الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن الذى ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النملة أن تدخر قوتها أوان حاجتها، وأن تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت، لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحاً، وتؤخر آخر.
وقال ابن الجوزى: ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب، فإن النحلة تعسل من أعلاها، وتلقى السم من أسفلها، والحية القاتل سمها تدخل لحومها فى الترياق الذى يعالج به السم، والذبابة تسحق مع الإثمد لجلاء البصر" (1) أ. هـ.
ثالثاً: والقول بأن العلم يثبت بطلانه لأنه قطع بمضار الذباب، قول من جهل معنى الحديث
، وعجز عن فهمه. والحديث كما أسلفت لم ينف ضرر الذباب بل نص على ذلك صراحة. وهل علماء الطب وغيرهم أحاطوا بكل شئ علماً؟!!
…
حتى يصبح قولهم هو الفصل الذى لا يجوز مخالفته. بل هم معترفون كل الاعتراف بأنهم عاجزون عن الإحاطة بكثير من الأمور (2) . وهنالك نظريات كانت تؤخذ على وجه التسليم تبين فسادها فيما بعد، إذ علومهم خاضعة للتجارب والاختبارات.
…
بينما الذى نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحى من عند الله تعالى، العليم بخفاء ما غاب عن الخلق جميعاً. ولا زال علماء الطب يطِلّون على العالم فى كل يوم باكتشافات جديدة لعقاقير طبية وأدوية واقية لم تكن عُرفت من قبل.
ثم هل يتوقف إيماننا بصدق كل حديث ورد فيه أمر طبى عن النبى صلى الله عليه وسلم، حتى يكشف لنا الأطباء بتجاربهم صدقة أو بطلانه؟
وأين إيماننا إذن بصدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووحى الله إليه؟!
(1) انظر: فتح البارى 10/263 رقم 5782 وانظر: معالم السنن 5/341-342، وتأويل مختلف الحديث ص 210، 212.
(2)
انظر: مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر 12/124 فى الهامش، والأنوار الكاشفة ص221.
.. إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، برهان قائم بنفسه لا يحتاج إلى دعم خارج عنه، فعلى الأطباء بل والناس جميعاً التسليم بما جاء فى هذا الحديث والتصديق به إن كانوا مسلمين، وإن لم يكونوا كذلك فليزمهم التوقف إن كانوا عقلاء.
والمسلم لا يهمه كثيراً ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب ما دام ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)
هذا كله يقال على فرض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة.
…
ومع ذلك فقد وجد من الأطباء المعاصرين من أيد مضمون ما جاء فى هذا الحديث من الناحية الطبية، وهنالك كثير من البحوث والمقالات فى هذا الجانب، منها المطول ومنها المختصر.
اختار منها ما ذكره أحد الأطباء المصريين العصريين بجمعية "الهداية الإسلامية" بالقاهرة قال – رحمه الله –: "يقع الذباب على المواد القذرة المملوءة بالجراثيم التى تنشأ منها الأمراض المختلفة، فينقل بعضها بأطرافه، ويأكل بعضاً، فيتكون فى جسمه من ذلك مادة سامة يسميها علماء الطب بـ "مبعد البكتريا" وهى تقتل كثيراً من جراثيم الأمراض، ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير فى جسم الإنسان فى حال وجود مبعد البكتريا. وأن هناك خاصية فى أحد جناحى الذباب، هى أنه يحول البكتريا إلى ناحيته، وعلى هذا فإذا سقط الذباب فى شراب أو طعام وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه فى ذلك الشراب، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم وأول واق منها هو مبعد البكتريا الذى يحمله الذباب فى جوفه قريباً من أحد جناحيه. فإن كان هناك داء فدواؤه قريب منه، وغمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التى كانت عالقة، وكاف فى إبطال عملها. وقد كتب بعض الأطباء الغربيين نحو ذلك.
(1) انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد1/61،وموقف المدرسة العقلية من السنة2/268،269.