الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. ومما هو جدير بالتنبيه: أن بعض دعاة اللادينية عندما يظهرون أمام المسلمين بتعظيم الإسلام ونبى الإسلام، وأن الإسلام حق، والرسول حق، يفعلون ذلك تقية ونفاقاً حتى يطمئن إليهم المسلمون، ثم يخلطون الحق بالباطل الدسم بالسم، بالتشكيك فى السنة النبوية وفى عقائد المسلمين، ويبدو هذا واضحاً فى مقالات أحمد صبحى منصور عندما يكتب تحت عنوان "القرآن هو الحل" و "القرآن لا يزال هو الحل" فى جرائدنا القومية وغيرها من الجرائد والمجلات اليسارية (1) أ. هـ.
المطلب الثالث: القاديانيون وموقفهم من السنة النبوية
(1) انظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام للدكتور غالب عواجى فصل السبب فى انتشار تعاليم البهائية 1/499 -473.
.. وكانت الحركة الإصلاحية التقدمية التى ادعاها السيد أحمد خان (1) ، المقدمة والتمهيد لنشأة القاديانية، تلك العقيدة التى تفرع منها فيما بعد ذلك المذهب الذى يعرف بالأحمدية (2) ، وفرقة أهل القرآن بالهند وباكستان (3) .
(1) هو السيد أحمد خان بن أحمد مير المتقى بن عمار الحسينى، ولد فى دهلى 17 أكتوبر عام 1817م، بدأ دراسته بالقرآن الكريم، ثم درس بعض كتب الفارسية والعربية، عمل فى المحاكم الإنجليزية –مساعد قاضى-مات عام 1897م، انظر: فى ترجمته دائرة المعارف البريطانية 1/369، والقرآنيون وشبهاتهم حول السنة للدكتور خادم حسين البهى ص 100.
(2)
أغلب المستشرقين مولعون باستمرار بوصف الإسلام بأنه الدين المحمدى، أو المذهب المحمدى نسبة إلى محمد كما تنتسب المسيحية إلى المسيح، ولكن هناك سبباً آخر لاستخدام هذا الوصف لدى الكثيرين منهم، وهو إعطاء الانطباع بأن الإسلام دين بشرى من صنع محمد وليس من عند الله أما نسبة المسيحية إلى المسيح فلا تعطى لديهم هذا الانطباع لاعتقادهم أن المسيح ابن الله. انظر الإسلام فى تصورات الغرب لفضيلة الدكتور محمود حمدى زقزوق ص 21 هامش، ومنهجية جمع السنة وجمع الأناجيل للدكتورة عزية على طه ص 24.
(3)
انظر دراسات فى الحديث النبوى للدكتور محمد الأعظمى 28 وما بعدها، وقرآنيون وشبهاتهم حول السنة للدكتور خادم حسين ص100 ما بعدها.
.. والسيد أحمد خان قد وضع لبنة عامة للتشكيك فى السنة كلها فقال: "بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ظلت الروايات تتناقل على الألسنة إلى عهد التصنيف فى الكتب المعتمدة، غير أننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن الهيئة التى دونت بها كتب الأحاديث تلك، التى كان مبناها روايات الذاكرة
…
، بينما البعد الزمنى كفيل بمزج الزائد بها وإضافة الجديد إليها" (1) .
…
ويضيف قائلاً: "بأن ما دون فى هذه الكتب من الأحاديث إنما هى ألفاظ للرواة، ولا نعرف ما بين اللفظ الأصلى - الصادر من شفتيه عليه الصلاة والسلام والمعبر به من وفاق أو خلاف، وليس من العجب أن يخطئ أحد الرواة فى فهم الحديث مما يكون سبباً فى ضياع المفهوم الصحيح (2) ".
…
وبناء على موقفه هذا جعل الأحكام المستنبطة من السنة بوجه عام أحكاماً لا يجب على المسلمين اتباعها، "وأن ما استخرج العلماء من نصوصها الحالية إنما هى أحكام اجتهادية لا نصية فيها ولا حتمية، لاحتمال ألا يكون ذلك مقصود عليه الصلاة والسلام"(3) .
(1) مقالات سير سيد جمع وترتيب محمد إسماعيل 1/23 نقلاً عن القرآنيون وشبهاتهم حول السنة للدكتور خادم حسين البهى ص 104 وسيأتى الرد على هذا فى شبهة التأخر فى تدوين السنة.
(2)
مقالات سير سيد 1/49 وسيأتى الرد على هذا فى شبهه رواية الحديث بالمعنى ص368-378
(3)
مقالات سير سيد 1/69.
.. ثم خطا خطوة أخرى إلى الأمام فعاتب المحدثين، محملاً إياهم عدم تمحيص متون السنة مثل السند، فقال:"وإنا لنشكر للمحدثين جهودهم المبذولة فى هذا الشأن غير أن جل مساعيهم، بل كلها لم تتجاوز توثيق الرواة وعدمه، بينما أولئك الرواة كان قد مضى على وفاتهم زمن طويل، ثم أعقب ذلك دور التحقيق عنهم، بحيث يكون هو العمدة فى قبول الحديث ورده، فإن لم يكن هذا العمل مستحيلاً؛ فلا يخلو أن يكون أمراً فى غاية الصعوبة"(1) .
…
ويقول فى المعنى نفسه: "وإنا لا ندرى عن الأحاديث التى وثقت أو وجهت الجهود إليها من حيث المضمون والمحتوى أم لا؟ وأى السبل سلكت فى ذلك"(2) .
…
وأخيراً حاول السيد أن يجهز على السنة بوضعه الشروط التى يتعذر توفرها فى أغلب الأحاديث، يقول: فقال "والمعيار السليم لقبولها هو أن ينظر إلى إن المروى بمنظار القرآن فما وافقه أخذناه، وما لم يوافقه نبذناه
…
، وإن نسب شئ من ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجب فيه توفر شروط ثلاثة:
1-
أن يكون الحديث المروى قول الرسول بالجزم واليقين.
2-
أن توجد شهادة تثبت أن الكلمات التى أتى بها الراوى هى الكلمات النبوية بعينها.
3-
ألا يكون للكلمات التى أتى بها الرواة معانٍ سوى ما ذكره الشراح، فإن تخلف أحد هذه الشروط الثلاثة؛ لم يصح نسبة القول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنه حديث من أحاديثه" (3) .
(1) مقالات سير سيد1/23، وسيأتى الرد على هذا فى الجواب عن دعوى تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن ص667-672.
(2)
مقالات سير سيد 1/23.
(3)
مقالات سير سيد 1/40.
.. وهذه الحركة الإصلاحية، أو المجددين الإسلاميين (1) – الهنود – كان من المحبب إليهم تسمية أنفسهم المعتزلة المحدثين، كما حكى ذلك عنهم المستشرق جولد تسيهرفى كتابه "مذاهب التفسير الإسلامى"(2) ، ويرى جولد تسيهر أن تلك الحركة تستحق تنويهاً خاصاً لموقفها الجاد القوى (3) ، حيث يقفون موقفاً حراً بالكلية تجاه الحديث، على أنه مصدر الأسس التى يعد تخليدها عقبة فى سبيل حرية النمو، ويرى جولد تسيهر أن الحديث فى نظرهم (ونظره أيضاً) ، خرافة وأساطير كقصص ألف ليلة وليلة (4)، ثم يحكى عنهم: أن الاعتماد على الحديث يجعل الإسلام مساوياً فى قيمته للعب الأطفال
…
ولا مكسب فى نظرهم للمرء من المرويات التى تشتمل عليها كتب الحديث بما فى ذلك صحيحى البخارى ومسلم – رضى الله عنهما – إلا الظن، وأن ما اشتملت عليه كتب الرجال، والتاريخ من أخبار هى جديرة بالشك فى وقوعها، فيقول جولد تسيهر نقلاً عن سير سيد أحمد خان بهادر فى كتابه "تبرئة الإسلام عن شين الأمة والغلام" "إذا أردنا أن ننظر إلى الأخبار التى تضمنتها تلك الكتب على أنها أسس للمسائل الدينية، فسيكون الإسلام –والعياذ بالله فى هذا- مساوياً فى
(1) الأستاذ أحمد أمين شبه سيد أحمد خان فى الهند، بالشيخ محمد عبده فى مصر من حيث إن كلاً منهما كان مصلحاً دينياً، وهو فى هذا القول تابع للمستشرقين كما قال الدكتور البهى فى كتابه الفكر الإسلامى وصلته بالاستعمار الغربى ص33، 38، 145، وانظر: مذاهب التفسير الإسلامى لجولد تسيهر ص347 وما بعدها.
(2)
ص 342.
(3)
مذاهب التفسير الإسلامى ص337،وانظر: ثناء جماعة من المستشرقين على السيد أحمد خان وعلى حركته القرآنية. فى كتاب وجهة الإسلام نظره فى الحركات الحديثة فى العالم الإسلامى لجماعة من المستشرقين ترجمة الأستاذ محمد عبد الهادى أبو ريده ص47،119،125-133، 223.
(4)
مذاهب التفسير الإسلامى ص 344، وانظر: وجهة الإسلام ص 126 وما بعدها.
قيمته للعب الأطفال، أو الخرافات ولا ريب أن المحدثين قد دفعهم القصد النبيل إلى جمع الأحاديث ونقدها، ولكن على الرغم من ذلك لا يكسب المرء من المرويات التى تشتمل عليها كتب الحديث-ولا يستثنى من ذلك البخارى ومسلم - إلا الظن. فكيف يكون الحال إذاً فى كتب الرجال والتاريخ وما فيها من أخبار جديرة بالشك فى وقوعها، إذا نحن أردنا أن نستمد القوانين الدينية من مثل هذه المصادر
…
" (1) .
…
ولأن الأمة أجمعت على حجية السنة، واعتبارها المصدر الثانى من مصادر التشريع الإسلامى، ولم يخالف فى ذلك إلا من لاحظ له فى الإسلام، فقد طعن هؤلاء المعتزلة المحدثون فى حجية الإجماع، وادعى أحمد خان بهادر؛ أنه أول من يظهر معترضاً سبيل الإجماع (2) ، وكذب فما هو إلا ذيل لسلفه ومن تبعه فى إنكاره حجية الإجماع (3) .
…
يقول جولد تسيهر: "وكما أنحت هذه الدوائر بمعول الهدم على اعتماد صحة الحديث، فقد سلطت ذلك المعول على ركن أساسى آخر فى بناء مذهب أهل السنة، فهم
لا يعترفون بالإجماع، وهو سند أهل السنة فى شرعية العادات والمؤسسات المتقادمة العهد، بحجية معتبرة فى جميع الأزمان، ويسمون الاعتراف الأعمى به تقليداً يأباه الثقات من أهل السنة أنفسهم".
…
ثم يصرح جولد تسهير بهدف الطعن فى الإجماع، وهو الطعن فى المجمع عليه، ومن حجية السنة واستقلالها بتشريع الأحكام فيقول:[وهم يطعنون بالوضع والاختلاق فى الأحاديث التى يعتمد عليها مذهب أهل السنة فى عدم تسرب الضلالة إلى إجماع الأمة](4) أ. هـ.
(1) المصدر السابق ص344.
(2)
مذاهب التفسير الإسلامى ص 345.
(3)
انظر: أدلة حجية الإجماع فى مبحث أدلة حجية السنة ص480، 481.
(4)
مذاهب التفسير الإسلامى ص 345، وانظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة للدكتور خادم بخش. مبحث (القرآنيون وموقفهم من عصمة النبى صلى الله عليه وسلم ص 315، ومبحث (القرآنيون وموقفهم من ختم النبوة) ص 321.