الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثانى: التعريف بالخوارج وموقفهم من السنة المطهرة
التعريف بالخوارج لغة واصطلاحاً
1-
فى اللغة: الخوارج فى اللغة جمع خارج، وخارجى اسم مشتق من الخروج وقد أطلق علماء اللغة لكلمة الخوارج فى آخر تعريفاتهم اللغوية فى مادة (خرج) على هذه الطائفة من الناس معللين ذلك بخروجهم عن الدين أو على الإمام على -كرم الله وجهه- أو لخروجهم على الناس (1) .
2-
وفى الاصطلاح: الخوراج هم الذين أنكروا على علىّ التحكيم، وتبرؤوا منه، ومن عثمان وذريته وقاتلوهم، فإن أطلقوا تكفيرهم فهم الغلاة منهم (2) وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين (3) وكل من شاركهم فى آرائهم فى أى زمن يسمى خارجياً (4) .
وترجع بداية نشأة الخوارج كفرقة ذات اتجاه سياسى وفكر خاص حين خرجوا على الإمام على -كرم الله وجهه- بعد أن رضى بالتحكيم فى موقعة صفين، والتحموا معه فى معركة النهروان الشهيرة (5) .
الخوارج وهل كان فيهم أحد من الصحابة أو أصحابهم؟
لم يكن فى الخوارج أحد من أصحاب رسول الله رضي الله عنهم ولا من فقهاء أصحاب الصحابة من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين، ولو كان فيهم أحد من فقهاء الصحابة أو من أصحابهم ما اجترءوا على الفتنة والخروج على خليفة المسلمين واتهامه بالكفر وقتله، وإنما هم قوم من الأعراب الجفاة الغلاظ.
(1) القاموس المحيط 1/183، 184، وتاج العروس 2/30، وانظر: فتح البارى 12/296 أرقام 6930-6932.
(2)
هدى السارى لابن حجر ص 483.
(3)
فتح البارى 12/296 أرقام 6930 - 6932.
(4)
الملل والنحل 1/114، والفصل فى الملل والنحل 4/157، ومقالات الإسلاميين 1/207.
(5)
الفصل فى الملل والنحل 4/157، والملل والنحل 1/21، والبداية والنهاية لابن كثير 7/189، وانظر: فرق معاصرة للدكتور غالب عواجى 1/70، 71.
وكان يقال لهم: القراء لشدة اجتهادهم فى التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم ويتنطعون فى الزهد والخشوع وغير ذلك (1)
وهؤلاء القوم تنبأ بهم المصطفى صلى الله عليه وسلم. وحذر الأمة منهم، وحرض على قتلهم، وذلك عندما تجرأ من هو من جنسهم أو نسلهم ذو الخويصرة على النبى صلى الله عليه وسلم. وهو يقسم قسماً قائلاً بتنطع وغلظة "يا محمد اعدل، يا محمد اتق الله" فيقول له النبى صلى الله عليه وسلم.: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل" ويستأذن عمر بن الخطاب، وفى رواية يستأذن خالد بن الوليد النبى صلى الله عليه وسلم. أن يقتله فيقول النبى صلى الله عليه وسلم.: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال أظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلن قتل ثمود (2) .
وهم كما كان مبدؤهم بسبب الدنيا كما فى الحديث السابق، كذلك كان حالهم مع خليفة المسلمين سيدنا عثمان رضي الله عنه خرجوا عليه وقتلوه طلباً للدنيا، وحقداً، وحسداً له، وحملهم على ذلك قلة دين وضعف يقين، وبذلك خاطبهم الإمام على -كرم الله وجهه-.
فروى الطبرى: أن علياً ذكر إنعام الله علىالأمة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم الذى يليه، ثم الذى يليه. وقال: على مسمع من قتله عثمان: "ثم حدث هذا الحدث الذى جره على الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا، حسدوا من أفاء الله عليه على الفضيلة وأرادوا رد الأشياء على أدبارها ثم ذكر أنه راحل غداً إلى البصرة، ليجتمع بأم المؤمنين وأخويه طلحة والزبير وقال: "ألا ولا يرتحلن غداً أحد أعان على عثمان رضي الله عنه بشئ فى شئ من أمور الناس، وليغن السفهاء عنى أنفسهم" (3) .
ويدل على أنهم لم يكن فيهم أحد من أصحاب رسول الله رضي الله عنهم ولا من فقهاء أصحابه من التابعين رضي الله عنهم أجمعين، ما رواه ابن عبد البر بسنده عن ابن عباس (4) -رضى الله عنهما- قال:
(1) فتح البارى 12/296 أرقام 6930-6932.
(2)
سبق تخريجه ص 62.
(3)
انظر: تاريخ الأمم والملوك لابن جرير 5/194.
(4)
ابن عباس: هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صحابى جليل. له ترجمة فى: الإصابة 1/322 رقم 4799، والاستيعاب 3/933 رقم 1606، واسد الغابة 3/291 رقم 3037، وتاريخ الصحابة ص 148 رقم 717، ومشاهير علماء الأمصار ص 15 رقم 17، وتذكرة الحفاظ 1/40 رقم 18، وتجريد أسماء الصحابة 1/320.
لما اجتمعت الحرورية يخرجون على علىّ قال: جعل يأتيه الرجل فيقول: يا أمير المؤمنين القوم خارجون عليك قال: دعوهم حتى يخرجوا، فلما كان ذات يوم قلت يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة فلا تفتنى حتى أتى القوم. قال: فدخل عليهم وهم قائلون فإذا هم مسهمة وجوههم من السهر وقد أثر السجود فى جباههم كأن أيديهم ثفن الإبل عليهم قمص مرحضة فقالوا ما جاء بك يا ابن عباس وما هذه الحلة عليك قال قلت ما تعيبون منى فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحسن ما يكون من ثياب اليمنية قال ثم قرأت هذه الآية {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (1) .
فقالوا ما جاء بك؟ فقال: جئتكم من عند أصحاب رسول الله رضي الله عنهم وليس فيكم منهم أحد. ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله جئت لأبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم
…
إلخ" (2) .
ويقول الدكتور أبو زهو - رحمه الله تعالى - والذى يظهر أن الخوارج فى مبدئهم كانوا قوماً من الأعراب الجفاة الغلاظ الذين قال الله تعالى فى شأنهم {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (3) .
فليس فيهم أحد من أصحاب رسول الله رضي الله عنهم الذين استضاؤا بنور النبوة، وفهموا القرآن على وجهه الصحيح فلا عجب أن يغتر الخوارج بظواهر القرآن، ولو كلفوا أنفسهم النظر فيه وحده لاهتدوا إلى آيات تأمر بالتحكيم فالله تعالى يقول فى سورة النساء {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (4) فالتحكيم أمر مشروع والحكمان إنما يحكمان حسب ما أمر القرآن العزيز {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (5) .
(1) جزء من الآية 32 من سورة الأعراف.
(2)
جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/103، 104.
(3)
الآية 97 من سورة التوبة.
(4)
جزء من الآية 35 من سورة النساء.
(5)
جزء من الآية 59 من سورة النساء
وإنما لم يرض على بالتحكيم أولاً؛ لأنه كان يرى الحق معه، وأن طلب التحكيم، إنما هو خدعة من معاوية وعمرو بن العاص، يريدان بها توهين جيش على وتخدير أعصابهم، لما رأياه من تفوقهم فى الموقعة فرفعوا المصاحف على أسنة الرماح طالبين تحكيم كتاب الله. ولو أن أصحاب علىّ أطاعوه فى عدم قبول التحكيم لتغير وجه التاريخ ولوقع معاوية وأهل الشام فى براثن الأسد ولكن أراد الله ما قد كان، ولا راد لقضائه (1) .
قال العلامة ابن حزم (2) فى كتابه الفصل فى الملل والنحل: "إنما حكم علىّ رضي الله عنه أبا موسى وعمراً ليكون كل منهما مدلياً بحجة من قدمه، وليكونا متخاصمين عن الطائفتين، ثم حاكمين لمن أوجب القرآن الحكم له.وإذ من المحال الممتنع الذى لا يمكن أن يفهم لغط العسكرين، أو أن يتكلم جميع أهل العسكر بحجتهم، فصح يقيناً لا محيد عنه صواب علىّ رضي الله عنه فى التحكيم والرجوع إلى ما أوجبه القرآن وهذا لا يجوز غيره، ولكن أسلاف الخوارج كانوا أعراباً، قرءوا القرآن قبل أن يتفقهوا فى السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يكن فيهم أحد من الفقهاء لا من أصحاب ابن مسعود ولا من أصحاب عمر، ولا أصحاب على، ولا أصحاب عائشة، ولا أصحاب أبى موسى، ولا أصحاب معاذ بن جبل، ولا أصحاب أبى الدرداء، ولا أصحاب سلمان، ولا أصحاب زيد وابن عباس وابن عمر، ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضاً عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق الفتيا وصغارها، فظهر ضعف القوم وقوة جهلهم"(3) .
وفى كل ما سبق رد على ما زعمه كذباً الدكتور أحمد حجازى السقا (4) أن الخوارج كانوا من الصحابة والتابعين ورفضوا السنة كما رفضها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنهم هم الذين نقلوا القرآن ونقلوا شعائر الدين قبل إقرار مذهب السلف فى ديار المسلمين
…
وأنهم جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كجماعة معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهم، وجماعة على بن أبى طالب رضي الله عنه، وهؤلاء الجماعات الثلاث بعد قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه سب بعضهم بعضاً وقتل بعضهم بعضاً (5) .
(1) الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 84، 85.
(2)
ابن حزم: هو على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى، أبو محمد، عالم الأندلس فى عصره، وأحد أئمة الإسلام، روى ابنه أبو رافع أن مصنفات والده بلغت الأربعمائة، من أشهرها: الإحكام فى أصول الأحكام، والفصل فى الملل والنحل، مات سنة 456هـ. وله ترجمة فى: لسان الميزان لابن حجر 4/724 رقم 5782، والبداية والنهاية لابن كثير 12/91، ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/325 رقم 448، وشذرات الذهب 3/13، وتذكرة الحفاظ 3/1146 رقم 1016، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 435 رقم 981.
(3)
الفصل فى الملل والنحل 4/156.
(4)
هو: أحمد حجازى السقا، كاتب معاصر، حصل على العالمية فى الدعوة من جامعة الأزهر، ورفض الأزهر تعيينه بالجامعة، من مؤلفاته التى شكك فيها فى مكانة السنة النبوية، كتابه دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى، وحقيقة السنة النبوية.
(5)
دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص 63، 77، 94.