الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل مجرد التقذر، والاستخباث، والله أعلم.
وهذا القول هو الراجح، قال المرداوي في «الإنصاف» (1/ 323): وهو الصحيح، والأقوى دليلًا. اهـ
وقال الصنعاني رحمه الله في «سبل السلام» (1/ 76): فَتَحْرِيمُ الْحُمُرِ وَالْخَمْرِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَجَاسَتُهُمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا بَقِيَتَا عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الطَّهَارَةِ، فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَهُ؛ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ. اهـ
وقد رجَّح هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والإمام ابن عثيمين رحمة الله عليهم، كما في «توضيح الأحكام» ، و «شرح بلوغ المرام» للعثيمين.
مسألة [2]: حكم أكل الحمر الأهلية
.
قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (13/ 97): فَقَالَ الْجَمَاهِير مِنْ الصَّحَابَة، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدهمْ بِتَحْرِيمِ لُحُومهَا؛ لِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة -ومنها حديث أنس الذي في الباب- وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَيْسَتْ بِحَرَامٍ. وَعَنْ مَالِك ثَلَاث رِوَايَات، أَشْهَرهَا: أَنَّهَا مَكْرُوهَة كَرَاهِيَة تَنْزِيه شَدِيدَة، وَالثَّانِيَة: حَرَام، وَالثَّالِثَة: مُبَاحَة. وَالصَّوَاب التَّحْرِيم، كَمَا قَالَهُ الْجَمَاهِير؛ لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَة. وَأَمَّا الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي «سُنَن أَبِي دَاوُدَ»
(1)
عَنْ غَالِب بْن أَبْجَرَ قَالَ: أَصَابَتْنَا
(1)
انظر: «سنن أبي داود» برقم (3809).
سَنَة، فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْء أُطْعِم أَهْلِي إِلَّا شَيْء مِنْ حُمُر، وَقَدْ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة، فَأَتَيْت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْت: يَا رَسُول الله، أَصَابَتْنَا السَّنَة، فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِم أَهْلِي إِلَّا سِمَان حُمُر، وَإِنَّك حَرَّمْت لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة. فَقَالَ: أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِين حُمُرك، فَإِنَّمَا حَرَّمْتهَا مِنْ أَجْل جَوَّال الْقَرْيَة -يَعْنِي بِالْجَوَّالِ الَّتِي تَأْكُل الْجُلَّة، وَهِيَ الْعُذْرَة-، فَهَذَا الْحَدِيث مُضْطَرِب، مُخْتَلَف الْإِسْنَاد، شَدِيد الِاخْتِلَاف، وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْأَكْل مِنْهَا فِي حَال الِاضْطِرَار، وَاللهُ أَعْلَم. انتهى.
قلتُ: كلام النووي كلامٌ مفيدٌ، مختصرٌ، وقول ابن عباس بالإباحة قد صحَّ عنه كما في «البخاري» (5529)، واستدل بالآية:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145].
وابن عباس رضي الله عنهما قد بلغه النهي الذي في يوم خيبر، ولكنه قال كما في «الصحيحين»
(1)
: لا أدري أنهى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن الحمر الأهلية من أجل أنه كان حمولة الناس، فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمها البتة يوم خيبر؟
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (5529): والاستدلال بهذا -يعني بالآية المتقدمة- إنما يتم فيما لم يأت فيه نصٌّ عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بتحريمه، وقد تواردت الأخبار بتحريمه، والتنصيص على ذلك مقدم على عموم التحليل، وعلى القياس.
وقال -مجيبًا عن احتمال ابن عباس، واحتمال غيره-: قلت: وقد أزال هذه
(1)
أخرجه البخاري (4227)، ومسلم برقم (32) من [كتاب الصيد والذبائح].