الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع شروط حجية خبر الواحد ووجوب العمل به
عند المحدثين والرد على شروط المعتزلة ومن قال بقولهم قديماً وحديثاً
شروط حجية خبر الواحد عند المحدثين:
…
اتفق أهل الحديث أجمع على: أنه يشترط لصحة الحديث، وحجيته، ووجوب العمل به خمسة شروط:(1) اتصال السند (2) عدالة الراوى (3) ضبط الراوى (4) عدم الشذوذ (5) عدم العلة.
…
يقول ابن الصلاح: "أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذى يتصل اسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً"(1) أهـ.
والشرطان الآخران (عدم الشذوذ، وعدم العلة) من الشروط المعتبرة فى صحة المتن عند المحدثين، ولم يصرح بهما أئمة الفقه والأصول، لأن أكثر العلل التى يعلل بها المحدثون لا تجرى على أصول الفقهاء، فنراهم يأخذون بالحديث. وإن كان فيه بعض كلام للمحدثين بناء على أصولهم التى أصلوها وقواعدهم التى ارتضوها (2) .
(1) علوم الحديث لابن الصلاح ص15، 16.
(2)
والتى منها أن الفقيه قد يعلم صحة الحديث إذا لم يكن فى سنده كذاب بموافقة آية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به- كما يذهبون إلى صحة الحديث إذا تلقاه الناس بالقبول، وإن لم يكن له إسناد صحيح، كما قال ابن عبد البر فى حديث البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتتة) انظر: تدريب الراوى1/67، 68، والأجوبة الفاضلة 228- 237، وانظر: ما قيل فى حديث البحر من علل والجواب عنها فى نيل الأوطار 1/14، وانظر: اختلافات المحدثين والفقهاء فى الحكم على الحديث للدكتور عبد الله شعبان على ص 218-221.
.. قال الحافظ السيوطى فى التدريب: "قال العراقى (1) : وأما السلامة من الشذوذ والعلة فقال ابن دقيق العيد فى الإقتراح: إن أصحاب الحديث زادوا ذلك فى حد الصحيح قال: وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء، فإن كثيراً من العلل التى يعلل بها المحدثون لا تجرى على أصول الفقهاء.
…
قال الحافظ العراقى: والجواب أن من يصنف فى علم الحديث؛ إنما يذكر الحديث عند أهله لا عند غيرهم من أهل علم آخر، وكون الفقهاء، والأصوليين، لا يشترطون فى الصحيح هذين الشرطين (2) ؛ لا يغير الحد عند من يشترطهما (3) .
ولذلك قال ابن الصلاح بعد أن حد تعريف الحديث الصحيح فى الشروط الخمسة السابقة قال: "فهذا هو الحديث الذى يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث"(4) .
وهذه الشروط كافية ومطمئنة للتأكد من ثبوت نسبة الحديث إلى قائله، سواء كان الحديث مرفوعاً أو موقوفاً أو مقطوعاً.
(1) العراقى هو: الحافظ الإمام الكبير، أبو الفضل، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقى، من أئمة المسلمين، وحفاظ الحديث، له مؤلفات كثيرة منها "الألفية" فى علوم الحديث و"نكت ابن الصلاح" و"المراسيل" وغير ذلك مات سنة 806هـ له ترجمة فى طبقات الحفاظ للسيوطى ص543 رقم 1175، وحسن المحاضرة 1/360 وإنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر 2/275، وشذرات الذهب 7/55.
(2)
تعرض أئمة الأصول لهذين الشرطين بمصطلحهم فى مباحث (ضبط المتن) كما فى أصول السرخسى1/355،وفى المحصول للرازى2/210بعنوان (البحث فى الأمور العائدة إلى المخبر عنه)
(3)
تدريب الراوى 1/64، 65.
(4)
علوم الحديث لابن الصلاح ص16.
يقول فضيلة الدكتور محمد أبو شهبة –رحمه الله تعالى-: على أنه لا ينبغى أن يغيب عن ذهن القارئ الفطن أن الرواية فى الإسلام بشروطها من اتصال الأسانيد، ونقل العدول الضابطين، عن مثلهم إلى آخر السند، والحفظ واليقظة وعدم الغفلة، ضمانات كافية لترجيح الصدق والصواب، ترجيحاً قوياً على الكذب والخطأ، وترجيح الحفظ والضبط على جانب الغفلة والسهو (1) .
…
هذا وهناك شروطاً أخرى مختلف فيها، بعضها أجاب عنها العلماء بأنها داخلة فى نفس الشروط الخمسة السابقة، من ذلك اشتراط أن يكون الراوى مشهوراً بطلب الحديث، واشتراط أن يكون الراوى معروفاً بالفهم والمعرفة والمذاكرة، وكثرة السماع.
وأجاب عن ذلك الحافظ ابن حجر: بأن اشتراط شهرة الطلب يغنى عنها شرط ضبط الراوى، واشتراط أن يكون معروفاً بالفهم والمعرفة يغنى عن ذلك شرط عدم العلة؛ لأن العلة لا تعرف إلا بما ذكر من الفهم والمعرفة والمذاكرة وغيرهما (2) .
…
وهناك شروطاً أخرى اشترطها بعض الأئمة، ولم يتفق عليها جمهور الفقهاء، والمحدثين، وأصحاب الأصول. من ذلك اشتراط فقه الراوى.
وأجاب عن ذلك الرازى فى المحصول بقوله: "لا يشترط كون الراوى فقهياً سواء كانت روايته موافقة للقياس، أو مخالفة له: خلافاً لأبى حنيفة – رحمه الله – فيما يخالف القياس، ولنا الحجة فى ذلك من الكتاب، والسنة، والعقل.
…
أما الكتاب: فقوله تعالى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} (3) . فوجب أن لا يجب التبين فى غير الفاسق، سواء كان عالماً أو جاهلاً.
…
(1) الإسراء والمعراج لفضيلة الدكتور أبو شهبة ص 21، وانظر: المدخل إلى السنة النبوية لفضيلة الدكتور عبد المهدى ص 300، مبحث (شروط المحدثين مطمئنة)
(2)
تدريب الراوى 1/70.
(3)
جزء من الآية 6 من سورة الحجرات.