الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك صنع جمال البنا استشهد بكلام الحافظ مبتوراً محرفاً فقال: "أى التمسك به "يعنى القرآن" والعمل بمقتضاه إشارة إلى قوله: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله" (1) وترك بقية كلام الحافظ ابن حجر أن عمل الناس بالكتاب يقتضى العمل بكل ما أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى: {وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) .
أما
النوع الثالث من مصادر أعداء السنة فمصادر معتبرة غير حديثية
، يستشهدون بما فيها من أحاديث ضعيفة أو موضوعة تشهد لدعواهم.
ومن ذلك استشهادهم بحديث عرض السنة على القرآن: "إذا روى لكم عن حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه، وإلا فردوه"(3) واعتمادهم صحة الحديث لمجرد وروده فى بعض كتب الفقه أو الأصول كالمحصول فى أصول الفقه (4) ، وأصول السرخسى (5) ، والمعتمد فى أصول الفقه (6) .
وقد نقل غير واحد من أهل الزيغ والهوى هذا الحديث من مصادر معتبرة غير حديثية موهماً أن أصحاب تلك المصادر يقولون بعرض السنة على القرآن، بمفهومهم القائم على رد الحديث بمجرد التعارض الظاهرى حتى مع إمكان الجمع والتأويل.
…
وممن فعل ذلك أحمد حجازى السقا فى كتابه "دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى" عزا حديث "عرض السنة على القرآن" إلى المحصول للرازى، موهماً أن الرازى، والفقهاء يقولون بالحديث (7) ، فى حين أن الرازى يحكى مخالفة عيسى بن أبان لجمهور علماء المسلمين بإيجابه عرض خبر الآحاد على القرآن الكريم (8) .
(1) سبق تخريجه ص 196، وانظر: المستشرقون والتراث للدكتور الديب ص 28 - 41.
(2)
راجع إن شئت ص 196.
(3)
سبق تخريجه وبيان وضعه انظر: ص218-223.
(4)
المحصول 2/215
(5)
أصول السرخسى 1/365.
(6)
المعتمد فى أصول الفقه 2/80.
(7)
دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 110.
(8)
المحصول 2/215.
ويجاب عن استشهادهم بأحاديث مكذوبة وردت فى مصادر معتبرة غير حديثية بما هو مقرر عند أهل الحديث وهو:
أنه لا يكتفى بعزو الحديث إلى من ليس من أهله دون بيان: وإن جل كعظماء المفسرين، والفقهاء، والمتصوفة، والمؤرخين، وغيرهم، بل لابد من معرفة تعقبات المحدثين على ما أوردوه فى كتبهم وذكره عند العزو إليها، ما لم يكونوا من أئمته، أو دراسة أسانيدها ومتونها - إذا كانت خالية من تعقبات المحدثين ولم يكونوا من أئمته دراسة دقيقة فاحصة لمتبحر فى الحديث وعلومه، للوصول من وراء ذلك إلى الحكم بصحة الحديث أو ضعفه أو الحكم عليه بالوضع (1) كما فى حديث عرض السنة على القرآن.
(1) كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيد الأنام 1/31.
.. وفى ذلك يقول الإمام عبد الرءوف المناوى (1) : "فلا أعزوا إلى شئ منها "أى المصادر" ولا أكتفى بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل كعظماء المفسرين
…
فكتب التفسير مشحونة بالأحاديث الموضوعة، وكأكابر الفقهاء "أى غير الأئمة الأربعة" فإن الصدر الأول من أتباع المجتهدين لم يعتنوا بضبط التخريج وتمييز الصحيح من غيره، فوقعوا فى الجزم بنسبة أحاديث كثيرة إلى النبى صلى الله عليه وسلم وفرعوا عليها كثيراً من الأحكام مع ضعفها، بل ربما دخل عليهم الموضوع "نسياناً أو غلطاً دون عمد"(2) .
ومثل هذه الأخطاء الحديثية لهؤلاء العلماء الأجلاء وهم غير متخصصين فى الحديث وعلومه - لا تقدح فى منزلتهم العلمية، ولا فى مؤلفاتهم ولا فى سلامة الأغراض التى من أجلها ألفوا كتبهم" (3) .
(1) هو: الإمام الحافظ عبد الرءوف بن تاج الدين المناوى، بضم الميم الشافعى القاهرى، من مؤلفاته: فيض القدير بشرح الجامع الصغير، والجامع الأزهر، وغير ذلك، مات سنة 1031هـ.= =له ترجمة فى: هداية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل باشا 1/510،511، وكشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون للحاجى خليفة 1/561، والرسالة المستطرفة للكتانى ص 184.
(2)
فيض القدير 1/20، 21 بتصرف، وانظر: قواعد التحديث للقاسمى ص 182، 183 ومن الأمثلة علىذلك حديث:"من قضى صلاته من الفرائض فى آخر جمعة من رضان، كان ذلك جابراً لكل صلاة فاتنة فى عمره إلى سبعين سنة" قال العلامة ملا على القارى باطل قطعاً ولا عبرة بنقل صاحب النهاية وغيره من بقية شراح الهداية، فإنهم ليسوا من المحدثين، ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرجين" انظر: الموضوعات الكبرى ص 242 رقم 953، وانظر: الأجوبة الفاضلة ص 29 - 35.
(3)
كشف اللثام 1/33
.. قال الإمام المناوى: "وهذا لا يقدح فى جلالتهم، بل ولا فى اجتهاد المجتهدين إذ ليس من شرط المجتهد الإحاطة بحال كل حديث فى الدنيا"(1) أ. هـ.
…
قال العلامة اللكنوى: فإن قال قائل: فما بالهم أوردوا فى تصانيفهم الأحاديث الموضوعة – مع جلالتهم ونباهتهم – ولِمَ لم ينقدوا الأسانيد مع سعة علمهم؟
قلت: لم يُوردوا ما أوردوا: مع العلم بكونه موضوعاً، بل ظنَّوه مروياً وأحالوا نقد الأسانيد على نُقَّادِ الحديث، لكونهم أغنوهم عن الكشف الحثيث، إذ ليس من وظيفتهم البحث عن كيفية رواية الأخبار، إنما هو من وظيفة حملة الآثار، فلكل مقام مقال، ولكل فن رجال" (2) أ. هـ.
وبعد
…
فإن وسائل أعداء السنة فى الكيد لها لا تقف عند حد، وصدق الإمام الشاطبى –رحمه الله:"ومن نظر إلى طريق أهل البدع فى الاستدلالات عرف أنها لا تنضبط، لأنها سيالة لا تقف عند حد"(3) .
…
وبحسب كل مسلم أن يتنبه إلى القواعد الكلية التى ينطلقون منها للكيد للسنة المطهرة، ويعرف بطلان تلك القواعد، وأنه لا أساس لها فهى كمثل بيت العنكبوت.
قال تعالى: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (4) وهذا ما حرصت على تفصيله فى الفصول السابقة.
…
ونأكده فى الباب الثالث بذكر نماذج من الأحاديث الصحيحة التى طعن فيها أهل الزيغ والهوى، والجواب عنه. فإن بيان ذلك.
(1) فيض القدير 1/21.
(2)
الأجوبة الفاضلة للكنوى ص 35، وانظر: قواعد التحديث للقاسمى ص 183.
(3)
الاعتصام 1/232.
(4)
الآية 41 من سورة العنكبوت.