الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول:كلمة فى الاصطلاح
معرفة الفوارق بين المعانى اللغوية والمعانى الاصطلاحية
معرفة الفوارق بين المعانى فى اللغة وبينها فى الاصطلاح مبحث فى غاية الأهمية، لا سيما وقد ظهر الخلط بين هذه المعانى عند أعداء الإسلام والسنة المطهرة فى هجومهم على السنة، فهم لا يكادون يهتمون بمعرفة تلك الفروق، إما عن جهل يجرهم إلى اسوأ الأحكام وأتعس النتائج بإنكار حجية السنة المطهرة، وإما عن علم متعمد لا يهتمون ولا يبينون الفوارق بين المعانى فى اللغة وبينها فى الاصطلاح بقصد تضليل القارئ وتشكيكه فى حجية السنة المطهرة ومصدريتها التشريعية (1) .
يقول أبو هلال العسكرى (2) فى كتابه (الفروق فى اللغة) :
"الفرق بين الاسم العرفى والاسم الشرعى: أن الاسم الشرعى ما نقل عن أصله فى اللغة فسمى به فعل أو حكم حدث فى الشرع نحو الصلاة والزكاة والصوم والكفر والإيمان والإسلام وما يقرب من ذلك، وكانت هذه أسماء تجرى قبل الشرع على أشياء، ثم جرت فى الشرع على أشياء أخر، وكثر استعمالها حتى صارت حقيقة فيها، وصار استعمالها على الأصل مجازاً، ألا ترى أن استعمال (الصلاة) اليوم فى الدعاء مجاز، وكان هو الأصل. والاسم العرفى ما نقل عن بابه بعرف الاستعمال نحو قولنا (دابة) وذلك أنه قد صار فى العرف اسماً لبعض ما يدب وكان فى الأصل اسماً لجميعه.
وعند الفقهاء أنه إذا ورد عن الله تعالى خطاب قد وقع فى اللغة لشئ واستعمل فى العرف لغيره، ووضع فى الشرع لآخر، فالواجب حمله على ما وضع فى الشرع؛ لأن ما وضع له فى اللغة قد انتقل عنه، وهو الأصل فيما استعمل فيه بالعرف أولى بذلك وإن كان الخطاب فى العرف لشئ وفى اللغة بخلافه وجب حمله على العرف، لأنه أولى، كما أن اللفظ الشرعى يحمله على ما عدل عنه، وإذا حصل الكلام مستعملاً فى الشريعة أولى على ما ذكر قبل،
(1) ضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير نصر ص 25 بتصرف، وانظر السنة فى مواجهة أعدائها للدكتور طه حبيشى ص 23 وما بعدها.
(2)
أبو هلال العسكرى: هو الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكرى، لغوى، مفسر، شاعر، أديب. من مصنفاته لحن الخاصة، والتخليص فى اللغة، والفروق، والمحاسن فى تفسير القرآن، توفى بعد سنة 395هـ. له ترجمة فى: طبقات المفسرين للسيوطى، ص 33 رقم 29، وطبقات المفسرين للداودى 1 /138 رقم 131، ومعجم الأدباء للسيوطى 3 /135، ومعجم المؤلفين لعمر كحالة 3 /240.
وجميع أسماء الشرع تحتاج إلى بيان نحو قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاة} (1) إذ قد عرف بدليل أنه أريد بها غير ما وضعت له فى اللغة، وذلك على ضربين أحدهما يراد به ما لم يوضع له البتة نحو الصلاة والزكاة، والثانى يراد به ما وضع له فى اللغة لكنه قد جعل اسماً فى الشرع لما يقع منه على وجه مخصوص، أو يبلغ حداً مخصوصاً فصار كأنه مستعمل فى غير ما وضع له وذلك نحو الصيام والوضوء وما شاكله" (2) .
فاللكلمة إذن معنيان، معنى لغوى، ومعنى شرعى، أى دلالة لغوية ودلالة اصطلاحية، وقد يكون المعنى الاصطلاحى بعيداً عن المعنى اللغوى، بل قد تكون الكلمة لها أكثر من معنى فى اللغة وأكثر من معنى فى الاصطلاح ككلمة "السنة" مثلاً. فهى فضلاً عن معانيها اللغوية المتعددة، والتى سيأتى ذكرها، لها أكثر من معنى اصطلاحى عند المحدثين، والفقهاء، والأصوليين كما سيأتى.
فالذى لا يعرف هذه الفوارق الاصطلاحية لا شك واقع فى الخطأ، وسوف يضل ضلالاً مبيناً، وهذه الفوارق استغلها أعداء الإسلام والسنة المطهرة استغلالاً بشعاً ينبئ عن حقدهم الدفين على الإسلام وأهله، فنراهم فى هجومهم على السنة المطهرة يركزون على بعض معانيها اللغوية أو الاصطلاحية مهملين عن جهل تارةً، وعن علم تارة أخرى باقى معانيها الاصطلاحية بغية الوصول إلى هدفهم وغايتهم من التشكيك فى حجيتها وعدم العمل بها ومن ذلك تركيزهم على معنى السنة فى اصطلاح الفقهاء وهى ما ليس بواجب مما يمدح فاعلها ولا يذم تاركها (3) . وهذا التعميم فى تعريف السنة محض الضلال (4) ، إذ فيه صرف لهذه الكلمة عن معناها الاصطلاحى عند رجال الأصول وعلى أنها مصدر تشريعى مستقل ملازم للقرآن الكريم فى الاحتجاج،
(1) جزء من الآية 43 من سورة البقرة.
(2)
الفروق فى اللغة ص 56.
(3)
البحر المحيط للزركشى 1 /284، وإرشاد الفحول للشوكانى 1 /155، وأصول الفقه للشيخ محمد الخضرى ص 54، وأصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص 111.
(4)
انظر تعميم محمود أبو ريه لذلك فى أضواء على السنة ص 38.
وأن الأحكام التكليفية الخمسة تدور فيها، كما تدور فى القرآن الكريم بالتمام (1) .
ومن المعانى اللغوية التى يركز عليها أعداء الإسلام فى تعريفهم بالسنة معناها الوارد بمعنى الطريقة والسيرة، حسنة كانت أو سيئة، ويعبرون عن ذلك المعنى بالعادة والعرف كما قال المستشرق "جولد تسيهر" (2) :"السنة هى جماع العادات والتقاليد الوراثية فى المجتمع العربى الجاهلى؛ فنقلت إلى الإسلام، فأصابها تعديل جوهرى عند انتقالها، ثم أنشأ المسلمون من المأثور من المذاهب والأقوال والأفعال والعادات لأقدم جيل من أجيال المسلمين سنة جديدة"(3) . وتابعه على ذلك سائر من جاء بعده من المستشرقين (4) .
وردد هذا الكلام الدكتور على حسن عبد القادر (5) فى كتابه "نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى" فقال: "وكان معنى السنة موجوداً فى الأوساط العربية قديماً، ويراد به الطريق الصحيح فى الحياة للفرد وللجماعة، ولم يخترع المسلمون هذا المعنى، بل كان معروفاً فى الجاهلية، وكان يسمى عندهم سنة هذه التقاليد العربية وما وافق عادة الأسلاف. وقد بقى هذا المعنى فى الإسلام فى المدارس القديمة فى الحجاز، وفى العراق أيضاً، بهذا المعنى العام يعنى العمل القائم، والأمر المجتمع عليه فى الأوساط الإسلامية والمثل الأعلى للسلوك الصحيح من غير أن يختص ذلك بسنة النبى صلى الله عليه وسلم.
(1) ضوابط الرواية عند المحدثين ص 25، 26 بتصرف.
(2)
جولد تسيهر: مستشرق مجرى يهودى، رحل إلى سورية وفلسطين ومصر، ولازم بعض علماء الأزهر. له تصانيف باللغات الألمانية والإنكليزية والفرنسية. ترجم بعضها إلى العربية، قال الدكتور السباعى:"عرف بعدائه للإسلام وبخطورة كتاباته عنه، ومن محررى دائرة المعارف الإسلامية" كتب عن القرآن والحديث، ومن كتبه:"تاريخ مذاهب النتفسير الإسلامى" و"العقيدة والشريعة فى الإسلام" و "فضائح الباطنية" وغير ذلك مات سنة 1921م له ترجمة فى: الأعلام للزركلى 1 /284، والاستشراق للدكتور/ للسباعى ص 31-32، وأراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره للدكتور عمر إبراهيم 1 /161 - 162.
(3)
العقيدة والشريعة فى الإسلام ص 49، 251.
(4)
دائرة المعارف الإسلامية 7 /330، وانظر دراسات فى الحديث للدكتور الأعظمى 1 /5-11، ومنهجية جمع السنة وجمع الأناجيل للدكتورة عزية على طه ص 62، 122، 123.
(5)
على حسن عبد القادر: أستاذ تاريخ التشريع الإسلامى، حاصل على العالمية فى الفلسفة من ألمانيا، ومجاز من كلية أصول الدين فى قسم التاريخ، وعميد كلية الشريعة بالأزهر الشريف سابقاً، من مؤلفاته: نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى.
وأخيراً حدد هذا المعنى، وجعلت السنة مقصورة على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. ويرجع هذا التحديد إلى أواخر القرن الثانى الهجرى، بسبب طريقة الإمام الشافعى التى خالف بها الاصطلاح القديم (1) .
وأقول: نعم، لفظ السنة ومعناها كان معروفاً فى لغة العرب قبل الإسلام ولم يخترع المسلمون هذه الكلمة ولا معناها، ولكن ليس الأمر كما زعم المستشرقون والدكتور على حسن عبد القادر من أن معنى السنة فى صدر الإسلام العادة والعرف (2) الجاهلى، أو أنها الطريق الصحيح فقط، وإنما تشمل الطريق الصحيح وغير الصحيح على رأى جمهور علماء اللغة، ويؤيدهم فى الإطلاق القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والأشعار الجاهلية على ما سيأتى.
كما أن استعمال القرآن الكريم والسنة المطهرة لكلمة السنة بالمعنى اللغوى لا يعنى ذلك أن هذا المعنى اللغوى (الطريقة) أو (السيرة) أو (العادة) هو المراد شرعاً بالسنة، فهذه الكلمة انتقلت من معناها اللغوى إلى المعنى الاصطلاحى (سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الشاملة لأقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلْقِية والخُلُقِية
…
) وهى بهذا المعنى مصدر تشريعى ملازم للقرآن الكريم لا ينفك أحدهما عن الآخر.
وهذا المعنى الاصطلاحى لكلمة السنة كان محدداً ومعلوماً فى صدر الإسلام والنبى صلى الله عليه وسلم. بين ظهرانى أصحابه (3) رضي الله عنهم، وليس الأمر كما زعم الدكتور حسن تابعاً للمستشرقين أن هذا المعنى الاصطلاحى للسنة تحدد فى آواخر القرن الثانى الهجرى....
ومن المعانى اللغوية التى يركز عليها أعداء الإسلام فى تعريفهم بالسنة معناها الوارد بمعنى الطريقة، ثم يعرفون السنة النبوية؛ بأنها الطريقة العملية أو السنة العملية، أما أقواله وتقريراته وصفاته صلى الله عليه وسلم. فليست من السنة، وإطلاق لفظ حديث أو سنة على ذلك إنما هو فى نظرهم اصطلاح مستحدث من المحدثين ولا تعرفه اللغة ولا يستعمل فى أدبها،
(1) نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى ص 122، 123.
(2)
يصح تعريف السنة بالعادة والعرف، ولكن المراد بالعادة فى هذه الحالة عادة الرسول صلى الله عليه وسلم. أى ما عمله أو أقره أو رآه فلم ينكره، وهى فى هذه الحالة من الدين. كما تطلق أيضاً على السيرة العملية لحياة الصحابة رضي الله عنهم ولا تعنى العادة والعرف السائد فى الجاهلية كما يوهمه كلام جولد تسيهر ومن قال بقوله انظر: حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص49-51، والمدخل إلى السنة النبوية لأستاذنا الفاضل الدكتور عبد المهدى عبد القادر ص25،26.
(3)
ستأتى الأحاديث التى تشهد بذلك انظر: ص 43، 44، 45.
هكذا زعم محمود أبو ريه (1) فى كتابه (أضواء على السنة المحمدية)(2) تبعاً للدكتور توفيق صدقى (3) .
وفى ذلك أيضاً يقول الدكتور المهندس محمد شحرور (4) فى كتابه (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، "إن ما اصطلح على تسميته بالسنة النبوية إنما هو حياة النبى صلى الله عليه وسلم. كنبى وكائن إنسانى عاش حياته فى الواقع، بل فى الصميم منه، وليس فى عالم الوهم".
وفى موضع آخر يقول: "من هنا يأتى التعريف الخاطئ برأينا للسنة النبوية بأنها كل ما صدر عن النبى صلى الله عليه وسلم. من قول ومن فعل أو أمر أو نهى أو إقرار. علماً بأن هذا التعريف للسنة ليس تعريف النبى صلى الله عليه وسلم. نفسه، وبالتالى فهو قابل للنقاش والأخذ والرد وهذا التعريف كان سبباً فى تحنيط الإسلام، علماً بأن النبى صلى الله عليه وسلم. وصحابته لم يعرفوا السنة بهذا الشكل، وتصرفات عمر بن الخطاب تؤكد ذلك"(5) .
ويقول نيازى عز الدين (6) :
(1) محمود أبو ريه: كاتب مصرى كان منتسباً إلى الأزهر فى صدر شبابه، فلما انتقل إلى مرحلة الثانوية الأزهرية أعياه أن ينجح فيها، أكثر من مرة، فعمل مصححاً للأخطاء المطبعية بجريدة فى بلده، ثم موظفاً فى دائرة البلدية حتى أحيل إلى التقاعد. من مصنفاته التى طعن فيها فى السنة والصحابة، أضواء على السنة، وقصة الحديث المحمدى، شيخ المضيرة (أبو هريرة) انظر: السنة ومكانتها فى التشريع للدكتور السباعى ص 466.
(2)
أضواء على السنة ص 39.
(3)
الدكتور توفيق صدقى: هو الدكتور محمد توفيق صدقى طبيب بمصلحة السجون بالقاهرة، كتب مقالات فى مجلة المنار بعنوان "الإسلام هو القرآن وحده" مات سنة 1920م، ترجم له الشيخ محمد رشيد رضا فى مجلة المنار المجلد 21/483 وما بعدها، وانظر: مجلة المنار المجلد 11 /774.
(4)
محمد شحرور: كاتب سورى معاصر، حاصل على الدكتوراه فى الهندسة من الجامعة القومية الإيرلندية فى دبلن. من مؤلفاته: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، والإسلام والإيمان منظومة القيم، والدولة والمجتمع.
(5)
الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص 546-548.
(6)
نيازى عز الدين: كاتب سورى معاصر، هاجر إلى أمريكا. من مؤلفاته: إنذار من السماء، ودين السلطان، الذى زعم فيه أن السنة المطهرة وضعها أئمة المسلمين من الفقهاء والمحدثين لتثبيت ملك السلطان ومعاوية رضي الله عنه وصار على دربه علماء المسلمين إلى يومنا هذا.
"رجال الدين فى القرن الثالث الهجرى عرفوا السنة وأضافوا إليها أموراً هى من اجتهادهم، فقد قالوا فى تعريفها: "هى كل ما أُثِرَ عن النبى صلى الله عليه وسلم. من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلْقِية أو خُلُقِية أو سيرة سواء كان ذلك قبل البعثة "كتحنثه فى غار حراء" أم بعدها. وهذا التعريف الموسع الذى أتى فى عصر متأخر عن عصر الرسولصلى الله عليه وسلم. وصحابته قد جر البلاء على الإسلام. وفى موضع آخر يقول: "وإن أغلب الذين أدخلوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وأفعاله وتصرفاته الخاصة فى الدين فعلوها وهم يعلمون أنهم يفعلون الممنوع، ويقعون فى المعصية، لكن الهوى والشيطان كانا أقوى من الإيمان فى تلك الفترة، ففعل الشيطان ما يريد"(1) .
ومن المعانى اللغوية التى يركزون عليها فى تشكيكهم فى السنة المطهرة معناها الوارد فى القرآن الكريم بمعنى أمر الله عز وجل ونهيه وسائر أحكامه وطريقته، ويقولون: لا سنة سوى سنة الله عز وجل الواردة فى كتابه العزيز، وأنه مستحيل أن يكون لرسول الله سنة، ويكون لله عز وجل سنة، فيشرك الرسول نفسه مع الله عز وجل.
…
وفى ذلك يقول محمد نجيب (2) فى كتابه (الصلاة) : القرآن وما فيه من آيات هو سنة الله التى سنها وفرضها نظاماً للوجود، واتبعها الله نفسه؛ فهى سنة الله
…
وليس من المعقول أن يكون للرسول سنة ويكون لله سنة، فيشرك الرسول نفسه مع الله ويكون لكلاهما سنة خاصة وهو أمر مستحيل أن يحصل من مؤمن ومن رسول على الأخص، فما كان لبشرٍ آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يترك حكم الله وسنته، ويطلب من الناس أن تتبع ما يسنه هو من أحكام، وليس ذلك إن حَصُلَ إلا استكباراً فى الأرض، وتعالٍ على الله.
يقول الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (3){فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} (4) . وهذا يؤكد وجوب الرجوع لكتاب الله وحده جماع سنة الله (5) أ. هـ.
(1) إنذار من السماء ص 40، 111.
(2)
محمد نجيب كاتب معاصر. من مؤلفاته (الصلاة) أنكر فيه السنة المطهرة، وزعم أن تفاصيل الصلاة واردة فى القرآن الكريم.والكتاب صادر عن ندوة أنصار القرآن، نشر دائرة المعارف العلمية الإسلامية.
(3)
الآية 79 من سورة آل عمران.
(4)
الآيتان 42، 43 من سورة فاطر.
(5)
الصلاة ص 276، 277.
وفى ذلك أيضاً يقول أحمد صبحى منصور (1) فى كتابه (حد الردة) معرفاً بالسنة الحقيقية قائلاً: "سنة الله تعالى هى سنة رسوله عليه السلام
…
، الله تعالى ينزل الشرع وحياً، والرسول يبلغه وينفذه، ويكون النبى أول الناس طاعة واتباعاً لأوامر الله تعالى. والله تعالى أمر النبى بأن يقول {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} (2) . والإيمان بالرسول معناه الإيمان بكل ما نزل عليه من القرآن والإيمان بأنه اتبع ذلك الوحى وطبقه، وكان أول الناس إيماناً به وتنفيذاً له (3) .
ويقول قاسم أحمد (4) فى كتابه (إعادة تقييم الحديث) : "إنه بالنظر إلى استخدام كلمتى السنة والحديث فى القرآن والذى يعطينا معلومات شيقة، نجد أن كلمة "سنة" تشير فى القرآن إلى النظام أو الناموس الآلهى وإلى مثال الأمم السابقة التى لقيت مصيرها. فلم يشر القرآن إلى أن السنة هى سلوك النبى، وهذان الاستخدامان تشير إليهما الآيتان التاليتان:
…
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (5){قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} (6) .
فكلمة "حديث" استخدمت فى القرآن بمعنى "الأخبار" و"القصص" و"الرسالة" و"الشئ" وقد ذكرت ستاً وثلاثين مرة فى مواضع لغوية مختلفة، ولا يشير أى منها إلى ما يعرف بالحديث النبوى. فعلى العكس وردت فى عشرة مواضع من الآيات البينات تشير إلى القرآن وتستبعد بشدة أى حديث إلى جانب القرآن منها هذه الآيات {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (7)
(1) أحمد صبحى منصور تخرج فى الأزهر وحصل على العالمية فى التاريخ من الجامعة وتبرأ من السنة فتبرأت منه الجامعة، سافر إلى أمريكا وعمل مع المتنبئ رشاد خليفة، يحاضر بالجامعة الأمريكية بمصر، ومدير رواق بن خلدون بالمقطم. من مصنفاته: الأنبياء فى القرآن، والمسلم العاصى، وعذاب القبر والثعبان الأقرع، ولماذا القرآن، باسم مستعار وهو عبد الله الخليفة. انظر قصته هو ورشاد خليفة فى كتابى مسيلمة فى مسجد توسان، والدفاع عن السنة الجزء الأول من سلسة "الإسلام واستمرار المؤامرة كلاهما لفضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى.
(2)
جزء من الآية 9 من سورة الأحقاف.
(3)
حد الردة ص 40.
(4)
قاسم أحمد كاتب ماليزى معاصر، ورئيس الحزب الاشتراكى الماليزى -سابقاً-. من مؤلفاته: إعادة تقييم الحديث، أنكر فيه حجية السنة المطهرة.
(5)
الآية 23 من سورة الفتح.
(6)
الآية 38 من سورة الأنفال.
(7)
جزء من الآية 23 من سورة الزمر.
هذا والذى زعمه أعداء السنة المطهرة فى تعريفهم بالسنة النبوية من أنها الطريقة العملية أو السنة العملية، أو هى سنة الله عز وجل.
وأن تعريف السنة النبوية بأنها "كل ما صدر عن النبى صلى الله عليه وسلم. من قول أو فعل أو تقرير أو صفة
…
" اصطلاح مستحدث من المحدثين ولم يعرفه النبى صلى الله عليه وسلم. ولا أصحابه رضي الله عنهم بل كان هذا التعريف سبباً فى تحنيط الإسلام.
هذا الزعم الكاذب إنما يدل على ما سبق وأن ذكرته من أن هؤلاء الأعداء يخلطون بين المعانى فى اللغة وبينها فى الاصطلاح، ولا يهتمون بمعرفتها ولا ببيانها إما عن جهل، وإما عن علم بقصد خداع القارئ وتضليله وتشكيكه فى حجية السنة وفى علمائها الذين قيدهم رب العزة لحفظها من التغيير والتبديل تماماً بتمام، كما قيض لكتابه العزيز من يحفظه من العلماء الأفذاذ.
لذا كان لزاماً علينا بيان الفوارق بين معانى (السنة والحديث) فى اللغة وبينها فى الاصطلاح، حيث سيتضح جلياً صدق ما ذكرته من خلطهم وعدم اهتمامهم بتلك الفوارق عن جهل تارة، وعن علم تارة أخرى، كما سيتضح أن السنة النبوية بتعريفها المعلوم عند المحدثين والأصوليين والفقهاء، كان مقصوداً من النبى صلى الله عليه وسلم. ومعلوماً للصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وأن هذا التعريف للسنة المطهرة كان سبباً فى عزة الإسلام وأهله، وليس سبباً فى تحنيطه كما يزعم أعداءُ الإسلام.
كما سيتضح أيضاً أن مصطلح السنة ومصطلح الحديث كانا مترادفين زمن النبوة المباركة وزمن الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم رضي الله عنهم وعلى ذلك علماء الشرع الحنيف، خلافاً لأعداء الإسلام الزاعمين: أن مصطلح السنة غير مصطلح الحديث، وأنهما يجب أن يكونا متميزين عن بعضهما فإلى بيان ذلك.
(1) الآية 6 من سورة لقمان، وانظر: إعادة تقييم الحديث ص 77، 78، واستشهاده بهذه الآية على أن لفظ الحديث هو القرآن استشهاد باطل فـ (لهو الحديث) هنا الأقاصيص والأساطير، انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/441.