه حكماً فيما شجر بينهم من خلاف، ويقبل رواية هذا، ويرفض رواية ذلك، وهو لا يملك سبباً واحداً من أسباب ذلك كله" (1) .
واعلم أن أمثال هؤلاء لهم خبيئة سوء، ومتهمين فى دينهم، يدل على ذلك ما روى عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه سئل عن رجل تنقص معاوية، وعمرو بن العاص أيقال له رافضى؟ فقال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحدٌ أحداً من الصحابة إلا وله داخلة سوء". وفى رواية أخرى قال:"إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام"(2) .
ويسئل الإمام النسائى عن معاوية بن أبى سفيان - رضى الله عنهما - فيقول: "إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب - أى نقبه - إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة (3) .
وصدق عمر بن عبد العزيز "تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا تخضب بها السنتنا"(4) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى أعلم
(1) تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير لفضيلة الدكتور مروان شاهين ص 95.
(2)
البداية والنهاية 8/142.
(3)
تهذيب الكمال للحافظ للمزى 1/339 ترجمة الإمام النسائى.
(4)
انظر: فتح المغيث للسخاوى 3/96.