الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا عرفت صحة مذهب أهل السنة فى عقيدة الإيمان بالقدر، وعرفت فساد مذهب المعتزلة، عرفت أن طعون المعتزلة ومن قال بقولهم من المستشرقين، ودعاة الإلحاد (1) فى الأحاديث الصحيحة المثبتة للقدر، طعون واهية لا حجة لهم فيها، وهاك مثالاً على ذلك، حديث محاجة آدم موسى عليهما السلام، نذكر شبه الطاعنين فيه والدفاع عنه فى المبحث التالى فإلى بيان ذلك.
المبحث الرابع: شبه الطاعنين فى حديث محاجة آدم موسى عليهما السلام
والرد عليها
…
عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال:"احتج آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا، خيَّبتَنَا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى. اصطفاك الله بكلامه، وخطَّ لك بيدِهِ، أَتَلْوُمِنِىِ على أمر قَدَّره الله علىَّ قبل أن يخلقنى بأربعين سنةً؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى ثلاثاً" (2) .
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله:قد أنكر القدرية هذا الحديث لأنه صريح فى إثبات القدر السابق، وتقرير النبى صلى الله عليه وسلم لآدم على الاحتجاج به، وشهادته بأنه غلب موسى فقالوا:
(1) كنيازى عز الدين الذى طعن فى حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "إن أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوماً
…
الحديث" سبق ذكره وتخريجه ص 655، وانظر: دين السلطان ص650، 651، وانظر: دراسة الكتب المقدسة للدكتور مرويس بوكاى ص 297، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى أحمد حجازى ص158،160،والأضواء القرآنية للسيد صالح أبو بكر2/303وغيرهم
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب القدر، باب تحاج آدم وموسى عند الله عز وجل 11/513، 514 رقم 6614، ومسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام 8/450 رقم 2652.
أولاً: لا يصح لأن موسى لا يلوم على أمر قد تاب منه صاحبه، وقد قتل هو نفساً لم يؤمر بقتلها، ثم قال رب اغفر لى، فغفر له، فكيف يلوم آدم على أمر قد غفر له؟
ثانياً: لو ساغ اللوم على الذنب بالقدر الذى فرغ من كتابته على العبد، لكان من عوتب على معصية قد ارتكبها، يحتج بالقدر السابق، ولو ساغ ذلك لانسد باب القصاص، والحدود، ولاحتج به كل أحد على ما يرتكبه من الفواحش، وهذا يفضى إلى لوازم قطعية، فدل ذلك على أن هذا الحديث لا أصل له (1) أ. هـ.
وبنحو ذلك طعن السيد صالح أبو بكر (2) ، ونيازى عز الدين (3)،وغيرهما فى الحديث. ويجاب عليهم بالآتى:
أولاً: هذا الحديث صحيح ثابت فى كتب السنة بالاتفاق. رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم أبو هريرة وغيره، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه من طريق أبى هريرة رواه عشرة من التابعين ثم ذكرهم، وذكر من خرج لهم من الأئمة (4) .
ثانياً: قد ذكر فى احتجاج آدم بالقدر عدة أقوال، المتجه منها قولان:
(1) فتح البارى 11/518 رقم 6614.
(2)
الأضواء القرآنية 2/239.
(3)
دين السلطان ص 655 وما بعدها، وانظر: دراسة الكتب المقدسة لموريس بوكاى ص 297.
(4)
فتح البارى 11/514.
الأول: إنما لام موسى عليه السلام آدم عليه السلام على المصيبة التى أخرجته لا على المعصية، لأن العبد مأمور أن يحتج بالقدر عند المصائب كما قال صلى الله عليه وسلم "وإن أصابك شئ فلا تقل: لو أنى فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان" (1) . وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (2) واستحسن هذا القول الإمام الطحاوى (3) .
الثانى: إن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع فى موضع، ويضر فى موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه، وترك معاودته كما فعل آدم، ويضر الاحتجاج به فى الحال والمستقبل، بأن يرتكب فعلاً محرماً، أو يترك واجباً فيلومه عليه لائم، فيحتج بالقدر عليه ويصر، فيبطل الاحتجاج به حقاً، ويرتكب باطلاً، كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم لغير الله، فقالوا كما حكى رب العزة عنهم:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَاءَابَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (4) .
…
وخلاصة ذلك أن اللوم إذا ارتفع، صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعاً فالاحتجاج بالقدر باطل (5) .
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله 8/466، 467 رقم 2664.
(2)
الآية 22 من سورة الحديد.
(3)
شرح الطحاوية 1/170 وما بعدها وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم ص 368.
(4)
الآية 148 من سورة الأنعام.
(5)
شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر ص 38، 39 بتصرف.
وقال القرطبى: "إنما غلبه بالحجة؛ لأنه علم من التوراة أن الله تاب عليه (1) ، فكان لومه على ذلك، نوع جفاء، كما يقال ذكر الجفاء بعد حصول الصفاء جفاء، ولأن أثر المخالفة بعد الصفح ينمحى حتى كأنه لم يكن، فلا يصادف اللوم من اللائم حينئذ محلاً".
قال الحافظ ابن حجر: "وهو محصل ما أجاب به المازرى، وغيره من المحققين، وهو المعتمد"(2) .
ثالثاً: ليس فى الحديث احتجاج بالقدر على المعاصى كما يزعم المعتزلة. وآدم عليه السلام لم يحتج بالقدر؛ لأن أنبياء الله – عليهم السلام – من أعلم الناس بالله وبأمره ونهيه، فلا يسوغ لأحدهم أن يعصى الله بالقدر، ثم يحتج على ذلك (3) أ. هـ.
وبعد
فالحديث كما قال الحافظ ابن عبد البر: "هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق فى إثبات القدر، وأن الله تعالى قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق فى علم الله"(4) .
(1) كما جاء فى حديث عمر "قال آدم لموسى إنما وجدت أن ذلك كان فى كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال نعم" أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب فى القدر4/226رقم4702.
(2)
فتح البارى 11/518، وقول القرطبى موجود بمعناه فى الجامع لأحكام القرآن 11/256.
(3)
انظر: اقتضاء الصراط المستقيم 369، وشفاء العليل ص 38، وشرح الطحاوية 1/170.
(4)
انظر: فتح البارى 11/517، وللاستزادة فى الرد على هذا الحديث انظر: نصوص من السنة ودفاع عنها للدكتور رفعت فوزى، ص 18-24، وضلالات منكرى السنة للدكتور طه حبيشى ص 463 – 475، وانظر: موقف المدرسة العقلية من السنة 1/343 – 347.
وعن النهى عن المجادلة فى القدر روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون فى القدر. فكأنما فقئ فى وجهه حب الرمان من الغضب. فقال: "بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض. بهذا هلكت الأمم قبلكم"(1) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
(1) أخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب الإيمان، باب فى القدر 1/45 رقم 85، وقال البوصيرى فى مصباح الزجاجة 1/58: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات أ. هـ.