الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقفهم من الخبر المتواتر:
درج المعتزلة على مخالفة إجماع الأمة على إفادة المتواتر القطع. فذهب بعضهم إلى إنكار حجية المتواتر وإفادته العلم، وتجويز وقوعه كذباً، وحكى الإمام أبو منصور البغدادى ذلك عن "النظامية"، وهم فرقة من المعتزلة فقال فى الفضيحة السادسة عشرة من فضائح النَّظَّام (1) : قوله بأن الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عند سماع الخبر عن الحصر، ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيها يجوز أن يقع كذباً، هذا مع قوله بأن من أخبار الآحاد ما يوجب العلم الضرورى. وقد كفره أصحابنا مع موافقيه فى الاعتزال فى هذا المذهب الذى صار إليه (2) .
ثم قال فى الفضيحة السابعة عشرة من فضائحه: "تجويزه إجماع الأمة فى كل عصر، وفى جميع الأعصار على الخطأ من جهة الرأى والاستدلال، ويلزمه على هذا الأصل أن لا يقف بشئ مما اجتمعت الأمة عليه، لجواز خطئهم فيه عنده، وإذا كانت أحكام الشريعة منها ما أخذه المسلمون عن خبر متواتر، ومنها ما أخذوه عن أخبار الآحاد، ومنها ما أجمعوا عليه وأخذوه عن اجتهاد وقياس، وكان النظام دافعاً لحجة التواتر، ولحجة الإجماع، وقد أبطل القياس وخبر الواحد إذا لم يوجد العلم الضرورى، فكأنه أراد إبطال أحكام فروع الشريعة لأبطاله طرقها أ. هـ. (3) .
والمعتزلة: هم أول الفرق التى اشترطت فى قبول الأخبار العدد كما فى الشهادة، وما أرادوا بذلك الشرط إلا تعطيل الأخبار والأحكام الواردة فيها.
وفى ذلك يقول الإمام الحازمى (4) : "ولا أعلم أحداً من فرق الإسلام القائلين بقبول خبر الواحد اعتبر العدد سوى متأخرى المعتزلة؛
(1) النَّظَّام: هو إبراهيم بن سار بن هانئ البصرى، أبو إسحاق النظام، شيخ المعتزلة، تبحر فى علوم الفلسفة، وانفرد بآراء تابعته فرقة من المعتزلة سميت النظامية. اتهم بالزندقة، وكفره جماعة، مات سنة بضع وعشرين ومائتين. وله كتب فى الفلسفة والاعتزال. له ترجمة فى: طبقات المعتزلة لابن المرتضى ص49، تاريخ بغداد 6/97 رقم 3131، سير أعلام النبلاء 10 /541 رقم 172، لسان الميزان 1 /96 رقم 176، ومروج الذهب 6/371.
(2)
الفرق بين الفرق ص 137، وانظر: الانتصار للخياط ص 230، وآراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويماً للدكتور على بن سعد بن صالح ص 347.
(3)
الفرق بين الفرق ص 137، 138، وانظر: الانتصار للخياط ص 232، والملل والنحل 1 /50، وتأويل مختلف الحديث ص 28.
(4)
الحازمى: هو أبو بكر، محمد بن موسى بن عثمان بن حازم، كان من الأئمة الحفاظ، العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله، ثقة نبيلاً حجة زاهداً ورعاً عابداً، أدركه أجله شاباً، من مصنفاته، الناسخ والمنسوخ، وعجالة المبتدئ فى الأنساب، وشروط الأئمة الخمسة، مات سنة 584هـ. له ترجمة فى: طبقات الحفاظ للسيوطى ص484 رقم 1071، وتذكرة الحفاظ 4 /1363 رقم 1106، وتهذيب الأسماء واللغات للنووى 2 /192، وشذرات الذهب 4 /282، والبداية والنهاية 12 /332، والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى 6 /109.
فإنهم قاسوا الرواية على الشهادة، واعتبروا فى الرواية ما اعتبروا فى الشهادة، وما مغزى هؤلاء إلا تعطيل الأحكام كما قال أبو حاتم ابن حبان (1) .
وها هم رؤساء المعتزلة يصرحون باشتراط العدد ويتناقضون فى نسبته.
فيحكى الإمام أبو منصور البغدادى عن الهذيلية وهم فرقة من المعتزلة فقال فى الفضيحة السادسة من فضائح أبى الهذيل قوله: إن الحجة من طريق الأخبار فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفيما سواها، لا تثبت بأقل من عشرين نفساً فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر، ولم يوجب بأخبار الكفرة والفسقه حجة وإن بلغوا عدد التواتر الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب إذا لم يكن فيهم واحد من أهل الجنة، وزعم أن خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكماً، ومن فوق الأربعة إلى العشرين قد يصح وقوع العلم بخبرهم، وقد لا يقع العلم بخبرهم، وخبر العشرين إذا كان فيهم واحد من أهل الجنة يجب وقوع العلم منه لا محالة، واستدل على أن العشرين حجة بقول الله تعالى:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (2) . وقال: لم يبح لهم قتالهم إلا وهم عليهم حجة، وهذا يوجب عليه أن يكون خبر الواحد حجة موجبة للعلم؛ لأن الواحد فى ذلك الوقت كان له قتال العشرة من المشركين، فيكون جواز قتاله لهم دليلاً على كونه حجة عليهم.
قال الإمام عبد القادر البغدادى: ما أراد أبو الهذيل باعتبار عشرين فى الحجة من جهة الخبر إذا كان فيهم واحد من أهل الجنة إلا تعطيل الأخبار الواردة فى الأحكام الشرعية عن فوائدها لأنه أراد بقوله: "ينبغى أن يكون فيهم واحد من أهل الجنة، واحداً يكون على بدعته فى الاعتزال والقدر وفى فناء مقدورات الله عز وجل لأن من لم يقل بذلك لا يكون عنده مؤمناً ولا من أهل الجنة، ولم يقل قبل أبى الهذيل أحد ببدعة أبى الهذيل حتى تكون روايته فى جملة العشرين على شرطه (3) .
(1) شروط الأئمة الخمسة ص 47، وأبو حاتم بن حبان: هو محمد بن حبان بن أحمد، أبو حاتم البستى التميمى، كان من أوعية العلم فى الفقه، والحديث، واللغة، والوعظ، وفنون العلم، وولى قضاء سمرقند، من مصنفاته، المسند الصحيح، والتاريخ، والضعفاء، مات سنة 354هـ له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 3 /920 رقم 879، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 375 رقم 847، والبداية والنهاية 11 /295، والرسالة المستطرفة ص 20، وشذرات الذهب 3 /16، والوافى بالوفيات 2 /317.
(2)
جزء من الآية 65 من سورة الأنفال.
(3)
الفرق بين الفرق ص 124، 125، وانظر: الملل والنحل 1 /47.
ونقل الإمام الآمدى فى الإحكام: اتفاق الجمهور من الفقهاء، والمتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة على أن العلم الحاصل عن خبر التواتر ضرورى.وقال الكعبى (1) وأبو الحسين البصرى (2) من المعتزلة، والدقاق (3) من أصحاب الشافعى؛ أنه نظرى (4) . ثم اختلف هؤلاء فى أقل عدد يحصل معه العلم (5) .
ويحكى الإمام ابن حزم مثل ما حكاه الحافظ الحازمى: من أن المعتزلة: هم أول من اشترطوا العدد فى قبول الأخبار، فخالفوا بذلك جميع أهل الإسلام فقال: "إن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة على النبى صلى الله عليه وسلم. يجرى على ذلك كل فرقة فى علمها كأهل السنة، والخوارج، والشيعة، والقدرية حتى حدث متكلموا المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا الإجماع بذلك، ولقد كان عمرو بن عبيد يتدين بما يروى عن أبى الحسين البصرى من المعتزلة ويفتى به، هذا أمر لا يجهله من له أقل علم (6) .
وإذا كان الحازمى حكى فى شروط الأئمة الخمسة عن بعض متأخرى المعتزلة اشتراط العدد فى الرواية كما فى الشهادة، وحكى ذلك أيضاً عن بعض أصحاب الحديث كما حكاه السيوطى (7) .
فقد أجاب شيخ الإسلام ابن حجر رضي الله عنه عن حكاية ذلك الشرط عن بعض أصحاب الحديث بقوله:
(1) الكعبى: هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبى، البلخى، رأس طائفة من المعتزلة تسمى الكعبية، وله تصنيف فى الطعن على المحدثين، يدل على كثرة إطلاعه وتعصبه. مات سنة 319 هـ له ترجمة فى: لسان الميزان 3 /716 رقم 4054، وشذرات الذهب 2 /281 ووفيات الأعيان 2 /248 رقم330، والبداية والنهاية11 /284، وطبقات المعتزلة لابن المرتضى ص 25، 49.
(2)
أبو الحسين: هو محمد بن على بن الطيب البصرى، أبو الحسين، أحد أئمة المعتزلة، قال الخطيب البغدادى: له تصانيف وشهرة بالذكاء والديانة على بدعته، من آثاره: "المعتمد فى أصول الفقه، وتصفح الأدلة، وليس بأهل للرواية، مات سنة 436هـ. له ترجمة فى: طبقات المعتزلة لابن المرتضى ص 118، والكامل فى التاريخ 9 /27، ووفيات الأعيان 4 /271 رقم 609، وميزان الاعتدال 3 /654 رقم 7972، والبداية والنهاية 12 /53.
(3)
الدقاق: هو محمد بن محمد بن جعفر الدقاق الشافعى، الفقيه الأصولى، القاضى كان عالماً فاضلاً، له كتاب فى أصول الفقه، مات سنة 392هـ. له ترجمة فى: تاريخ بغداد3 /229 رقم 1294، والنجوم الزاهرة 4 /206، والوافى بالوفيات 1 /116.
(4)
الإحكام للآمدى 2 /27، وانظر: المسودة فى أصول الفقه آل تيمية ص 234.
(5)
الإحكام للآمدى 2 /39، والمسودة فى أصول الفقه ص 236، والبرهان 1 /217.
(6)
الإحكام لابن حزم 1 /110، وانظر: الاعتصام للشاطبى 1 /187.
(7)
تدريب الراوى 1 /70.
"وقد فهم بعضهم ذلك من خلال كلام الحاكم (1) فى معرفة علوم الحديث، وفى المدخل إلى الأكليل عند كلامه فى شرط البخارى ومسلم، وبذلك جزم ابن الأثير (2) فى مقدمة جامع الأصول وغيره، ولا حجة لهم فيما فهموه، ومنقوض بما فى الصحيحين من الغرائب الصحيحة التى تفرد بها بعض الرواة"(3) .
يقول الحافظ ابن حجر: وقد وهم بعضهم حيث نسب إلى الحاكم أنه ادعى أن شرط الشيخين رواية الاثنين، ولكنه غلط على الحاكم (4) .
موقفهم من خبر الآحاد:
وتناقض المعتزلة فى حجية خبر الآحاد، فحكى الآمدى (5) عن أبى الحسين البصرى جواز التعبد بخبر الواحد عقلاً (6) ، وحكى الإمام الجوينى (7) عن قوم من المعتزلة، والرافضة قالوا:
(1) الحاكم: هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابورى يعرف بابن البيع، كان إمام عصره فى الحديث العارف به حق معرفته، صالحاً ثقة، يميل إلى التشيع، صاحب المستدرك على الصحيحين، وتاريخ نيسابور، ومعرفة علوم الحديث، ومناقب الشافعى وغير ذلك، مات سنة405هـ. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 3 /1039 رقم 962، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص410 رقم 927، وشذرات الذهب 3 /175، وطبقات الشافعية لابن السبكى 4 /155 رقم328، وتاريخ بغداد 5/473 رقم 3024، والبداية والنهاية 11 /355، والرسالة المستطرفة ص21، وميزان الاعتدال 3 /608 رقم 7804، ووفيات الأعيان 4/280 رقم 615
(2)
ابن الأثير: هو أبو الحسن على بن محمد بن عبد الكريم الجزرى، كان إماماً علامة بالسير وأيام الناس، حافظاً، لغوياً، من مصنفاته: اسد الغابة فى معرفة الصحابة، واللباب فى تهذيب الأنساب، مات سنة 630هـ. له ترجمة فى تذكرة الحفاظ 4 /1399 رقم 1124، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص495 رقم 1090، والبداية والنهاية 13 /139، وشذرات الذهب 5 /137، ووفيات الأعيان 3 /348 رقم 460، والعبر 5 /120.
(3)
تدريب الراوى 1 /71، وانظر: ص 124-127.
(4)
فتح البارى 13 /246 أرقام 7250 - 7257، وانظر: سؤالات مسعود بن على السجزى للحاكم ص 209 رقم 267.
(5)
الآمدى: هو على بن أبى على بن محمد بن سالم الثعلبى، المكنى بأبى الحسن، الملقب بسيف الدين، كان فقيهاً أصولياً منطقياً حسن الأخلاق فصيح اللسان بارع البيان. من مصنفاته: الإحكام فى أصول الأحكام، ودقائق الحقائق فى الحكمة، مات سنة 631هـ. له ترجمة فى: وفيات الأعيان 3/293 رقم 432، وطبقات الشافعية لابن السبكى 8 /306 رقم 1207، والبداية والنهاية 13 /140، وشذرات الذهب 5 /144.
(6)
الإحكام للآمدى 2 /68، 75، وانظر: المعتمد فى أصول الفقه 2 /106.
(7)
الجوينى: هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينى، المكنى بأبى المعالى، الملقب بإمام الحرمين، أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعى t من مؤلفاته: البرهان فى أصول الفقه، والإرشاد فى علم الكلام. مات سنة 478هـ. له ترجمة فى: سير أعلام النبلاء 11 /137 رقم 4313، وشذرات الذهب 3 /360، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 2 /466-470 رقم 8.
[لا يجوز العمل به شرعاً](1) . ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادى عن الخياط المعتزلى، أنه مع ضلالته فى القدر، وفى المعدومات؛ منكر الحجة فى أخبار الآحاد، قال الأستاذ أبو منصور، وما أراد بإنكاره إلا إنكار أكثر أحكام الشريعة، فإن أكثر فروض الفقه مبنية على أخبار من أخبار الآحاد (2) .
تناقض المعتزلة فى العدد المطلوب لقبول خبر الآحاد:
ومن قبل خبر الآحاد من المعتزلة تناقض فى العدد المطلوب لقبوله، وذهب إلى عدم الاحتجاج به فى الأعمال إلا بشروط:
فأما تناقضهم فى العدد المطلوب لقبوله. فحكى عن أبى على الجبائى "أنه لا يقبل الخبر إلا إذا رواه أربعة"(3) . وحكى عنه أيضاً قوله: "لا يقبل فى الشرعيات أقل من اثنين"(4)، ونقل عنه أيضاً قوله:"يعتبر عدد يزيد عن شهود الزنا"(5) .
واشترط رجلين عن رجلين "إسماعيل بن إبراهيم بن عليه"(6) وهو من الفقهاء المحدثين، إلا إنه مهجور القول عند الأئمة لميله إلى الاعتزال، وقد كان الإمام الشافعى يرد عليه ويحذر منه.
ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادى: "أن بعضهم اشترط فى قبول الخبر: أن يرويه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهاه، واشترط بعضهم أربعة عن أربعة إلى منتهاه، وبعضهم خمسة عن خمسة إلى منتهاه، وبعضهم سبعة عن سبعة"(7) .
(1) البرهان فى أصول الفقه 1 /228، 231، وانظر: المسودة فى أصول الفقه لآل تيمية ص 238، والمعتمد فى أصول الفقه 2 /106 وما بعدها. وفضل الاعتزال ص 195.
(2)
الفرق بين الفرق ص 168، وانظر: الملل والنحل 1 /66.
(3)
انظر: تدريب الراوى 1 /72.
(4)
البرهان للجوينى 1 /231.
(5)
المسودة فى أصول الفقه لآل تيمية ص 236، 238.
(6)
ابن عُليّة: هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدى مولاهم، أبو بشر البصرى، المعروف بابن عُلّيه، ثقة حافظ في غير بدعته. مات سنة 193هـ له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1 /90 رقم 417، والكاشف 1 /243 رقم 350، والثقات لابن حبان 6/44، ومشاهير علماء الأمصار ص192 رقم 1277، ولسان الميزان 1 /50 رقم 65، والمغنى فى الضعفاء 1 /10 رقم 39.
(7)
تدريب الراوى1 /75، وانظر: آراء المعتزلة الأصولية دراسةوتقويماً للدكتور علىبن سعد بن ص333.
أما من ذهب إلى عدم الاحتجاج به فى الأعمال إلا بشروط؛ فاشترط:
1-
ألا يخالف ظاهر القرآن الكريم، وهو أحد أصولهم كما سبق، فإذا ورد الحديث مخالفاً لظاهر القرآن الكريم؛ كان دليلاً على عدم صحته حتى مع إمكان الجمع بين هذا التعارض الظاهرى، وهذا الشرط أصل من أصول أهل الزيغ والابتداع من الخوارج والجهمية والجبرية والمعتزلة كما حكاه عنهم الأئمة: ابن قيم الجوزية (1) ، والشاطبى (2) ، وابن قتيبة (3) وغيرهم.
2-
كما اشترط بعضهم ألا يخالف خبر الآحاد العقل: قال أبو الحسين: لم يقبل ظاهر الخبر فى مخالفة مقتضى العقل، لأنا قد علمنا بالعقل على الإطلاق أن الله عز وجل لا يكلف إلا ما يطاق وأن ذلك قبيح، فلو قبلنا الخبر فى خلافه، لم يخل، إما أن نعتقد صدق النبى صلى الله عليه وسلم. فى ذلك فيجتمع لنا صدق النقيضين، أو لا نصدقه فنعدل عن مدلول المعجز وذلك محال (4) .
3-
كما ذهب فريق الاعتزال إلى أن خبر الآحاد لا يقبل فيما طريقه الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد إنما ينبنى على اليقين لا الظن، وخبر الآحاد إنما يفيد الظن (5)، وأما اليقين فإنما يؤخذ من حجج العقول؛ كما قال الجاحظ (6) : وما الحكم القاطع إلا للذهن، وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل (7) .
وقال: والاستنباط هو الذى يفضى بصاحبه إلى برد اليقين، وعز الثقة، والقضية الصحيحة، والحكم المحمود (8) .
(1) أعلام الموقعين 2 /275، 276.
(2)
انظر: الاعتصام باب فى مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1 /199.
(3)
تأويل مختلف الحديث ص84 وما بعدها، وانظر: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ص210-212
(4)
المعتمد فى أصول الفقه 2 /549، وانظر: شرح الأصول الخمسة ص 565.
(5)
انظر: المعتمد فى أصول الفقه 2 /102، وشرح الأصول ص 769.
(6)
الجاحظ: هو عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى، مولاهم، أبو عثمان، المشهور بالجاحظ، البصرى، المعتزلى، كان متبحراً فى الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة، ليس بثقة ولا مأمون، وكان من أئمة البدع، من مؤلفاته الحيوان، والبيان والتبيين، ومجموع رسائل وغيرها. مات سنة 255هـ. له ترجمة فى: تاريخ بغداد 12/212 رقم 6669، ووفيات الأعيان 3 /470 رقم 506، وميزان الاعتدال 3 /247 رقم 6333، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزى2 /223 رقم 2545، والبداية والنهاية 11 /19، ولسان الميزان 5 /286 رقم 6300.
(7)
رسالة التربيع والتدوير، ضمن رسائل الجاحظ 3 /58.
(8)
كتاب المعلمين. ضمن رسائل الجاحظ 3 /58.