الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة أخيرة للمنكرين للسنة النبوية
، والقاصرين مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم على بلاغ القرآن الكريم فقط
…
ونقول لمن ينكرون هذا البيان النبوى قاصرين مهمة النبى صلى الله عليه وسلم على بلاغ القرآن الكريم فقط متبجحين فى قولهم: "محمد ممنوع من التفوه بأى تعاليم دينية سوى القرآن"(1)، وقولهم:"أمر محمد بتبليغ القرآن فقط بدون أى تغيير، وألا يختلق أى شئ آخر"(2) وقولهم:"إن مهمة الرسول الوحيدة: هى تبليغ القرآن بدون أى تغيير، أو إضافة، أو اختزال، أو شرح"(3) .
…
نقول لكم والله ما نبغى بالقرآن بدلاً ولكن أخبرونا كيف نفهم القرآن؟ أو بعبارة أعم من هذه: كيف نفهم مراد القائل من كلامه؟
…
ولا يخفى أن علم أصول الفقه جل مباحثه تدور حول هذه المسألة، أعنى طريقة فهم معنى الكلام والاستنباط منه؛ فمثلاً إذا وردت فى القرآن الكريم كلمة لها معان متعددة عند العرب، أو كلمة لها معنى حقيقى ومعنى مجازى، فكيف نعين المراد بتلك الكلمة؟ أو إذا ورد لفظ عام فكيف نعلم أن المقصود منه جميع أفراده أو بعضها، أو إذا ورد حكم مطلق فكيف نعرف هل هو باق على إطلاقه أم قيد منه شئ؟ إلى غير ذلك من المسائل.
…
وهناك أمر آخر، وهو أن المعانى المفهومة من الكلام على أنواع: فمنها ما يفهم من ألفاظه صراحة، ومنها ما يفهم منه بطريق الإشارة والكناية، ومنها ما يفهم من سياق الكلام، فلا يقال لشئ منها أن هذا الكلام لا يشمله.
(1) القرآن والحديث والإسلام لرشاد خليفة ص 2.
(2)
المصدر السابق ص 3.
(3)
المصدر نفسه ص 13،وانظر من نفس المصدر ص17،18،33، وانظر: قرآن أم حديث ص2،16، وانظر: الصلاة محمد نجيب271،272،ولماذا القرآن 43-48،والمسلم العاصى ص13
.. فكذلك الأمر فى القرآن، أعنى إذا كان الشئ غير مذكور فيه صراحة ولكنه يفهم من سياقه أو إشاراته، فلا يقال إنه ليس فى القرآن مطلقاً. وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم مأموراً بتبين القرآن والحكم بين الناس بما أراه الله عز وجل كما سبق فى آيتى النحل، والنساء، ونزلت مثلاً آيات الصيام، ولم يذكر فيها حكم الأكل والشرب بالنسيان فى الصوم، فجاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أكلت ناسياً فى الصوم. فأفتاه النبى صلى الله عليه وسلم بأن صومه صحيح (1) لأن الخطأ والنسيان معفو عنهما، مستنبطاً من قوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (2) .
…
فهل يقال: إن هذا الحديث مخالف للقرآن؛ لأنه ليس فيه أن الصوم لا يفسده الأكل بالنسيان؟ أو يقال: إنه لم يكن للنبى صلى الله عليه وسلم أن يستنبط هذا الحكم من الآية الأخرى التى لا تتعلق بالصوم؟!!
…
وهنا نريد أن نسأل هؤلاء المنكرين لسنة النبى صلى الله عليه وسلم: إذا كان يجوز لكم أن تستنبطوا من القرآن كل ما تريدون، وتفسروه كما تفهمون، مع بعدكم عن العصر والمحيط اللذين نزل فيهما القرآن، ومع كونكم أعجاماً من غير أهل اللسان أفما كان يحق هذا لمن نزل عليه القرآن، وأمر بتبيينه على الوجوب (3) ، وكان أفصح أهل اللسان، بل أحق الناس بالبيان، والاستنباط من القرآن؟!
(1) ففى الصحيح مرفوعاً: "من نسى وهو صائم، أكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصوم باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً 4/183، 184 رقم 1933، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الصيام باب أكل الناسى وشربه وجماعه لا يفطر 4/291، رقم 1155 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه واللفظ لمسلم.
(2)
جزء من الآية 5 من سورة الأحزاب.
(3)
انظر: البحر المحيط للزركشى 3/483.
تفاوت الأفهام:
…
ثم لا يخفى على أحد أن كل الناس ليسوا سوء فى الاستعداد والفهم وصفاء الذهن، ولهذا السبب يقرأ القرآن الكريم كل أحد ولكنهم يختلفون فى فهم معانيه، فالعالم يفهم منه ما لا يفهمه الجاهل، وقد سبق بيان نماذج من المسائل الشاذة التى استنبطها الشواذ بعقولهم من القرآن الكريم، وتناقضوا تناقضاً فاضحاً فيما بينهم. فإذا كان العالم يفهم ما لا يفهمه الجاهل، والعلماء أيضاً متفاوتون فى الفهم والعلم كما قال رب العزة:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (1) فأى فهم أولى بالقبول، وبتوحيد كلمة المسلمين، أفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم فهم المنكرين لسنته؟!!
…
قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) وقال تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (3) .
وقديماً دخل رجل من أهل الكوفة على الإمام أبى حنيفة، والحديث يقرأ عنده، فقال الرجل: دعونا من هذه الأحاديث! فزجره الإمام أشد الزجر، وقال له: لولا السنة ما فهم أحد من القرآن. ثم قال للرجل: ما نقول فى لحم القرد؟ وأين دليله من القرآن؟ فأفحم الرجل، فقال للإمام: فما تقول أنت فيه؟ فقال: ليس هو من بهيمة الأنعام (4) أ. هـ.
(1) جزء من الآية 76 من سورة يوسف، وانظر: تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للندوى ص5-8 بتصرف.
(2)
جزء من الآية 59 من سورة النساء.
(3)
جزء من الآية 43 من سورة النحل.
(4)
انظر: الميزان للشعرانى 1/58، وقواعد التحديث للقاسمى ص 298، ولمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث للأستاذ أبو غدة ص 32، 33.