الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغير ذلك الكثير والكثير، مما استقلت السنة المطهرة بتشريعة، وجاء متواتراً (1) .
ماذا قال الإمام الشاطبى فى الأحكامالتى استقلت السنة بتأسيسها
؟
…
أحب هنا أن نذكر كلام الإمام الشاطبى فى بعض الأحاديث السابقة، وكيف أقر بتأسيس السنة أحكاماً زائدة على ما فى القرآن الكريم، ولكنه لم يسم ذلك استقلالاً كما سماه الجمهور، وإنما سماه بياناً، وأدخله تحت قواعد القرآن الكريم وأقر بحجيته، ووجوب العمل به، وهو ما نازع فيه من استشهد بكلامه. مما يؤكد ما سبق أن ذكرناه أن بعض علمائنا الأجلاء أساء فهم كلام الإمام الشاطبى، كما اتخذ بعض أعداء السنة المطهرة كلامه ستاراً للتشكيك فى حجية السنة، ومكانتها التشريعية.
…
يقول الإمام الشاطبى رحمه الله: "إن الله تعالى حرم الجمع بين الأم وابنتها فى النكاح، وبين الأختين، وجاء فى القرآن: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (2) فجاء نهيه صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من باب القياس، لأن المعنى الذى لأجله ذم الجمع بين أولئك موجود هنا: وقد روى فى هذا الحديث: "فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" والتعليل بشعر بوجه القياس"(3) .
…
(1) انظر: فى تواتر الأحاديث السابقة، نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتانى، واتحاف ذوى الفضائل المشتهرة بما وقع فى نظم المتناثر لعبد العزيز الغمارى، ضمن مجموعة الحديث الصديقية.
(2)
جزء من الآية 24 من سورة النساء.
(3)
الموافقات 4/422 وما بعدها، وانظر: نيل الأوطار 6/148.
.. ويقول أيضاً فى كتابه الاعتصام باب بيان معنى الصراط المستقيم الذى انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فضلت عن الهدى بعد البيان. قولهم (1) : "إن الحديث جاء بأن المرأة لا تنكح على عمتها، ولا على خالتها، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والله تعالى لما ذكر المحرمات لم يذكر من الرضاع إلا الأم والأخت، ومن الجمع إلا الجمع بين الأختين، وقال بعد ذلك:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (2) فاقتضى أن المرأة تنكح على عمتها وعلى خالتها، وإن كان رضاع سوى الأم والأخت حلالاً.
…
وهذه الأشياء من باب تخصيص العموم لا تعارض فيه على كل حال" (3) .
فتأمل كيف سمى ذلك الحكم الزائد فى السنة تخصيصاً لعموم القرآن الكريم، ولم يسمه استقلالاً كما سماه جمهور العلماء؛ فكان الخلاف لفظياً.
(1) يحكى الإمام هذا الكلام عن أهل الابتداع قديماً، وتابعهم حديثاً أحمد حجازى السقا فى كتابه حقيقة السنة النبوية ص9، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص7،60، 198،والسنة ودورها فى الفقه الجديد لجمال البنا ص 254، والخدعة لصالح الوردانى ص 41، وانظر له أيضاً أهل السنة شعب الله المختار ص80، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص130،131،ولماذا القرآن لأحمد صبحى منصور ص 62 - 66، ودين السلطان لنيازى عز الدين ص 908 وما بعدها.
(2)
جزء من الآية 24 من سورة النساء.
(3)
الاعتصام 2/560، وفى كتابه الموافقات قال:"أن ما يحرم من الرضاع يحرم من النسب" بيان نبوى ملحق بقوله تعالى:"وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ" جزء من الآية23 من سورة النساء فألحق بهاتين سائر القربات من الرضاعة التى يحرمن من النسب كالعمة والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وأشباه ذلك أ. هـ. انظر: الموافقات 4/424.
.. وانظر كيف أخذ بهذا الحكم الزائد، ولم يأخذ به من استشهد بكلامه موهماً أنه لا يأخذ به، فأساء فى فهم كلام الإمام، وأساء فى النقل عنه كما مر.
…
وعن الأحكام الزائد فى السنة المطهرة، مثل تحريم الحمر الأهلية، وكل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من الطير.
قال عن الأحكام السابقة: "إن الله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث، وبقى بين هذين الأصليين أشياء يمكن لحاقها بأحدهما، فبين (1) عليه الصلاة والسلام، فى ذلك ما اتضح به الأمر، فنهى عن أكل كل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من الطير، ونهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وقال إنها رجس (2) : وسئل ابن عمر عن القنفد فتلا قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} (3) فقال له شيخ عنده سمعت أبا هريرة: يقول ذكر عند النبى صلى الله عليه وسلم: فقال:"خبيثة من الخبائث" فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال مَا لَمْ نَدْرِ"(4) .
(1) انظر: كيف آمن بهذا الحكم الزائد بياناً وأنكره المبتدعة. أمثال جمال البنا فى السنة ودورها فى الفقه الجديد ص 254، وأحمد حجازى السقا فى دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 7، 61، 198، وحقيقية السنة النبوية ص 9، ونيازى عز الدين فى دين السلطان ص 905 وما بعدها.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب غزوة خيبر 7/534 رقم 4198 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
الآية 145 من سورة الأنعام.
(4)
أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الأطعمة، باب فى أكل حشرات الأرض 3/354 رقم 3799، وانظر: الموافقات 4/414 - 415، ونيل الأوطار 8/117، وسبل السلام 4/1393.
.. وعن حديث على بن أبى طالب مرفوعاً "لا يقتل مسلم بكافر" يقول الإمام الشاطبى: "وأما أن لا يقتل مسلم بكافر" فقد انتزعها العلماء من الكتاب، كقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (1)
…
ويمكن أن يؤخذ حكم المسألة مأخذ القياس، لأن الله تعالى قال:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} (2) فلم يقده من الحر للعبد، والعبوديةُ من آثار الكفر فأولى أن لا يُقاد من المسلم للكافر" (3) .
فانظر كيف أخذ بالسنة الزائدة على أنها بيانية على قاعدته ومصطلحه.
ورغم ذلك وجد من يطعن فى الحديث (4) بحجة مخالفته للقرآن: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (5) .
(1) الآية 141 من سورة النساء.
(2)
جزء من الآية 178 من سورة البقرة.
(3)
الموافقات 4/432، وانظر: فواتح الرحموت 1/298، والتقرير والتحبير 1/232، ونيل الأوطار 7/8، وسبل السلام 3/1188، وقال الإمام الزركشى:"إن حديث عدم قتل المسلم بالذمى= =متواتر عند الشافعية دون الحنفية" وما تواتر عند الكافة، وعند أهل الصناعة، منكره معاند كافر كمنكر القرآن" انظر: البحر المحيط فى أصول الفقه 4/247.
(4)
انظر: البيان بالقرآن لمصطفى المهدوى 1/432، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى لأحمد حجازى السقا ص 151 وما بعدها.
(5)
جزء من الآية 45 من سورة المائدة.
ويقول الإمام الشاطبى فى حد الرجم: "قولهم (1) : هذا مخالف لكتاب الله عز وجل، لأنه قضى بالرجم والتغريب، وليس للرجم ولا للتغريب فى كتاب الله ذكر، فإن كان الحديث باطلاً فهو ما أردنا، وإن كان حقاً فقد ناقض كتاب الله بزيادة الرجم والتغريب.
يقول الإمام الشاطبى رداً على دعوى المخالفة: فهذا اتباع للمتشابه، لأن الكتاب فى كلام العرب، وفى الشرع يتصرف على وجوه منها الحكم، والفرض كقوله تعالى:{كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} (2)، وقال تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (3) وقال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} (4)، فكان المعنى: لأقضين بينكما بكتاب الله، أى بحكم الله الذى شرع لنا، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم فى القرآن، كما أن الكتاب يطلق على القرآن، فتخصيصهم الكتاب بأحد المحامل، من غير دليل اتباع لما تشابه من الأدلة" (5) .
(1) يحكى الإمام هذا الكلام عن أهل الابتداع قديماً، وحديثاً تابعهم رشاد خليفة فى "القرآن والحديث والإسلام" ص 39. وأحمد حجازى السقا فى دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 108، وغيرهم ممن سيأتى ذكرهم قريباً.
(2)
جزء من الآية 24 من سورة النساء.
(3)
جزء من الآية 183 من سورة البقرة.
(4)
جزء من الآية 77 من سورة النساء.
(5)
الاعتصام 1/199، 200، 2/558، 559، ومزيد من الرد انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 88، 177، ومع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع للدكتور على السالوس 1/96،115،وضلالات منكرى السنة لفضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى ص295وما بعدها، والسنة بياناً للقرآن للدكتور إبراهيم الخولى ص23 وما بعدها.
.. ثم قال الإمام الشاطبى: "وقول من زعم (1) أن قوله تعالى فى الإماء: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (2) لا يعقل مع ما جاء فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم رجم، ورجمت الأئمة بعده؛ لأنه يقتضى أن الرجم ينتصف، وهذا غير معقول، فكيف يكون نصفه على الإماء؟
هذا ذهاباً منهم إلى أن المحصنات هن ذوات الأزواج، وليس كذلك، بل المحصنات هنا المراد بهن الحرائر، بدليل قوله أول الآية:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (3) وليس المراد هنا إلا الحرائر؛ لأن ذوات الأزواج لا تنكح" (4) أ. هـ.
وبعد
(1) حكاية منه عن أهل الابتداع قديماً، وتابعهم حديثاً. توفيق صدقى فى مقاله "الإسلام هو القرآن وحده"، انظر: مجلة المنار المجلد 9/523، 524، وأحمد حجازى السقا فى كتابيه إعجاز القرآن" ص 79، ودفع الشبهات ص 108، والسيد صالح أبو بكر فى الأضواء القرآنية ص 313،314، ومصطفى المهدوى فى البيان بالقرآن 1/334، 356، ونيازى عز الدين فى دين السلطان ص948 وما بعدها، وأحمد صبحى منصور فى لماذا القرآن ص112 وغيرهم.
(2)
جزء من الآية 25 من سورة النساء.
(3)
الآية 25 من سورة النساء.
(4)
الاعتصام 2/509، 560، وانظر: نظرة القرآن إلى الجريمة والعقاب للدكتور محمد عبد المنعم القيعى، وعقوبة الحد فى ضوء القرآن الكريم وأثرها فى إصلاح المجتمع للدكتور محمد زواوى عبد الله، ومنهاج السنة فى الحدود وأثره فى صلاح المجتمع للدكتور عبد المنعم عطية.