الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن الجوزى - رحمه الله تعالى -: "إن بعض الذى يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأخيار"(1) .
قلت: ومثل هذا يقال فى وهب بن منبه (2) أ. هـ.
…
"أما قول رشيد رضا: إن روايات المهدى كانت أكبر مثارات الفساد والفتن فى الشعوب الإسلامية باستغلال أعداء الإسلام لها.
فيقول رداً على ذلك الدكتور فهد الرومى: "وإنا لنكتفى هنا بسؤال السيد رشيد، ومن نحا نحوه متى كان استغلال أعداء الإسلام لعقيدة من عقائد المسلمين مبرراً لطمسها أو التشكيك فى ثبوتها؟
…
إن أعداء الإسلام لم يستغلوا المهدوية فحسب، بل استغلوا ما هو أكبر وأعظم وأوضح عند المسلمين - أعنى عقيدة النبوة - استغلوا هذا وخرج أدعياء النبوة، ولا زلنا فى هذا العصر نعانى من أولئك كالبهائية، والبابية، والقاديانية، وغيرهم مع أن المسلمين كلهم يؤمنون بختم النبوة، ولم يكن هذا مانعاً لهم من استغلالها، ولن يكون هذا ولا ذاك مانعاً لنا نحن المسلمين من الإيمان بعقيدة النبوية وختمها، والإيمان بمجئ المهدى.
ولو شككنا فى كل عقيدة للمسلين يستغلها أعداء الإسلام لخشينا أن لا يبقى لنا من الإسلام شئ حتى اسمه؟ (3) .
ثانياً: خروج الدجال:
…
بلغت الأخبار عن مجئ الدجال حد التواتر المعنوى، وحكى هذا التواتر غير واحد من أئمة الحديث (4) .
(1) فتح البارى 13/346 رقم 7361.
(2)
انظر: منهج المدرسة العقلية الحديثة فى التفسير ص 325. وللاستزادة فى الرد على السيد رشيد رضا فى تجريحه لكعب الأحبار، ووهب ابن منبه انظر: الإسرائيليات فى التفسير والحديث للدكتور الذهبى 76 - 87، وانظر: مجلة المنار المجلد 27/377 وما بعدها.
(3)
منهج المدرسة العقلية فى التفسير ص 518، 519.
(4)
انظر: النهاية فى الفتن والملاحم 1/168، ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 228 رقم 290، وغير ذلك من المصادر السابقة فى تواتر المهدى ص797.
ومن الأحاديث الصحيحة الواردة فى خروج الدجال حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبى إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور. وإن ربكم ليس بأعور. ومكتوب بين عينيه كفر"(1) أ. هـ.
وقد رد أئمة المسلمين قديماً على طعون المبتدعة من الخوارج، والجهمية، وبعض المعتزلة – فى إنكارهم للدجال – وطعون المبتدعة قديماً رددها – أهل الزيغ والإلحاد فى عصرنا (2) – كما تأثر بذلك بعض علماء المسلمين (3) .
…
فدعوى رد أحاديث الدجال بحجة تعارضها مع القرآن الكريم بعدم وروده فيه، قال رداً على ذلك الحافظ ابن حجر: أجيب بأجوبة:
أحدها: أنه ذكر فى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُءَايَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} (4) فقد أخرج الترمذى وصححه عن أبى هريرة مرفوعاً: "ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً، الدجال، والدابة وطلوع الشمس من مغربها"(5) .
(1) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الفتن، باب ذكر الدجال 13/97 رقم 7131. ومسلم "بشرح النووى" كتاب الفتن وإشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه 9/286 رقم 2933 واللفظ له.
(2)
راجع المصادر السابقة ص796.
(3)
راجع المصادر السابقة ص 796.
(4)
جزء من الآية 158 من سورة الأنعام.
(5)
الترمذى فى سننه كتاب التفسير، باب من سورة الأنعام 5/247 رقم 3072 وقال: حديث حسن صحيح. والحديث فى صحيح مسلم "بشرح النووى" كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان 1/472 رقم 158.
الثانى: قد وقعت الإشارة فى القرآن إلى نزول عيسى بن مريم فى قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (1) وصح أنه الذى يقتل الدجال فاكتفى بذكر أحد الضدين عن الآخر، ولكونه يلقب المسيح كعيسى، لكن الدجال مسيح الضلالة، وعيسى مسيح الهدى.
الثالث: أنه ترك ذكره احتقاراً، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج، وليست الفتنة بهم دون الفتنة بالدجال والذى قبله
…
وقد وقع فى تفسير البغوى: أن الدجال مذكور فى قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} (2) وأن المراد بالناس هنا الدجال من إطلاق الكل على البعض.وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة فيكون من جملة ما تكفل النبى صلى الله عليه وسلم ببيانه (3) .
…
وقال الإمام النووى – رحمه الله – فى بيان مذهب أهل السنة فى ذلك:"قال القاضى هذه الأحاديث التى ذكرها مسلم، وغيره فى قصة الدجال، حجة لمذهب أهل الحق فى صحة وجوده، وأنه شخص بعينه، ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذى يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل، ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا.
(1) جزء من الآية 61 من سورة الزخرف.
(2)
الآية 57 من سورة عافر.
(3)
فتح البارى 13/98 رقم 7122، وانظر: النهاية فى الفتن والملاحم 1/166 – 169.
هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين، والفقهاء، والنظار خلافاً لمن أنكره، وأبطل أمره من الخوارج، والجهمية، وبعض المعتزلة، وخلافاً للبخارى المعتزلى، وموافقيه من الجهمية، وغيرهم فى أنه صحيح الوجود، ولكن الذى يدعى مخاريق وخيالات لا حقائق لها، وزعموا أنه لو كان حقاً لم يوثق بمعجزات الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -0
وهذا غلط من جميعهم؛ لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له، وإنما يدعى الإلهية، وهو فى نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن إزالة العور الذى فى عينيه، وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه (1) أ. هـ.
وبعد
فإن صحة الأحاديث فى مجئ الدجال، وتواترها تواتراً معنوياً ردٌ على من ضعف الحديث وزعم اضطرابه، أو أنه آحاد لا يحتج به فى العقائد (2) فدخل فى ميدان ليس من أهله، كما أن تقرير أئمة المسلمين بأن الدجال شخص بعينه. ردٌ على من تأول فزعم بأنه "رمز للخرافات، والدجل، والقبائح، وظهور الشر والفساد"(3) ،أو غير ذلك من التأويلات الباطلة.
…
كما أن فى إدعاء الدجال للألوهية وصورة حاله من العور، والعجز، والشاهد المكتوب بين عينيه "كفر" يبطل زعم الزاعمين قديماً وحديثاً أن ما يظهر على يديه من الخوارق يعد شبهة فى نبوته (4) . وهو غلط من جميعهم كما قال الإمام النووى رداً على ذلك (5) أ. هـ.
(1) المنهاج شرح مسلم 9/293 رقم 2933-2938، وانظر: فتح البارى 13/110 أرقام7132-7134.
(2)
انظر: تفسير المنار 9/451-458،ومجلة المنار المجلد 28/756،والفتاوى للشيخ شلتوت ص77
(3)
انظر: تفسير المنار 9/317، والفتاوى ص 78.
(4)
انظر: تفسير المنار 9/450 - 451.
(5)
انظر: الغيبيات فى ضوء السنة للدكتور محمد همام ص 149 وما بعدها.