الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. ولو أن المعاصرين فهموا حقيقة الكتابة، وحقيقة التدوين، وأدركوا الفرق بينهما، لما تعارضت النصوص فى فهمهم، ولما صح تشكيك أعداء الإسلام فى السنة النبوية بدعوى تأخر تدوينها مدعين أنه دخلها الزيف، لأن العلم الذى يظل قرناً دون تسجيل لابد وأن يعتريه تغيير ويدخله التحريف، فإن الذهن يغفل والذاكرة تنسى، أما القلم فهو حصن آمان لما يدون به (1) .
الكتابة، والتدوين، والتصنيف فى اللغة:
…
وهذا تعريف موجز للكتابة والتدوين والتصنيف: يتضح منه الفرق بين الكتابة والتدوين:
أ- الكتابة: قال فى اللسان:"كتب الشئ كتباً، وكتاباً، وكتابة، وكتبه خطه" فكتابة الشىء خطه (2) .
ب- التدوين: قال فى اللسان: "والديوان مجتمع الصحف"(3) . وقال فى تاج العروس: "وقد دونه تدويناً جمعه. وعليه فالتدوين هو جمع الصحف المشتتة فى ديوان ليحفظها (4) .
ج- التصنيف: قال فى اللسان: والتصنيف: تمييز الأشياء بعضها من بعض، وصنف الشئ ميز بعضه من بعض. وتصنيف الشئ جعله أصنافاً. وعليه فالتصنيف تمييز الجزئيات، كأن يميز المصنف الصواب من الخطأ، أو الأهم من المهم" (5) .
…
ومن هذه التعاريف: يتضح لنا أن الكتابة غير التدوين، فالكتابة مطلق خط الشئ، دون مراعاة لجمع الصحف المكتوبة فى إطار يجمعها، أما التدوين فمرحلة تالية للكتابة ويكون بجمع الصحف المكتوبة فى ديوان يحفظها" (6) .
(1) انظر: السنة النبوية.مكانتها.عوامل بقائها.تدوينها.لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد المهدى عبد القادر 94-96، وانظر: تصدير الدكتور يوسف العش فى تقييد العلم للخطيب البغدادى ص7، 8.
(2)
لسان العرب 1/698، وانظر: القاموس المحيط 1/120، ومختار الصحاح ص 562.
(3)
لسان العرب 13/166.
(4)
تاج العروس 9/204.
(5)
لسان العرب 9/198.
(6)
السنة النبوية مكانتها للأستاذ الدكتور عبد المهدى عبد القادر ص 97.
أما التصنيف؛ فهو أدق من التدوين، فهو ترتيب ما دون فى فصول محدودة، وأبواب مميزة (1) .
وعلى ذلك فقول الأئمة إن السنة دونت فى نهاية القرن الأول لا يفيد أنها لم تكتب طيلة هذا القرن، بل يفيد: أنها كانت مكتوبة لكنها لم تصل لدرجة التدوين وهو: جمع الصحف فى دفتر.
وما فهمه المعاصرون، من أن التدوين هو الكتابة، فهو خطأ منشأه عدم التمييز بين الكتابة والتدوين (2) .
وبالتالى فالمقولة "أول من دون العلم ابن شهاب الزهرى"(3) تم ترجمتها خطأ بمعنى: أول من كتب العلم (الحديث) كان ابن شهاب الزهرى، وانطلاقاً من هذا التفسير الخاطئ انبثقت نظرية أن كتابة الحديث بدأت متأخرة للغاية حتى عصر الزهرى فى نهاية القرن الأول، أو بداية القرن، الثانى الهجرى،
…
ولهذا فالمقولة السابقة يجب تفسيرها على أساس أن أول من دون أو صنف المجموعات المكتوبة من الأحاديث كان ابن شهاب الزهرى" (4) .
(1) انظر: تصدير الدكتور يوسف العش فى تقييد العلم ص 8، وانظر: دلائل التوثيق المبكر للسنة للدكتور امتياز أحمد ص 283، 284.
(2)
السنة النبوية. مكانتها. للأستاذ الدكتور عبد المهدى عبد القادر ص97.
(3)
ابن شهاب الزهرى: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى، القرشى، أبو بكر، الفقيه الحافظ، متفق على جلالته واتقانه. مات سنة 125هـ وقيل قبل ذلك. له ترجمة فى: تقريب التهذيب2/133رقم 6315، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 49،50 رقم95، والكاشف 2/219 رقم 5152، وتذكرة الحفاظ 1/108 رقم 97، والثقات للعجلى ص412 رقم 1500، والثقات لابن حبان 5/351، والجرح والتعديل 8/71 رقم 318، ومشاهير علماء الأمصار ص 87 رقم 444، والثقات لابن شاهين ص276 رقم 1137.
(4)
انظر: دلائل التوثيق المبكر للسنة للدكتور امتياز أحمد ص 281، وانظر: شفاء الصدور فى تاريخ السنة ومناهج المحدثين للدكتور السيد محمد نوح ص108، 109
.. والمتتبع لكلام الأئمة السابقين يتضح له أنه كان معلوماً لديهم الفرق بين الكتابة والتدوين، وهم يؤرخون لتدوين السنة حيث كان مدار حديثهم على التدوين، وليس فى
حديثهم شئ يتعلق بالكتابة، كقول الحافظ ابن حجر:"وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهرى على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير"(1) وقال أيضاً: "اعلم، علمنى الله وإياك أن آثار النبى صلى الله عليه وسلم لم تكن فى عصر الصحابة، وكبار تابعيهم مدونة فى الجوامع ولا مرتبة (2) أ. هـ.
2-
الحقيقة الثانية: أن عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – حينما أمر بتدوين السنة لم يبدأ ذلك من فراغ، ولكنه اعتمد على أصول مكتوبة كانت تملأ أرجاء العالم الإسلامى كله، من خلال روح علمية نشطة، أشعلها الإسلام فى أتباعه، فأصبحوا يتقربون إلى الله تعالى بأن يزدادوا فى كل يوم علما، وخير العلوم–قطعاً– ما كان متعلقاً بالقران والسنة.
وحينما نثبت أن تدوين السنة قام على أساس المكتوب فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم، وبإذن منه صلى الله عليه وسلم شخصياً، فإننا لن نتعسف الأدلة أبداً وصولاً إلى تلك الغاية؛ لأننا لن نقول فى هذا الشأن قولاً إلا ونشفعه بالدليل القوى المستمد من أوثق المصادر وآكدها وأصحها.
(1) فتح البارى 1/251 رقم 113، وانظر 1/235 رقم 100، وانظر: جامع بيان العلم لابن عبد البر 1/73، وتذكرة الحفاظ للذهبى 1/160، وشرح الزرقانى على الموطأ 1/14، والسنة النبوية. مكانتها. للدكتور عبد المهدى ص 94، 98.
(2)
هدى السارى ص 8.