الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: الجواب عن اتهام الملوك والأمراء الأمويين العباسيين، فى دينهم
، ودعوى استغلالهم لعلماء المسلمين لوضع ما يثبت ملكهم:
حال الملوك والأمراء الأمويين والعباسيين من الدين:
…
يحرص أعداء الإسلام، والسنة المطهرة، أن يصوروا لنا الأمويين، والعباسيين، جماعة دنيويين ليس لهم هم إلا الفتح، والاستعمار، والحقد على آل البيت، وأنهم كانوا فى حياتهم العادية جاهليين لا يمتون إلى تعاليم الإسلام وآدابه بصلة، وهذا افتراء على الواقع والتاريخ فمن المسَّلم به أن ما بين أيدينا من نصوص التاريخ التى تمثل لنا العصر الأموى، والعباسى، لا تعدوا إلا أن تكون أخباراً تناقلتها الألسنة دون تحقيق، وهى من وضع غلاة الشيعة، والروافض الذين أحدثوا الفتنة فى صفوف الأمة الإسلامية، منذ مقتل الفاروق عمر، فعثمان، فعلى، رضي الله عنهم استمراراً بصراعهم مع الأمويين والعباسيين، فهؤلاء الرافضة هم الذين ناصبهم الأمويون، والعباسيون العداء، وحاربوهم، تماماً كما حاربهم الإمام علىّ رضي الله عنهم.
…
وما ناصبوا العداء يوماً قط لآل البيت رضي الله عنهم وإنما هى الفتنة التى كان يشعلها الرافضة بين آل البيت، وبين أمية وبنى العباس، على مر التاريخ.
…
ومن هنا فلا يصح الاعتماد بدون تمحيص على كتب الأخبار والتاريخ فيما يتعلق بالأمويين والعباسيين (1) .
(1) لا سيما وأهل التاريخ ربما وضعوا من أناس، ورفعوا أناساً، إما لتعصب أو لجهل، أو لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به، أو لغير ذلك من الأسباب، انظر: قاعدة فى المؤرخين للإمام السبكى ص 69 وما بعدها، وانظر: السنة ومكانتها فى التشريع للدكتور السباعى ص 197، والعواصم من القواصم ص 256 – 262، وشبهات حول العصر العباسى الأول للدكتور مؤيد فاضل ملا رشيد ص13 وما بعدها.
يقول الدكتور محمد مظهر صديقى: "لأنها كتبت فى الأمصار العراقية، وبخاصة فى الكوفة والبصرة وبغداد - بيئة الفتنة والرافضة، ولم تنج من تعصب المؤلفين ورواة الأخبار الذين لم يبتعد أكثرهم عن العصبية بكافة أنواعها"(1) .
…
يقول الدكتور السباعى: "هذا شئ، وشئ آخر أنه حتى فى هذه الحالة فإنا نجد نصوصاً كثيرة تكذب أعداء السنة فيما رموا به أمراء الأمويين، والعباسيين، من إنحراف عن
الإسلام وتحدٍّ لأحكامه، فابن سعد، يروى لنا فى طبقاته، عن نُسك، عبد الملك، وتقواه، قبل الخلافة، ما جعل الناس يلقبونه بحمامة المسجد، حتى لقد سئل بن عمر رضي الله عنه أرأيت، إذا تفانى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسأل؟ فأجابهم: سلوا هذا الفتى وأشار إلى عبد الملك (2) .
(1) الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامى ص 9 بتصرف، وانظر: شبهات حول العصر العباسى الأول ص 36 وما بعدها.
(2)
وانظر: ثناء ابن عمر، وأبى الزناد، والشعبى، وغيرهم فى البداية والنهاية لابن كثير 9/62-63
وهذا مالك رضي الله عنه قد احتج بقضاء عبد الملك بن مروان فى موطأه وأبرزه فى جملة قواعد الشريعة (1) . أما أبوه مروان بن الحكم فأقضيته وفتاواه كثيرة فى الموطأ (2)،وفى الصحيح عن عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك ابن مروان كتب: إنى أقر بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين، على سنة الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ما استطعت، وإن بنى قد أقروا بمثل ذلك (3) .
…
وقل مثل ذلك فى الوليد بن عبد الملك، فلقد أنشئت فى عصره أكثر المساجد المعروفة اليوم، حتى كان عصره للمسلمين عصراً عمرانياً، وقل مثل ذلك فى بقية الخلفاء بما فيهم يزيد ابن معاوية رضي الله عنه الذى اتهم كذباً وزوراً بأكاذيب من صنع الرافضة.
(1) من ذلك ما أخرجه فى الموطأ فى كتاب الأقضية، باب المستكرهة من النساء 2/564رقم14، وفى كتاب المكاتب، باب القضاء فى المكاتب2/604 رقم 3، وانظر: العواصم من القواصم ص263، ومقدمة ابن خلدون ص 228.
(2)
من ذلك ما أخرجه فى الموطأ فى كتاب المكاتب، باب عتق المكاتب إذا أدى ما عليه قبل محله 2/612 رقم 9، وانظر: لورع مروان، وابنه عبد الملك، فيما رواه الإمام مالك عن عبد الملك ابن مروان أنه وهب لصاحب له جارية ثم سأله عنها فقال قد هممت أن أهبها لابنى فيفعل بها كذا وكذا، فقال عبد الملك: لمروان كان أورع منك، وهب لابنه جارية ثم قال لا تقربها فإنى قد رأيت ساقها منكشفة، انظر: الموطأ كتاب النكاح، باب النهى عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه 2/426 رقم38.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس 13/205 رقم 7203.
ولا ندرى كيف يتهم بالفسق من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، له بالخير والمغفرة، فى قوله صلى الله عليه وسلم "
…
وأول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور له"؟ (1) وكان هذا الجيش هو جيش يزيد بن معاوية – وكان أميراً عليه فى غزوة القسطنطينية (2) .
وكيف يعهد له أبوه (معاوية) رضي الله عنه بالخلافة "وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق. حاشا الله معاوية من ذلك"(3) .
وكيف يصح وصف يزيد بالفسق وهو يحدث نفسه إن ولى الإمارة أن يسير على سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه لما قال له أبوه: كيف تراك فاعلاً إن وليت؟ قال: كنت والله يا أبة عاملاً فيهم عمل عمر بن الخطاب. فقال معاوية: سبحان الله يا بنى، والله لقد جهدت على سيرة عثمان فما أطقتها، فكيف بك وسيرة عمر؟ (4) .
…
ويقول العلامة ابن خلدون مدافعاً عن أمراء الدولة الأموية قائلاً: "
…
وإن كانوا ملوكاً فلم يكن مذهبهم فى الملك مذهب أهل البطالة، والبغى، إنما كانوا متحرين لمقاصد الحق جهدهم، إلا فى ضرورة تحملهم على بعضها، مثل خشية افتراق الكلمة الذى هو أهم لديهم من كل مقصد. يشهد لذلك ما كانوا عليه من الاتباع والاقتداء، وما علم السلف من أحوالهم ومقاصدهم. فقد احتج مالك فى الموطأ بعمل عبد الملك، وأما مروان فكان فى الطبقة الأولى من التابعين، وعدالتهم معروفة ثم تدرج الأمر فى ولد عبد الملك وكانوا من الدين بالمكان الذى كانوا فيه" (5) .
(1) سبق تخريجه ص 423.
(2)
البداية والنهاية 8/229.
(3)
مقدمة ابن خلدون مبحث فى انقلاب الخلافة إلى الملك ص 228، ومبحث فى ولاية العهد ص234، 240.
(4)
البداية والنهاية 8/232، وانظر: العواصم من القواصم ص 221 - 228، والصواعق المحرقة ص208، وتطهير الجنان ص7-43 كلاهما لابن حجر الهيتمى.
(5)
المقدمة، مبحث فى انقلاب الخلاقة إلى الملك ص 228.
ويقول أيضاً مدافعاً عن أمراء الدولة الأموية والعباسية معاً فى معرض دفاعه عن أخذ معاوية البيعة لابنه يزيد: "ثم إنه وقع مثل ذلك من بعد معاوية من الخلفاء الذين كانوا يتحرون الحق ويعملون به مثل عبد الملك، وسليمان، من بنى أمية، والسفاح، والمنصور، والمهدى، والرشيد من بنى العباس، وأمثالهم ممن عرفت عدالتهم، وحسن رأيهم للمسلمين، والنظر لهم، ولا يعاب عليهم إيثار أبنائهم وإخوانهم، وخروجهم عن سنن الخلفاء الأربعة فى ذلك، فشأنهم غير شأن أولئك الخلفاء، فإنهم كانوا على حين لم تحدث طبيعة الملك وكان الوازع دينياً (1) ، وهى حفظ وحدة المسلمين، وإنه لفى رواية الإمام مالك فى موطأه لأمراء بنى أمية مثل عبد الملك بن مروان وأبوه مروان، وجمعه لموطأه فى أيام بنى العباس، والدولة لهم، والحكم بأيديهم، لأكبر دليل على أنه لم يكن هناك صراع بين بنى أمية وبنى العباس، وإنما كان الصراع بينهم وبين أعداء الإسلام على مر التاريخ من الرافضة والزنادقة.
وحتى لو فرض أنه كان هناك صراع، فلم يكن لهذا الصراع أى تأثير على علماء المسلمين فيما يحفظون، ويدونون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فلِمَ لم يغير وينكر أمراء بنى العباس ما فى الموطأ؟
(1) المصدر السابق مبحث فى ولاية العهد ص 233.
وأين ما زعمه أعداء الإسلام من استغلالهم لعلماء المسلمين فى وضع ما يوافق رغباتهم؟ نعم كان هناك من يتقرب إلى الملوك والأمراء بوضع ما يوافق فعلهم، ولكن هؤلاء الأدعياء لم يكونوا يمتون إلى العلم بصلة، وهم غير العلماء الذين نهضوا لجمع الحديث وتدوينه ونقده، وفى نفس الوقت لم يغفل الأمراء عن كذبهم كما حدث من غياث بن إبراهيم النخعى (1) مع الخليفة المهدى العباسى (2) لما رآه يلعب بالحمام فحدثه بحديث أبى هريرة رضي الله عنه:"لا سبق إلا فى خف أو نصل أو حافر" وزاد فيه: "أو جناح" فأمر المهدى بعشرة آلاف درهم، فلما قام قال المهدى: أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما استجلبت ذلك أنا فأمر بذبح الحمام فذبحت.
(1) غياث هو: ابن إبراهيم النخعى، الكوفى، اتفقوا على تركة، فهو كذاب خبيث، كما وصفه يحيى ابن معين. انظر: الضعفاء للنسائى 195 رقم 509، والمجروحين لابن حبان 2/200، وميزان الاعتدال 3/337 رقم 6673، ولسان الميزان 5/421 رقم 6556، والجرح والتعديل 7/57 رقم 327، والكامل فى الضعفاء 6/8 رقم 1554، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزى 2/247 رقم 2689.وانظر: الباعث الحثيث للشيخ أحمد شاكر ص 71، فقد ذكر أنه فعل نحواً من ذلك مع الخليفة الرشيد.
(2)
انظر: مجلة كلية الدعوة بليبيا العدد 8 ص 568 تعليق الأستاذ الصديق بشير على الفصل الثالث من دراسات محمدية لجولدتسهير، والذى اتهم فيه الخليفة المهدى بأن ابن عدى عده فى قائمة الوضاعين" وتحريف جولدتسهير لهذا النص، الذى فهم منه ذلك.
.. يقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله تعالى -:"لم يكن المهدى مغفلاً ولا جاهلاً، بل كان عاقلاً عالماً، من الملوك الذين ينشأون فى العلم الذى هو شرط من شروط الولاية، فعامل المتزلف إليه بجود الملوك، وأراد قطع السبب الذى تزلف به الكذاب، وفطم نفسه عن التعلق بالحمام فذبحها - ولم يأت فى الخبر أنه طرحها - ولم ينتفع بها آكل، ومثل هذا لا يغيب عن مثل الخليفة المهدى العالم (1) . الذى نكل بالزنادقة أيما تنكيل أيام دولته، وعين لهم رجلاً سماه "صاحب الزنادقة" وكل إليه أمر إبادتهم والقضاء عليهم وأمر الجدليين من أهل البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب فى الرد على الملحدين، وإقامة البراهين على المعاندين وإيضاح الحق للشاكيِّن، وأوصى ابنه الهادى بالعمل على إبادة الزنادقة، وشرح له أمرهم، وسوء نيتهم نحو الإسلام والمسلمين، وجاء عنه أنه قال: "والله لئن عشت لأقتلن هذه الفرقة كلها حتى لا أترك منها عيناً تطرف" وقد أنفذ الهادى وصية أبيه بكل أمانة"(2) .
…
وخلاصة القول: أن ما وقع من وضع فى السنة أيام الأمويين والعباسيين، وقع من غلاة الشيعة الرافضة، والزنادقة، وغيرهم ممن لا يمتون إلى العلم بصلة، وأمثال هؤلاء هم الذين كانوا فى صراع دائم مع الدولة الأموية، والعباسية، أما ما يزعمه أعداء الإسلام، والسنة المطهرة، بأن الوضع وقع من العلماء الذين دأبوا على نشر السنة المطهرة، وحفظها وتنقيتها أمثال الزهرى، والأوزاعى، والثورى، وابن حنبل، والبخارى، وغيرهم من رواة السنة، فذلك كذب وافتراء يرده تاريخنا الإسلامى السالم من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
(1) لمحات من تاريخ السنة ص 127 هامش، وانظر: ترجمة أمير المؤمنين أبى جعفر المنصور المهدى فى سير أعلام النبلاء 7/400، 403 رقم 147، والبداية والنهاية 10/124، وتاريخ الخلفاء ص253، وشذرات الذهب 1/230، 245، وتاريخ بغداد 5/391 - 401 رقم 2917، والوافى بالوفيات 3/300 - 302.
(2)
الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 339.