الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسوف نتناول الجواب عن شبهات ثلاث آيات غيبية أنكروها وهى ظهور المهدى، وخروج الدجال، ونزول المسيح (1) عيسى عليه السلام.
…
فإلى بيان ذلك فى المبحث التالى.
المبحث الثانى: شبهات المنكرين "لظهور المهدى" و "خروج الدجال
"
و"نزول المسيح عليه السلام" والرد عليها
أولاً: "ظهور المهدى
":
…
بلغت الأخبار فى ظهور المهدى حد التواتر المعنوى، وحكى هذا التواتر غير واحد من أئمة الحديث.
قال ابن قيم الجوزية: "وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذكر المهدى وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة، ويصلى عيسى خلفه"(2) .
(1) انظر: العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 218، 240، ودراسات محمدية ترجمة الأستاذ الصديق بشير نقلاً عن مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 8 ص 563، وأضواء على السنة ص 182،191، 241، 232، والبيان بالقرآن 2/805، ودين السلطان 180، 181، 304، والسلطة فى الإسلام ص292، 317، والسنة ودورها فى الفقه الجديد ص 249 - 251، وانظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة للدكتور خادم بخش ص 325، وممن تأثر بذلك من علماء المسلمين الأستاذ محمد رشيد رضا والشيخ شلتوت وغيرهم. انظر: تفسير المنار 19/450، 459-460، ومجلة المنار المجلد 10/245 - 246، والمجلد 19/99، والمجلد 28/755،756،757، والفتاوى للشيخ شلتوت ص 59-82. وانظر السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث ص 150 - 151، وموازين القرآن والسنة عز الدين بليق ص 81، 95، 101.
(2)
المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ص 142.
وقال الإمام الشوكانى: "والأحاديث الواردة فى المهدى التى أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح، والحسن، والضعيف، المنجبر، وهى متواترة بلا شك ولا شبهة (1) أ. هـ.
ومن الأحاديث الصحيحة الواردة فى "المهدى":
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال:"لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً منى – أو من أهل بيتى – يواطئ اسمه اسمى، واسم أبيه اسم أبى، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً"(2) .
(1) التوضيح فى تواتر ما جاء فى المنتظر، والدجال، والمسيح، للشوكانى. نقلاً عن الإذاعة لما كان ويكون بين يدى الساعة ص 113، وانظر: فتح البارى 6/569 رقم 3449، والحاوى للفتاوى للسيوطى 2/165 – 166، والتصريح بما تواتر فى نزول المسيح للكشميرى، والإشاعة لأشراط الساعة للشريف الحسينى ص 87، 112، وإتحاف ذوى الفضائل المشتهرة لعبد العزيز الغمارى ضمن مجموعة الحديث الصديقية ص 224، ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 225 رقم 289، وعقد الدرر فى أخبار المنتظر للإمام يوسف بن يحيى المقدسى ص 15-171.
(2)
أخرجه أبو داود فى سننه كتاب المهدى 4/106، 107 رقم 4282، واللفظ له، والترمذى فى سننه كتاب الفتن، باب ما جاء فى المهدى 4/438 رقم 2230، 2231، وقال: حديث حسن صحيح قال: وفى الباب عن على، وأبى سعيد، وأم سلمة، وأبى هريرة رضي الله عنهم.
.. وعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهدى منى أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين"(1) . وفى هذه الأحاديث الصحيحة بيان أن المهدى اسمه "محمد بن عبد الله"، وينتهى نسبه إلى الحسن (2) لا إلى الحسين –رضى الله عنهما–0
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب المهدى 4/107 رقم 2485 واللفظ له. والترمذى فى سننه كتاب الفتن، باب ما جاء فى المهدى 4/439 رقم 2232، وقال: حديث حسن. وقال ابن قيم الجوزية فى سند أبى داود جيد. انظر: المنار المنيف ص 144.
(2)
فى كون المهدى المنتظر من ولد الحسن رضي الله عنه سر لطيف ذكره ابن قيم الجوزية فى المنار المنيف، فانظره إن شئت ص 151.
وفى هذا رد على الشيعة الجعفرية فى زعمهم أن أمامهم "الإثنى عشر" هو المهدى الذى بشر به النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن إمامهم المزعوم يسمى "محمد بن الحسن العسكرى" من ولد الحسين بن على، لا من ولد الحسن. والذى أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله، وينتهى نسبه إلى الحسن لا إلى الحسين –رضى الله عنهما- (1) .
(1) انظر: المنار المنيف ص 152 وما بعدها. وانظر: مع الشيعة الإثنى عشرية فى الأصول والفروع للدكتور على السالوس 1/160 – 162. ومما هو جدير بالذكر أن الإمام ابن خلدون فى طعنه لأحاديث المهدى فى مقدمته إنما أنكر مهدى الرافضة، وليس المهدى الذى صحت به الأحاديث عند أهل السنة، وفى ذلك يقول ابن خلدون: "وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدى قد استوفينا جمعه بمبلغ طاقتنا، والحق الذى ينبغى أن يتقرر لديك أنه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره، وتدافع عنه من يرفعه حتى يتم أمر الله فيه، وعصبية الفاطميين، بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الأفاق
…
إلا ما بقى بالحجاز فى مكة وينبغ بالمدينة من الطالبيين من بنى حسن، وبنى حسين، وبنى جعفر، وهم منتشرون فى تلك البلاد وغالبون عليها، وهم عصائب بدوية متفرقون فى مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون آلافاً من الكثرة، فإن صح ظهور هذا المهدى، فلا وجه لظهور دعوته إلا بأن يكون منهم، وتتم له شوكة وعصبية، أما أن يدعو فاطمى منهم من غير عصبية، ولا شوكة فلا يتم ذلك" أ. هـ. انظر: المقدمة فصل فى أمر الفاطمى وما يذهب إليه الناس، فى شأنه وكشف الغطاء عن ذلك ص 344-362، وانظر: الغيبيات فى ضوء السنة للدكتور محمد همام ص 145-149.
وفى صحة الروايات السابقة، وما نص عليه غير واحد من علماء المسلمين بتواتر أحاديث المهدى تواتراً معنوياً ردً على الأستاذ محمد رشيد رضا – رحمه الله – فى تضعيفه للحديث، ووصفه بالاضطراب (1) .
واتهامه لكعب الأحبار بوضعه حيث قال: "ولأجل ذلك كثر الاختلاف فى اسم المهدى، ونسبه، وصفاته، وأعماله، وكان لكعب الأحبار جولة واسعة فى تلفيق تلك الأخبار"(2) .
وقال فى موضع آخر: "وإذا تذكرت مع هذا أن أحاديث الفتن والساعة عامة، وأحاديث المهدى خاصة، وأنها كانت مهب رياح الأهواء والبدع وميدان فرسان الأحزاب، والشيع، تبين لك أين تضع هذه الرواية منها"(3) .
ويقول أيضاً: "وقد كانت أى روايات المهدى – أكبر مثارات الفساد والفتن فى الشعوب الإسلامية إذ تصدى كثير من محبى الملك والسلطان، ومن أدعياء الولاية، وأولياء الشيطان لدعوى المهدوية فى الشرق والغرب أو تأييد دعواهم بالقتال والحرب والبدع، والإفساد فى الأرض، حتى خرج ألوف الألوف عن هداية السنة النبوية، ومرق بعضهم من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية (4) أ. هـ.
…
ويجاب على ما سبق بالآتى:
(1) مجلة المنار المجلد 28/756.
(2)
انظر: تفسير المنار 9/461.
(3)
المصدر السابق 9/463 – 464 وانظر: مجلة المنار المجلد 28/756.
(4)
تفسير المنار 9/459-460.
أولاً: اتهام الأستاذ "محمد رشيد رضا" لكعب الأحبار بأنه هو، ووهبُ ابن مُنَبِّه "بطلى الإسرائيليات وينبوعى الخرافات"(1) ، واتهامه للصحابة، وللتابعين، وللأئمة المسلمين بالغفلة عن حقيقة أمرهم؛ إذ يقول فى تفسير قوله تعالى:{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ} (2) : "وأما تلك الروايات الكثيرة فى جوهرها ومقدارها
…
كلها من الإسرائيليات الباطلة التى بثها فى المسلمين أمثال "كعب الأحبار"، "ووهب بن منبه" فاغتربها بعض الصحابة، والتابعين إن صحت الرواية عنهم" (3) . وقال:"ثم ليعلم أن شر رواة هذه الإسرائيليات أو أشدهم تلبيساً وخداعاً للمسلمين هذان الرجلان: كعب الأحبار، ووهب بن منبه"(4)، وقال:"لو فطن الحافظ ابن حجر لدسائسهما، وخطأ من عدلهما من رجال الجرح والتعديل؛ لخفاء تلبيسهم عليهم، لكان تحقيقه لهذا البحث أتم وأكمل"(5) .
(1) تفسير المنار 9/438.
(2)
جزء من الآية 145 من سورة الأعراف.
(3)
تفسير المنار 9/184.
(4)
مجلة المنار المجلد 27/783.
(5)
تفسير المنار 9/442 وانظر: مجلة المنار المجلد 27/610 – 619 مقال السيد رشيد رضا "بطلان الدفاع عن جرح كعب الأحبار، ووهب بن منبه".
.. إن طعن الأستاذ رشيد رضا (1) – غفر الله له – فى كعب الأحبار، ووهب بن مُنَبِّه مردود عليه بما ذكره هو نفسه من أن الجمهور عدلوهما ووثقوهما، واعترافه أيضاً بأن أبا هريرة، وابن عباس (2) وغيرهما من أعلام الصحابة؛ كعبد الله بن عمر، وعبد الله ابن الزبير روى عنه، ولم يكن هؤلاء، ولا كل من روى عنه سذجاً، ولا مخدوعين فيه، وإنما أيقنوا أنه ثقة فيما يروى فرووا عنه.
وإلا فكيف يعقل أن صحابياً يأخذ علمه عن كذاب وضاع، بعدما عرف عن الصحابة من التحرى والتثبت فى تحمل الأخبار؟ (3) .
ثم إن الإمام مسلم قد أخرج له فى صحيحه، وكذا أخرج له أبو داود، والترمذى، والنسائى، فهذا دليل على أن كعباً كان ثقة غير متهم عند هؤلاء جميعاً، وتلك شهادة كافية، لرد كل تهمة تلصق بهذا الحبر الجليل (4) .
(1) تبع الأستاذ محمد رشيد رضا فيما قال بعض رواد المدرسة العقلية الحديثة ذكرهم الدكتور فهد الرومى فى كتابه منهج المدرسة العقلية الحديثة فى التفسير ص 312-324، وبقول الأستاذ محمد رشيد رضا قال محمود أبو ريه، واتخذ كلام رشيد رضا ستاراً للطعن فى السنة ورواتها من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الأئمة الثقات الأعلام. انظر: أضواء على السنة ص 145-181، والأضواء القرآنية 1/52 – 66، وفجر الإسلام ص 160، 161، 162، 201، 202 والصلاة لمحمد نجيب ص32-37، وأصول الحديث للدكتور عبد الهادى الفضلى ص141.
(2)
انظر: تفسير المنار 9/466.
(3)
انظر: الإسرائيليات فى التفسير والحديث لفضيلة الدكتور الذهبى ص 77، 78، 83.
(4)
التفسير والمفسرون 1/189، والإسرائيليات فى التفسير والحديث ص 77-78 كلاهما لفضيلة الدكتور الذهبى – رحمه الله.
والجمهور على توثيق كعب لذا لا تجد له ذكراً فى كتب الضعفاء والمتروكين، وقد اتفقت كلمة نقاد الحديث على توثيقه (1) .
أما "وَهْبُ بنُ مُنَبِّه" فقد روى له البخارى، ومسلم، وأبو داود، والترمذى، والنسائى. قال الذهبى فى الميزان: كان ثقة، صادقاً، كثير النقل من كتب الإسرائيليات. قال العجلى: ثقة تابعى، كان على قضاء صنعاء، وقد ضعفه الفلاس وحده، ووثقه جماعة (2) .
…
وقال أبو زرعة، والنسائى: ثقة، وذكره ابن حبان فى الثقات (3) ، والبخارى نفسه يعتمد عليه ويوثقه (4) .
وبعد: هذا بعض ما قاله علماء الحديث فى توثيق هذين الرجلين، فهل يحق لأحد أن يخالف هؤلاء الأعلام فى نقد الرجال، وأن يشكك فى سلامة أسلوبهم فى ذلك، أو أن يتهمهم بالغفلة، والاغترار، وهم أهل هذا الفن الذى لا يصلح له إلا القليل من الناس (5) ؟
…
ليس معنى هذا أن كل ما رواه هذان العالمان الفاضلان حق لا كذب فيه، بل إن فيه من الكذب ما يخالف شرعنا ولا يقره العقل ولكن لا يعنى هذا أن ننسب الكذب إليهما، فقد يكون الكذب من غيرهما، أو أنهما نقلاه على أنه مما فى كتبهم، وهما يعتقدان صحته، ولم يعلما كذبه لخفاء الثابت والمحرف فى كتب أهل الكتاب.
(1) انظر: تقريب التهذيب 2/43 رقم 5666، والكاشف 2/148 رقم 4662، وتذكرة الحفاظ 1/52 رقم 33، وسير أعلام النبلاء 3/489-494 رقم 333، ومشاهير علماء الأمصار 145 رقم 911. وانظر: مقالات الكوثرى ص 32، 33.
(2)
انظر: ميزان الاعتدال 4/352 – 353، ومشاهير علماء الأمصار ص150 رقم 956، والثقات للعجلى 467 رقم 1786، وتذكرة الحفاظ 1/100 رقم 93، وتقريب التهذيب ص2/293 رقم 7512، وانظر: الإسرائيليات للدكتور الذهبى ص 77.
(3)
تهذيب التهذيب 11/167 رقم 8654، وانظر: معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد للذهبى ص 186 رقم 362.
(4)
التفسير والمفسرون 1/197، والإسرائيليات ص86.
(5)
التفسير والمفسرون 1/192.