الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث:شبهة حول التسمية والرد عليها
من نافلة القول أن نقرر: أن كلمتى "السنة" و"الحديث" عربيتين، حيث أنكر هذه البديهية من أعداء الإسلام جولد تسيهر حين زعم تارةً بأن كلمة "السنة" مأخوذة من العبرية (مشناة) فقال:"حتى فى الإسلام، أخذت هذه الفكرة مكاناً أيضاً، أعنى اتخاذ قانون مقدس وراء القرآن مكتوباً أو مسموعاً كما هو الحال عند اليهود"(1) .
وقال تارةً ثانية: أنها مصطلح وثنى فى أصله وإنما تبناه واقتبسه الإسلام. وتابعه على ذلك من جلدته شاخت ومارغوليوث، كما نقله عنهم الدكتور محمد الأعظمى فى كتابه (دراسات فى الحديث النبوى)(2) .
وتابع المستشرقين على ذلك قاسم أحمد حيث قال: "وما ينبغى أن يفطن إليه المسلمون هو التشابه الكبير جداً بين هذا الرأى ورأى اليهود القديم عن الوحى المكتوب والشفوى. فالتلمود اليهودى الذى يشمل المشناة والجمارة وهما يشبهان الحديث والسنة الإسلامية. وهما عبارة عن مجموعة تعاليم شفوية لحاخامات وكبار علماء اليهود أساسها تفسيرهم وشرحهم لكتابهم المقدس على مدى طويل على لسان العالم اليهودى يهوذا جولدن (3) .
كما زعم المستشرق الفريد غيوم فى كتابه (الحديث فى الإسلام) : أن كلمة"حديث" مشتقة من الكلمة العبرية عند اليهود "هداش" والتى تعنى الجديد أو تعنى الأخبار أو القصص (4) .
ومرد هذه الشبهة يهدف إلى نفى أن تكون الكلمتين عربيتين.
وقد رد هذه الشبهة الباطلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت فى كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) ونفى أن تكون كلمة السنة مأخوذة من العبرية (5) .
(1) العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 49.
(2)
دراسات فى الحديث النبوى 1 /5،6.
(3)
إعادة تقييم الحديث ص 78، 79.
(4)
نقلاً عن منهجية جمع السنة للدكتورة عزية على طه ص 62.
(5)
الإسلام عقيدة وشريعة ص 492، 493.
كما رد الدكتور محمد الأعظمى فى كتابه (دراسات فى الحديث النبوى) الزعم الباطل لجولدتسيهر؛ أنها مصطلح وثنى فى أصله، وإنما تبناه واقتبسه الإسلام (1) .
وذكر هذه الشبهة وردها الدكتور رءوف شلبى فى كتابه (السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين) فقال: بحكم طبيعة الحياة فإن الخير لا يسلم من الشر، وإن العدل لا يسلم من الجور، ولقد قيض الشيطان عناصر تفترى على الإسلام وعلى مصادره، فقد زعم بعض الباحثين أن التعبير بكلمة سنة أخذه المسلمون من الكلمة العبرية (مشناة) التى تطلق فى الاصطلاح اليهودى على مجموعة الروايات الإسرائيلية التى تعتبر فى نظرهم مرجعاً أساسياً فى التعرف على أحكام التوراة، كما تعتبر شرحاً وتفسيراً لها، ثم عربها المسلمون إلى كلمة (سنة) ويدعى اليهود أن المسلمين أطلقوها - بعد التعريب - علماً على مجموعة الروايات النبوية فى مقابل استعمالهم لكلمة "مشناة" علماً على مجموعة الروايات الإسرائيلية.
والجواب: يقول فضيلة الأستاذ الدكتور رءوف شلبى اعتراض اليهود ومن تابعهم على كلمة "سنة" و"حديث" ملخص فى نقطتين:
1-
أن المسلمين عربوهما من كلمة "مشناة" و"هداش".
2-
أن المسلمين أطلقوهما علماً على مجموعة الروايات النبوية فى مقابل ما صنعه اليهود من إطلاقهم كلمة "مشناة" على مجموعة الروايات الإسرائيلية التى تشرح لهم التوراة، ونعتبر المصدر الأساسى فى التعرف على الأحكام.
ورداً على النقطة الأولى: فإن العقل الباحث الأمين لا يتقبل ادعاء اليهود ومن صار على دربهم، أن العرب الأوائل المسلمين قد عربوا "مشناة" إلى"سنة" أو عربوا "هداش" إلى "حديث".
أولاً: لعدم المشابهة فى الحروف والبنية.
(1) دراسات فى الحديث النبوى 1 /5-11.
ثانياً: لأن الكلمتين ورد استعمالهما فى الشعر الجاهلى قبل الإسلام، كما استعملهما ربنا عز وجل فى كتابة العزيز، واستعملهما نبينا صلى الله عليه وسلم. فى حديثه الشريف، على نحو ما ذكرناه سالفاً فى تعريف السنة والحديث لغة. وذلك مما لا يترك مجالاً لفرضية بحث تعريب كلمة سنة من مشناة أو حديث من هداش.
وإذاً فالكلمتين لم يعربهما المسلمون من كلمتى مشناة وهداش، وإنما أخذوهما من صميم لغتهم، وصريح كتابهم الكريم، وصريح حديث نبيهم صلى الله عليه وسلم. (1) .
يقول الدكتور الأعظمى: ولذا فإن ما قاله جولدتسيهر بأن السنة مصطلح وثنى استخدمه الإسلام، ادعاء لا يستند إلى دليل، ومعارض للأدلة الملموسة، ثم إن استعمال الجاهليين أو الوثنيين من العرب لكلمة "ما" فى مفهومها اللغوى لا يلبسها ثوباً معيناً، ولا يحيلها إلى مصطلح وثنى وخصوصاً إذا لاحظنا استعمالاتهم المختلفة لهذه الكلمة، وإلا أصبحت اللغة العربية بكاملها مصطلحاً وثنياً وهذا لا يقول به عاقل (2) .
ونفس هذا الكلام يقال رداً على ما زعمه الفريد غيوم من أن كلمة "حديث" مشتقة من الكلمة العبرية "هداش".
ورداً على النقطة الثانية: يقول ابن قيم الجوزية (3) فى إغاثة اللهفان: إن كلمة مشناة إنما تعنى الكتاب الذى ألفه علماء اليهود فى زمن دولة البابليين والفرس، ودولة اليونان والروم، وهو الكتاب الأصغر، ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة.
أما التلمود: فهو الكتاب الأكبر الذى ألفه علماء اليهود مع مشناة، ومبلغ حجمه نحو نصف حمل بغل لكبره، ولم يكن الفقهاء الذين ألفوه فى عصر واحد، وإنما ألفوه جيلاً بعد جيل، فلما نظر المتأخرون منهم إلى هذا التأليف، وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيه، وأن فى الزيادات المتأخرة ما يناقض أوائل هذا التأليف، علموا أنهم إن لم يقطعوا ذلك ويمنعوا من الزيادة فيه، أدى إلى الخلل الذى لا يمكن سده، قطعوا الزيادة فيه، ومنعوا منها، وحظروا على الفقهاء الزيادة فيه، وإضافة شئ آخر إليه، وحرموا من أن يضاف إليه شئ آخر فوقف على ذلك المقدار (4) .
(1) السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين ص 32 وما بعدها بتصرف.
(2)
دراسات فى الحديث النبوى 1/ 7.
(3)
ابن قيم الجوزية: هو محمد بن أبى بكر بن أيوب الزرعى الدمشقى، أبو عبد الله، الفقيه الحنبلى الأصولى المحدث النحوى الأديب الواعظ الخطيب، له مصنفات عديدة أشهرها: أعلام الموقعين عن رب العالمين، وزاد المعاد فى هدى خير العباد، وغير ذلك، مات سنة 751هـ. له ترجمة فى: البداية والنهاية لابن كثير14 /234، والدرر الكامنة لابن حجر3 /400-403 رقم 1067، وشذرات الذهب 6 /168، وطبقات المفسرين للداودى 2 /93 - 97، رقم 456، والوافى بالوفيات 2 /270.
(4)
إغاثة اللهفان 2 /323،324.
وإذاً فالمشناة والتلمود من تأليف فقهاء اليهود إرضاءً لأهوائهم، وقد نسبوها إلى التوراة وإلى سيدنا موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - وليس الأمر كذلك فى الحديث النبوى والسنة المطهرة؛ فهى مرويات نبوية موحى بها من قبل رب العزة، ولا مدخل لأحد من علماء الإسلام فى شئ منها إلا بحفظها ورعايتها وتنفيذها، وصاحب السنة المطهرة صلى الله عليه وسلم. هو الذى أطلق وسمى كل ما ورد عنه من قول أو فعل أو تقرير أو
…
إلخ. بأنه من حديثه الشريف وسنته المطهرة. فهو القائل صلى الله عليه وسلم.: "قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم، ولكنه رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا يا أيها الناس، إنى قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم."(1) .
وبهذا كله يتضح لنا أن الكلمتين "سنة" و"حديث":
1-
عربيتان أصيلتان.
2-
وأن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد استعملاهما.
3-
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم. هو الذى سمى الحديث والسنة ووضعهما علماً على كل ما ورد عنه من قول أو فعل أو تقرير
…
إلخ، كما سبق وأن ذكرت.
وبذلك ينمحى من الإمكان فرض أن المسلمين عربوا كلمة "سُنة" من كلمة "مشناة" أو "من هداش"، أو فرض أنها مصطلح وثنى، وأنه فرق كبير بين ثريا المحجة البيضاء فى الإسلام، وبين ثرى المحرفين الذين لعنوا على لسان أنبيائهم داود وعيسى بن مريم جزاءاً بما كانوا يصنعون (2) أ. هـ..
والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب العلم، باب خطبته صلى الله عليه وسلم. فى حجة الوداع 1 /171، 172 رقم 318 من حديث ابن عباس -رضى الله عنهما - وقال فى إسناده عكرمة واحتج به البخارى، وابن أبى أويس واحتج به مسلم، وسائر رواته متفق عليهم، ثم قال وله شاهد من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، وأخرجه فى الموضع السابق، ووافقه الذهبى وقال وله أصل فى الصحيح أهـ.
(2)
السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين للدكتور رءوف شلبى ص32: 36 بتصرف.